السبب الثالث : ما ذهب إليه ابن قتيبة وابن حجر
قد أرجع هؤلاء سبب إهمال الحديث إلى قلة الكتاب وندرة أدوات الكتابة عند العرب لا غير
وقد أجاب الأعلام - كالشيخ عبد الخالق عبد الغني في حجية السنة ،
وصبحي الصالح في علوم الحديث ،
والدكتور مصطفى الأعظمي في كتابه دراسات في الحديث النبوي ،
والعجاج الخطيب في السنة قبل التدوين ، وغيرهم - عن هذه الشبهة ،
وملخص أجوبتهم هو : أن جملة " لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن " بنفسها دالة على وجود المؤهل للكتابة عند العرب ، بل وجود الكتبة عندهم...)
منع تدوين الحديث - السيد علي الشهرستاني ص29
ومن هؤلاء الاعلام الدكتور مصطفى الاعظمي الذي قال وورد عن ابي بكر الصديق رضوان الله عليه كتابة عنه للاحاديث النبوية وارسالها الى عماله) دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه ص94
واثبت بالادلة التي لا تقبل الشك , عدم مصداقية الروايات في حق الصديق والفاروق في احراق ومنع التدوين .
لم نجد لسيد علي عرضا للكلام المذكور اعلاه او نقدا له , فاذا كان ينقل كلامهم على سبيل المحاجة فلا اعتقد انه في دور الرد والزام الخصم بل دراسة المفترض تكون شاملة كاملة الا انه مال الى روايات واراء دون اخرى حتى يخرج بنتيجة كما يريدها هو .
حتى قال : (وبهذا فقد عرفنا عدم إمكان قبول تعليل ابن قتيبة وابن حجر . ونحن نترك الكلام عن الأسباب الأخرى من أجل ضيق الوقت ، ونكتفي بالإشارة إلى ما قاله غالب كتاب الشيعة وما توصلنا إليه )
فكيف توصل الى ما اشرنا في بداية الموضوع ؟
(وحيث لم يعرف أحاديث رسول الله-اي عمر بن الخطاب- ، فقد واجه المشكلة مع الصحابة ، إذ كانوا يخطئونه المرة تلو الأخرى بأحاديث الرسول وآيات الذكر الحكيم .وإن تكرار هذه ا لحالة كانت تؤدي إلى التشكيك في قدراته العلمية ، ومنه التشكيك في صلاحيته للخلافة ، وفي المقابل تقوية الجناح المقابل له برجوع الناس إليهم . فكان عليه أن يحدد التشريع بنفسه).
منع تدوين الحديث ص 39 – السبب الثامن : ما توصلنا اليه
من قال ان جميع الروايات التي استند عليها بمجموعها صحيحة السند؟
ولماذا لم يشكك الصحابة في علميته ويطعنوا في خلافته؟! بل عززت مكانته عند المسلمين قديما وحديثا وهذا يدل على العكس.
فاذا علموا انه غير جدير في قيادته للامة الاسلامية وسكتوا عنه لاسبب ما, فمكانته تزعزت في صدروهم منذ البداية... فما ينفعه الخروج بتشريع خاص ليغطي على قصوره العلمي بالاحكام الشرعية ؟! فهذا سيفتح عليه باب اخر ونرى في النهاية انه مرر عليهم هذا النهج وجعلهم يتبعوه !
هذه كلها اتهامات لاتمت للواقع بصلة !
علما انه كان يستشير الصحابة ويستعين بهم وفي النهاية يبقى هو صاحب القرار كخليفة للمسلمين
قال تعالى : ( يا ايها الذي امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم )
والاجتهادات في الاحكام الشريعة بين الصحابة كانت امرا وارادا في طبيعة الحال حسب الفهم للنص الشرعي والظرف المكان والزمان فان اصل الشريعة جاءت لدفع الحرج عن الناس وتحقيق النفع ودفع الضرر عنهم .
وقد وافق الوحي الهي لاجتهادات عمر بن الخطاب في عدة مواضع ومنها استشارته للرسول عليه الصلاة والسلام ان يتخذ من مقام ابراهيم مصلى واحتجاب نساء النبي صلى الله عليه واله واعتراضه لصلاة على المنافقين وكذلك في اسارى معركة بدر وغيرها....
و روي عن سيدنا علي رضوان الله عليه انه قال : ( ان في القران لرايا من راي عمر ).
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يسمح لعمر ولغيره من الصحابة في مراجعته في بعض الامور ومشاورته فيها .
والمشهور من سيرة عمر الفاروق فقه الواسع بالشريعة فان لم يعلم بعض الامور او اخطا فيها لا يعني انتفاء علميته او قصورها فهذه الاستنتاجات لسيد علي الشهرستاني مبنية على بعض روايات وتحتاج الى القطع بصحتها سندا ومتنا وان صحت كلها فهي لا تبين ولا تؤكد محدودية علم عمر رضوان الله عليه ففي المقابل روايات اكثر تثبت العكس ولم يذكرها !
فاصحاب النظر السطحي والرؤية المذهبية الضيقة يعتقدون ان عمر بن الخطاب قد خالف الكتاب والسنة لانه خالف الظاهر من بعض النصوص فهو لم يات بشرع جديد بل اجتهاداته نابعة من المقاصد التشريعة للكتاب والسنة وفهم منها التوسع لاجل مصلحة المجتمع الاسلامي .
(فقام أولا بسد باب التحديث عن رسول الله ، وجمع الصحابة عنده وأمرهم بأن يأتوه بمدوناتهم فأحرقها بالنار).
المصدر السابق ص 40
اما الشطر الاول من قوله سد باب الحديث فغير صحيح والروايات التي تؤيد هذا القول لا تصح ومنها :
) حَدَّثَنِي حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زُرْعَةَ الرُّعَيْنِيُّ ، قال : حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قال : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، يَقُولُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : " لَتَتْرُكَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَوْ لَأُلْحِقَتَّكَ بِأَرِضِ دَوْسٍ ، وَقَالَ لِكَعْبٍ : لَتَتْرُكَنَّ الْأَحَادِيثَ ، أَوْ لَأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ الْقِرَدَةِ " . " وَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ ، يَذْكُرُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَحْوًا مِنْهُ ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ" في اسناده محمد بن زرعة وهو مجهول لا تقوم به الحجة
رواية يحي بن جعدة منقطعة .
عن ابي جعفر الاسكافي قال : ( وابو هريرة مدخول عند شيوخنا-اي المعتزلة- غير مرض الرواية ضربه عمر بالدرة وقال قد اكثرت من الحديث واحرى بك ان تكون كاذبا على رسول الله )
رواية ضعيفة لانها من طريق ابي جعفر الاسكافي وهو غير ثقة
(حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه قال: قال عمر لابن مسعود ولأبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهم: ما هذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: وأحسبه أنه لم يدعهم أن يخرجوا من المدينة حتى مات ).
اسناد الرواية منقطع , هذا مرسل ومشكوك فيه,ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف لم يسمع من عمر
قال ابن حزم : ( ان الخبر في نفسه ظاهر الكذب والتوليد لانه لا يخلو عن اي يكون اتهم الصحابة وفي هذا مافيه او يكون نهى عن نفس الحديث وعن تبليغ السنة والزمهم كتمانها وجحدها وهذا خروج عن الاسلام وقد اعاذ الله امير المؤمنين من كل ذلك وهذا قول لا يقوله مسلم اصلا ولئن كان حبسهم وهم غير متهمين وقد ظلمهم فليختر المحتج لمذهبه الفاسد بمثل هذه الروايات الملعونة اي الطريقين الخبيثين شاء)
الشطر الثاني في الاحراق الروايات فغير صحيحة ايضا :
أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْجُنَيْدِ الرَّازِيُّ الْحَافِظُ , رَحِمَهُ اللَّهُ , قَالَ : أَنْبَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ حَذْلَمٍ الْقَاضِي , فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ , وَأَنَا أَسْمَعُ ، قَثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو ، قَثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ , قَالَ : أَنْبَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ : حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , " أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ السُّنَنَ , وَاسْتَشَارَ فِيهَا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَامَّتُهُمْ بِذَلِكَ ، فَلَبِثَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهْرًا يَسْتَخِيرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ , شَاكًّا فِيهِ , ثُمَّ أَصْبَحَ يَوْمًا , وَقَدْ عَزَمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ , فَقَالَ : إِنِّي قَدْ كُنْتُ ذَكَرْتُ لَكُمْ مِنْ كِتَابِ السُّنَنِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ ، ثُمَّ تَذَكَّرْتُ , فَإِذَا أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَكُمْ قَدْ كَتَبُوا مَعَ كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُتُبًا , فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا , وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُلْبِسُ كِتَابَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا ، فَتَرَكَ كِتَابَ السُّنَنِ " , هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بِشْرٍ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ , وَاسْمُ أَبِي حَمْزَةَ دِينَارٌ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ الْقُرَشِيُّ الْحِمْصِيُّ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ , عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ , عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْعَدَوِيِّ الْمَدِينِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَهُوَ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يَلْحَقْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ أَيْضًا , فَلَمْ يُخْرِجُوهُ فِي الصَّحِيحِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فوائد الحنائي
حدثنا القاسم بن محمد ان عمر بن الخطاب بلغه ان قد ظهر في ايدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها وقال : ايها الناس انه قد بلغني انه قد ظهرت في ايديكم كتب فاحبها إلى الله اعدلها واقومها فلا يبقين أحد عنده كتاب إلاَّ اتاني به فارى فيه رأيي، قال فظنوا انه يريد ان ينظر فيها ويقوِّمها على امر لا يكون فيه اختلاف، فاتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ، ثمَّ قال : أمنية كأمنية أهل الكتاب؟.
سند الرواية فيه ضعف رواية القاسم بن محمد عن عمر الفاروق منقطعة .
والامانة العلمية تتطلب عرض كل الروايات ومناقشتها , سيد علي تناول روايات واعرض عن اخرى تثبت العكس ومنها :-
روى الطبري أن الفاروق رضوان الله عليه خطب الناس فقال: أيها الناس، إني والله ما أرسل عمالاً ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفس عمر بيده لأقتصن منه، فوثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعيته فأدب بعض رعيته، إنك لتقصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده إذًا لأقصنه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقص من نفسه.
وروى ايضا أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه خطب الناس يوم الجمعة فقال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، إني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، وأن يقسموا فيهم فيئهم، وأن يعدلوا، فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إلي.
وفي الختام نقول مكانة عمر بن الخطاب معروفه عند غير المسلمين الذين انصفوه وعرفوا قدره وعبقريته الفذة وشخصيته القيادية الحازمة وشجاعته في اتخاذات القرارات وحل المشكلات فهو المؤسس العملي للدولة الاسلامية ومن اعظم رجالاتها وهذا مالم يريد ان يعترف به بعض المسلمون .
قال جولدتسيهر
" وكان عمر بن الخطاب الخليفة المتحمس الذي اسس الدولة الاسلامية على الحقيقة وقد ساعدت فتوحه في الشام وفلسطين ومصر في وضع الاحكام الاولى لتلك العلاقات السياسية والاقتصادية"
العقيدة والشريعة في الاسلام ص37
وصدق طه حسين لما قال :
( وبوفاة عمر ختم اورع فصل في تاريخ الاسلام والمسلمين منذ وفة النبي صلى الله عليه واله الى اخر الدهر . فلم يعرف المسلمون وما اراهم سيعرفون في يوم من الايام خليفة يشبه عمر من قريب وبعيد )
الشيخان ص247
واوجه هذه الكلمات إلى كلّ متطلّع إلى الحقيقة ومتحرِّر من قيود التقليد والجمود
>>>>وإلى كلّ عقل حرّ ، وفطرة سليمة ، وفكر أصيل
قال تبارك وتعالى : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رءوف رحيم)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه .