أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا ....
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجميع
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في استدلالاته رحمه الله تعالى على رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة: الدليل السادس: قوله عز وجل:{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} والاستدلال بهذا أعجب فإنه من أدلة النفاة وقد قرر شيخنا ( يعني ابن تيمية ) وجه الاستدلال به أحسن تقرير وألطفه وقال لي ( يعني ابن تيمية ) أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله، فمنها هذه الآية وهي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها، فإن الله سبحانه إنما ذكرها في سياق التمدح، ومعلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية، وأما العدم المحض فليس بكمال ولا يمدح به، وإنما يمدح الرب تبارك وتعالى بالعدم إذا تضمن أمراً وجودياً كتمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية، ونفي الموت المتضمن كمال الحياة، ونفي اللغوب والإعياء المتضمن كمال القدرة، ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير المتضمن كمال ربوبيته وإلهيته وقهره، ونفي الأكل والشرب المتضمن كمال الصمدية وغناه .... إلى أن قال: ولهذا لم يتمدح بعدم محض لا يتضمن أمراً ثبوتياً فإن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه. فلو كان المراد بقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال لمشاركة المعدوم له في ذلك فإن العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار، والرب جل جلاله يتعالى أن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض، فإذاً المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به ... إلى أن قال: فقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} يدل على غاية عظمته وأنه أكبر من كل شيء، وأنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به، فإن الإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى:{فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} فلم ينف موسى عليه السلام الرؤية، ولم يريدوا بقولهم: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} إنا لمرئيون، فإن موسى صلوات الله وسلامه عليه نفى إدراكهم بقوله (كلا) وأخبر الله سبحانه أنه لا يخاف دركهم بقوله: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى} فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه، فالرب تبارك وتعالى يرى ولا يدرك، كما يعلم ولا يحاط به، وهذا هو الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم والأئمة من الآية. اهـ
يقول الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى: والعجب أن الذين ينفون الرؤية يستدلون بنفس الآية على أنه لا يرى لأن الله يقول : {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ، ونقول رداً عليهم : الله يقول : {لا تُدْرِكُهُ} ولم يقل : لا تراه . وفرق بين الإدراك والرؤية . فنحن الآن نعلم الله عز وجل لكن لا ندرك حقيقته . ولو قلنا بقولهم لقلنا : إن الله لا يعلم . وعلى هذا فالآية صريحة في أن الله تعالى يرى .
إلى أن قال رحمه الله: فهؤلاء الذين استدلوا بنفي الرؤية في الآخرة بقوله تعالى : {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ، قال شيخ الإسلام : هذا دليل عليهم ؛ لأن نفي الإدراك يدل على وجود أصل الرؤية ، ولولا وجود أصل الرؤية لكان نفي الإدراك لغوا ينزه عنه كلام الله
رحم الله ابن القيم وشيخه ابن تيمية ورحم الله الشيخ العثيمين وجميع أئمة وعلماء أهل السنة والجماعة ورفع منازلهم في عليين
فانظر أيها المنصف كيف قلب شيخ الإسلام دليل المخالفين عليهم والتزم بما قال رحمه الله