العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتـــــــــديات العـــــــــــامـــة > الــــحــــــــــــوار العــــــــــــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 06-09-13, 03:14 PM   رقم المشاركة : 1
جاسمكو
عضو ماسي






جاسمكو غير متصل

جاسمكو is on a distinguished road


افتراضي ملف بعض اقوال العلماء عن الادلة العقلية البراهين اليقينية و النقلية

افتراضي ملف بعض اقوال العلماء عن الادلة العقلية البراهين اليقينية و النقلية



تعريف الايمان

يعرف الايمان بانه التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل، وهذا تعريف خاص بالعقيدة الاسلامية وهو تعريف شرعي وليس عقليا، وقد نص عليه علماء التوحيد وأخذوا لفظ الايمان ومدلوله من اللغة والنصوص الشرعية، واحترزوا بقولهم "الجازم" عن الظن القوي، وما دونه لان صاحبه كافر، و"بالمطابق للواقع" عن جزم لا حقيقة له، كجزم الفرق الضالة من اليهود والنصارى والمشركين القائلين بتعدد الاله.

فعدم الجزم بالتصديق وعدم المطابقة للواقع كفر بالاتفاق.

واحترزوا بقولهم" عن دليل" او" بدليل" عن التصديق تقليدا، لان التقليد في العقيدة معصية وقد عده بعضهم كفرا.

والدليل عندهم هو الدليل القاطع المفيد للعلم اليقني ولو كان اجماليا كدلالة الموجودات على وجود الله تعالى

(انظر شرح المقاصد للتفتازاني 5/175، 218-224)

والدر الثمين لميارة( 4/19-20)

وحاشية العقباوي على الدردير 16)

ومختصر شرح الباجوري على جوهرة التوحيد 48)

والجام العوام عن علم الكلام للغزالي 114-120) وغيرها.

والحزب عندما اورد هذا التعريف في الكراسة المتبناة ص1 وفي الشخصية الاسلامية ج1 ص19 انما اورده في معرض بيان العقيدة الاسلامية



والتعريف شرعي لانه مستنبط من الادلة الشرعية ، وهو وصف للواقع الشرعي الذي جاءت به الادلة أي النصوص الشرعية، فهو من هذه الجهة حكم شرعي.

ويبين ذلك ذم الله تعالى في آيات صريحة من يتبع الظن في العقيدة وذمه من يتبع بغير سلطان، أي بغير دليل قاطع.

وذمهم والتنديد بهم دليل على النهي الجازم عن اتباع الظن، ودليل على النهي الجازم عن اتباع ما لم يقم عليه الدليل القطعي.

قال تعالى: (ان هي الا اسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى)

وقال )ان الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الانثى وما لهم به من علم ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا)

وقال( ان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن)

وقال( وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون)

وقال( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا)

وقال( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا)

وأوجب الله ان يكون دليل العقيدة قطعيا، قال تعالى( ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون)

وقال( ام اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم)

وقال( أاله مع الله قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)

وقال( ونزعنا من كل امة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا ان الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون)

وكلمتا" برهان" و"سلطان" معناهما في جميع الايات الدليل المقطوع به، فالدليل من حيث هو لا يكون الا قطعيا، ولم يستعمله القرآن الا بمعنى القطعي.

وقد دلت الايات المتعلقة بالظن على عدم جواز الاعتقاد بالدليل الظني ودلت الايات المتعلقة بالسلطان المبين على وجوب اقامة الدليل القطعي على العقيدة حتى تكون عقيدة. فيحرم على المسلم ان يعتقد ما كان دليله ظنيا، لان النهي عن الاعتقاد بالظني نهي جازم، والنهي الجازم يعني التحريم، فكان الاعتقاد بالظن حراما.

أي ان الحكم الشرعي في العقائد هو انه يحرم ان يكون دليلها ظنيا. وكل مسلم يبني عقيدته على دليل ظني يكون مرتكبا حراما وآثما عند الله تعالى.

فتعريف الايمان عبر عن الحكم الشرعي المتعلق بفعل العبد ، وهو ايجاب بناء عقيدته على الدليل القطعي، وتحريم بنائها على الدليل الظني.

فخطاب الشارع امر ونهي متعلق باقامة الدليل على العقيدة، وقد بين وجوب الفعل وحرمته، فهو متعلق بفعل العبد وليس متعلقا بالتصديق، هذا من جهة، ومن جهة اخرى، فان الشارع الحكيم اما ان يخاطب الناس بالفاظ يعرفون معانيها، وفي هذه الحال لا تحتاج الى بيان ، واما ان يخاطبهم بالفاظ محدثة المعاني لا عهد لهم بها، وفي هذه الحال يبين لهم الشارع مراده ببيان معاني الالفاظ التي خاطبهم بها.

وقد كان فيما خاطب الله به عباده وان طلب منهم الايمان بامور عدة منها الايمان بالله تعالى، والايمان بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم والايمان برسل الله وملائكته وكتبه واليوم الاخر،

ولما لم يكن لفظ الايمان معروفا عندهم بالمعنى الذي اراده الشارع لزم بيان المعنى حتى يفهم الناس مراده ويلزموا ما فرض عليهم، فيخرجوا من ظلمات الكفر الى نور الايمان ومن عذاب الجحيم الى جنات النعيم.

قال تعالى( وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) وقال( وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون)

ولفظ الايمان وضعه العرب للدلالة على مطلق التصديق، وجاء الشارع فنقله الى معنى آخر هو تصديق مخصوص، حتى غلب استعماله بالمعنى الجديد، وصار اللفظ يدل على المعنى الجديد من غير حاجة الى قرينة.

والذي دل على هذا المعنى الجديد هو اشتراط الشارع "الجزم" بالتصديق، فخرج به الظن وما دونه، لآن غير الجازم في تصديقه والشاك والمرتاب كافر غير مؤمن بما طلبه الشارع منه، وقد دل على كفره الادلة القطعية الثبوت القطعية الدلالة.

واشترط كذلك "المطابقة للواقع" اثباتا لحقيقة التصديق، لان مطابقة التصديق للواقع دليل قائم على صدق الاعتقاد، أي دليل قائم على صدق الفكرة التي انعقد الوجدان عليها.

وان لم تتحق المطابقة كان الاعتقاد كذبا لا حقيقة له.

وقد جاءت الادلة القطعية الثبوت القطعية الدلالة تذم وتكفر الفرق الضالة من اليهود والنصارى والمشركين القائلين بتعدد الاله، وذلك لافترائهم وكذب معتقداتهم.

واشترط ان يكون التصديق "عن دليل" او " بدليل" لان الجزم بالتصديق من غير دليل قاطع مفيد للعلم اليقيني معصية.

وقد دلت الادلة القطعية الثبوت القطعية الدلالة على تحريم التقليد في العقيدة وذمته ذما شديدا، وقد جاء في بداية الكراسة الحزبية المتبناة شرح وبيان لواقع الايمان أي الاعتقاد الذي طولب به المسلم. واستدل بالنصوص القطعية على اهم ما في التعريف. وقد جاء متوافقا مع قوله في "نداء حار" فالعقيدة في الاسلام هي التصديق الجازم المطابق للواقع عن يقين..

