العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الحوار مع باقي الفرق

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-10-11, 03:43 AM   رقم المشاركة : 1
ابن عيبان العبدلي
عضو فعال






ابن عيبان العبدلي غير متصل

ابن عيبان العبدلي is on a distinguished road


هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟ (1) الشيخ فلاح بن إسماعيل مندكار

بسم الله الرحمن الرحيم



هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟ (1)

الشيخ الدكتور فلاح إسماعيل مندكار

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الأشاعرة والأشعرية فرقة كلامية طارئة في الأمة، نشأت بعد القرون الفاضلة، وتنتسب إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وهو مؤسسها، وقد كان معتزليا بالاتفاق حتى بلغ الأربعين، أي حتى سنة 300هـ، ثم انتقل إلى الطريقة الكلابية، نسبة إلى مؤسسها أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان البصري، كان في زمن الإمام أحمد رحمه الله، ويوصف بإنه فارق إجماع أهل البدع في مسألة الكلام النفساني حيث خالف النقل، والعقل، والفطرة، والعرف، واللغة، وجاء بشيء لم يعرفه أحد من قبله، فأشبه بذلك النصارى في قولهم بالتثليث والكلابية من حيث الجملة مذهب وسط بين الاعتزال وبين أهل السنة (أو الصفائية أو المشبهة والمثبتة كما يسمونهم هم).



فأبو الحسن ترك الاعتزال ووافق ابن كلاب في الأصول، والشافعي في الفروع، ثم اشتغل في الرد على المعتزلة ومناقشة مذاهبهم بأدلة عقلية كلامية، وأدلة نقلية فأحسن وأجاد رحمه الله.

ثم أراد أن يرد- بزعم أتباعه- على الصفائية المشبهة المثبتة، نقرأ في مصنفاتهم واستعرض أقوالهم ومروياتهم خاصة ما كان للإمام الشافعي رحمه الله، ثم قرأ كتب الإمام أحمد رحمه الله، الرد على الجهمية، وكتاب السنة وغيرهما، أعجب بما فيها واعتقدها، ووجد ضالته فيها بعد ترك الاعتزال، فاستبدل الرد المزعوم من قبل أتباعه بزيارتهم والجلوس إليهم- أعني تلاميذ الإمام أحمد وعلى رأسهم زكريا الساجي، ثم ألف وكتب وصنف في نصرة الحق والسنة وأهله وخاصة مقالات الإسلاميين، والإبانة عن أصول الديانة حيث صرح أنه على مذهب السلف وأنه مقتد بالإمام أحمد بن حنبل- رحم الله الجميع- صرح في المقالات بأنه على مذهب أهل الحديث، وفي الإبانة باقتدائه بالإمام أحمد، ثم زاد أمر انتقاله من المذهب الكلابي إلى السنة المحضة في كتابه «رسالة إلى أهل الثغر» حيث أثبت صفات الله وأنها لا تقتضي مشابهة ولا تُوهم تشبيها- كما يزعم أتباعه- وأثبت أن القرآن كلام الله وأنه ليس بمخلوق وأثبت الصفات الخبرية- وهي محل إشكال عظيم عند أتباعه- فاثبت اليدين والمجيء والنزول وغيرها حقيقة على ما يليق به تبارك وتعالى وقد استقر أمره على ذلك رحمه الله حتى وفاته سنة 324،ملتزما مذهب أهل السنة ومنهجهم ومسلكهم، منتصرا لأهل الحق.



وخلاصة القول أن أبا الحسن كان معتزليا حتى بلغ الأربعين وحاز على مرتبة الإمامة والرئاسة، ثم وفقه الله في الخروج والاشتغال بالرد عليهم وذكر فضائحهم، ثم انتقل إلى مذهب ومسلك ابن كلاب رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه وصاحب التصانيف في الرد على المعتزلة.



وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية، والذهبي، والمقريزي، وغيرهم أن الأشعري لما رجع من الاعتزال سلك طريق ابن كلاب، وخلاصة مذهب ابن كلاب يصفه شيخ الإسلام بأنه يميل فيها إلى مذهب أهل الحديث والسنة، ولكن فيها نوع من البدعة لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله، ولم يثبت الأمور الاختيارية بذاته، أي أن ابن أبي كلاب أثبت لله تعالى الصفات الذاتية اللازمة- خلافا لمذاهب أهل الاعتزال- إلا أنه وافق المعتزلة في إنكار الصفات الاختيارية التي تتعلق بمشيئة الله تعالى وقدرته، فهو وإن وافق أهل السنة في أمور، إلا أنه وافق المعطلة في أمور أخرى في باب الأسماء والصفات.



الحاصل أن أبا الحسن بعد مكوثه فترة على هذه الطريقة، رجع رجوعا تاما إلى مذهب أهل السنة، والتزم طريقتهم ومنهجهم، وبقي كذلك حتى توفي سنة 324هـ، بعد أن انتصر للسنة وأهلها وألف وصنف في بيان معتقده وأصول ديانته رحمه الله.



وقد شهد له الأئمة والعلماء بالرجوع التام إلى مذهب السلف، مثل شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، والحافظ الذهبي، والحافظ ابن كثير- رحم الله الجميع- الذي نص على أحواله الثلاث بقوله: أولها حال الاعتزال الذي رجع عنها لا محالة، والثاني: إثبات الصفات العقلية السبع وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك، والثالث: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جريا على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنف آخرا.



وهذا ابن النديم- رحمه الله- في كتابه الفهرست- وهو أقرب العلماء زمنا بالأشعري حيث أن وفاته كانت سنة 385هـ - حيث ترجم لأبي الحسن وذكر جملة من مصنفاته ومنها كتاب (الإبانة) فقال:«كتاب التبيين عن أصول الديانة».



وهذا الإمام ابن عساكر الدمشقي- رحمه الله- والمتوفى سنة 571هـ، ذب عن أبي الحسن وأثبت له كتاب الإبانة فقال: وتصانيفه بين أهل العلم مشهورة ومعروفة، وبالإجادة والإصابة للتحقيق عند المحققين موصوفة، ومن وقف على كتابه المسمى «الإبانة» عرف موضعه من العلم والديانة، كما ذكر ابن عساكر إمام أهل السنة أبي عثمان الصابوني ثناءه على كتاب الإبانة وعلى أبي الحسن الأشعري وأنه من أعيان أهل الأثر.



وهذا الإمام ابن درباس المتوفى سنة 659هـ كتب في الذب عن الأشعري فقال: «إن كتاب الإبانة عن أصول الديانة ألفه الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري وهو الذي استقر عليه أمره فيما كان يعتقده، وبما كان يدين الله سبحانه وتعالى بعد رجوعه عن الاعتزال بمنّ الله ولطفه، وكل مقالة تنسب إليه الآن مما يخالف ما فيه، فقد رجع عنها وتبرأ إلى الله سبحانه منها، وكيف وقد نص فيه على أنه ديانته التي يدين الله سبحانه بها، وروى وأثبت ديانة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث الماضين، وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين، وقد ذكر هذا الكتاب واعتمد عليه وأثبته عن الإمام أبي الحسن، وأثنى عليه بما ذكره فيه، وبرأه من كل بدعة نسبت إليه، ونقل منه إلى تصنيفه، جماعة من الأئمة الأعلام من فقهاء الإسلام، وأئمة القراء، وحفاظ الحديث وغيرهم.



وأما الأشاعرة فهم طائفة من أهل الكلام وينتسبون إلى الإمام أبي الحسن، وينسبون إليه مذهبهم وملكهم المخالف ومسلك أهل السنة ولمسلك أبي الحسن نفسه ومذهبهم في باب الأسماء والصفات يقوم على التأويل المذموم لنصوص الصفات بأنواع المجازات وغرائب اللغة، تأويلا يصل بها إلى التحريف وإخراجها عن ظواهرها وعن مراد الله تعالى مما يليق به جل وعلا.



وهذا المذهب يمثل في حقيقته وأصله الطور الثاني من أطوار أبي الحسن حين ترك الاعتزال وسلك مسلك ابن كلاب البصري المتكلم، ويصنف شيخ الإسلام هذا المسلك وهذه الطريقة بأنها «برزخ بين السلف والجهمية باعتبار أنهم أخذوا كلاما صحيحا من مذهب السلف، وكلاما وأصولا عقلية جدلية من مذهب الجهمية ظنوها صحيحة وهي فاسدة».
ثم أن الأشاعرة طوروا المذهب وزادوا عليه أصولا كثيرة من مذهب المعتزلة لا علاقة لها بأبي الحسن رحمه الله، كما فعل أبو المعالي الجويني إمام الحرمين في سنة 478هـ الذي اشتهر بكثرة مطالعة كتب ومصنفات أبي هاشم الجباني، وكما فعل وزاد أيضا أبو حامد الغزالي المتوفى سنة 505هـ ثم جاء إمام الأشعرية الكلابية الفخر الرازي الذي قعّد أصول المذهب (ت 606هـ) ثم تبعه الآمدي (ت 631هـ)، ثم القاضي عبد الرحمن الايجي (ت 756هـ).


----------------------------

قراءنا الأعزاء تابعونا في الأعداد القادمة بإذن الله، والحمد لله رب العالمين.
الشيخ الدكتور فلاح إسماعيل منذكار
تاريخ النشر: الاثنين 5/3/2007
جريدة الوطن الكويتية


http://www.tbark.net/articles.php?action=show&id=15






 
قديم 31-12-11, 11:20 PM   رقم المشاركة : 2
ابن عيبان العبدلي
عضو فعال






ابن عيبان العبدلي غير متصل

ابن عيبان العبدلي is on a distinguished road



بسم الله الرحمن الرحيم



هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة (2)
الشيخ الدكتور: فلاح إسماعيل مندكار


--------------------------------------------------------------------------------


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

تقدم معنا في المقال السابق نشأة الأشاعرة والمراحل التي مر بها أبو الحسن الأشعري رحمه الله وتعالى، وإتماما لما ذكرنا أقول:

