الحمد لله الذي لقدرته يخضع من يعبد، ولعظمته يخشع من يركع ويسجد، ولطيب مناجاته يسهر العابد ولا يرقد، ولطلب ثوابه يقوم المصلي ويقعد، يجل كلامه عن أن يقال مخلوق ويبعد، جدد التسليم لصفاته مستقيم، فمن شبه أو عطل لم يرشد، ما جاء في القرآن قبلنا أو في السنة لم نردد، أليس هذا اعتقادكم يا أهل الخير؟ وكيف لا أتفقد العقائد خوفا من الضير؟ فإن سليمان تفقد الطير (فقال مالي لا أرى الهدهد).
أحمده حمد من يرشد بالوقوف على بابه ولا يشرد، وأصلي على رسوله محمد الذي قيل لحاسده فليمدد، صلى الله عليه وعلى الصديق الذي في قلوب محبه فرحات، وفي صدور مبغضه قرحات تنفد، وعلى عمر الذي لم يزل يقوي الإسلام ويعضد، وعلى عثمان الذي هو قائم بالليل ويسجد، وعلى علي الذي ينسف زرع الكفر بسيفه ويحصد، وعلى سائر آله وأصحابه صلاة دائمة لقائلها تعضد، وسلم تسليما.
أما بعد،
قال الزميل عنوان:
أولا :
قد بينت فيما سبق عظمة هذا الموضوع ، وضعفي عن إيفائه حقه ، ويبدو لي إضافة لذلك أنني لا أحسن البيان كما يرجو الفاضل حجاج ، فتضاف هذه إلى تلك .
أقول: لا خلاف بيننا إذن على عظمة التوحيد وأهميته إذ هو مراد الله تعالى من إرسال رسله. قال تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) وأما أنك لا تحسن البيان، فلعلي لا أكون أفضل حالا، فالله المستعان وعليه التكلان.
قلتَ:
"يترتب على شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أمور منها ما يرتبط بالعقيدة، ومنها ما يرتبط بالعمل. أما ما يرتبط بالعقيدة، فالإيمان بالله وأنه واحد لا شريك له ولا عديل، وأنه حي لا أول له ولا آخر، عالم بما كان وما يكون، قادر لا حد لقدرته، مريد غير مكره، فعال لما يشاء ولا يسأل عما يفعل، وأن كل ذلك ذاتي له سبحانه غير مكتسب."
أقول: لنبدأ بما يرتبط بالعقيدة ونناقش كل مسألة على حدة، فقولك: " أنه واحد لا شريك له ولا عديل" يدخل ضمن توحيد الألوهية، "وأنه حي لا أول له ولا آخر، عالم بما كان وما يكون، قادر لا حد لقدرته، مريد غير مكره، فعال لما يشاء" فيدخل ضمن توحيد الأسماء والصفات، وإن قصر عن الشمول.
فأما دعواكم معاشر الرافضة أنه واحد لا شريك له فجيد، لكني عند النظر والتمحيص وجدتكم في عقائدكم أشد الناس إشراكا وكفرا. وذلك أنكم تعتقدون أن الله تعالى قائم بعلي. يقول صاحب الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل في تفسيره (بسم الله الرحمن الرحيم):
" دأبـت الأمـم والشعوب على أن تبدأ كل عمل هام ذي قيمة باسم كبير من رجالها. والحجر الأساس لـكل مؤسسة هامة يوضع باسم شخصية مرموقة في نظر أصحابها, أي أن أصحاب المؤسسة يبدأون العمل باسم تلك الشخصية"
فحيث نبدأ نحن ببسم الله الرحمن الرحيم في كل عمل جل أو صغر نجدكم تدعون عليا من دون الله في السراء والضراء وفي المنشط والمكره معتقدين أنكم بدعائكم له إنما تدعون الله جل وعلا، وهذا من أشنع الكفر. وقد ذم الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه من يصنع صنيعكم هذا فقال:
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) الحج 62
فأنتم، في مقابل هذه الآية الكريمة المحكمة، نجدكم أمام خيارين أحلاهما مر: إما الإقرار بأن من تدعون من دونه هو الباطل، وإما الإقرار بأن الله جل وعلا قائم بعلي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولهذا فإنا نقول لمن دخل الإسلام أن من مقتضيات قوله (لا إله إلا الله) أنه لا يدعى فيما لا مقدور عليه سوى الله تعالى لأن الدعاء عين العبادة. ودعاء المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله إشراك بالله. انظر إلى قول الله تعالى:
(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ، وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ، مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ، فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ، قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ، تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) الشعراء 91-99
جاء في كتاب (الدعاء: حقيقته – آدابه – آثاره) لمركز الرسالة: " فإذا كان الله تعالى قد قال : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) فإنّ الدعاء مخُّ العبادة وجوهرها ، الذي جعله القرآن الكريم في نصّ آخر مرادفاً للعبادة : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، فجعل الدعاء هنا ممثلاً للعبادة ومترجماً لها . قال الاِمام الصادق (عليه السلام):«إنّ الدعاء هو العبادة» ثم تلا هذه الآية الكريمة التي تعبر عن هذا المعنى، وقال: «هي والله العبادة، هي والله العبادة» يريد الدعاء.." www.alhikmeh.com\arabic\mktba\doa\doua\index.htm
ولهذا فإن استهلال أحدكم الدعاء بقوله (يا علي، يا حسين، يا عباس) عوضا عن (يا رب) أو (يا الله) هو مساواة للمخلوق برب العالمين. وقول (لا إله إلا الله) يستلزم منكم الكفر بالأنداد الذين تدعون من دونه.
والموضوع في هذه النقطة يطول، نأمل أن نوفيه بعض قدره قبل الانتقال إلى غيره إن شاء الله، وبانتظار تعقيبكم، والسلام على من اتبع الهدى.