اذ نسب كل جزء من اجزاء التعريف الى العقيدة الاسلامية.

وهو كذلك متوافق مع قوله في الكتاب الثالث من الشخصية الاسلامية في مبحث الحقيقة الشرعية: وكالايمان للتصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل ، وغير ذلك من الاسماء التي جاء بها الشرع) لان بيان معنى الايمان والعقيدة واقعيا لا ينافي الواقع الشرعي للعقيدة، بل لا بد من التطابق التام بينهما.

والشروط المذكورة في التعريف هي شروط لصحة الاعتقاد، وشروط شرعية لايمان معين طلبه رب العالمين من عباده ، ويقتضي الطمأنينة الدائمة والنجاة من النار والفوز بالجنة.

وقد يوجد الايمان بفكرة من الافكار واقعيا مع فقدان بعض هذه الشروط ولكنه لا يكون ايمانا صحيحا ولا منجيا من عذاب الله وسخطه.



اما واقع العقيدة عند البشر فان العقيدة هي ما انعقد عليه القلب أي الوجدان ، ومعنى انعقاد القلب ان يأخذ الوجدان هذه الفكرة ويضمها اليه ضما كاملا واكيدا بارتياح، ويشدها اليه ويوافقه العقل على ذلك ولو موافقة تسليم.

فالاعتقاد اصله انعقاد القلب على موافقة العقل، أي اصله التصديق الجازم من قبل الوجدان بشرط موافقة العقل. فاذا تم هذان الامران : التصديق الجازم من قبل الوجدان وموافقة العقل لهذا التصديق فقد حصل انعقاد القلب أي حصلت العقيدة بمعنى حصل الاعتقاد.( المجموعة الفكرية 229)



لان الايمان او الاعتقاد يوجد واقعيا عند البشر حين يأخذ الوجدان فكرة ما ويضمها اليه ضما كاملا واكيدا بارتياح ويشدها اليه، ويوافقه العقل على ذلك ولو موافقة تسليم . فالاعتقاد اصله التصديق الجازم من قبل الوجدان بشرط موافقة العقل .

والاعتقاد أي التصديق الجازم من قبل الوجدان يتحقق عند اهل العقائد الباطلة مع عدم مطابقة معتقدهم للواقع على شرط وجود دليل يحقق الجزم.



فالاعتقاد أي التصديق الجازم يتحقق عند الشيوعي والنصراني والهندوسي وغيرهم من الكفار مع عدم مطابقة معتقدهم للواقع.

فالمطابقة للواقع ليست شرطا في حصول الاعتقاد ولكنها شرط في صحته.

واما الدليل فوجوده شرط اساسي في وجود الايمان، لان الجزم لا يتحقق الا بوجود الدليل بغض النظر عن كونه دليلا صحيحا او فاسدا.



وقد يكون الدليل فاسدا وقد يكون دليلا شعوريا، لكنه اقنع صاحبه بوجه من الوجوه واطمأن اليه فأحدث الجزم عنده.

فكل من يتوفر عنده ذلك يكون معتقدا أي مؤمنا بالفكرة التي ضمها الوجدان اليه.

والاعتقاد على هذه الصورة موجود وجودا حسيا عند جميع البشر، ولا يصح بعد ذلك ان يقال بان اهل العقائد الباطلة غير جازمين في معتقدهم بدعوى انعدام دليل يثبت المطابقة للواقع وبدعوى ان دليل المطابقة للواقع هو الذي يسبب الجزم.

لا يصح ان يقال ذلك لان الذي يحقق الجزم هو دليل الفكرة التي ضمها الوجدان اليه، وهذا الدليل هو الذي يوجد تسليم العقل بالفكرة ، فينعقد الوجدان على الفكرة بعد تسليم العقل بها. بغض النظر عن صحة الدليل وفساده.

والقبول مرده الى الوجدان وتسليم العقل، وليس الى توهم المعتقد مطابقة معتقده للواقع لان المطابقة للواقع دليل قائم بنفسه على صدق الفكرة.ولا تحتاج المطابقة الى دليل يثبتها. بل مجرد انطباق الفكرة على الواقع دليل على صدق الفكرة ، وليست المطابقة شرطا لحدوث الجزم.

فعقيدة التثليث عند النصارى لا تطابق الواقع ويستحيل ان تطابقه، ولم يدع النصارى انفسهم انها تطابقه، ومع ذلك سلموا بها واعتقدوها، وعللوا قبولها بعدم خضوع الدين للعقل ، ثم تحيلوا لهذه الفكرة الخيالية بالفلسفة اليونانية لمدافعة حجج خصومهم.

ومثل ذلك سائر العقائد الباطلة من يهودية وبوذية وزرادشتية وغيرها.

وقد دل تسليم هؤلاء بالفكرة والتمسك بها والغضب لها وبذل الانفس والاموال والاولاد دفاعا عنها على انعقاد الوجدان عليها.



ويجدر التنبيه على ان هناك فرقا بين الفكر والايمان، وان الفكر شيء والايمان شيء آخر، فالعقل يبحث في الافكار بدراسة واقعها وقد يدركها. لكن لا يلزم من ادراكه لواقعها ان يتحول ذلك الادراك الى تصديق، لان قبول الوجدان للفكرة شرط في حصول التصديق، أي لا بد من تجاوب الوجدان مع الفكرة وارتياحه اليها حتى يضمها اليه وينعقد عليها.

فاذا لم يتجاوب الوجدان مع الفكرة ولم يرتح اليها فانه يرفضها مهما كان عمق الادراك، وذلك ان الوجدان قد يمنعه من التجاوب مانع من الموانع مثل حرص الانسان على جاهه وزعامته وخوفه من فوات مصالحه، فاذا احس الانسان بشيء من ذلك نفر من الفكرة فيكابر ويعاند مع ادراكه التام لها.

قال تعالى ( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعدوانا) وقال( قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)

وقال( انه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم ادبر واستكبر فقال ان هذا الا سحر يؤثر ان هذا الا قول البشر)



هذا هو تعريف الايمان وبيان واقعه، وهو واقع مختلف عن الاحكام الشرعية( تعريف العقيدة، عادل الشروف)



الفرق بين العقيدة والاحكام الشرعية

فالاحكام الشرعية هي خطاب الشارع المتعلق بافعال العباد، وبعبارة اخرى هي الافكار المتعلقة بفعل من افعال الانسان او بصفة من صفاته باعتبارها من افعاله. فالاجارة والبيع والربا والكفالة والوكالة والصلاة واقامة خليفة واقامة حدود الله وكون الخليفة مسلما وكون الشاهد عدلا وكون الحاكم رجلا وما شاكل ذلك تعتبر كلها من الاحكام الشرعية .

والتوحيد والرسالة والبعث وصدق الرسول وعصمة الانبياء وكون القرآن كلام الله والحساب والعذاب وما شاكل ذلك تعتبر كلها من العقيدة.

فالعقائد افكار تصدق ، والاحكام الشرعية خطاب يتعلق بفعل الانسان .

فركعتا الفجر حكم شرعي من حيث صلاتهما، والتصديق بكونهما من الله عقيدة. فالتصديق بركعتي الفجر امر حتمي وانكارهما كفر، لانهما ثبتتا بطريق التواتر.

وقطع يد السارق حكم شرعي وكون ذلك من الله والتصديق به عقيدة.

وتحريم الربا حكم شرعي والتصديق بكونه حكما من الله والتصديق به عقيدة ، وهكذا....

وعليه هناك فرق بين العقيدة والحكم الشرعي

فالعقيدة هي الايمان وهو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل والمطلوب فيه القطع واليقين

والحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بافعال العباد ويكفي فيه الظن.( الشخصية الجزء الاول ص 150)



ثمرة التفريق بين الايمان والعمل (العقيدة والاحكام الشرعية)

- ان العقيدة تحتاج الى دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة.، بينما الاحكام الشرعية يكتفى فيها بالدليل الطني

- ان من انكر شيئا من العقيدة كفر، بينما من ترك شيئا من الاحكام الشرعية كان عاصيا او فاسقا او ظالما لكنه لا يكفر. مثلا من جحد حكم حرمة الربا كان كافرا، ولكن من اعتقد بان الربا حرام ، لكنه مارسه وهو يشعر انه مرتكب للحرام كان آثما وليس كافرا.

قال عطا ابو الرشتة امير حزب التحرير في كتابه "التيسير في اصول التفسير" ص 48:

واما بالنسبة للافعال فان المتتبع لبيان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجد عصيانا في عمل يجعل صاحبه كافرا ، الا اذا كان في ذلك الفعل انكار للدين او لشيء منه.

فلقد صح ام بعض اصحابه وهم خير المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخطؤوا ولم يكفروا بالمعصية بل استمروا مؤمنين عدولا صادقين كما حدث مع حاطب ابن ابي بلتعة عندما ارسل لقريش رسالة يعلمهم فيها بمسير رسول الله اليهم قبل فتح مكة، وكما حدث مع ابي لبابة عندما سأله يهود عن مصيرهم لو نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشار اليهم بالذبح، كل ذلك كان خلافا لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتمان خبر فتح مكة وكتمان مصير يهود بني قريظة، ومع ذلك لم يكفرهم رسول الله بتلك المعصية بل رجا الله ان يغفر لهم بسبب اعمالهم الطيبة في بدر وغير بدر.

ثم ان عددا من المسلمين ارتكبوا معاصي زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقيمت الحدود عليهم فقطعت يد السارق وجلد ورجم الزاني ولم يعاقبوا عقوبة المرتد بل كان يصلى عليهم عند الموت ويدفنوا في مقابر المسلمين.

وعليه فالايمان يختلف عن الاحكام الشرعية ، فعدم الايمان كفر ولكن عدم القيام بالعمل فسق وعصيان ما لم يكن هناك انكار للدين او لشيء منه.

ولذلك كفر مانعوا الزكاة زمن ابي بكر لانهم انكروها وطلبوا حذفها من التكاليف عليهم ، فاعتبروا مرتدين وقوتلوا عليها. وهكذا كفر ابليس لعنه الله عندما امتنع عن السجود انكارا لصحة امر الله حيث كان يرى- لعنه الله- ان الصحيح في ذلك ان يسجد آدم له لانه خلق من نار، وآدم من طين ، ( قال ما منعك الا تسجد اذ امرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)

وفي الجملة فان من انكر العقيدة الاسلامية يكفر وهي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره وكل ما تفرع عنها وبني عليها وانبثق منها ما دام دليله قطعيا لا يحتمل الشك . ويعاقب من ثبت عليه ذلك عقوبة الكفر او الارتداد.

واما عدم تنفيذ الاحكام الشرعية فهو معصية يعاقب صاحبها عليها العقوبات المذكورة في الاسلام دون تكفيره الا اذا انكر أي حكم شرعي معلوم من الدين بالضرورة كاركان الاسلام وامثالها.

ويضيف..

وليس معنى عدم تكفير صاحب المعصية ان هذا تهاون او تخفيف من شأن المعصية ، بل ان المعصية امر كبير في الاسلام وصاحبها له عقوبة في الدنيا والاخرة، ولكن تكفير المسلم بدون دليل قطعي هو كبير عند الله فلا يصح تكفير مسلم باي معصية من المعاصي ما دام لا ينكر شيئا في الاسلام.

انتهى


تعريف الايمان منقول عن حزب التحرير لغرض الاطلاع

مع ملاحظة قراءة

الرد على حزب التحرير
مناقشة علمية لأهم مبادىء الحزب ورد علمي مفصل حول خبر الواحد
تأليف
الشيخ عبد الرحمن بن محمد سعيد الدمشقية

http://www.saaid.net/book/5/810.zip


================================================== ======

اقتباس من موضوع جلال الجهاني حول الأدلة

فإذا كان الدليل العقلي برهانياً ـ لا أدري إن كان الحداد يعرف مستويات الأدلة من برهان وجدل وخطابة وشعر وسفسطة حسب وضعها العلمي المعروف ـ فالقول بعد ذلك بأنه ليس برهانياً وأنه ينبغي أن يرجع إلى مستوى الظنية، كلام لا يمكن أن يصدر من عارف بالعلوم.

فـ 1 + 1 لا يمكن الشك في كونها تساوي 2، حتى لو ذهب إلى ذلك كل أهل الدنيا، فهم مخطئون قطعاً، لأن برهان الحس قاطع في هذه المسألة.

وكذلك مسائل العقائد وبعض مسائل الأحكام، هي قاطعة، بمعنى أن الأدلة عليها لا تقبل التشكيك ولا تدل إلى مدلول واحد، فتكتسب صفة الحق بسبب رجوعها إلى الدليل القاطع البرهاني، ولا يضر ذلك مخالفة من خالف من الناس، لأن مخالفة الدليل القطعي لا قيمة لها.

ونحن ندعي أن العقائد الإسلامي هي حق في ذاتها، ومعنى ذلك أنها مطابقة لما عليه الواقع في نفس الأمر، فما خالفها فهو خطأ قطعاً وضلال شرعاً، فما الضير في ذلك إن كان الدليل هو الذي أدى إليها؟

اللهم إلا إذا كان الحداد يريد التماس العذر للنصارى لكفرهم أو الملاحدة لجحدهم وجود الله تعالى، فيجعل الأمور نسبية!! كلا وألف كلا، وعقائد المسلمين قاطعة لا شك فيها، وكونها حقاً في نفس الأمر لا يضيره جهل الجهال بها، والعبرة بالدليل والحجة والبرهان.

هذا على المستوى النظري، لكن على المستوى التطبيقي، يمكن أن يكون جهل بعض الناس من الأحزاب والجماعات الإسلامية اليوم بسبب ضعف مستويات العلوم الشرعية لدى هؤلاء، سبباً في وصفهم الظني بالقطعية، فيبنون على ذلك أنهم يدعون ضلال غيرهم في الوقت الذي يكونون هم فيه على الخطأ، ولذلك تدعي كل طائفة أو جماعة أنها على الحق وغيرها على ضلال.

