مذهب السادة المالكية:
1- أبو الوليد القرطبي في كتابه "البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة" (10/105):
مسألة قال يحيى: سألت ابن وهب عن رجل كان مقرا في صحته بنكاح امرأة وتسأل المرأة أيضا عما يزعم الرجل من نكاحه إياها فتصدقه وتقر بمثل إقراره وليس على أصل تناكحهما بينة، فمات الرجل وهو مقيم على إقراره بنكاحها فطلبت ميراثها منه أيجب لها ميراث بهذا الإقرار؟ قال: لا ميراث بينهما إلا أن تقوم بينة على أصل النكاح أو يطول زمان ذلك جدا وهما مقران كما ذكرت ومناكحتهما فاشية بقول الجيران وظاهر الذكر فأرى الميراث بينهما بذلك الذكر الفاشي مع طول الزمان، وإلا فلا ميراث بينهما، قلت: أرأيت إن كانت المرأة تخبر في حياة الرجل وصحته بما يدعيه من نكاحها ويقر به من ذلك فتنكر قوله وتجحد دعواه، فلما مات أقرت وطلبت ميراثها؟ قال: لا شيء لها؛ لأنها إنما طلبت مالا تريد أخذه بدعواها بلا بينة تقوم على أصل نكاحها، وسألت عن ذلك ابن القاسم فقال لي مثل قول ابن وهب غير أنه لم يستثن مع إقرارهما طول الزمان وظهور ذكر ذلك في الجيران ولم يره نكاحا حتى يثبت أصله بالبينة لقول عمر بن الخطاب: «لا نكاح إلا بولي وشهيدي عدل» وسألت عن ذلك أشهب فقال لي مثل قول ابن القاسم غير أنه لم يذكر قول عمر ولم يحتج به.
قال محمد بن رشد: أما الولي فهو شرط في صحة العقد، وأما الإشهاد فليس بشرط في صحته ولكنه لا يتم عند المناكرة إلا به، فقول عمر بن الخطاب: «لا نكاح إلا بولي وشهيدي عدل» معناه لا نكاح يتم عند المناكرة إلا أن يكون بولي ويشهد عليه شاهدان، فإذا تقار الرجل والمرأة على النكاح ولم تقم على أصله بينة وهما غير طارئين فلا يخلو الأمر من وجهين؛ أحدهما: أن تكون المرأة في ملكه وتحت حجابه.
والثاني: أن تكون بائنة منه منقطعة عنه، فأما إذا كانت في ملكه وتحت حجابه فالميراث بينهما قائم والزوجية بينهما ثابتة إذا طال كونه معها واشتهر؛ لأنه إذا لم يطل ذلك ويشتهر فوجوده معها ريبة توجب عليهما الأدب والحد إن تقارا على الوطء ولم تكن لهما بينة على النكاح على اختلاف في وجوب الحد إذا لم يقرا بزنى، وإنما أقرا بما لو أقاما عليه البينة لم يكن عليهما شيء، ولا يؤخذ أحد بأكثر مما أقر به على نفسه، وهو أصل أشهب، وكذلك إن لم يعلم منها إقرار بما كان يقر هو به ويذكره من نكاحها بكون الميراث بينهما قائما والزوجية بينهما ثابتة؛ لأن كونها في ملكه وتحت حجابه كالإقرار منها بالنكاح أو أقوى، وأما إذا كانت بائنة منقطعة عنه فقال: إنه لا ميراث بينهما وإن طال ذلك وفشا ذكره في الجيران، و[هو] ظاهر قول ابن القاسم وأشهب في هذه الرواية، وهو بعيد؛ لأن النكاح مما تصح فيه الشهادة على السماع إذا طال الأمر ومضى من الزمان ما يبيد فيه الشهود على اختلاف بينهم في حد ذلك.
2- ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/391): وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْوَلِيِّ وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا نُوَضِّحُهُ عَنْهُمْ وَعَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّr: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيّ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّr إِلَّا أَنَّهُ حَدِيثٌ وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّr مِنْهُمْ أَبُو عَوَانَةَ وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الطُّرُقَ عَنْهُمْ فِي «التَّمْهِيدِ» وَأَرْسَلَهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ فَرَوَيَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنِ النَّبِيِّr:
رَوَى بن جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِr: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ».
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ بن جُرَيْجٍ جَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عِلَّةً.
وَرَوَاهُ ابن عيينة عن ابن جريج بإسناده (مثله) وزاد قال ابن جُرَيْجٍ فَسَأَلْتُ عَنْهُ الزُّهْرِيَّ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَلَمْ ير واحد هذا الكلام عن ابن جريج في هذا الحديث غير ابن عُلَيَّةَ فَتَعَلَّقَ بِهِ مَنْ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ وَاهٍ إِذْ قَدْ أَنْكَرَهُ الزُّهْرِيُّ الَّذِي عَنْهُ رُوِيَ وَطَعَنُوا بِذَلِكَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى فِي حِفْظِهِ قَالُوا لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْحُفَّاظِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ بِهِ مَنْ لَمْ يُجِزِ النِّكَاحَ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيٍّ
وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ثِقَاتٌ.
قَالُوا وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى إِمَامُ أَهْلِ الشَّامِ وَفَقِيهُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَدْ رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَلَا يَضُرُّ إِنْكَارُ الزُّهْرِيِّ لَهُ لِأَنَّهُ مَنْ نَسِيَ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ حَفِظَهُ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ عَنْهُ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّr: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» الحديث أحفظه إلا من حديث بن لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ.
وَرَوَاهُ عَنِ ابن لهيعة، ابن وَهْبٍ، وَالْقَعْنَبِيُّ، وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، وَالْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، وَغَيْرُهُمْ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ عَنِ الْحَجَّاجِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِr: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيِّ وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ».
فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ لَيْسَ فِي الزُّهْرِيِّ بِحُجَّةٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ وَيُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ عَنْهُمْ إِذَا سَمِعَهُ مِنْهُمْ قِيلَ لَهُ قَدْ رواه ابن أبي مليكة عن أبي عمر ومولى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَعُدُولٌ.
حدثني سعيد بن نصر، قال: حدثني قاسم بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أبي عمر، ومولى عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِr: «تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ» قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُنَّ يَسْتَحْيِينَ قَالَ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَسُكُوتُهَا إِقْرَارُهَا».
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى عِلَلِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَتَصْحِيحِهَا فِي «التَّمْهِيدِ» بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ الْمَذْكُورَ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْوَلِيُّ مِنَ النَّسَبِ وَالْعَصَبَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْعَصَبَةِ مِثْلِ وَصِيِّ الْأَبِ وَذِي الرَّأْيِ مِنَ السُّلْطَانِ إِلَّا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بَعْدَ عَدَمِ التَّعْصِيبِ تَنْصَرِفُ إِلَى الَّذِي يَقِفُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ وَهُوَ رواية هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا كُفُؤًا جَازَ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إِلَّا بِوَلِيٍّ فَإِنْ سَلَّمَ الْوَلِيُّ جَازَ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَ وَالزَّوْجُ كُفُؤًا أَجَازَهُ الْقَاضِي وَنَحْوَ هَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» هَذِهِ جُمْلَتُهُ.
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشَّرِيفَةَ وَالدَّنِيَّةَ وَالسَّوْدَاءَ وَالْمُسَالِمَةَ وَمَنْ لَا خَطْبَ لَهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
هَذَا مَعْنَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ عن مالك.
وقال بن الْقَاسِمِ عَنْهُ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُعْتَقَةً أَوْ مِسْكِينَةً دَنِيَّةً أَوْ تَكُونُ فِي قَرْيَةٍ لَا سُلْطَانَ فِيهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا يُزَوِّجُهَا وَيَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ حَسَبٍ لَهَا حَالٌ وَشَرَفٌ فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا وَلِيُّهَا أَوِ السُّلْطَانُ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ يُزَوِّجُ وَلِيَّتَهُ بِإِذْنِهَا وَهُنَاكَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهَا أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ إِذَا كَانَ لِلنَّاكِحِ صَلَاحٌ وَفَضْلٌ هَذَا قَوْلُهُ فِي "الْمُدَوَّنَةِ".
وَقَالَ سَحْنُونٌ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ لَا يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ وَثَمَّ أَقْرَبُ مِنْهُ فَإِنْ فَعَلَ نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ.
قَالَ وَرَوَى آخَرُونَ أَنَّ لِلْأَقْرَبِ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يُجِيزَ إِلَّا أَنْ يَطُولَ مُكْثُهَا عِنْدَ الزَّوْجِ وَتَلِدَ أَوْلَادًا.
قَالَ وَهَذَا فِي ذَاتِ الْمَنْصِبِ وَالْقَدْرِ.
وذكر ابن حَبِيبٍ عَنِ الْمَاجَشُونِ قَالَ النِّكَاحُ بِيَدِ الْأَقْعَدِ فَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ.
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيٌّ وَثَمَّ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ وَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ.
وَالْمَسَائِلُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ كَثِيرَةُ الِاضْطِرَابِ
وَقَالَ مالك وجمهور أصحابه الأخ وابن الْأَخِ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ بِالْإِنْكَاحِ.
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ الجد أولى من الأخ.
وروى ابن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الِابْنُ أَوْلَى مِنَ الْأَبِ.
وَهُوَ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ أَقَاوِيلَ يَظُنُّ مَنْ سَمِعَهَا أَنَّ بَعْضَهَا يُخَالِفُ بَعْضًا قَالَ وَجُمْلَةُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَمَرَ بِالنِّكَاحِ وَحَضَّ عَلَيْهِ الرَّسُولُr وَجَعَلَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ وَبِذَلِكَ يَتَوَارَثُونَ ثُمَّ تَكُونُ وِلَايَةٌ أَقْرَبَ مِنْ وِلَايَةٍ كَمَا قَرَابَةٌ أَقْرَبُ مِنْ قَرَابَةٍ
فَمَنْ كَانَ أَوْلَى بِالْمَرْأَةِ كَانَ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا فَإِنْ تَشَاجَرُوا نَظَرَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ إِذَا ارْتَفَعُوا إِلَيْهِ ثُمَّ أَتَى بِكَلَامٍ قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي "التَّمْهِيدِ" أَكْثَرُهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ نَكَحَتِ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فُسِخَ النِّكَاحُ فَإِنْ دَخَلَ وَفَاتَ الْأَمْرُ بِالدُّخُولِ وَطُولِ الزَّمَنِ وَالْوِلَادَةِ لَمْ يُفْسَخْ لِأَنَّهُ لَا يُفْسَخُ مِنَ الْأَحْكَامِ إِلَّا الْحَرَامُ الْبَيِّنُ أَوْ يَكُونُ خَطَأً لَا شَكَّ فِيهِ فَأَمَّا مَا يَجْتَهِدُ فِيهِ الرَّأْيُ وَفِيهِ الِاخْتِلَافُ فَلَا يُفْسَخُ.
قَالَ وَيُشْبِهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ فَوْتًا وَإِنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ وَلَكِنَّهُ احْتَاطَ فِي ذَلِكَ.
قَالَ وَالَّذِي يُشْبِهُ عِنْدِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ أَلَّا يُقَامَ عَلَى ذلك النكاح.
قال وقد ذكر ابن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى بَيْنَهُمَا الْمِيرَاثَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ نَحْوَ قَوْلِ مَالِكٍ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَالنِّكَاحُ عِنْدَهُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مَفْسُوخٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ طَالَ الْأَمَدُ أَوْ لَمْ يطل ولا يتوارثان إِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا
وَالْوَلِيُّ عِنْدَهُ مِنْ فَرَائِضِ النِّكَاحِ وَلِيُّ الْقَرَابَةِ لِأُولِي الدِّيَانَةِ وَحْدَهَا دُونَ الْقَرَابَةِ ثُمَّ الْوِلَايَةُ عِنْدَهُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ والأقعد في الأقعد وَلَا مَدْخَلَ عِنْدَهُ لِلْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ فِي إِنْكَاحِ الْمَرْأَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَقْرَبُ سَفِيهًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً يَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ انْتِظَارُهُ لِطُولِهَا ولا ولاية عنده لأحد من الأب مع الْأَوْلِيَاءِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ فَالْجَدُّ ثُمَّ أَبُو الْجَدِّ ثُمَّ أَبُوهُ أَبَدًا هَكَذَا.
وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لَا تُنْكَحُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ إِلَّا أَنَّ الثَّيِّبَ لَا يُنْكِحُهَا أَبٌ وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَتُنْكَحُ الْبِكْرُ مِنْ بَنَاتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهَا.
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ النُّورِ: 32.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْأَيَامَى ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ النِّسَاءِ 25
وقال تَعَالَى مُخَاطِبًا لِلْأَوْلِيَاءِ ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أزواجهن﴾ البقرة
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَضْلِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أُخْتَهُ وَكَانَ زَوْجُهَا طَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ رَجْعَتَهَا فَخَطَبَهَا فَأَبَى مَعْقِلٌ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى زَوْجِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِr: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ».
قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيُ الْقَرَابَةِ مِنَ الْعَصَبَةِ فَلَيْسَ بِوَلِيٍّ وَالسُّلْطَانُ لَيْسَ بَوْلِيٍّ إِلَّا لِمَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ مِنَ الْعَصَبَةِ لِقَوْلِهِr: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ».
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الْأَوْلِيَاءُ الْعَصَبَةُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ كُلُّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ وَلِيٍّ فَلَهُ أَنْ يُنْكِحَ.
وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إِذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَالَ أَحْتَاطُ لَهَا وَأُجِيزُ طَلَاقَهُ.
قَالَ إِسْحَاقُ كُلَّمَا طَلَّقَهَا وَقَدْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ وَلَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ لِأَنَّ النَّبِيَّr: قَالَ «فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» (ثَلَاثًا).
وَالْبَاطِلُ مَفْسُوخٌ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى فَسْخِ حَاكِمٍ وَلَا غَيْرِهِ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَلَيْسَ الْوَلِيُّ عِنْدَهُمْ مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَلَا مِنْ فَرَائِضِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَمَامِ النِّكَاحِ وَجَمَالِهِ لِأَنْ لَا يَلْحَقَهُ عَارُهَا فَإِذَا تَزَوَّجَتْ كُفُؤًا جَازَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا.
وَقَالُوا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِr: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا فِي الْإِذْنِ دُونَ الْعَقْدِ
قَالُوا وَمَنِ ادَّعَى أَنَّ النَّبِيَّr أَرَادَ الْإِذْنَ دُونَ الْعَقْدِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ
قَالُوا وَالْأَيِّمُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا.
قَالُوا وَالْمَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً جَازَ لَهَا أَنْ تَلِيَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ أَكْسَبَهَا مَالًا فَجَازَ أَنْ تَلِيَهُ بِنَفْسِهَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ.
قَالُوا وَقَدْ أَضَافَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- النِّكَاحَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ وَبِقَوْلِهِ ﴿أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ الْبَقَرَةِ 232.
وَقَوْلِهِ ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
وَرَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ.
ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حدثني ابن فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ كَانَ عَلِيٌّt إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ دَخَلَ بِهَا أَمْضَاهُ
قَالَ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُذَيْلٍ إِذَا رُفِعَتْ إِلَى عَلِيٍّ امْرَأَةٌ قَدْ زَوَّجَهَا خَالُهَا وَأُمُّهَا فَأَجَازَ عَلِيٌّ النِّكَاحَ.
قَالَ يَحْيَى وَقَالَ سُفْيَانُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ هُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ عَلِيًّا حِينَ أَجَازَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلِيِّ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي إِنْكَاحِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا وَعَقْدِهَا فِي ذَلِكَ مَوْضِعٌ فِي كِتَابِنَا غَيْرُ هَذَا نَذْكُرُهُ هُنَاكَ أَبْلَغُ مِنَ الذِّكْرِ ها هنا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَمِنَ الْحُجَّةِ عَلَى الْكُوفِيِّينَ فِي جَوَازِ إِنْكَاحِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا مَا رَوَاهُ هِشَام بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّr: أَنَّهُ قَالَ «لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ الَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَهَا».
وَلَمَّا لَمْ تَلِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ غَيْرَهَا لَمْ تَلِ عَقْدَ نِكَاحِ نَفْسِهَا.
أَلَا تَرَى إِلَى حَدِيثِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا خَطَبَ إِلَيْهَا بَعْضُ قَرَابَتِهَا وَبَلَغَتِ التَّزْوِيجَ تَقُولُ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْ فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَعْقِدْنَ النِّكَاحَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ النُّورِ.
وَقَالَ ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ النِّسَاءِ 25.
وَقَالَ ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ الْبَقَرَةِ 221.
وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُنَّ إِلَى الرِّجَالِ.
وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا خُوطِبُوا بِإِنْكَاحِهِنَّ.
وَكَذَلِكَ قِيلَ لَهُمْ ﴿فلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ الْبَقَرَةِ 232.
وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِr: «الأيم أحق بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا لِقَوْلِهِr: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَلَمْ يَخُصَّ ثَيِّبًا مِنْ بِكْرٍ.
وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّيِّبَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنَ الْبِكْرِ وَأَنْ لِلْوَلِيِّ فِيهَا حَقًّا لَيْسَ يَبْلُغَ مَبْلَغَ حَقِّهِ فِي الْبِكْرِ لِأَنَّ الْأَبَ يُزَوِّجُ الْبِكْرَ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَلَا يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ إِلَّا بِإِذْنِهَا.
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْإِذْنَ دُونَ الْعَقْدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِr رَدَّ نِكَاحَ خَنْسَاءَ وَكَانَتْ ثيبا وزوجها وأبوها بِغَيْرِ إِذْنِهَا.
وَقِيلَ كَانَتْ بِكْرًا وَالِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ وَوُجُوهُهُ تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ تَجْعَلُ عَقْدَ نِكَاحِهَا إِلَى رَجُلٍ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهَا فَيَعْقِدُ نِكَاحَهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ مَالِكٌ وأصحابه في ذلك.
ففي "المدونة" قال ابن الْقَاسِمِ وَقَفَ فِيهَا مَالِكٌ وَلَمْ يُجِبْنِي عَنْهَا.
وقال ابن الْقَاسِمِ إِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ وَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فُسِخَ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ إِذَا كَانَ بِالْقُرْبِ فَإِنْ تَطَاوَلَ الْأَمَدُ وَوَلَدَتِ الْأَوْلَادَ جاز إذا ذَلِكَ صَوَابًا.
قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قَالَ سحنون وقال غير بن الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ نكاح عقده غير الولي.
وذكر بن حبيب عن ابن الْمَاجَشُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ.
وقال والفسخ فيه بغير طلاق.
وذكر بن شعبان عن ابن الْمَاجَشُونِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ إِذَا زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ لم يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُجِيزَهُ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّr: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ».
قَالَ ابن شَعْبَانَ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إِذَا زَوَّجَ الْمَرْأَةَ غَيْرُ وَلِيِّهَا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِتَطْلِيقَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ.
قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَدَخَلَ بِهَا وَالزَّوْجُ كُفْءٌ وَوَلِيُّهَا قَرِيبٌ فَلَا نَرَى أَنَّ نَتَكَلَّمَ فِي هَذَا.
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا رَوَاهُ ابن الماجشون عن مالك في ما ذكره ابن حبيب وابن شَعْبَانَ هُوَ الْقَوْلُ بِظَاهِرِ قَوْلِهِr: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ».
وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا رواية ابن الْقَاسِمِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا عَنْ مَالِكٍ فَهُوَ نَحْوَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَقَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا مضى من هذا الباب إلا أن ابن الْقَاسِمِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ مَعَ قَوْلِهِمْ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ يُجِيزُونَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ إِذَا وَقَعَ وَفَاتَ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالطُّولِ.
وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ الشَّرِيفَةِ ذات الحسب والحال وَبَيْنَ الدَّنِيَّةِ الَّتِي لَا حَسَبَ لَهَا وَلَا مال إلا مالكا في رواية ابن الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي الْوَلِيِّ فَقَالَ جَائِزٌ أَنْ تُنْكَحَ الثَّيِّبُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَأَنَّهُ جَائِزٌ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَالْبِكْرُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِلَّا بِإِذْنِ وَلَيِّهَا إِلَّا دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ جَاءَ بِقَوْلٍ خَالَفَ فِيهِ مَنْ سَلَفَ قَبْلَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ لَا أَمْرَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ وَجَائِزٌ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَأَمَّا الْبِكْرُ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيٍّ مِنَ الْعَصَبَةِ.
وَاحْتَجَّ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرزاق، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِr قَالَ: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أمرا وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَ»
قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ.
خَالَفَ دَاوُدُ أَصْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ فِيهَا بِالْمُجْمَلِ وَالْمُفَسِّرِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ فَجَعَلَ قَوْلَهُ «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» مُجْمَلًا وَقَوْلَهُ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» مُفَسِّرَا وَهُمَا فِي الظَّاهِرِ مُتَضَادَّانِ وَأَصْلُهُ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمُتَضَادَّيْنِ أَنْ يَسْقُطَا جَمِيعًا كأنهما لم يجبا ويرجعا وَيُرْجَعُ إِلَى الْأَصْلِ فِيهِمَا وَلَوْ كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَسْقَطَ فِيهِمَا الْحَدَثَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا مُجْمَلًا مُفَسَّرًا وَقَالَ بِحَدِيثِ الْإِبَاحَةِ مَعَ ضَعْفِهِ عِنْدَهُ لِشَهَادَةِ أَصْلِهِ لَهُ فَخَالَفَ أَصْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وخالفه أَصْلًا لَهُ آخَر.َ
وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا اجْتُمِعَ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَرِعَ قَوْلًا ثَالِثًا وَالنَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا نِكَاحَ لِلْأَوَّلِ وَمَنْ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ كُلُّهُمْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي مَذْهَبِهِ وَجَاءَ دَاوُدُ يَقُولُ بِفَرْقٍ بَيْنَهُمَا بِقَوْلٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَيْهِمْ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُr«الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهَا مَعَهَا كَمَا زَعَمَ دَاوُدُ.
وَمُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهَا أَحَقُّ بِأَنْ لَا تُنْكَحَ إِلَّا بِرِضَاهَا خِلَافَ الْبِكْرِ الَّتِي لِلْأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا وَأَنَّ وَلِيَّهَا أَحَقُّ بِإِنْكَاحِهَا فَلَمَّا قَالَr «أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل» دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْأَيِّمُ أَحَقُّ بنفسها أن فيها إنما هو الرضى وَحَقُّ الْوَلِيِّ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالتَّزْوِيجِ لِقَوْلِهِ «أَيُّمَا امرأة نكحت بغير ولي ولا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيِّ» قَوْلٌ عَامٌّ فِي كُلِّ مُتَوَاجِدٍ وَكُلِّ نِكَاحٍ.
وَقَوْلُهُ: «الْأَيِّمُ أَوْلَى بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَيَمِيلُ أَنْ لِوَلِيِّهَا فِي إِنْكَاحِهَا حَقًّا وَلَكِنَّ حَقَّهَا فِي نَفْسِهَا أَكْثَرُ وَهُوَ أَنْ لَا تُزَوَّجَ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَلَيُّهَا وَلَا فَائِدَةَ فِي وِلَايَتِهِ إِلَّا فِي تَوَلِّي الْعَقْدِ عَلَيْهَا إِذَا رَضِيَتْ وَإِذَا كَانَ لَهَا الْعَقْدُ عَلَى نَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا
وَهَذَا وَاضِحٌ عَالٍ.
وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ الْبَقَرَةِ 232 وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَضَلِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أُخْتَهُ عَنْ رَدِّهَا إِلَى زَوْجِهَا كِفَايَةٌ وَحُجَّةٌ بَالِغَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَلَا يُشَاوِرَهَا وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِr تَزَوَّجَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَهِيَ صَغِيرَةٌ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا أَبُوهَا.
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذَا أَنْكَحَ الْأَبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ الصَّغِيرَةَ فَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ
وَقَالَ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحِجَازِ لَا خِيَارَ لَهَا فِي الْأَبِ وَلَا يُزَوِّجُهَا صَغِيرَةً غَيْرُ الْأَبِ.
قَالَ أَبُو قُرَّةَ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِr «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا» أَيُصِيبُ هَذَا الْقَوْلُ الْأَبَ قَالَ لَا لَمْ يَعْنِ الْأَبَ بِهَذَا إِنَّمَا عَنَى بِهِ غَيْرَ الْأَبِ قَالَ وَنِكَاحُ الْأَبِ جَائِزٌ عَلَى الصِّغَارِ مِنْ وَلَدِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ.
قَالَ وَلَا يُنْكِحُ الصَّغِيرَةَ أَحَدٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرُ الْأَبِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفُوا فِي الْأَبِ هَلْ يَجْبُرُ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ الْبِكْرَ عَلَى النِّكَاحِ أَمْ لَا.
فَقَالَ مَالِكٌ والشافعي وابن أَبِي لَيْلَى إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا كَانَ لِأَبِيهَا أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى النِّكَاحِ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا بَيِّنًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً.
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَجَمَاعَةٌ.
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وكان لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَبِيرَةً إِذَا كَانَتْ بِكْرًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْبُكُورَةُ لِأَنَّ الْأَبَ لَيْسَ كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ بِدَلِيلِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهَا وَنَظَرِهِ لَهَا وَأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِكْرًا بَالِغًا إِلَّا بِإِذْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً.
كَمَا أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِكْرًا بَالِغًا إِلَّا بِإِذْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَلَوِ احْتِيجَ إِلَى إِذْنِهَا فِي الْأَبِ مَا زَوَّجَهَا حَتَّى تَكُونَ مِمَّنْ لَهَا الْإِذْنُ بِالْبُلُوغِ
فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَهِيَ لَا إِذْنَ لَهَا صَحَّ لَهَا بِذَلِكَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا مَا كَانَتْ بِكْرًا لِأَنَّ الْفَرْقَ إِنَّمَا وَرَدَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا قَوْلُهُr «لَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ إِلَّا بِإِذْنِهَا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَاتَ الْأَبِ تُنْكَحُ لِغَيْرِ إِذْنِهَا إِذَا كَانَتْ بِكْرًا بِإِجْمَاعِهِمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الثَّيِّبَ لَا تُزَوَّجُ إلا بإذنها وأنها أحق بنفسها بالعقد عليها وَلِمَا قَالَr «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» دَلَّ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ وَلِيُّهَا أَحَقُّ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْأَبُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِr «الْيَتِيمَةُ لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ».
وَرَوَى محمد بن عمرو بن علقمة عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّr قَالَ «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ رِضَاهَا».
رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو.
وَقَدْ ذكرنا الأسانيد بذلك في "التمهيد".
ولا أعلم أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَهُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا.
....وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْأَبِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ هَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ.
فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.
هَذَا هُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ وَعَلَيْهِ يُنَاظِرُونَ.
وهو قول ابن الْقَاسِمِ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وأصحابه، وقول ابن أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيِّ.
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ.
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ، حَدِيثُ النَّبِيِّr: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ أَذِنَتْ».
قَالُوا: وَالصَّغِيرَةُ مِمَّنْ لَا إِذْنَ لَهَا فَلَمْ يَجُزِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَلِأَنَّ مَنْ عَدَا الْأَبِ مِنْ أَوْلِيَائِهَا أَخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهَا فَكَذَلِكَ فِي بُضْعِهَا
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي الْيَتِيمَةِ تُنْكَحُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَهِيَ فِي غَيْرِ فَاقَةٍ شَدِيدَةٍ هَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَهَلْ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ «اخْتِلَافِأَقْوَالِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ» وَالَّذِي رَوَاهُ عيسى، عن ابن الْقَاسِمِ، قَالَ: إِنْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ نَزَلَتِ الْمَوَارِيثُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ.
وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَبْلُغُ بِهِ إِلَى قِطَعِ الْمَوَارِيثِ فِيهِ وَهُوَ أَمْرٌ قَدْ أَجَازَهُ جُلُّ النَّاسِ
وَقَدْ زَوَّجَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ابْنَةَ أَخِيهِ وَهِيَ صَبِيَّةٌ مِنَ ابْنِهِ وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ وَعُرْوَةُ مَنْ هُوَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حنبل: لا أرى للقاضي ولا للوالي أَنْ يُنْكِحَ الْيَتِيمَةَ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ.
قَالَ فَإِنْ زَوَّجَهَا صَغِيرَةً دُونَ تِسْعِ سِنِينَ فَلَا أَرَى أَنْ يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا أَخَذَهُ مِنْ نِكَاحِ عَائِشَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا مَعْنَى لِلْجَدِّ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ وَلِيُّهَا مَنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ غَيْرَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ إِذَا بَلَغَتْ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَتَادَةَ، وابن شُبْرُمَةَ، وَاَلْأَوْزَاعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا خِيَارَ لِلصَّغِيرَةِ إِذَا بَلَغَتْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا أَوْ غَيْرُهُ من أوليائها.
وكل هؤلاء يقولون: من أجاز أَنْ يُزَوِّجَهَا كَبِيرَةً جَازَ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِي هَذَا الباب نوازل ليس هذا موضع ذكرها الذي تزوج بغير وَلِيٍّ ثُمَّ يُجِيزُهُ الْوَلِيُّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَكَنِكَاحِ الْعَبْدِ أَوِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهَا هَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ أَوِ السَّيِّدِ أَمْ لَا وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنْ نَوَازِلِ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ كِتَابُنَا مَوْضِعًا لَهَا وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
3- ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (3/44):
الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلِ الْوِلَايَةُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ؟ أَمْ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؟ فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ النِّكَاحُ إِلَّا بِوَلِيٍّ، وَأَنَّهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ: إِذَا عَقَدَتِ الْمَرْأَةُ نِكَاحَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَكَانَ كُفُؤًا - جَازَ.
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الشَّهَادَةِ
ِوَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ شَرْطِ النِّكَاحِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ شَرْطُ تَمَامٍ يُؤْمَرُ بِهِ عِنْدَ الدُّخُولِ؟ أَوْ شَرْطُ صِحَّةٍ يُؤْمَرُ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ؟ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ السِّرِّ.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ، وَوُصِّيَا بِالْكِتْمَانِ - هَلْ هُوَ سِرٌّ؟ أَوْ لَيْسَ بِسِرٍّ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ سِرٌّ، وَيُفْسَخُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ بِسِرٍّ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلِ الشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ؟ أَمْ إِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا سَدُّ ذَرِيعَةِ الِاخْتِلَافِ أَوِ الْإِنْكَارِ؟ فَمَنْ قَالَ: حُكْمٌ شَرْعِيٌّ - قَالَ: هِيَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ. وَمَنْ قَالَ: تَوَثُّقٌ - قَالَ: مِنْ شُرُوطِ التَّمَامِ.
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ»، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ رَأَى هَذَا دَاخِلًا فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّ فِي سَنَدِهِ مَجَاهِيلَ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِنْدَهُ بِالشَّهَادَةِ هُوَ الْإِعْلَانُ فَقَطْ. وَالشَّافِعِيُّ يَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ تَتَضَمَّنُ الْمَعْنَيَيْنِ، أَعْنِي: الْإِعْلَانَ وَالْقَبُولَ. وَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ فِيهَا الْعَدَالَةَ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَلَيْسَ تَتَضَمَّنُ عِنْدَهُ الْإِعْلَانَ إِذَا وُصِّيَ الشَّاهِدَانِ بِالْكِتْمَانِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ مَا تَقَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ السِّرِّ؟ أَمْ لَا؟ .
وَالْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ قَوْلُ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ عُمَرُ فِيهِ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ، وَلَوْ تَقَدَّمْتُ فِيهِ لَرَجَمْتُ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ: لَيْسَ الشُّهُودُ مِنْ شَرْطِ النِّكَاحِ، لَا شَرْطَ صِحَّةٍ وَلَا شَرْطَ تَمَامٍ. وَفَعَلَ ذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ، ثُمَّ أَعْلَنَ بِالنِّكَاحِ.
4- أحمد بن غانم في كتابه "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (2/4):
الفواكه الدواني
الْوَلِيُّ وَالْمَحَلُّ وَالصِّيغَةُ وَالصَّدَاقُ الْمَفْرُوضُ وَلَوْ حُكْمًا، وَأَشَارَ إلَيْهِمَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَرُكْنُهُ وَلِيٌّ وَصَدَاقٌ وَمَحَلٌّ وَصِيغَةٌ، وَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْوَلِيِّ اهْتِمَامًا بِهِ لِمُخَالَفَةِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ فِي اعْتِبَارِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا نِكَاحَ) صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ سِوَى أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ (إلَّابِ) مُبَاشَرَةِ (وَلِيٍّ) وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِلْكٌ أَوْ أُبُوَّةٌ أَوْ تَعْصِيبٌ أَوْ إيصَاءٌ أَوْ كَفَالَةٌ أَوْ سَلْطَنَةٌ أَوْ ذُو إسْلَامٍ وَشُرُوطُهُ سِتَّةٌ: الْإِسْلَامُ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَالذُّكُورَةُ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْأُنْثَى وَلَوْ عَلَى ابْنَتِهَا أَوْ أَمَتِهَا، وَالْحُرِّيَّةُ فَلَا يُزَوِّجُ الرَّقِيقُ ابْنَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، وَالْبُلُوغُ فَلَا يُزَوِّجُ الصَّبِيُّ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، وَالْعَقْلُ فَلَا يُزَوِّجُ الْمَجْنُونُ ابْنَتَهُ، فَهَذِهِ سِتَّةُ شُرُوطٍ فِي وَلِيِّ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَهِيَ شَرْطُ كَمَالٍ فَيُسْتَحَبُّ وُجُودُهَا كَمَا يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ رَشِيدًا، فَيَعْقِدُ السَّفِيهُ ذُو الرَّأْيِ عَلَى ابْنَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِئْذَانُ وَلِيِّهِ، فَإِنْ عَقَدَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لَمْ يُفْسَخْ عَقْدُهُ، بِخِلَافِ ضَعِيفِ الرَّأْيِ يَعْقِدُ لِنَحْوِ ابْنَتِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ عَقْدُهُ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ، وَأَمَّا وَكِيلُ الزَّوْجِ فِي الْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا التَّمْيِيزُ وَعَدَمُ الْإِحْرَامِ.
5- العدوي في "الحاشية على شرح كفاية الطالب الرباني" (2/39):
وَأَمَّا الْإِشْهَادُ فَشَرْطُ صِحَّةٍ فِي الدُّخُولِ لَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَيُشْتَرَطُ فِي شَاهِدَيْ النِّكَاحِ الْعَدَالَةُ؛ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ قَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ».