من المعلوم أن الكلمة العربية المجردة تتألف من عدد من الحروف الأصلية هو حرف واحد (مثل فاء التعقيب أو باء حرف الجر) أو اثنان (مثل: ثم ، مع) أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أحرف ، وإن زاد عدد الحروف عن ذلك فإن الكلمة تكون مزيدة أو أو أعجمية .
إن مجيء الحروف المقطعة على نسق ما يكون في كلام العرب على حرف أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة كأنه يقول لنا ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون)
السؤال السادس : دائما يذكر بعد الحروف المقطعة اسم من أسماء القرآن أو إشارة للوحي ، إما ذكرا ظاهرا وهو الأغلب وإما ذكرا خفيا ، فماذا يفيد ذلك من معنى؟
لقد بنى العلماء على تلك الملاحظة أشهر الأقوال في الحروف المقطعة ، وهي أنها إشارة للتحدي ، ولشهرة هذا القول لن أشرحه ، لكن فقط أنبه على ما تعودنا عليه في هذا الموضوع ، وهو أن الإشارة إلى التحدي ليست الحكمة من ذكر الحروف المقطعة ولكن فقط الحكمة من اتباعها بذكر الكتاب أو القرآن أو الذكر.
نلخص ما قلناه سابقا أن الله أنزل حروفا من حروف المعجم في كتابه لحكمة ، وجعلها تنطق بأسمائها لحكمة أخرى ، وانتقاها حسب آلية معينة لحكمة ثالثة ، وصدرها في بداية الكلام لحكمة رابعة ، وجعلها على حرف واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة لحكمة خامسة ، وأردفها بذكر اسم من أسماء القرآن لحكمة سادسة ، وهكذا فإن أطلعك الله على معنى آخر من معاني تلك الحروف فانسج على ذلك المنوال ولا تقل أن الحكمة من الحروف هي كذا ولكن قل الحكمة من اتصافها بالصفة الفلانية هي كذا (تلك الصفة التي استنبط منها قولك) ، وبذلك لا تبدوا الأقوال متناقضة فهي ليست كذلك.
وبقي أن نجيب عن السؤال الأول وهو عن الحكمة من وجود الحروف ذاتها.
السؤال الأول : هناك حقيقة وهي أن الله أنزل في كتابة حروفا من حروف المعجم لا يعلم معانيها فما الحكمة من ذلك ؟
اجابة ذلك السؤال في نقطين
الأولى : من المخاطب بالحروف المقطعة؟
يلاحظ أن المخاطب دائما بالحروف المقطعة هو رسول الله فلم تأتي سورة قيل فيها مثلا ( ألف لام ميم يأيها الناس أو ق يا أيها الذين آمنوا) ولكن المخاطب بعد الحروف المقطعة دائما هو رسول الله.
النقطة الثانية : إذا كان أمامك شخصان وتريد أن تشرح لهما قضية ما بحيث يصلان إلى نفس درجة العلم بتلك القضية ، وأحد هذين عالم ذكي والآخر قليل العلم والذكاء ، فكم ستأخذ من الوقت لكي يصلا إلى نفس الدرجة من العلم بتلك القضية ، وكيف سيكون كلامك لكليهما .
في الحقيقة فإن العالم الذكي سوف يكون كلامك له مجملا قليلا وسوف يفهم ما تريد
أما قليل العلم والذكاء فإنك سوف تضطر كي تصل به إلى نفس درجة العلم بتلك القضية التي وصل إليها الذكي العالم - سوف تضطر إلى تفصيل القضية والشرح الكثير والإطناب.
ومن هذا نفهم أن التفصيل أو الإجمال يعتمد على حال المخاطب من حيث علمه وذكاؤه.
لذا فإن الله إذا خاطب عامة الناس فصّل (كتفصيل قضية الوحدانية في القرآن كله فهي تخص جميع الناس)
وإن خاطب العلماء أجمل
وإن خاطب الراسخين في العلم أشار
فماذا إذا كان الخطاب موجها لرسول الله وحده ، هل يفصل أم يجمل أم يشير أم ماذا.
إن كان الكلام موجها إلى رسول الله وحده فإن الله اكتفى بأن يرمز له بحروف ، فهذه هي الحروف المقطعة ، لعلم الله بمدى ذكاء قلب نبيه فهو سيفهم معانها.
إذا فالحروف المقطعة لها معاني ولكن يعلم هذه المعاني من خوطب بمعناها ، لذلك روي عن
عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا:
الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر.