"مجلس التعاون" الخليجي والأحواز المحتلة
داود البصري
السياسة الكويتية 13-جمادى الآخرة-1432هـ / 16-مايو-2011م
المتغيرات السياسية الكبرى التي تعصف بالشرق القديم ليست مجرد تظاهرات شعبية و مطالبات بالإصلاح عادة ما تواجهها سلطات قمع الأنظمة الشمولية بالحديد و النار و أكوام الجثث البشرية و التي تنتهي أخيرا بهزيمة أنظمة القمع و بتعميق مساحات الجرح و بإعدام كل فرص الحوار التغييري بشكل سلمي بعيدا عن لغة الدماء و الأشلاء و الجثث المتناثرة , المشكلة في العالم العربي أن لا أحد يرغب في معرفة الحقيقة و بأن العالم قد تغير و إلى الأبد , و بأن منظومة الطغيان و الاستبداد و الحاكم الآله و المقدس و المعصوم قد أضحت من ذكريات الماضي السحيق , لذلك تسير الأمور بصورة فوضوية و بمشاهد دموية متسارعة لن تغير فظائعها النتيجة التاريخية المعلومة وهي انتصار قوى الحرية على قوى البغي , وهزيمة السيف أمام دماء الأحرار التي وحدها تصنع التاريخ و تضيء الدرب و ترسم خارطة الطريق الحقيقية للمستقبل , ومجلس التعاون الخليجي بعد ثلاثة عقود من التأسيس حقق كمنظمة إقليمية بعضا من الأهداف الناجحة فيما تلكأت مسيرته في محطات أخرى .
لقد استطاع المجلس بدوله الست أن يدير أوراق و ملفات الصراع الإقليمي الشرس في أوقات صعبة اقترنت بمرحلة التأسيس وهي مرحلة الحرب العراقية- الإيرانية الطويلة القاسية و إرتداداتها الأمنية و توابعها كالأعمال الإرهابية والخلايا السرية الإيرانية الموجهة من نظام التبشير و التصدير الثوري للجمهورية الإرهابية في إيران التي وضعت أنظمة الخليج العربي كهدف محوري و كمشروع ثوري لانقلاب سياسي يطيح بأنظمة المنطقة و يؤسس للجمهورية الإسلامية بمجالها الحيوي و تحت الزعامة القومية الفارسية وهو ما يحاول الإيرانيون تحت قياد محمودة أحمدي نجاد وخطه الفكري و العقائدي تحقيقه وسط شعارات التضامن الإسلامي الإسمي وهو مجرد يافطة مرفوعة للاستهلاك المحلي , وكل التحديات و الاستعراضات العسكرية الإيرانية في الخليج العربي موجهة على شكل رسائل تهديد لأنظمة المنطقة , فالجانب العسكري في الجيش و الحرس الثوري الإيراني يطلق التهديدات الوقحة و الفظة , فيما تقوم الدبلوماسية الإيرانية بدور معاكس للتطمين و إرسال رسائل الود و الصداقة !! وذلك لا يعبر عن صراع داخلي إيراني بين مراكز قوى مختلفة ? بل يعبر عن تبادل للأدوار ووفق نفسية مجاملة و مخادعة عرف بها الإيرانيون و تميزوا عبر التاريخ .
الدبلوماسي الإيراني يواجهك بالقبل و الكلام المعسول بينما خنجره المسموم خلف ظهره مستعد للضرب في الوقت المناسب!! ذلك ما يقوله التاريخ منذ أيام الخلافة العباسية وحتى اليوم , فذكريات أبو سلمة الخلال و أبو مسلم الخراساني و البرامكة و آل طاهر بن الحسين و غيرهم مجرد أمثلة بسيطة على ما نقول , و يبدو أن خيارات دول مجلس التعاون في تعزيز الملف الأمني و بناء المنظومة العسكرية من خلال الاستعانة بدول و منظومات بعيدة عن الحيز الإقليمي للخليج العربي قد رسم خيارات إستراتيجية بعيدة المدى و مكلفة و غير معروفة ولا مضمونة النتائج , فالدور العسكري للقوات الملكية المغربية المسلحة مثلا لا يمكن أن يضيف شيئا إلى عناصر شبكة الحماية الإقليمية لأسباب عديدة بعضها ذاتي و أغلبها موضوعي, فأهل المنطقة بثقافتهم الخاصة و بحمولتهم و إرثهم التاريخي المعروف هم من يستطيع إدارة الصراع بشكل فاعل , كما أن هناك عناصر قوة محلية لم يتطرق لها مجلس التعاون الخليجي و تحتاج إلى قرار سياسي جريء يتجاوز بكثير حالة انتظار الخطر أو انتظار الضربة الأولى إلى المبادرة بتنفيذ فعل وقائي وأهم عنصر وملف إستراتيجي قوي يمتلكه الطرف الخليجي في مواجهة ملفات العدوان الإيرانية هو الملف الأحوازي الذي يمثل الذروة و الكنز في الوضع الإستراتيجي الخليجي , فالأحواز التي تعيش منذ سنوات في حالة ثورة شعبية تصاعد أوارها أخيراً تمثل أكبر جانب قوة مهملة في ملف التعامل مع النظام الإيراني صاحب المشروع التبشيري و التصديري الذي شهدناه في العراق ولبنان والذي يحاول اليوم اختراق السيادة الخليجية و توجيه الضربة النهائية للتجربة الخليجية في مملكة البحرين التي تواجه بدورها عدوانا إيرانيا إحتلاليا صرفا يتسلل من تحت خيوط الصراع السياسي الداخلي في البحرين ليصل إلى محطته النهائية في تقويض المملكة وإقامة حكومة الولي الإيراني الفقيه مما سيفتح الباب علنا لإقامة جمهوريات طائفية في الخليج العربي تتحد في النهاية مع قائدها المرجعي في طهران!!
هذا المشروع ليس حلما ولا تهويلا بل أنه أمر واقع تشهد بإمكانية تحققه ما حدث و يحدث في العراق الذي تحول اليوم بفضل جرائم وحماقات صدام حسين البعثي و فشل السياسة الأميركية لحديقة خلفية للنظام الإيراني ولمزرعة ثعابين تسرح فيها أفاعي النظام الإيراني السامة من العملاء العراقيين وغيرهم لتهديد أمن وسلام المنطقة , في التركيز الخليجي على دعم الملف التحرري الأحوازي جوانب قوة رهيبة يدركها النظام الإيراني جيدا ويرتعب من نتائجها , والغريب إن أول إشارة لتبني الموقف الأحوازي في الخليج العربي كانت قد صدرت قبل سنوات قليلة من على لسان قائد شرطة دبي الجنرال ضاحي خلفان الذي أشار إلى قدرة الجانب الخليجي على تحريك الملف الأحوازي! ثم لف الصمت ذلك الموضوع..
بصراحة مطلقة وبعيدا عن كل إشكاليات النفاق السياسي أو المراوغة فان لا أمن حقيقي في الخليج العربي من دون تبني الملف التحرري الأحوازي ودعم الثورة الأحوازية وجمع المجاهدين الأحوازيين و تنظيم عملهم و المساهمة الفاعلة في إنشاء منظمة التحرير العربية الأحوازية التي تجمع في إطار تنظيمي وحدوي شامل كل الفصائل الأحوازية المختلفة تحت مظلة واحدة هدفها التحرير النهائي و إبعاد شبح التقسيم الطائفي عن المنطقة.
الأحواز دولة عربية وشعب عربي خليجي أصيل ستكون عودته للساحة الدولية بمثابة نصر خليجي كاسح.. نعلم إن المهمة معقدة و لكنها ليست مستحيلة ومجلس التعاون الخليجي لو أراد حسم النزاع ستراتيجيا فهو قادر , و ما ينقص فقط هو الإرادة الفعلية و الفعل المباشر أما إستيراد الحلول الميتافيزيقية فلن يزيد الوضع الخليجي إلا تعقيدا.. في الأحواز العربية الحرة الدواء و البلسم لسموم الثعابين الإيرانية.
كاتب عراقي