بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فإن تضعيف الحديث الصحيح بدعوة ضعف قيس بن أبي حازم رحمه الله رحمةً واسعة , لهو أكبر دليل على جهل هذا المتكلم , المتطفل على موائد أهل الحديث !
وأنا إن شاء الله , أبين بالحجة والبرهان وباختصار , جهل هذا الطفيلي وأنه يهرف بما لا يعرف وهو ليس إلا حاطب ليل ..
الحديث الذي ضعفه هذا الجاهل رواه البخاري ومسلم رحمها الله باسناديهما ::
".. أَخْبَرَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَقُولُ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا "
فقال هذا المبتدع الجاهل :[ جاءت هذه الرواية من طريق قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
هذه الرواية لا يصح الاحتجاج بها وذلك بسب قيس بن أبي حازم .. ]
ثم ذكر قولهم أنه كبر وخرف , وأنه ناصبي , وأن عليًا قال أنه بوال على عقبيه , وأن يحيى بن سعيد القطان قال عنه منكر الحديث .. هذه خلاصة الشبهات التي بها ضعف حديث قيس رحمه الله !!
فأقول ::
فقيس بن أبي حازم رحمه الله ذُكِرَ عنه في كتاب " الاغتباط بمن روى رمى من الرواة بالاختلاط " ما نصه :[ حجة كاد أن يكون صحابيا وثقه ابن معين والناس قال إسماعيل بن أبي خالد كان ثبتا قال وقد كبر حتى جاوز المائة وخرف قال الذهبي أجمعوا على الاحتجاج به ومن تكلم فيه فقد آذى نفسه نسأل الله العافية وترك الهوى فقد قال معاوية بن صالح كان قيس أوثق من الزهري ] اهـ
* قال سفيان بن عيينة : " ما كان بالكوفة أحد أروى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قيس بن أبى حازم . "
* وقال أبى داود : "أجود التابعين إسنادا قيس بن أبى حازم روى عن تسعة من العشرة ، و لم يرو عن عبد الرحمن بن عوف "
*وقال يعقوب بن شيبة السدوسى : " و قيس من قدماء التابعين ، و قد روى عن أبى بكر الصديق فمن دونه و أدركه و هو رجل كامل ، و يقال : أنه ليس أحد من التابعين جمع أن روى عن العشرة مثله إلا عبد الرحمن بن عوف فإنا لا نعلمه روى عنه شيئا , ثم قد روى بعد العشرة عن جماعة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم و كبرائهم ، و هو متقن الرواية "
* ويقول كذلك السدوسي :" قد تكلم أصحابنا فيه فمنهم من رفع قدره و عظمه و جعل الحديث عنه من أصح الإسناد و منهم من حمل عليه و قال : له أحاديث مناكير .
و الذين أطروه حملوا هذه الأحاديث عنه على أنها عندهم غير مناكير ، و قالوا هى غرائب ، و منهم من لم يحمل عليه فى شىء من الحديث و حمل عليه فى مذهبه ، و قالوا : كان يحمل على على رحمة الله عليه و على جميع الصحابة ، و المشهور عنه أنه كان يقدم عثمان ، و لذلك تجنب كثير من قدماء الكوفيين الرواية عنه .
* ومنهم من قال : إنه مع شهرته لم يرو عنه كبير أحد ، و ليس الأمر عندنا كما قال هؤلاء ، و قد روى عنه جماعة منهم : إسماعيل بن أبى خالد ، و هو أرواهم عنه ،
و كان ثقة ثبتا ، و بيان بن بشر و كان ثقة ثبتا ـ و ذكر آخرين ـ ثم قال : كل هؤلاء قد روى عنه . "
فإن سلمنا أن قيسًا رحمه الله كان يحمل على علي رضي الله عنه , وأنه كان ناصبيًا والعياذ بالله , فمن المعلوم عند أئمة هذا الفن أنهم لا يأخذون بحديث المبتدع الداعية إلى بدعته , أو الحديث الذي يدعو إلى بدعته , فلو قلنا أن قيسًا ناصبي , فأين في حديث الرؤية هذا فيه طعن في علي رضي الله عنه ؟! هذا على فرض التسليم بأنه ناصبي وليس كذلك ..
*وعن يحيى بن معين : " قيس بن أبى حازم أوثق من الزهرى ، و من السائب بن يزيد . "
وفي رواية عنه أنه : ثقة .
وقال الذهبي :" أجمعوا على الاحتجاج به ، و من تكلم فيه فقد آذى نفسه "
[ينظر لتهذيب الكمال وتهذيب التهذيب .]
فكل هذا التوثيق مردود عند بني بضبض لأن الحديث لا يوافق عقيدتهم الفاسدة ! ولو طبقنا قاعدتهم في التضعيف لسقط مسند الربيع - وهو ساقط من قديم - على أم رأسه
فلا يوجد في كتب التراجم توثيق للربيع ولا مشايخه فهم كلهم مجاهيل , وعلى هذا يسقط دين الإباضية إذ ليس عندهم كتاب يجمع فيه الأحاديث الصحيحة عندهم ..
وأما قول يحيى بن سعيد أنه منكر الحديث كما ذكر ذلك علي ابن المدينى : " قال لى يحيى بن سعيد : قيس بن أبى حازم منكر الحديث ـ ثم ذكر له يحيى أحاديث مناكير منها حديث كلاب الحوأب ـ . "
قال الإمام ابن حجر رحمه الله - وهو من أئمة الحديث - :" و مراد القطان بالمنكر الفرد المطلق "
وليس المراد بالمنكر الذي رواه الضعيف مخالفًا لمن هو أوثق منه .. كيف ذلك وقيس من الثقات المحتج بروايتهم فإن وجدت عنده مخالفة , يقال حديثه شاذ ولا يقال منكر ..
وعلى هذا فقول يحيى أنه منكر الحديث فمراده بالمنكر [ التفرد ] وهذا اصطلاح معروف عند المتقدمين ..
وأما أنه خرف , فروايته التي في الصحيح محمولة على السماع منه قبل الاختلاط , وكذلك كل من روى له أصحاب الصحيحين في كتابيهما فهو محمول على الرواية قبل الاختلاط , يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى :" وقد قدمنا أيضا أن سعيد بن أبي عروبة ممن اختلط في آخر عمره ، وأن المختلط لا يحتج بما رواه في حال الاختلاط ، وشككنا هل رواه في الاختلاط أم في الصحة ؟ وقد قدمنا أن ما كان في الصحيحين عن المختلطين محمول على أنه عرف أنه رواه قبل الاختلاط ، والله أعلم . " اهـ شرح النووي على صحيح مسلم .
وأما أن عليًا المديني رحمه الله ذكر أنه لا يعتمد على قيس وأنه إعرابي بوال على عقبيه , فأنا أنقل النص كاملًا من سير إعلام النبلاء .. ليتضح وتظهر حقيقة الأمر ::
النص من سير اعلام النبلاء :" الحسين بن فهم : حدثني أبي ، قال: قال ابن أبي داود للمعتصم: يا أمير المؤمنين هذا يزعم - يعني: أحمد بن حنبل - أن الله يرى في الآخرة والعين لا تقع إلا على محدود والله لا يحد فقال : ما عندك ؟ قال: يا أمير المؤمنين عندي ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
قال: وما هو ؟ قال: حدثني غندر، حدثنا شعبة عن إسماعيل عن قيس عن جرير قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة أربع عشرة فنظر إلى البدر فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر لا تضامون في رؤيته" .
فقال لابن أبي داود : ما تقول؟ قال : أنظر في إسناد هذا الحديث، ثم انصرف.
فوجه إلى علي بن المديني وعلي ببغداد مملق ما يقدر على درهم فأحضره فما كلمه بشيء حتى وصله بعشرة آلاف درهم , وقال : هذه وصلك بها أمير المؤمنين وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه. وكان له رزق سنتين . ثم قال له: يا أبا الحسن!
حديث جرير بن عبد الله في الرؤية ما هو ؟ قال : صحيح.
قال: فهل عندك عنه شيء ؟ قال: يعفيني القاضي من هذا.
قال: هذه حاجة الدهر. ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه , ولم يزل حتى قال له: في هذا الإسناد من لا يعمل عليه ولا على ما يرويه , وهو قيس بن أبي حازم , إنما كان أعرابيا بوالا على عقبيه.
فقبل ابن أبي دواد عليا واعتنقه. فلما كان الغد وحضروا قال ابن أبي دواد : يا أمير المؤمنين يحتج في الرؤية بحديث جرير, وإنما رواه عنه قيس, وهو أعرابي بوال على عقبيه ؟ قال: فقال أحمد بعد ذلك : فحين أطلع لي هذا, علمت أنه من عمل علي بن المديني , فكان هذا وأشباهه من أوكد الأمور في ضربه.
رواها المرزباني : أخبرني محمد بن يحيى - يعني: الصولي- حدثنا الحسين.
ثم قال الخطيب : أما ما حكي عن علي في هذا الخبر من أنه لا يعمل على ما يرويه قيس فهو باطل. قد نزه الله عليا عن قول ذلك لأن أهل الأثر وفيهم علي مجمعون على الاحتجاج برواية قيس وتصحيحها إذ كان من كبراء تابعي أهل الكوفة.
وليس في التابعين من أدرك العشرة وروى عنهم, غير قيس مع روايته عن خلق من الصحابة. إلى أن قال: فإن كان هذا محفوظا عن ابن فهم فأحسب أن ابن أبي دواد تكلم في قيس بما ذكر في الحديث وعزا ذلك إلى ابن المديني. والله أعلم.
قلت : إن صحت الحكاية ، فلعل عليا قال : في قيس ما عنده عن يحيى القطان أنه قال: هو منكر الحديث ثم سمى له أحاديث استنكرها فلم يصنع شيئا بل هي ثابتة فلا ينكر له التفرد في سعة ما روى من ذلك حديث كلاب الحوأب ، وقد كاد قيس أن يكون صحابيا أسلم في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم هاجر إليه فما أدركه بل قدم المدينة بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بليال. وقد قال يحيى بن معين فيما نقله عنه معاوية بن صالح: كان قيس بن أبي حازم أوثق من الزهري.
نعم, ورؤية الله -تعالى- في الآخرة منقولة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نقل تواتر فنعوذ بالله من الهوى ورد النص بالرأي. " اهـ انظر سير اعلام النبلاء في ترجمة علي المديني رحمه الله .
فالخلاصة أن الحديث صحيح وليس بضعيف كما يحاول هذا الجاهل :
- فأما مسألة الاختلاط فقد ذكرت قول الإمام النووي رحمه الله - وهذا معروف عند أهل الحديث - أن من يروي عنه أصحاب الصحيحين في صحيحيهما فهو مما احتاطا له وأنهم إن رووا عن المختلط أو المعروف بالتدليس فإنما يروون عنه ما صح من روايتهم .
- وأما كلام علي بن المديني رحمه الله الذي نقله هذا المبتدع الجاهل في قيس رحمه الله ورضي الله عنه فهذه القصة فيها نظر كما هو ظاهر من قول الخطيب البغدادي رحمه الله .
- وأما قول يحيى بن سعيد القطان أن قيسًا منكر الحديث , فالمراد بالنكارة هنا هو التفرد كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله , وبدليل كذلك ذكره حديث كلاب الحوأب .. فإنه حديث فرد وإسناده صحيح .
- وأما أنه ناصبي , فالمشهور أنه يقدم عثمان على علي رضي الله عنه كما ذكر ذلك السدودسي :" و المشهور عنه أنه كان يقدم عثمان ، و لذلك تجنب كثير من قدماء الكوفيين الرواية عنه ... " والكوفيين كانوا متشيعة فلا يضر ذلك قيس إن لم يرووا عنه
أما أنه ناصبي فقد ذكر ذلك السيوطي في تدريب الراوي فيمن رمي ببدعة .. وحتى لو سلمنا بأنه ناصبي , فالحديث لا علاقة له بالنصب , وأئمة أهل الحديث يردون حديث الداعية لبدعته أو يروي ما يدعو لبدعته .
ومن المضحك أن يقوم الإباضي الذي مذهبه قائم على تكفير عثمان وعلي رضي الله عنهما بالطعن في رواية أحد الرواة بدعوة أنه ناصبي !! رغم أن هؤلاء الخوارج من أكبر النواصب .. وأزيدكم أيها الإباضية أن قيسًا رحمه الله ممن قاتل مع علي رضي الله عنه خوارج النهروان اسلافكم .
هذا والله أعلم
كتبه : أحمد بن عايد العنزي
3 صفر 1435 هـ