حديث الأسحار هو الدعاء والتضرع والمناجاة والذكر في آخر الليل،فيقف كالمنكسر بين يدي ربه المعترف بالتقصير والعجز يستغفره ويطلب منه القبول،
وهو وقت خلوة الحبيب بحبيبه،
ووقت السكون والظلام،فرصة أن يتسلل إلى سجادته فينطرح بين يدي ربه ويسأله ويستغفره ويبثه همه وألمه وحزنه وشكواه ويستعينه على مصائب الدنيا وعلى آلامها وتبعاتها وأحزانها وهمومها،
والنبي،صلى الله عليه وسلم، كان يقوم ويقول لعائشة،دعيني أصلي لربي ،فتقول له عائشة رضي الله عنها،يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر،
فَقَال لها(يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً)
والذين وصفهم ربهم،عز وجل،بقوله(وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذريات،
لماذا خصّ الله تعالى الأسحار، لأن الليل هدأت وإخلاد الناس إلى الراحة والنوم، والوقت المفضل في دافع مناجاة الله تعالى،
ما يتفوق الرغبة في المنام في الفراش ،وقد يكون الجو بارداً والصقيع عاماً،ومع ذلك يُغالبون ذلك ويتحملون طمعاً ورغبة فيما عند الله تعالى ومرضاته،كما قال النبي،صلى الله عليه وسلم(وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائِك)وجدوا لذة الإيمان بخلوته بربه ومناجاته له،والإقبال على الله،قال تعالى(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ،الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ،وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)
كان عبد الله بن عمرو بن العاص يقوم الليل كله حتى قال له النبي،صلى الله عليه وسلم(قم ونم،وصم وأفطر)
والنبي،صلى الله عليه وسلم،يقول له(كن فى الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبِيل) وعلى الإنسان ألا ينخدع بعمله،
وكان أبو الدرداء،رضي الله عنه،يقول،لو علمت أن الله تعالى، قَبِل مني سجدة واحدة ما باليت ما وراء ذلك ؛ لأن الله تعالى يقول : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(المائدة: من الآية27) فليست العبرة فقط بكثرة العمل وإنما العبرة بالقبول والعبرة بأن ينكسر الإنسان لربه لأن العبودية هي انكسار ، فإذا أصبح عند الإنسان اغترار أو إعجاب بالعمل أو رؤية الذات أو شعور بأنه عمل شيئاً أو صنع شيئاً هذا يُحبط هذه الروح ويدمرها في النفس ، العبادة أساسها الذل لله -سبحانه وتعالى- والانكسار وأن تشعر بأنك تعبده بجوارح هو خلقها ،وكان عمر،رضي الله عنه،يقول،
والله إني لا أحمل همّ الإجابة ولكن أحمل همّ الدعاء،
فالدعاء عبادة،وهو من أعظم العبادات،
قال تعالى(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)غافر،
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)البقرة،
قريب سبحانه وتعالى(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)قّ،
حبل الوريد الموجود في الإنسان فالله تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد ،قريب بعلمه،وبسلطانه،وبإحاطته ،وبسمعه،وببصره قريب بإجابته،عز وجل،
واستشعار المؤمن ضروري، ويعلم أن جبار السماوات والأرض يسمعه ويُجيبه ويستجيب له ويُثيبه ويُصيبه بالخير والرحمة والعطاء والبركة.
يارب استجب دعائي وحقق فيك رجائى،يااجود من اعطى،
اللهم عاملنى بما انت اهل له ولا تعاملنى بما انا اهل له.