لكن سبب ذلك هو الجهل في التفريق بين القطعي وبين الظني في مفاهيم وأحكام الدين الإسلامي، وليس بسبب أن الله تعالى له الحق المطلق كما توهمه هذا الحداد!!

وأنا أوافقه تماماً على خطأ هؤلاء في مسائل يدعونها، بسبب ضعف أدلتها وعدم صحة البراهين المقامة عليها، في بعض المسائل السياسية أو الشرعية أو الاجتماعية، لكن ذلك لا يمكن أن يلغي أصول الإسلام ويسحب هذه المسائل على كل مسائل الدين؟ الذي يفعل ذلك يكون من الذين لا يعلمون كيف تنال المعارف وكيف يتم فهمها على الوجه الصحيح.

أما استشهاد الحداد بكلام سيد قطب، فهو استشهاد في غير محله، لأن كلام سيد قطب عن العقائد القاطعة في الإسلام، وعن مبادئ الإسلام العامة، التي هي مبنية على أدلة قاطعة لا تقبل الشك بحسب مبادئ المعرفة، فاستثماره لها في الكلام عن المسائل السياسية للحركات الإسلامية والجماعات الدينية في العالم الإسلامي، عبارة عن خلل فني وقع فيه نتيجة عدم تأمله فيما يكتب، أو لعله قرأ كتاب سيد قطب باللغة الإنجليزية!!

============================================






فصل في أن ما أنزله الله على رسله هو الحق


المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية
الإجابة:

فصــل: ‏‏‏‏

جماع الفرقان بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وطريق السعادة والنجاة، وطريق الشقاوة والهلاك‏:‏ أن يجعل ما بعث اللّه به رسله وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه، وبه يحصل الفرقان والهدى والعلم والإيمان، فيصدق بأنه حق وصدق، وما سواه من كلام سائر الناس يعرض عليه، فإن وافقه فهو حق، وإن خالفه فهو باطل، وإن لم يعلم هل وافقه أو خالفه لكون ذلك الكلام مجملا لا يعرف مراد صاحبه، أو قد عرف مراده ولكن لم يعرف هل جاء الرسول بتصديقه، أو تكذيبه، فإنه يمسك فلا يتكلم إلا بعلم‏‏‏‏.‏

والعلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول‏‏‏.‏

‏ وقد يكون علم من غير الرسول، لكن في أمور دنيوية، مثل‏:‏الطب والحساب والفلاحة والتجارة‏‏‏‏.‏

وأما الأمور الإلهية والمعارف الدينية، فهذه العلم فيها مأخذه عن الرسول، فالرسول أعلم الخلق بها، وأرغبهم في تعريف الخلق بها، وأقدرهم على بيانها وتعريفها، فهو فوق كل أحد في العلم والقدرة والإرادة‏‏‏‏.‏

‏ وهذه الثلاثة بها يتم المقصود، ومن سوى الرسول إما أن يكون في علمه بها نقص أو فساد، وإما ألا يكون له إرادة فيما علمه من ذلك، فلم يبينه إما لرغبة، وإما لرهبة، وإما لغرض آخر، وإما أن يكون بيانه ناقصاً ليس بيانه البيان عما عرفه الجنان‏‏‏‏.‏

وبيان الرسول على وجهين‏:‏ تارة يبين الأدلة العقلية الدالة عليها، والقرآن مملوء من الأدلة العقلية والبراهين اليقينية على المعارف الإلهية والمطالب الدينية‏‏‏‏.‏

وتارة يخبر بها خبراً مجرداً لما قد أقامه من الآيات البينات، والدلائل اليقينيات على أنه رسول اللّه المبلغ عن اللّه، وأنه لا يقول عليه إلا الحق، وأن اللّه شهد له بذلك، وأعلم عباده وأخبرهم أنه صادق مصدوق فيما بلغه عنه، والأدلة التي بها نعلم أنه رسول اللّه كثيرة متنوعة، وهي أدلة عقلية تعلم صحتها بالعقل، وهي أيضاً شرعية سمعية، لكن الرسول بينها ودل عليها وأرشد إليها، وجميع طوائف النظار متفقون على أن القرآن اشتمل على الأدلة العقلية في المطالب الدينية، وهم يذكرون ذلك في كتبهم الأصولية، وفي كتب التفسير، وعـامة النظار أيضاً يحتجـون بالأدلـة السمعية الخبرية المجردة فـي المطـالب الدينية، فإنه إذا ثبت صدق الرسول وجب تصديقه فيما يخبر به‏‏‏.‏

والعلوم ثلاثة أقسام‏:‏ منها ما لا يعلم إلا بالأدلة العقلية، وأحسن الأدلة العقلية التي بينها القرآن وأرشد إليها الرسول، فينبغي أن يعرف أن أجلَّ الأدلة العقلية وأكملها وأفضلها مأخوذ عن الرسول؛ فإن من الناس من يذهل عن هذا، فمنهم من يقدح في الدلائل العقلية مطلقاً؛ لأنه قد صار في ذهنه أنها هي الكلام المبتدع الذي أحدثه من أحدثه من المتكلمين، ومنهم من يعرض عن تدبر القرآن وطلب الدلائل اليقينية العقلية منه؛ لأنه قد صار في ذهنه أن القرآن إنما يدل بطريق الخبر فقط، فلابد أن يعلم بالعقل قبل ذلك ثبوت النبوة وصدق الخبر، حتى يستدل بعد ذلك بخبر من ثبت بالعقل صدقه، ومنها ما لا يعلمه غير الأنبياء إلا بخبر الأنبياء، وخبرهم المجرد هو دليل سمعي، مثل تفاصيل ما أخبروا به من الأمور الإلهية، والملائكة والعرش، والجنة والنار، وتفاصيل ما يؤمر به وينهى عنه‏.‏

فأما نفس إثبات الصانع ووحدانيته، وعلمه وقدرته، ومشيئته وحكمته، ورحمته ونحو ذلك فهذا لا يعلم بالأدلة العقلية، وإن كانت الأدلة والآيات التي يأتي بها الأنبياء هي أكمل الأدلة العقلية، لكن معرفة هذه ليست مقصورة على الخبر المجرد، وإن كانت أخبار الأنبياء المجردة تفيد العلم اليقيني أيضاً، فيعلم بالأدلة العقلية التي أرشدوا إليها، ويعلم بمجرد خبرهم لما علم صدقهم بالأدلة والآيات والبراهين التي دلت على صدقهم‏.‏

وقد تنازع الناس في العلم بالمعاد، وبحسن الأفعال وقبحها‏.‏ فأكثر الناس يقولون‏:‏ إنه يعلم بالعقل مع السمع، والقائلون بأن العقل يعلم به الحسن والقبح أكثر من القائلين بأن المعاد يعلم بالعقل، قال أبو الخطاب‏:‏ هو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين، ومنهم من يقول‏:‏ المعاد والحسن والقبح لا يعلم إلا بمجرد الخبر، وهو قول الأشعري وأصحابه ومن وافقهم من أتباع الأئمة كالقاضي أبي يعلي، وأبى المعالي الجويني، وأبي الوليد الباجي وغيرهم، وكلهم متفقون على أن من العلوم ما يعلم بالعقل والسمع الذي هو مجرد الخبر، مثل كون أفعال العباد مخلوقة للّه أو غير مخلوقة، وكون رؤيته ممكنة أو ممتنعة ونحو ذلك.‏

‏ وكتب أصول الدين لجميع الطوائف مملوءة بالاحتجاج بالأدلة السمعية الخبرية، لكن الرازي طعن في ذلك في ‏[‏المطالب العالية‏]‏ قال‏:‏ لأن الاستدلال بالسمع مشروط بألا يعارضه قاطع عقلي، فإذا عارضه العقلي وجب تقديمه عليه‏.‏ قال‏:‏ والعلم بانتفاء المعارض العقلي متعذر، وهو إنما يثبت بالسمع ما علم بالاضطرار أن الرسول أخبر به كالمعاد، وقد يظن أن هذه طريقة أئمته الواقفة في الوعيد، كالأشعري، والقاضي أبي بكر وغيرهما، وليس كذلك؛ فإن هؤلاء إنما وقفوا في أخبار الوعيد خاصة؛ لأن العموم عندهم لا يفيد القطع، أو لأنهم لا يقولون بصيغ العموم، وقد تعارضت عندهم الأدلة، وإلا فهم يثبتون الصفات الخبرية للّه، كالوجه واليد بمجرد السمع والخبر، ولم يختلف قول الأشعري في ذلك، وهو قول أئمة أصحابه، لكن أبو المعالي وأتباعه لا يثبتون الصفات الخبرية، بل فيهم من ينفيها ومنهم من يقف فيها كالرازي والآمدي، فيمكن أن يقال‏:‏ قول الأشعري ينتزع من قول هؤلاء بأن يقال‏:‏ لا يعرف أنهم اعتمدوا في الأصول على دليل سمعي، لكن يقال‏:‏ المعاد يحتجون عليه بالقرآن والأحاديث، ولكن الرازي هو الذي سلك فيه طريق العلم الضروري أن الرسول جاء به.‏

وفي الحقيقة، فجميع الأدلة اليقينية توجب علماً ضرورياً، والأدلة السمعية الخبرية توجب علماً ضرورياً بأخبار الرسول، لكن منها ما تكثر أدلته كخبر الأخبار المتواترة، ويحصل به علم ضروري من غير تعيين دليل، وقد يعين الأدلة ويستدل بها، وبسط هذا له موضع آخر.‏

والمقصود هنا أن يؤخذ من الرسول العلوم الإلهية الدينية سمعيها وعقليها، ويجعل ما جاء به هو الأصول لدلالة الأدلة اليقينية البرهانية على أن ما قاله حق جملة وتفصيلا، فدلائل النبوة عامتها تدل على ذلك جملة، وتفاصيل الأدلة العقلية الموجودة في القرآن والحديث تدل على ذلك تفصيلا‏.‏

وأيضاً، فإن الأنبياء والرسل إنما بعثوا بتعريف هذا، فهم أعلم الناس به وأحقهم بقيامه وأولاهم بالحق فيه‏.‏

وأيضاً،فمن جرب ما يقولونه ويقوله غيرهم وجد الصواب معهم، والخطأ مع مخالفيهم، كما قال الرازي مع أنه من أعظم الناس طعناً في الأدلة السمعية، حتى ابتدع قولاً ما عرف به قائل مشهور غيره، وهو أنها لا تفيد اليقين، ومع هذا فإنه يقول‏:‏ لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروى غليلا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات‏:‏‏‏‏‏{ ‏‏إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ‏‏‏‏‏} ‏[‏فاطر‏:‏10‏]‏،‏ ‏‏‏‏‏‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏‏‏‏‏} ‏[‏طه‏:‏5‏]‏،واقرأ في النفي‏:‏‏‏‏‏‏{ ‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏ ‏[‏الشورى‏:‏11‏]‏، ‏‏‏‏{‏‏وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً‏‏‏‏‏} ‏[‏طه‏:‏110‏]‏، قال‏:‏ ومن جَرَّب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي.‏

وأيضاً، فمن اعتبر ما عند الطوائف الذين لم يعتصموا بتعليم الأنبياء وإرشادهم وإخبارهم وجدهم كلهم حائرين،ضالين شاكين مرتابين، أو جاهلين جهلا مركباً، فهم لا يخرجون عن المثلين اللذين في القرآن‏:‏‏ ‏‏‏‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ‏ ‏‏‏‏} ‏[‏النور‏:‏39- 40].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثالث عشر.

=================================================


فَصْـــل في بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما أنزل عليه بيان أصول الدين


المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية
الإجابة:

br><>في بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما أنزل عليه بيان أصول الدين وهي الأدلة العقلية الدالة على ثبوت الصانع وتوحيده، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى المعاد إمكانًا ووقوعًا‏.‏

وقد ذكرنا فيما تقدم هذا الأصل غير مرة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين الأدلة العقلية والسمعية التي يهتدى بها الناس إلى دينهم، وما فيه نجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وأن الذين ابتدعوا أصولًا تخالف بعض ما جاء به هي أصول دينهم، لا أصول دينه‏.‏

وهي باطلة عقلًا وسمعًا، كما قد بسط في غير موضع‏.

‏‏ وبين أن كثيرًا من المنتسبين إلى العلم والدين قاصرون أو مقصرون في معرفة ما جاء به من الدلائل السمعية والعقلية‏.

‏‏ فطائفة قد ابتدعت أصولًا تخالف ما جاء به من هذا وهذا‏.‏

وطائفة رأت أن ذلك بدعة فأعرضت عنه،وصاروا ينتسبون إلى السنة لسلامتهم من بدعة أولئك‏.‏

ولكن هم مع ذلك لم يتبعوا السنة على وجهها، ولا قاموا بما جاء به من الدلائل السمعية والعقلية‏.‏بل الذي يخبر به من السمعيات مما يخبر به عن ربه وعن اليوم الآخر، غايتهم أن يؤمنوا بلفظه من غير تصور لما أخبر به‏.‏

بل قــد يقولــون مع هذا إنه نفسه لم يكن يعلم معنى ما أخبر به؛ لأن ذلك عندهم هو تأويل المتشابه الذي لا يعلمـه إلا الله‏.

‏‏ وأما الأدلة العقلية فقد لا يتصورون أنه أتى بالأصول العقلية الدالة على ما يخبر به، كالأدلة الدالة على التوحيد والصفات‏.‏

ومنهم من يقر بأنه جاء بهذا مجملًا، ولا يعرف أدلته‏.‏

بل قد يظن أن ما يستدل به كالاستدلال بخلق الإنسان على حدوث جواهره هو دليل الرسول‏.

‏‏ وكثير من هؤلاء يعتقدون‏:‏ أن في ذلك ما لا يجوز أن يعلم بالعقل كالمعاد،وحسن التوحيد والعدل والصدق، وقبح الشرك والظلم والكذب‏.‏

والقرآن يبين الأدلة العقلية الدالة على ذلك‏.

‏‏ وينكر على من لم يستدل بها‏.

‏‏ ويبين أنه بالعقل يعرف المعاد، وحسن عبادته وحده وحسن شكره‏.

‏‏ وقبح الشرك، وكفر نعمه، كما قد بسطت الكلام على ذلك في مواضع‏.‏

وكثير من الناس يكون هذا في فطرته وهو ينكر تحسين العقل وتقبيحه إذا صنف في أصول الدين على طريقة النفاة الجبرية أتبــاع جهم‏.‏

وهذا موجود في عامة ما يقوله المبطلون يقولون بفطرتهم ما يناقض ما يقولونه في اعتقادهم البِدْعِى‏.‏

وقد ذكر أبو عبد الله ابن الجد الأعلى أنه سمع أبا الفرج ابن الجوزي ينشد في مجلس وعظه البيتين المعروفين‏:‏

هب البعـثُ لــم تـأتـنا رُسْلـه ** وجاحمة النار لم تُضـــرم

أليـس مـن الـواجـب المستَحَـقِ ** حياءُ العباد مــن المنْعِـم‏؟‏

فقد صرح في هذا بأنه من الواجب المستحق حياء الخلق من الخالق المنعم‏.‏ وهذا تصريح بأن شكره واجب مستحق ولو لم يكن وعيد، ولا رسالة أخبرت بجزاء‏.‏

وهو يبين ثبوت الوجوب والاستحقاق وإن قدر أنه لا عذاب‏.‏

وهذا فيـه نزاع قـد ذكرناه في غير هذا الموضع، وبينا أن هذا هو الصحيح‏.‏

ونتيجة فعـل المنهي انخفاض المنزلة وسلب كثير مـن النعم التي كان فيها وإن كان لا يعاقب بالضرر‏.

‏‏ ويبين أن الوجوب والاستحقاق يُعْلم بالبديهة‏.

‏‏ فتارك الواجد وفاعل القبيح وإن لم يُعَذَّب بالآلام كالنار فيسلب من النعم وأسبابه ما يكون جزاءه‏.

‏‏ وهذا جزاء من لم يشكر النعمة بل كفرها أن يسلبها‏.‏

فالشكر قيد النعم، وهو موجب للمزيد‏.‏

والكفر بعد قيام الحجة موجب للعذاب، وقبل ذلك يُنْقص النعمة ولا يزيد‏.‏

مع أنه لابد من إرسال رسول يســتحق معه النعيم أو العذاب، فإنــه مــا ثم دار إلا الجنة أو النار‏.‏

قال تعالى‏:‏‏{‏‏لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}‏‏ ‏[‏التين‏:‏4 - 6‏]‏،وهذا مبسوط في مواضع‏.

‏‏ والمقصود هنا أن بيان هذه الأصول وقع في أول ما أنزل من القرآن‏.

‏‏ فإن أول ما أنزل من القرآن‏:‏ ‏{‏‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}‏‏ ‏[‏العلق‏:‏ 1‏]‏، عند جماهير العلماء‏.‏

وقد قيل‏:‏ ‏{‏‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}‏‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 1‏]‏، روى ذلك عن جابر‏.‏

والأول أصح‏.

‏‏ فإن ما في حديث عائشة الذي في الصحيحين يبين أن أول ما نزل‏:‏ ‏{‏‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏} نزلت عليه وهو في غار حراء، وأن ‏[‏المدثر‏]‏ نزلت بعد‏.

‏‏ وهذا هو الذي ينبغى‏.‏ فإن قوله‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ‏}‏ أمر بالقراءة، لا بتبليغ الرسالة، وبذلك صار نبيًا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏قُمْ فَأَنذِرْ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 2‏]‏، أمر بالإنذار، وبذلك صار رسولًا منذرًا‏.

‏‏ ففي الصحيحين من حديث الزهرى، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم‏.‏ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح‏.‏ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يأتى غار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك‏.‏ ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء‏.

‏‏ فجاءه الملك فقال‏:‏ ‏(‏اقرأ‏)‏

قال "ما أنا بقارئ‏"‏‏

قال "فأخذني فغطني حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال‏:‏ اقرأ‏"‏‏

فقلت "ما أنا بقارئ"‏‏

‏ "فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال‏:‏ اقرأ‏"‏‏‏.‏

فقلت "ما أنا بقارئ‏"‏‏

‏{"فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني" فقال‏:‏ ‏{‏‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ‏} [‏العلق‏:‏ 1 - 5‏]‏‏.

‏ فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده‏.‏

فدخل على خديجة بنت خويلد فقال "زملوني‏.‏ زملوني‏"‏‏ فزملوه حتى ذهب عنه الروع‏.‏

فقال لخديجة وأخبرها الخبر "لقد خشيت على نفسي"

فقالت له خديجة‏:‏ كلا، والله، لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق‏.

‏‏ فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة‏.‏

وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرى، فيكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي‏.

‏‏ فقالت له خديجة‏:‏ يا بن عم، اسمع من ابن أخيك‏.‏

فقال له ورقة‏:‏ يا بن أخى، ماذا ترى‏؟‏

فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى‏.‏

فقال له ورقة‏:‏ هذا الناموس الذي أنزل على موسى‏.‏ يا ليتنى فيها جذعًا‏!‏ ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك‏!‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أو مخرجي هم‏؟‏‏)‏

قال‏:‏ نعم، لم يأت أحد قط بمثل ما جئت به إلا عودى‏.‏وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا‏.‏ ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفَتَر الوحي‏.

‏‏ قال ابن شهاب الزهرى، سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن، قــال‏:‏ أخبرنى جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فَتْرَة الوحي "فبينما أنا أمشى سمعت صوتًا فرفعت بصرى قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض، فجُئِثْت ‏[‏جُئِثْتُ‏:‏ أى ذعرت‏]‏ حتى هويت إلى الأرض‏.‏ فجئت أهلى فقلت‏:‏ زملونى، زملونى، فزملونى‏.‏"ففأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ}‏‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏‏وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ‏}‏‏[‏المدثر‏:‏ 1 - 5‏]‏‏.‏

فهذا يبين أن ‏[‏المدثر‏]‏ نزلت بعد تلك الفَتْرَة، وأن ذلك كان بعـد أن عاين الملك الذي جاءه بحراء أولا فكان قد رأى الملك مرتين‏.

‏‏ وهذا يفسر حديث جابر الذي روى من طريق آخر كما أخرجاه من حديث يحيى بن أبي كثير، قال‏:‏سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن‏.‏

قال‏:‏‏{‏‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}‏‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 1‏]‏‏.‏}} قلت‏:‏يقولــون‏:‏ ‏{‏‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏} ‏[‏العلق‏:‏ 1‏]‏‏.

‏‏ فقال أبو سلمة‏:‏سألت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل ما قلت،فقال جابر‏:‏ لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "جاورت بحراء، فلما قضيت جوارى هبطت فنوديت، فنظرت عن يمينى فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالى فلم أر شيئًا،ونظرت أمامى فلم أر شيئًا، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا‏.‏ فرفعت رأسى فرأيت شيئًا‏.‏ فأتيت خديجة فقلت‏:‏ دثرونى وصبوا علىّ ماءً باردًا، فدثروني وصبوا علي ماءً باردًا‏‏‏.‏ قال‏:‏ ‏فنزلت"‏‏:‏ ‏{‏‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ‏‏}‏‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 1 - 3‏]‏‏.

‏ فهذا الحديث يوافق المتقدم، وإن ‏[‏المدثر‏]‏ نزلت بعد أن هبط من الجبل وهو يمشى، وبعد أن ناداه الملك حينئذ‏.

‏‏ وقد بين في الرواية الأخرى أن هذا الملك هو الذي جاءه بحراء، وقد بينت عائشة أن ‏{‏اقْرَأْ‏}‏ نزلت حينئذ في غار حراء‏.‏

لكن كأنه لم يكن علم أن ‏{‏اقًرأ‏}‏ نزلت حينئذ، بل علم أنه رأى الملك قبل ذلك، وقد يراه ولا يسمع منه‏.

‏‏ لكن في حديث عائشة زيادة علم، وهو أمره بقراءة ‏{‏اقْرَأْ‏}‏‏.‏

وفي حديث الزهرى أنه سمى هذا ‏[‏فَتْرَة الوحي‏]‏، وكذلك في حديث عائشة ‏[‏فَتْرَة الوحي‏]‏‏.

‏‏ فقد يكون الزهري روى حديث جابر بالمعنى، وسمى ما بين الرؤيتين ‏[‏فترة الوحي‏]‏ كما بينته عائشة، وإلا فإن كان جابر سماه ‏[‏فترة الوحي‏]‏ فكيف يقول‏:‏ إن الوحي لم يكن نزل‏؟‏

وبكل حال، فالزهري عنده حديث عروة، عن عائشة، وحديث أبي سلمة، عن جابر وهو أوسع علمًا وأحفظ من يحيى بن أبي كثير لو اختلفا‏.

‏‏ لكن يحيى ذكر أنه سأل أبا سلمة عن الأولى، فأخبر جابر بعلمه، ولم يكن علم ما نزل قبل ذلك، وعائشة أثبتت وبينت‏.

‏ والآيات آيات ‏[‏اقرأ‏]‏ و‏[‏المدثر‏] تبين ذلك، والحديثان متصادقان مع القرآن ومع دلالة العقل على أن هذا الترتيب هو المناسب‏.

‏‏ وإذا كان أول ما أنزل ‏{‏‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}‏‏ ‏[‏العلق‏:‏ 1 ـ 5‏]‏، ففي الآية الأولى إثبات الخالق تعالى، وكذلك في الثانية‏.

‏‏ وفيها وفي الثانية الدلالة على إمكان النبوة، وعلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم‏.

‏‏ أما الأولى؛ فإنه قال‏:‏ ‏{‏‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}‏، ثم قال‏:‏‏{‏‏خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}‏‏‏.‏

فذكر الخلق مطلقًا، ثم خص خلق الإنسان أنه خلقه من علق‏.

‏‏وهذا أمر معلوم لجميع الناس،كلهم يعلمون أن الإنسان يحدث في بطن أمه،وأنه يكون من علق‏.‏وهؤلاء بنو آدم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏الْإِنسَانَ‏}‏ هو اسم جنس يتناول جميع الناس، ولم يدخل فيه آدم الذي خلق من طين‏.‏

فإن المقصود بهذه الآية بيان الدليل على الخالق تعالى، والاستدلال إنما يكون بمقدمات يعلمها المستدل‏.

‏‏ والمقصود بيان دلالة الناس وهدايتهم، وهم كلهم يعلمون أن الناس يخلقون من العلق‏.‏

فأما خلق آدم من طين، فذاك إنما علم بخبر الأنبياء، أو بدلائل أُخر‏.

‏‏ ولهذا ينكره طائفة من الكفار الدهرية وغيرهم الذين لا يقرون بالنبوات‏.‏

وهذا بخلاف ذكر خلقه في غير هذه السورة‏.‏

فإن ذاك ذكره لما يثبت النبوة، وهذه السورة أول ما نزل، وبها تثبت النبوة فلم يذكر فيها ما علم بالخبر، بل ذكر فيها الدليل المعلوم بالعقل والمشاهدة، والأخبار المتواترة لمن لم ير العلق‏.‏

وذكر سبحانه خلق الإنسان من العلق وهو جمع ‏[‏عَلَقَة‏]‏، وهي القطعة الصغيرة من الدم؛ لأن ما قبل ذلك كان نطفة، والنطفة قد تسقط في غير الرحم كما يحتلم الإنسان، وقد تسقط في الرحم ثم يرميها الرحم قبل أن تصير عَلَقَة‏.

‏‏ فقد صار مبدأ لخلق الإنسان، وعُلِم أنها صارت علقة ليخلق منها الإنسان‏.

‏‏ وقد قال في سورة القيامة‏:‏ ‏{‏‏أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى}‏‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 37 - 40‏]‏، فهنا ذكرهذا على إمكان النشأة الثانية التي تكون من التراب؛ ولهذا قال في موضع آخر‏:‏ ‏{‏‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ}‏‏ ‏[‏الحج‏:‏ 5‏]‏، ففي القيامة استدل بخلقه من نطفة، فإنه معلوم لجميع الخلق‏.‏

وفي الحج ذكر خلقه من تراب، فإنه قد علم بالأدلة القطعية‏.‏

وذكر أول الخلق أدل على إمكان الإعادة‏.

‏‏ وأما هنا، فالمقصود ذكر ما يدل على الخالق تعالى ابتداء فذكر أنه خلق الإنسان من علق، وهو من العلقة الدم، يصير مضغة، وهو قطعة لحم كاللحم الذي يمضغ بالفم، ثم تخلق فتصور، كما قال تعالى ‏{‏‏ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ}‏‏ ‏[‏الحج‏:‏5‏]‏ فإن الرحم قد يقذفها غير مخلقة‏.‏

فبين للناس مبدأ خلقهم، ويرون ذلك بأعينهم‏.‏

وهذا الدليل وهو خلق الإنسان من علق يشترك فيه جميع الناس‏.

‏‏ فإن الناس هم المستدلون، وهم أنفسهم الدليل والبرهان والآية‏.

‏‏ فالإنسان هوالدليل وهو المستدل، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}‏‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 21‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏‏سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}‏‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 53‏]‏‏.

‏‏ وهذا كما قال في آية أخرى‏:‏ ‏{‏‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‏} ‏[‏الطور‏:‏ 35‏]‏‏.‏

وهو دليل يعلمه الإنسان من نفسه، ويذكره كلما تذكر في نفسه وفيمن يراه من بنى جنسه‏.‏

فيستدل به على المبدأ والمعاد، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا}‏‏ ‏[‏مريم‏:‏ 66-67‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ‏} ‏[‏يس‏:‏ 78- 79‏]‏‏.‏

وكذلك قال زكريا لما تعجب من حصول ولد على الكبر فقال‏:‏ ‏{‏‏أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}‏‏ ‏[‏مريم‏:‏ 8- 9‏]‏، ولم يقل‏:‏ ‏(‏إنه أهون عليه‏)‏ كما قال في المبدأ والمعاد‏:‏ ‏{‏‏وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ‏} ‏[‏الروم‏:‏ 27‏]‏‏.

‏‏ وقال سبحانه ‏{‏‏خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}‏‏ ‏[‏العلق‏:‏ 2‏]‏، بعد أن قال‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَ‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏ 1‏]‏، فأطلق الخلق الذي يتناول كل مخلوق، ثم عين خلق الإنسان فكان كلما يعلم حدوثه داخلًا في قوله‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَق‏}‏‏.

‏‏َ وذكر بعد الخلق التعليم الذي هو التعليم بالقلم، وتعليم الإنسان ما لم يعلم‏.‏ فخص هذا التعليم الذي يستدل به على إمكان النبوة‏.‏

ولم يقل هنا‏:‏ ‏[‏هدى‏]‏، فيذكر الهدى العام المتناول للإنسان وسائر الحيوان، كما قال في موضع آخر‏:‏ ‏{‏‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}‏‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 1 ـ 3‏]‏، وكما قال موسى ‏{‏‏رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}‏‏ ‏[‏طه‏:‏50‏]‏؛ لأن هذا التعليم الخاص يستلزم الهدى العام، ولا ينعكس‏.

‏‏ وهذا أقرب إلى إثبات النبوة، فإن النبوة نوع من التعليم‏.‏

وليس جعل الإنسان نبيًا بأعظم من جعله العَلَقَة إنسانًا، حيًا، عالمًا، ناطقًا، سميعًا، بصيرًا، متكلمًا، قد علم أنواع المعارف، كما أنه ليس أول الخلق بأهون عليه من إعادته‏.

‏‏ والقادر على المبدأ كيف لا يقدر على المعاد‏؟‏ والقادر على هذا التعليم كيف لا يقدر على ذاك التعليم وهو بكل شيء عليم، ولا يحيط أحد من علمه إلا بما شاء‏؟‏

وقال سبحانه أولا‏:‏ ‏{‏عَلَّمَ بِالْقَلَمِ‏}‏،فأطلق التعليم والمعلــم، فلـم يخـص نوعًا من المعلمين‏.

‏‏ فيتناول تعليم الملائكة وغيرهم من الإنس والجـن، كمـا تنــاول الخلـق لهم كلهم‏.

‏‏ وذكر التعليم بالقلم؛ لأنه يقتضى تعليم الخط،والخط يطابق اللفظ وهو البيان والكلام‏.‏

ثم اللفظ يدل على المعانى المعقولة التي في القلب فيدخل فيه كل علم في القلوب‏.‏

وكل شيء له حقيقة في نفسه ثابتة في الخارج عن الذهن، ثم يتصوره الذهن والقلب، ثم يعبر عنه اللسان، ثم يخطه القلم‏.‏

فله وجود عينى، وذهنى، ولفظى، ورسمى‏.‏

وجود في الأعيان، والأذهان، واللسان، والبنان‏.

‏‏ لكن الأول هو هو، وأما الثلاث، فإنها مثال مطابق له‏.

‏‏ فالأول هو المخلوق، والثلاثة معلمة‏.‏

فذكر الخلق والتعليم ليتناوب المراتب الأربع، فقال‏:‏ ‏{‏‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}‏ ‏[‏العلق‏:‏ 1 ـ 5‏]‏‏.

‏ وقد تنازع الناس في الماهيات هل هي مجعولة أم لا‏؟‏ وهل ماهية كل شيء زائدة على وجوده‏؟‏ كما قد بُسِطَ هذا في غير هذا الموضع وبين الصواب في ذلك، وأنه ليس إلا ما يتصور في الذهن، ويوجد في الخارج‏.

‏‏ فإن أريد الماهية ما يتصور في الذهن‏.‏

وبالوجود ما في الخارج، أو بالعكس، فالماهية غير الوجود إذا كان ما في الأعيان مغايرًا لما في الأذهان‏.

‏‏ وإن أريد بالماهية ما في الذهن، أو الخارج، أو كلاهما، وكذلك بالوجود، فالذي في الخارج من الوجود هو الماهية الموجودة في الخارج وكذلك ما في الذهن من هذا هو هذا، ليس في الخارج شيئان‏:‏

وهو سبحانه علم ما في الأذهان وخلق ما في الأعيان، وكلاهما مجعول له‏.‏

لكن الذي في الخارج جعله جعلا خلقيًا‏.‏

والذي في الذهن جعله جعلا تعليميًا‏.‏

فهو الذي ‏{‏‏خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ‏}، وهو ‏{‏‏الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}‏‏‏.‏

وقوله‏:‏‏{‏عَلَّمَ بِالْقَلَمِ‏}‏ يدخل فيه تعليم الملائكة الكاتبين، ويدخل فيه تعليم كتب الكتب المنزلة‏.‏

فعلم بالقلم أن يكتب كلامه الذي أنزله كالتوراة والقرآن،بل هو كتب التوراة لموسى‏.

‏‏ وكون محمد كان نبيًا أميًا هو من تمام كون ما أتى به معجزًا خارقًا للعادة، ومن تمام بيان أن تعليمه أعظم من كل تعليم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}‏‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏ 48‏]‏، فغيره يعلم ما كتبه غيره، وهو علم الناس ما يكتبونه، وعلمه الله ذلك بما أوحاه إليه‏.

‏‏ وهذا الكلام الذي أنزل عليه هو آية وبرهان على نبوته، فإنه لا يقدر عليه الإنس والجن‏.‏ ‏{‏‏قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا‏} ‏[‏الإسراء‏:‏ 88‏]‏، ‏{‏‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ‏} ‏[‏يونس‏:‏ 38‏]‏، وفي الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏‏فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}‏‏ ‏[‏هود‏:‏ 13- 14‏]‏‏.‏



___________________

المجلد السادس عشر

مجموع الفتاوي لابن تيمية







التوقيع :
دعاء : اللهم أحسن خاتمتي
وأصرف عني ميتة السوء
ولا تقبض روحي إلا وأنت راض عنها .
#

#
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
العِلمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسولُهُ *قَالَ الصَّحَابَةُ هُم أولُو العِرفَانِ* مَا العِلمُ نَصبكَ لِلخِلاَفِ سَفَاهَةً * بينَ الرَّسُولِ وَبَينَ رَأي فُلاَنِ

جامع ملفات ملف الردود على الشبهات

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=83964
من مواضيعي في المنتدى
»» رد الشيخ عبدالرحمن دمشقية على الحيدري حول الفيلم المسيء
»» كتاب لمعمم شيعي رافضي يحرم الطبخ في الأواني المصنوعة في مصر ويسب أهلها في أعراضهم
»» الرد على المدعو منسي الطيب دينكم من طين يا أهل السنة
»» حقيقة البوطي بقلم الصوفي محمد ابوالهدي اليعقوبي
»» الرد على من قال ارى الشيعة وعلماءهم والليبراليين وحتى النصارى اخواني في الوطنية
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:43 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "