ما ينتظره الأندلسيون من المغرب
و كان المغرب يقاوم كذلك الإحتلالين الإسباني لشواطئه المتوسطية و البرتغالي لشواطئه الأطلسية. و كانت تتنازعه الدولتان الوطاسية و السعدية, فانتهى الصراع بينهما بتوحيد المغرب تحت الدولة السعدية في 24 شوال عام 961 ه **22-9-م1554}. و كان أبو عبد الله الغالب, سلطان المغرب من سنة 964 ه إلى سنة 981 ه **1557-1574م}, متهما بالتواطئ مع الإسبان و تسليمهم مدينة بادس {بالمغرب} , و بالإنسحاب بدون سبب ظاهر من محاصرة البرتغاليين بالبريجة {الجديدة}. و على أي حال فقد كان المغرب مشغولا بتحرير أرضه و الدفاع عن وجوده مما أدى إلى انتصاره على البرتغال في معركة وادي الخازن سنة 986ه{1578م}.
سوء العلاقة بين المغرب و الدولة العثمانيية
و مما يؤسف له أن العلاقات المغربية العثمانية لم تكن طيبة, و كانت دائما تتسم بالمصلحة العليا للطرفين أمام الغزو الصليبي و مخاطره.
الإتصال بالجيران بالعدوة المغربية و الجزائرية
ثم اتصل منظمو الثورة بالسلطات العثمانيةفي الجزائر و السعدية في المغرب بسرية كاملة, و بالشخصيات الشعبية في البلدين لطلب العون و المساعدة. و قد وصلتنا بعض هذه الرسائل, نأتي بقتطفات من اثنين منها: الرسالة الأولى, و هي على شكل قصيدة, قال فيها كاتبها محمد بن محمد بن داود, أحد زعماء الثورة, بعد أن افتتحها بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله الكريم : "استمعوا إلى قصة الأندلس المحزنة, و هي تلك الأمة العظيمة التي غدت اليوم ضعيفة متهيضة, يحيط بها الكفرة من كل صوب, و أضحى أبناؤها كالأغنام الذين لا راعي لهم. و في كل يوم نسام سوء العذاب و لا حيلة لنا إلا المصانعة حتى ينقذنا الموت مما هو أشر و أدهى, و قد حكموا فينا اليهود الذين لا عهد لهم ولا ذمة, في كل يوم يبحثون عن ضلالات و أكاذيب و خدع و انتقامات جديدة. و نرغم على مزاولة الشعائر النصرانية و عبادة الصور, و هو مسخ للواحد القهار, و لا يجرؤ أحذ على التذمر أو الكلام. و إذا ما وقع قرع الناقوس ألقى القس عظته بصوت أجش, و فيها يشيد بالنبيذ و لحم الخنزير, ثم تنحني الجماعة أمام الأوثان دون حياء و لا خجل... و من عبد الله بلغته قضي عليه بالهلاك, و من ضبط ألقي في السجن و عذب ليل نهار حتى يرضخ لباطلهم" ثم يصف جرائم محاكم التفتيش ضدهم من اعتقال و تعذيب و قتل بالحرق, ثم يقول : "و قد علقوا يوم العيد {ذكرى سقوط غرناطة} في ميدان باب البنود قانونا جديدا و أخذوا يدهمون الناس في نومهم و يفتحون كل باب, يزمعون تجريدنا من ثيابنا و قديم عاداتنا, و يمزقون الثياب و يحطمون الحمامات. ونحن إذ نيأس من عدل البشر نستغيث ب.... معتمدين على ثواب الأخرة, و قد حثنا شيوخنا على الصلاة و الصوم و الاعتصام بالله فهو الذي يرحمنا في نهاية الأمر."
و الرسالة الثانية موجهة من أحد زعماء الثورة في البيازين إلى أحد رؤساء المغرب، يناشد كاتبه إخوانه المغاربة و يستغيث بهم و يصف ما قرره النصارى من '' إرغامهم على ترك اللغة و الشريعة، و كشف الوجوه الحيية المحتشمة, و فتح الأبواب, و ما أنزل بهم من المحن السجن و الأسر و نهب الأملاك" و يطلب أيصال استغاثته للسلطان العثماني. ثم يقول : " لقد غمرتنا الهموم و أعداؤنا يحيطون بنا إحاطة النار المهلكة. إن مصائبنا لأعظم من أن تحتمل, و لقد كتبنا لكم في ليال تفيض بالعذاب و الدمع, و في قلوبنا قبس من الأمل. إذا كانت ثمة بقية من الأمل في أعماق الروح المعذبة".
ردود العثمانيين و المغاربة على الرسائل الأندلسية المطالبة بدعم للثورة
جاءت الأجوبة من الجزائر و المغرب تعد بالمساندة. فقد وعد سلطان المغرب بالنجدة عندما تعلن الثورة ووعد بيلرباي الجزائر بإرسال قوات مساندة تنزل على شواطئ الأندلس إثر إعلان الثورة, و ارسل مع المبعوثين المال و السلاح, و لحق بهم من الجزائر و المغرب بعض المتطوعة للجهاد. فشجعت ردود الفعل هذه منظمي الثورة وقوت عزيمتهم على القتال.
التواصل الداخلي بين أطراف الأندلس تحضيرا للثورة
و في نفس الوقت قام منظمو الثورة بالإتصال بمدن و قرى مملكتي غرناطة و بلنسية بتكتم شديد. و كان المورسكيون قد أسسوا جمعية خيرية صرح لها بجمع المال لبناء مستشفى خارج غرناطة للفقراء المرضى. و لم يكتمل بناء المستشفى, فاقترح منظمو الثورة على رئيس الجمعية أن يبعثوا تحت ستار جمعيته وفودا لجمع المال تعمل في الحقيقة على تنظيم الثورة في المناطق المختلفة, و حصلوا على ترخيص بذلك من الرئيس ديسا. فذهب ثلاثة من زعماء المسلمين لهذه المهمة في وفد عمل على تقصي مستوى مساندة الأندلسيين للثورة بتكتم شديد. و قدروا عند رجوعهم عدد من يمكن أن ينظم إلى الثورة ب45.000 رجل ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و 45 سنة. و تبين ان جميع مناطق مملكة غرناطة القديمة تساند الثورة, لكن مسلمي مملكتي مرسية و بلنسية رفضوا المشاركة فيها لعدم ثقتهم بنجاحها و لدوام أملهم في تحرير العثمانيين لهم.
تجاهل الإسبان لإشاعات بقرب ثورة المسلمين
و رغم تستر منظمي الثورة الشديد, فقد أخذت الإشاعات تنطلق بقرب ثورة المسلمين. لكن لا الرئيس ديسا, رئيس الإدارة المدنية , و لا الماركيز دي مندوجر, القائد العام للجيش, صدقا هذه الإشاعات. و لإبعاد الشك, أرسل منظمو الثورة ممثلا عنهم إلى الرئيس ديسا يشتكي من هذه الإشاعات و ادّعى أنها كاذبة, و اقترح باسم المورسكيين تقديم 300 رهينة عنوانا على حسن نيتهم.
تحديد موعد الثورة
ثم اجتمع زعماء الثورة للمرة الثانية في البيازين و درسوا ردود الوفود إلى الأندلس و إلى المغرب و الجزائر. فقرر المجتمعون إعلان الثورة يوم الخميس المقدس **14-4-1568}, ووزعوا بينهم مسؤوليات إخبار المناطق الأندلسية المختلفة و المغرب و الجزائر.
تأجيل موعد الثورة بعد علم الإسبان به
و لم تسر الخطة حسب ما فقرر لها, إذ قام أحدهم بتبليغ الرئيس ديسا في4-5-1568, فاضطر المنظمون نأجيل موعد إشعال الثورة. و اعتقل ديسا عددا من وجهاء المسلمين, و ألغى تصاريح اقتناء الأسلحة, كما ذهب القاءد العام إلى حي البيازين يأمر الناس بالهدوء و السكينة و الحفاظ على الأمن. فطمأن بعد ذلك زعماء المسلمين الرئيس ديسا و الماركيز دي مندوجر, ثم حددوا موعدا اخر لإعلان الثورة الذي أجل مرة أخرى.
اجتماع قيادة الجيش الإسلامي و تعيين ابن أمية سلطانا للأندلس
و في 27-9-1568 عقد هرناندو بن جهور الصغير, أحد قواد الثورة الذي كان وزيرا في بلدة قديار بالبشرات, جمعا في حي البيازين لقادة الثورة في بيت رجل شماع اسمه عدلت, حظره 26 ممثلا عن المناطق الأندلسية المختلفة. فشرح لهم ضرورة بيعة سلطان الأندلس قبل إعلان الثورة ليجتمع الناس حوله, و رشح لهم ابن أخيه فراندو دي بالور و قرطبة. و كان هرناندو و فراندو ينحدران من الأمويين, خلفاء قرطبة. كان فراندو في الثانية و العشرين من عمره , ذا شجاعة و رجاحة عقل, ولد في بلدة بالور بجبال البشرات و أصله من قرطبة. وكان بعمل ممثلا في بلدية غرناطة. و كان منزوجا من مسلمة اسمها برياندة بريز, ز كانت هي و نساؤ المسلمين من أول وهلة يشاركن في تهيء الثورة بكل كتمان و تشجيع. فبايعه الحاضرون, و حول اسمه إلى محمد بن أمية. ثم نهض و صلى بالحاضرين و أقسم لأمامهم على القيام بالجهاد حتى النصر أو الإستشهاد. و عين السلطان محمد بن أمية عمه هرناندو ابن جهور الصغيرقائدا عاما للثورة.
تحديد موعد جديد للثورة و ووضع خطة الإنطلاق
و اتفق الحاضرون على إعلان الثورة يوم 1-1-1569م, على النحو التالي:
ينتظم الثوار في حي البيازين إلى ثلاث فرق عند ظهور إشارة محددة واضحة فوق مرتفع جبل قصرالحمراء, الأولى تحمل العلم الأحمر, و الثانية العلم الأصفر, و الثالثة العلم الأزرق. ومن جهة أخرى, يجتمع ألفان من الثولر لتسلق أسوار قصر الحمراء و احتلاله. يحتمل حاملو العلم الأحمر باب فج اللوزة, ثم يتوجهون من باب سري لإلى المستشفى الملكي و يدخلون من باب البيرة لاحتلال محكمة التفتيش لسجن أعضائهاو تحريرسجنائها. و يحتمل حاملو العلم الأصفرساحة باب البنود ثم يتوجهون إلى السجن لتحريرالسجناء. و يأأخذ حاملو العلم الأزرق طريقهم عبر مدخل وادي اش و نهر هدرة, و يتوجهون إلى مركز الرئيس ديسا لقتله. و تلتقي الفرق الثلاثة في ساحة باب الرملة. و حينئذ يتجه 8000 متطوع من أهل مرج غرناطة ووادي الإقليم للدخول إلى المدينة و احتلالها مرتدين ملابس الجند العثماني و المغربي للتمويه على النصارى و جعلهم يعتقدون قدوم الجنود العثمانيين و المغاربة. و يحتل قصر الحمراء ألفان من المنفيين برئاسة القائدين البرطال و الناقص عن طريق وادي شنيل بعد تسلق أسوار الحمراء من ناحية جنة العريف. و هكذا وقع تخطيط الثورة و تحديد مسؤولية كل من حضر.
محاولات الأندلسيين تجاوز الخلافات
من البداية, عمل زعماء الثورة على التغلب على الإنقسامات الأندلسية بين العائلات و بين سكان المناطق المختلفة, التي كان معظمها ممثلا في زعامة الثورة : فرج بن فرج و محمد بن داود و ابن عبو من مدينة غرناطة, و محمد بن أمية و ابن جهور و ميغاللروخاس و هرناندو الحبقي و الرامي و المليح و غيرهم من البشرات. كما حدد الثوار موعد الثورة في الثتاء ووقت انتشار الثلوج لمعرفتهم بالأرض الغرناطية أكثر من النصارى و الجيوش القشتالية.