قد خالف الأشاعرة المتأخرون بما قعّده لهم وأصّله أئمتهم ما كان عليه سلف الأمة الكرام في أبواب الدين وأصول الإيمان، فصرحوا وما زالوا بتباين طريقتهم ومنهجهم لمنهج السلف الكرام في طريقة الاستدلال والاحتجاج في مسائل الاعتقاد مستحسنين لقواعدهم وأصولهم التي ما زالوا يتعلقون بها ويظنوها أدلة شرعية قطعية وأنها الهدى والنور، ومتعلقين بنسبتهم إلى الإمام أبي الحسن غير ملتفتين إلى رجوعه إلى الحق وطريق السلف، ومنكرين مؤلفاته على الرغم من صحة ثبوتها ونسبتها إليه رحمه الله، فما زالوا ينسبون الإمام إلى البدعة وينكرون رجوعه إلى الحق والسنة ثم يزعمون أنهم أتباعه وأنصاره.



فها هم- وعلى خلاف منهج الإمام أبي الحسن- يصرحون بوجوب تقديم العقل على النقل وكذلك بعدم الاحتجاج بأحاديث رسول الله في العقيدة بحجة أنها آحاد وإن كانت في الصحيحين أو في إحدهما، وكذلك بوجوب تأويل النصوص وعدم إجرائها على ظاهرها، مخالفين قواعد السلف والصحابة ثم يزعمون أنهم أهل السنة والجماعة.



واحدة من هذه القواعد المخالفة تكفي للخروج عن الجماعة، فكيف بها مجتمعة في الأشاعرة، استخفاف بالنصوص وترجيح لعقول أئمتهم وآحادهم وتقديم ذلك كله على كتاب الله وعلى سنة رسوله، توزن النصوص بميزان العقل فما وافق عقولهم أثبتوه وما خالف عقولهم ردوه أو حرفوا معناه.



ثم كيف يزعمون- وبلا حياء- أنهم أهل السنة والجماعة وهم ما زالوا يقررون أن مذاهب الأمة في الاعتقاد على ضربين: مذهب السلف، ومذهب الخلف.

والسلف هم الصحابة- رضي الله عنهم- وهم الجماعة كما جاء في حديث النبي المشهور في افتراق الأمة عندما قال: «كلها في النار إلا واحدة» قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «الجماعة»، وفي رواية قال: «هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
والجماعة الحق، والحق والإصابة والنجاة في دين الله هو ما كان عليه النبي والصحابة، أي السنة والجماعة، فالسنة ما ثبت عن رسول الله وحياً، والجماعة الصحابة في فهمهم ومناهجهم في تقرير مسائل الاعتقاد مما جاء من الكتاب والسنة.



وتتلخص طريقتهم في تقديم النقل تقديما مطلقا، وعدم التفريق بين النصوص الشرعية، فالقرآن والسنة والمتواتر والآحاد يفيد العلم ويوجب العمل والتصديق على السواء، ثم إجراء جميع النصوص على الظاهر والحقيقة لا المجاز إلا ما أوجبه الدليل النقلي لا العقلي.



وأما مذهب الخلف وهم في الحقيقة خلوف تفرقوا واضطربوا بسبب بعدهم عن نور الوحي وقدموا العقل، وفرقوا بين النصوص قبولا وردا بمقتضى ما تمليه عليهم عقولهم، ثم عاثوا فسادا في النصوص باسم التأويل الذي هو التحريف لأنهم يخرجونها عن مضامينها وعن حقيقتها بقواعد عقلية وأدلة منطقية استحسنوها وزعموا أنها هي القواطع الواجب أتباعها، وأما نصوص الوحي فمدارها على الظن والتخريص، وتدور بين ظنية الثبوت فترد ويقدم المعقول عليها، وبين ظنية الدلالة فيحرفونها عن مواضعها بأنواع المجازات والخيالات العقلية.



فالفرق واضح بين لكل متجرد معظم للكتاب والسنة والصحابة، وكما ذكرت فإنهم في جميع كتبهم يقررون أن هناك مذهبا للسلف، ومذهبا للخلف، وهذا دليل الإقرار بالفرق، ثم وبلا حياء يقررون أن مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم، وهذا تأكيد وإمعان في تقرير الفرق والاختلاف، ولكن العجب العجاب أنهم بعد هذا كله يقولون ويزعمون أن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة.



جاء في جوهرة التوحيد: وكل نص أوهم التشبيها أوّله أو فوّض ورم تنزيها
وقال البيجوري في حاشيته: «أوّله أي حمله على خلاف الظاهر مع بيان المعنى المراد، فالمراد أوّله تأويلا تفصيليا بأن يكون فيه بيان المعنى المراد كما هو مذهب الخلف، وهم من كانوا بعد الخمسمائة، وقيل بعد القرون الثلاثة.



وقوله أو فوض أي بعد التأويل الإجمالي الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، فبعد هذا التأويل فوض المراد من النص الموهم إليه تعالى على طريقة السلف، وهم من كانوا قبل الخمسمائة وقيل القرون الثلاثة: الصحابة والتابعون واتباع التابعين، وطريقة الخلف أعلم وأحكم لما فيها من مزيد الإيضاح والرد على الخصوم وهي الأرجح ولذلك قدمها المصنف، وطريقة السلف أسلم لما فيها من السلامة من تعيين معنى قد يكون غير مراد له تعالى....فظهر مما قررناه اتفاق السلف والخلف على التأويل الإجمالي لأنهم يصرفون النص الموهم عن ظاهره المحال عليه تعالى...» [ص 52].



هكذا وبلا حياء ولا خجل يرجحون مذهبهم الكلامي الفلسفي على مذهب خير القرون، على مذهب الجماعة والصحابة، وهكذا يكذبون على الصحابة بأنهم أهل تأويل إجمالي بمعنى أنهم لا يقررون أي معنى لآيات الصفات التي وصفوها بأنها توهم التشبيه، فاتهموا النصوص بأن فيها تشبيها للخالق بالمخلوق وتفتقر إلى تنزيه الباري وكأنهم، أعلم بالله وبما يليق من نفسه تبارك وتعالى، واتهموا رسول الله بأنه وصف ربه بما ظاهره التشبيه وعدم التنزيه وكأنهم أعلم من رسول الله بما يليق بالله وبمدلولات الألفاظ والمعاني والأوصاف، سبحانك هذا بهتان عظيم، ثم كذبوا على الصحابة أيضا واتهموهم بالتأويل وصرف الألفاظ عن ظاهرها.



ثم وبعد هذا كله يزعمون أنهم هم الجماعة، وكأنهم نسوا أنهم أرجح في مذهبهم وفي معرفة ما يليق بالله، وما زالوا يرجحون مذهب الخلف على مذهب السلف، فحري بهم ألا يقولوا أنهم هم أهل السنة والجماعة لأن مذهب السنة والجماعة مرجوح عندهم، وليصرحوا بأنهم أفضل من الصحابة في فهم وتطبيق نصوص الكتاب والسنة وأعقل وأعلم وأكثر حكمة كما هم يزعمون.



أما مسألة خلق القرآن عند الأشاعرة فهذا ما ستعرفه في المقال القادم إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.



الشيخ الدكتور: فلاح إسماعيل مندكار
تاريخ النشر: الاثنين 12/3/2007
جريدة الوطن الكويتية


http://www.tbark.net/articles.php?action=show&id=16






 
قديم 31-12-11, 11:25 PM   رقم المشاركة : 3
ابن عيبان العبدلي
عضو فعال






ابن عيبان العبدلي غير متصل

ابن عيبان العبدلي is on a distinguished road



بسم الله الرحمن الرحيم



هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة (3)
الشيخ الدكتور/ فلاح إسماعيل مندكار


------------------------


الشاهد أن الأشاعرة يزعمون أن القرآن كلام الله وأن كلامه معنى قائم بنفسه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلقد وعدناكم في المقال السابق أن نتكلم عن مسألة خلق القرآن عند الأشاعرة ومخالفتهم لأهل السنة والجماعة في هذه المسألة المهمة العظيمة، فأقول:



وأما مسألة القول في القرآن وكلام الله، فهي من المسائل المتفرعة عن مناهجهم وطريقتهم الفلسفية الكلامية التلفيقية، وأذكرها هنا توضيحا لاضطرابهم ومخالفتهم وتلفيقهم في مسائل الاعتقاد، وبيان أنهم والمعتزلة على أصل واحد بل يزيدون عليهم في التلبيس والتدليس والتلفيق.



فتدبر هذه المسألة وتجرد من المتابعة والموافقة إلا لله ولرسوله ثم للصحابة، لتدرك بُعد الأشاعرة عن الحق والسنة والجماعة، وقربهم من المعتزلة والجهمية والمعطلة.



يقول إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (ت: 478) في كتابه [الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد ص- 130]:«فصل: معنى إنزال كلام الله تعالى» «... فالمعنيّ بالإنزال، أن جبريل صلوات الله عليه أدرك كلام الله تعالى وهو في مقامه فوق سبع سماوات، ثم نزل إلى الأرض، فأفهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما فهمه عند سدرة المنتهى من غير نقل لذات الكلام».



ويقول [ص- 108] «الكلام هو القول القائم بالنفس...، الذي تدل عليه العبارات وما يصطلح عليه من الإشارات».

ويقول [ص- 109] «وهو الفكر الذي يدور في الخلد وتدل عليه العبارات تارة وما يصطلح عليه من الإشارات ونحوها أخرى، والدليل على إثبات الكلام القائم بالنفس، أن العاقل إذا أمر عبده بأمر، وجد في نفسه اقتضاء الطاعة منه وجدانا ضروريا».

ثم استدل بقول الشاعر:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
جُعل اللسان على الفؤاد دليلا

تدبر يا أخي وأمعن النظر في كلامه وتقريراته، فجبريل لم يسمع لأن الله لم يتكلم، ولأن كلامه هو ما قام في نفسه من المعاني، وهو الفكر الذي يدور في الخلد قبل التلفظ به.
ثم تدبر قوله: إن دليله على كلام الله النفسي: أن العاقل إذا أمر عبده!!! يا سبحان الله وأذكر هنا كلمة شيخنا حماد بن محمد الأنصاري- رحمه الله- وشيخنا عبد المحسن بن حمد العباد، وشيخنا عبد الله بن محمد الغنيمان- حفظهما الله ونفع بعلمهما- بأن الأصل في أهل التجهم والتعطيل والتأويل أنهم ينظرون إلى النصوص الشرعية في صفات الله بما يعرفونه ويشاهدونه في المخلوق والمحسوس، وهذا أبو المعالي يستدل على صفة من صفات الله بما يجده العاقل- بزعمه- في نفسه!! فأين التنزيه وأين ليس كمثله شيء؟!



فلما نظر إلى الصفات الواردة في الكتاب والسنة، ثم عرضها على ما يعرفه في المخلوق وجد نفسه مضطرا إلى التعطيل والتأويل فرارا من التشبيه وتحقيقا للتنزيه، وهذا إنما أُتي من حيث التشبيه فهو قد شبه أولا، ونظر بعين التشبيه ثم لم يجد بُداً من التعطيل، فعالج الداء بما هو أعظم داءً، وهكذا البدعة تجرّ بصاحبها إلى بدع أخرى.



وهذا القاضي عبد الرحمن الأيجي (ت: 756هـ) في كتابه [المواقف في علم الكلام ص 293-294] يقول:«في المقصد السابع: في أنه تعالى متكلم».

ذكر أولا قول الحنابلة وأبطله، ثم ذكر قول المعتزلة بأنه أصوات وحروف يخلقها الله في غيره، كاللوح المحفوظ أو جبريل، أو النبي، وهو حادث (أي مخلوق).



ثم قال:«وهذا لا ننكره (أي القول بأنه حادث) لكنّا نثبت أمرا وراء ذلك وهو المعنى القائم بالنفس ونزعم أنه غير العبارات...
فإذا عرفت هذا فأعلم أن ما يقوله المعتزلة، وهو خلق الأصوات والحروف وكونها حادثة قائمة، فنحن نقول به ولا نزاع بيننا وبينهم في ذلك، وما نقوله من كلام النفس فإنهم ينكرون ثبوته...
فإذاً: الأدلة الدالة على حدوث الألفاظ إنما تفيدهم بالنسبة إلى الحنابلة، وأما ما دل على حدوث القرآن مطلقا فحيث يمكن حمله على حدوث الألفاظ...»



يقرر الأيجي أن الأشاعرة يتفقون والمعتزلة على أن القرآن بألفاظه وحروفه مخلوق كما يقرر وجود أدلة تقرر أن القرآن مخلوق؟! وأنها تفيد في الرد على مذهب الحنابلة- أهل السنة والجماعة في قولهم الذي ذكره قبل هذا أن القرآن كلام الله وأنه ليس بمخلوق.
وهذا كتاب جوهرة التوحيد- خاتمة نصوص الاعتقاد في المذهب الأشعري، والمعتمد في مقرر الاعتقاد في الجامعات الإسلامية التي تتبنى المذهب الأشعري كالأزهر وغيره.



وقد اعتنى بشرحه طائفة من علمائهم، منهم إبراهيم البيجوري- كان شيخاً للأزهر- في حاشيته المسماة (تحفة المريد على جوهرة التوحيد)، يقول البيجوري:«... وأعلم أن كلام الله يطلق على الكلام النفيس بمعنى أنه صفة قائمة بذاته تعالى...».



وعلى الكلام اللفظي بمعنى أنه خلقه.... وإطلاقه عليهما قيل بالاشتراك(أي بالاشتراك اللفظي بزعمهم)، وقيل حقيقي في النفسي، مجاز في اللفظي... ومع كون اللفظ الذي نقرؤه حادثا (أي مخلوقا) لا يجوز أن يقال: القرآن حادث إلا في مقام التعليم، لأنه يطلق على الصفة القائمة بذاته أيضا، لكنه مجاز على الأرجح، فربما يتوهم من إطلاق أن القرآن حادث، أن الصفة القائمة بذاته تعالى حادثة....



وقد أضيف له تعالى كلام لفظي كالقرآن، فإنه كلام الله قطعا، بمعنى أنه خلقه في اللوح المحفوظ... وهذا هو المراد بقولهم القرآن حادث ومدلوله قديم، فأراد بمدلوله «الكلام النفسي....» [الجوهرة- 42].



هكذا يقرر أن القرآن الموجود بين أيدينا والذي نقرؤه مخلوق، وأن الله خلقه في اللوح المحفوظ، ويقرر ويرجح عدم إطلاق هذا الاعتقاد لأن المستمع قد يتوهم أن المراد بالمخلوق المعاني القائمة في ذات الله، وهذا التوهم لا محل له ولا وجود إلا في أذهانهم وعقولهم، لأن الجميع يريد بالقرآن الألفاظ الموجودة بين دفتي المصحف والمقروءة في الصلاة وغيرها، وأما المعاني القائمة في النفس فليست كلاما عند العرب ولم يردها أحد في قوله وتعريفه للقرآن.



ثم يقول عن قول صاحب الجوهرة:
«ونزه القرآن أي كلامه عن الحدوث واحذر انتقامه»
يقول:« أي اعتقد أيها المكلف تنزه القرآن بمعنى كلامه عن الحدوث خلافا للمعتزلة....»، ثم ذكر مذهبهم بأن:«القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس بمخلوق، وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلوق، لكن يمتنع أن يقال القرآن مخلوق ويراد اللفظ الذي نقرؤه إلا في مقام التعليم لأنه ربما أوهم أن القرآن بمعنى كلامه تعالى مخلوق، ولذلك اقتنعت الأئمة من القول بخلق القرآن وقد وقع في ذلك امتحان كبير لخلق كثير من أهل السنة....» [الجوهرة- 54].



هكذا يقرر أن محنة القول بخلق القرآن الذي تولى كبرها المعتزلة، إنما أرادوا مطلق القول الموهم للمعاني القائمة في نفس الله وذاته الكريمة العلية، وقد كذب الأشاعرة فإنهم يريدون الانتصار لمذهبهم وتلبيسهم وتلفيقهم، وعلم الله تعالى، كما علم الخاصة والعامة أن المعتزلة إنما أرادوا القرآن الذي بين أيدينا والمقروء في الصلاة وغيرها، ولم يريدوا المعاني القائمة بالنفس، ولم يعرفوها أصلا لأن أول من نطق بها هم الأشاعرة، فلم يعرفها لا المعتزلة، ولا أهل السنة المحضة أتباع السلف رحمهم الله.

ثم فرّع الأشاعرة من المسائل التي غلب عليها الترف والفساد العقلي بما قعّدوه واستحسنوه من ترهات العقول والأفكار، وها هم ما زالوا يرددون من تلك الأسئلة وتفريعات المسائل التي تقرر خلق القرآن قولهم:
«وهل القرآن بمعنى اللفظ المقروء أفضل أو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟!، تمسك بعضهم بما يروى: كل حرف خير من محمد وآل محمد، لكنه غير محقق الثبوت، والحق أنه صلى الله عليه وسلم أفضل من كل مخلوق كما يؤخذ من كلام الجلال المحلي على البردة...» [الجوهرة- 54].



تدبر يا أخي هذه المقارنة والمفاضلة التي منشؤها المقارنة بين مخلوق ومخلوق، لذلك ترى الترجيح والتفضيل الجائز لأنهم فضلوا محمداً صلى الله عليه وسلم على صفة من صفات الله، ولكنها البدعة والعقل والهوى كذلك تفعل بأصحابها.



ثم مسألة أخرى تدبرها كيف رد القول الأول بحجة واهية ساقطة فيقول:«لكنه غير محقق الثبوت»، ثم رجح ما وافق تقريره وعقيدته المنحرفة بما زعمه مأخوذ من كلام الجلال المحلي في شرحه وتعليقه على البردة!!!

ويقول أيضا:«....والراجح أن المنزل اللفظ والمعنى، وقيل المنزل المعنى وعبر عنه جبريل بألفاظ من عنده، وقيل المنزل المعنى وعبر عنه النبي بألفاظ من عنده، لكن التحقيق الأول لأن الله خلقه أولا في اللوح المحفوظ ثم أنزله في صحائف إلى السماء الدنيا في محل يقال بيت العزة في ليلة القدر... ثم أنزله النبي مفرقا....» [الجوهرة- 55].



انظر رحمك الله موافقتهم للمعتزلة، ولكن عدم التصريح إلا في مقامات الخاصة منهم لإظهار وإيهام موافقتهم لأهل السنة في مخالفة المعتزلة في القول بخلق القرآن!! خلط، وتلفيق، وتدليس، وكذب ثم يزعمون أنهم هم الجماعة، وعلم الله تعالى أنهم لا السنة والنصوص التزموا، ولا الجماعة والصحابة تابعوا ونصروا، بل خالفوهم ورجحوا مذهبهم على مذهب الصحابة السلف الذين أمر الله من أراد النجاة والجنة أن يتابعهم بإتقان وإحسان، وتوعد سبحانه من خالفهم بالنار والعذاب، (وَالسَّابًقُونَ الأَوَّلُونَ مًنَ الْمُهَاجًرًينَ وَالأَنصَارً وَالَّذًينَ اتَّبَعُوهُم بًإًحْسَان رَّضًيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرًي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالًدًينَ فًيهَا أَبَداً ذَلًكَ الْفَوْزُ الْعَظًيمُ ) [التوبة-100]، (وَمَن يُشَاقًقً الرَّسُولَ مًن بَعْدً مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبًعْ غَيْرَ سَبًيلً الْمُؤْمًنًينَ نُوَلًّهً مَا تَوَلَّى وَنُصْلًهً جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصًيراً ) [النساء-115].



وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجماعة»، وفسرها بقوله:«من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي»، وهؤلاء لم يتبعوا بل خالفوا، ثم تمادوا ورجحوا مذهبهم على مذهب السلف، ولا المثلية قصدوا، بل تعدوا وأصّلوا في مخالفتهم ثم استهزؤوا بطريقة السلف ورأوا وصرحوا أن طريقتهم خير وأفضل من طريقة من نص الله ورسوله بأنهم الخير والأتم والأفضل.



فالشاهد أن الأشاعرة يزعمون أن القرآن كلام الله، وأن كلامه معنى قائم بنفسه لا يتعلق بالمشيئة، ويقررون أن هذه الألفاظ والحروف مخلوقة، وهي عبارة عن المعنى القائم بنفسه تعالى.

فهم يفرقون بين اللفظ والمعنى، فكلام الله الذي هو معان أزلية قائمة بنفسه لا حرف فيها ولا صوت، وأما الألفاظ والحروف التي في القرآن فهي كلام الله اللفظي، وهو مخلوق يعبر به عن المعاني، فالأول قديم غير مخلوق، (وهذه موافقتهم لأهل السنة بزعمهم)، والثاني حادث مخلوق (وهذه موافقتهم للمعتزلة المعطلة).



يقول شيخ الإسلام: ولم يكن في مسمى الكلام نزاع بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وتابعيهم ولا من أهل السنة ولا من أهل البدع، بل أول من عرف في الإسلام أنه جعل مسمى الكلام: المعنى فقط هو عبد الله بن سعيد بن كلاب وهو متأخر في زمن محنة أحمد بن حنبل، وقد أنكر عليه علماء السنة وعلماء البدعة. [مجموع الفتاوى- 7/134].
أخي القارئ تابعنا في المقال القادم بإذن الله تعالى لأذكر لك بعض النقولات التي تؤيد ما أقوله لك، والحمد لله رب العالمين.



الشيخ الدكتور/ فلاح إسماعيل مندكار

تاريخ النشر: الاثنين 19/3/2007
جريدة الوطن الكويتية



http://www.tbark.net/articles.php?action=show&id=17






 
قديم 31-12-11, 11:27 PM   رقم المشاركة : 4
ابن عيبان العبدلي
عضو فعال






ابن عيبان العبدلي غير متصل

ابن عيبان العبدلي is on a distinguished road



بسم الله الرحمن الرحيم



هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة (4)
الشيخ الدكتور/ فلاح إسماعيل مندكار

--------------------------------------------------------------------------------


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

مازلنا نتحدث عن الأشاعرة ومخالفتهم لأهل السنة والجماعة ووقفنا في المقال السابق عند قول شيخ الإسلام ابن تيمية ونكمل ذكر الأقوال:

يقول الإمام ابن القيم عند ذكره لابن كلاب:
«خرق إجماع أهل البدع في مسألة الكلام النفساني وخالف فيه النقل والعقل والفطرة والعرف واللغة، جاء بشيء لم يعرفه أحد من قبله، فأشبه بذلك النصارى في قولهم بالتثليث».



وهذا أبو الحسن الأشعري في المقالات ص 346 في ذكر جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة يقرر رحمه الله معتقده في القرآن بأنه غير مخلوق.

وفي الإبانة ص21:«ونقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن من قال بخلق القرآن فهو كافر».



وأما خاتمة القول في هذه المسألة فأعلم يا عبد الله أن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يُتهمان بأنهما أول من أخرج الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، وهذا باطل، ويجب أن يُعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أحرص الناس على ألا يؤثر عنه قول أو حكمة لم يسبق إليه مع إمامته وجلالته ودقته وعظيم معرفته رحمه الله رحمة واسعة.



نقل ابن عبد البر عن محمد بن خويز منداد المالكي (ت: 390هـ) في كتاب الشهادات له في تفسير قول مالك:«لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء»، قال: أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع، أشعريا كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها. [جامع بيان العلم وفضله- 2/96].



وقال الإمام الهروي في كتابه (ذم الكلام): «سمعت أحمد بن نصر الماليني (ت:412هـ) يقول: دخلت جامع عمرو بن العاص بمصر في نفر من أصحابي، فلما جلسنا جاء شيخ فقال: أنتم أهل خراسان أهل سنة، وهذا موضع الأشعرية فقوموا».



وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أن ابن فورك- وهو من أئمة الأشعرية- دخل على السلطان محمود بن سبكتكين (ت: 421هـ) فقال: لا يجوز أن يوصف الله بالفوقية، لأن لازم ذلك وصفه بالتحتية... فقال السلطان: ما أنا وصفته حتى يلزمني، بل هو وصف نفسه، فبُهت ابن فورك، فلما خرج من عنده مات، فيقال: انشقت مرارته. [17/487].



تنبيه:
تناقل بعض الشباب فتوى كتبها: د/عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ، ود. محمد بن ناصر السحيباني، وعلق عليها د. عبد الله بن محمد الغنيمان، وكان عنوان الفتوى (الأشاعرة والماتوريدية من أهل السنة والجماعة).



جاءني بالفتوى ثلاثة من الشباب وعلامات الفرح والسرور بادية عليهم، وسألوني قبل عرض الفتوى عن شيخي وأستاذي الفاضل عبد الله بن محمد الغنيمان، فأجبت بأن مثله حفظه الله يُسأل عني لا العكس، وقد شرفني الله تعالى بملازمته والأخذ عنه لسنوات، وكان لي شرف التتلمذ عليه وأشرف على رسالتي في الدكتوراه، وأستفدت منه علماً جماً، وخلقاً رفيعاً، وتواضعاً عظيماً.



ثم رأيت الفتوى مصورة وقلت: أما د. القارئ وكذلك السحيباني فليس بمستغرب منهما هذه الفتوى وهذا التقرير، فإن انتماءهما إلى حزب إسلامي معروف يُملي عليهما تلك الفتوى وذلك الاضطراب، إذ الأصل عندهم الاجتماع والائتلاف على ما يتفقون عليه ويعذر بعضهم بعضا فيما يختلفون فيه حتى في مسائل الاعتقاد.



وأما الشيخ عبد الله فلا والله، لا يقول بهذا، وأخبرتهما أن في الأمر لبساً ولا شك.
كيف وقد سمعت منه مراراً حكمه في الأشاعرة وأهل التأويل والتعطيل، ومما أحفظه عنه أن الأشاعرة أبعد عن أهل السنة من المعتزلة لما في مذهبهم من التدليس والتلبيس، وكذلك يقول فيما أثبتوه من الصفات لله تعالى، لا يُقال أنهم وافقوا أهل السنة في ذلك، لأنهم إنما أثبتوها بموجب العقل ومقتضاه.



ولما نظرت في الفتوى فرأيت العنوان، ثم السؤال الموجه، ثم الجواب، أيقنت بمخالفة السياق والأسلوب لما عهدته من شيخي وأستاذي- حفظه الله ونفع به- فالجواب يقرر:
- الأشاعرة والماتوريدية خالفوا الصواب
- لكنهم من أهل السنة والجماعة
- ليسوا من الفرق الضالة
- إلا من غلا منهم في التعطيل
- وهم معذورون في اجتهادهم وإن أخطأوا الحق



إن مثل هذه الأقوال فيها من الاضطراب واللبس ما يتفطن له طلاب العلم، فكيف خالفوا الصواب، وليسوا من الفرق، إلا من غلا- وما هو حد الغلو في التعطيل والأشاعرة يقولون بخلق القرآن الذي بين أيدينا، ويؤولون الصفات الخبرية الاختيارية كلها تأويلا باطلا- بل يقررون إثبات سبع صفات عن طريق العقل لا النقل، ويخالفون أهل السنة في الأصول والقواعد التي بها تتقرر مسائل الاعتقاد، يقدمون العقل(يرددون أخبار الآحاد كلها ولا يحتجون بها في الاعتقاد) ويؤولون النصوص عن ظاهرها، ويتهمون نصوص القرآن والسنة أنها توهم التشبيه وظاهرها الكفر وعدم التنزيه، بل من حيث الجملة يرجحون مذهبهم على مذهب السلف والصحابة، إلى غير ذلك مما يدل على مفارقتهم لأهل السنة والجماعة، ثم هل في مسائل الاعتقاد اجتهاد وتقديم عقل يعذر فيه صاحبه إن أخطأ؟!!



الشاهد أنه بعد أيام من حادثة تلك الفتوى، جاءني بعض الأخوة بفتوى أخرى كتبها شيخنا- حفظه الله- بعنوان (توضيح واستدراك) وتاريخها 29/1/1428هـ - 17/2/2007م وينص فيها الشيخ على أن:
«جوابه كان أن الأشاعرة في الأمور العامة من أهل السنة، ففرح بذلك بعض من أُشرب قلبه حب الباطل ممن تمسك ببدعة الأشعرية وضلالها........ فصار أولئك ينشرون الفتوى ويحتجون بها على أن الأشعرية من أهل السنة، فلزم لذلك البيان والتوضيح» هذا نص كلامه حفظه الله.



وأشار إلى أن الفتوى لم تكن في حكم الأشاعرة، ولكن في التعاون معهم في الأمور العامة، ثم ختم قائلاً:«أما مذهب الأشاعرة في صفات الله وفي بعض مسائل الإيمان والقدر فهو ضلال بيّن وفيه تناقض واضح، فهم في ذلك بعيدون عن أهل السنة فليسوا منهم، بل مذهب الأشعرية أمشاج من مذاهب المتكلمين والفلاسفة والصوفية والسنة.... ثم الانتساب إلى الأشعرية بدعة ضلالة، ويقال مثل ذلك في مذهب الماتوريدية، وكيف يكون من أهل السنة من يخالف صريح القرآن وحديث رسول الله....» انتهى كلامه حفظه الله.



قرأت الفتوى وحمدت الله على موقفي من شيخنا الفاضل وعلى حسن توضيحه وإزالة اللبس وبيان الحجة لئلا يزعم أهل الباطل أو يتعلقوا في تأييد مذهبهم وباطلهم.

هدى الله الجميع ووفق جل وعلا وسدد، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم وعلى من تبعهم بإحسان، والحمد لله رب العالمين.
الشيخ الدكتور/ فلاح إسماعيل مندكار

تاريخ النشر: الاثنين 26/3/2007
جريدة الوطن الكويتية


http://www.tbark.net/articles.php?action=show&id=18






 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:02 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "