جَدِّد إيمانك ... في زمن الفتن
إن الإيمان أعظم حقائق الوجود ومن أكبر نعم الحياة، وهذا الوجود لا قيمة له بدون الإيمان، وهذه الحياة لا طعم لها بدون الإيمان، فالإنسان يفقد إنسانيته بدون الإيمان لأنه عطل حواسه عن حاجتها الأولى ، وهل خلقت هذه الأعضاء إلا للإذعان والإيمان؟؟ وهل خلقت إلا للعمل للذي خلقها وأبدعها؟؟
والحديث عن تجديد الإيمان ليس بدعاً حين تتطلع إليه النفس ويشتاق إليه القلب وتتعطش إلى تذوقه الأعضاء والجوارح، فلا طمأنينه ولا سكينه لحياتنا إلا بيقظة الإيمان وديمومته واستقراره في عمق الفؤاد، وهذه الحاجه النفسية الدائمة للمؤمن قد أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم حين نبَّه إلى أن الإيمان يمكن أن يتراجع ويتقادم وتصيبه أعراض الشيخوخة حتى يصبح لا حرارة له ولا حياة،قال عليه الصلاة والسلام " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم " (1)، الإشارة العجيبة هذه من النبي عليه الصلاة والسلام تجذب إليها كلَّ مقصِّر في طاعة وكلَّ متكاسل عن عبادة وكلَّ رجل وامرأة أحس ببرود الإيمان وفتوره، فبعد أن كان كالغيث أينما حلَّ أفاد مَن حوله، وبعد أن كان نجماً للحيارى والتائهين، وشمساً تنير الأفكار والعقول، وبعد أن كان يحيا مستمتعاً بحلاوة الإيمان، يبكي من خشية الله ويخشع حين يقف بين يدي الله ... إذا به يفقد كلَّ أو جلَّ تلك المزايا الإيمانية والحياة الروحانية بصورة تثير الدهشة والعجب!! في قسوةٍ متناهية عن ضياع تلك الثروة الإيمانية والطاقة الروحية التي كان ينعم بها وتزدان حياته بجمالها وجلالها فلم يشعر بفقدها بسبب قسوة قلب، ولم يعد يفرح بطاعة ولا يحزن لمعصية، وقد قال سعيد بن المسيب رحمه الله حين سمع أن الخليفة عبدالملك بن مروان يقول " لم أعد أفرح بطاعة ولا أحزن لمعصية قال سعيد "الآن تكامل موت قلبه " (2)
كيف ذاق طعم الإيمان ثم فقده؟
كيف استشعر حلاوة الإيمان ثم ذهبت عنه ولم يندم؟
كيف كانت مشاعره وأفكاره وأحاسيسه مقرونة بالإيمان ثم ضعفت وتلاشت منه؟
إننا مطالبون بصحوة الضمير ويقظة القلب وانتفاضة العقل قبل أن تأتي الساعة التي نندم فيها على أعظم أمرين وهما:
- أن نخسر ما منحنا الله إياه من ساعات الحياة ودقائقها وثوانيها في الاستمتاع بطاعة الله وعبادته واستشعار حلاوة الإيمان به، وما أعظمها من خسارة!
- أن نندم في لحظة الفراق على أننا فرطنا في جنب الله ولم نقدّم لحياتنا ما يشفع لنا في رحمة الله ورضوانه.
لعل في هذا المقال المختصر ما يشعل فتيل الحماسة لتجديد الإيمان في نفوسنا، ولنتدارك أعمارنا قبل أن نغرق في بحر الدنيا التي أكلت أًخْضَرَنَا ويابِسَنًا، وقبل أن تلتهم المدنية الحديثة بطغيانها المادي والشهواني على ما تبقى من قيم شبابنا ومبادئه ..
ويبقى الإيمان الحي في ضمائر المؤمنين هو الوقود الذي سيمدنا بالقوة التي نواجه بها أحداث الحياة ...
(1) رواه الحاكم والطبراني وصححه الألباني (2) البداية والنهاية لإبن كثير
لا تنسونا من صالح دعائكم