حزب البعث وموقفه من الإسلام.
11-01-2012 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
نادى مؤسس الحزب بضرورة الأخذ بنظام الحزب الواحد؛ لأنه كما يقول: (إن القدر الذي حملنا هذه الرسالة خولنا أيضا حق الأمر والكلام بقوة والعمل بقسوة لفرض تعليمات الحزب)؛ ولذلك أبدع فرسان البعث في دك البيوت فوق ساكنيها بمجرد الشبهة، وارتكاب المجازر التي لا يحصى ضحاياها، وأبدعوا في مسرحيات الموت من حلبجة إلى حماة إلى البصرة إلى تل الزعتر إلى جسر الشاغور..الخ، وقادوا سورية إلى التخلف والتخليف والفقر والخارج تاريخية، بفضل سياساتهم الثورجية والعنترية والارتجالية
في دمشق بتاريخ 7 أبريل 1947 تحت شعار (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) تم تأسس حزب البعث، وهو الحزب الحاكم في سوريا منذ ثورة الثامن من آذار في عام 1963م حتى الآن، وكان الحزب الحاكم للعراق منذ 17يوليو 1968م حتى سقوط نظام صدام بتاريخ 9 أبريل 2003م في أيدي قوات التحالف، وهو حزب قومي علماني، يدعو إلى الانقلاب الشامل في المفاهيم والقيم العربية لصهرها وتحويلها إلى التوجه الاشتراكي.
نشأ هذا الحزب على يد ميشيل عفلق وصلاح البيطار، الذين ينحدران من الطبقة المتعلمة المتوسطة في دمشق، فبعد عودتهما من دراستهما في السوربون في باريس إلى مدينتهما دمشق عام 1933م ، قاما بالتبشير بأفكارهما وسط الطلاب والشباب، وعملا على نشرها، وأخذت هذه الأفكار تستقطب حولها عدداً من الشباب القوميين المتحمسين من طلبة المدارس والجامعات، وكانت هذه المحاولات هي النواة الأولى التي خرج منها حزب البعث.
أبرز مؤسسي الحزب:
* ميشيل عفلق: سياسي عربي، مسيحي، قام بمساعدة عدد من رفاقه بتأسيس "حزب البعث"، الذي أصبح فيما بعد "حزب البعث العربي الاشتراكي"، تأثر كثيرا بالمذاهب الغربية، وقد أكد هذا الكلام الأستاذ زهير المارديني في كتابه "قصة حياة ميشيل عفلق" بقوله: كانوا يرددون [.. إن تاريخ ميشيل عفلق الحقيقي هو تاريخه الفكري، لقد التقى فيه على الانسجام والوفاق أخصب تيارات الفكر الإنساني، من ماركس إلى نيتشه، ومن جيد إلى دستويفسكي وأهرنبورغ ]، وهذه الخلفية الفكرية لم ينفها عفلق، ولم يتنكر لها، بل أثبتها في كتاباته، مشيداً بالماركسية ومادحاً لها.
أهداف الحزب:
تتمثل أهداف البعثيين في ثلاثة محاور وهي: الوحدة والحرية والاشتراكية، وترمز "الوحدة" إلى اتحاد الأقطار العربية، و"الحرية" من القيود الأوروبية وتحرر الأقطار العربية منها، و"الاشتراكية" عن طريق تبني أفكارها وبثها في الشعب.
مبادئ حزب البعث المعلنة:
المبدأ الأول: العرب أمة واحدة، لها حقها الطبيعي في أن تحيا في دولة واحدة، وأن تكون حرة في توجيه مقدراتها، ولهذا فان حزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر:
1- الوطن العربي وحدة سياسية اقتصادية لا تتجزأ, ولا يمكن لأي قطر من الأقطار العربية أن يستكمل شروط حياته منعزلا عن الآخر.
2- الأمة العربية وحدة ثقافية, وجميع الفوارق القائمة بين أبنائها عرضية زائفة تزول جميعها بيقظة الوجدان العربي.
3- الوطن العربي للعرب, ولهم وحدهم حق التصرف بشؤونه وثرواته وتوجيه مقدراته.
المبدأ الثاني: الأمة العربية تختص بمزايا متجلية في نهضاتها المتعاقبة, وتتسم بخصب الحيوية والإبداع, وقابلية التجدد والانبعاث, ويتناسب انبعاثها دوما مع نمو حرية الفرد ومدى الانسجام بين تطوره وبين المصلحة القومية، ولهذا فان حزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر:
1- حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد والفن مقدسة لا يمكن لأية سلطة أن تنتقصها.
2- قيمة المواطنين تقدر – بعد منحهم فرصا متكافئة – بحسب العمل الذي يقومون به في سبيل تقدم الأمة العربية وازدهارها، دون النظر إلى أي اعتبار آخر .
المبدأ الثالث: الأمة العربية ذات رسالة خالدة تظهر بأشكال متجددة متكاملة في مراحل التاريخ, وترمي إلى تجديد القيم الإنسانية، وحفز التقدم البشري، وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم، ولهذا فان حزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر :
1- الاستعمار وكل ما يمت إليه عمل إجرامي يكافحه العرب بجميع الوسائل الممكنة, وهم يسعون– ضمن إمكانياتهم المادية والمعنوية– إلى مساعدة جميع الشعوب المناضلة في سبيل حريتها.
2- الإنسانية مجموع متضامن في مصلحته, مشترك في قيمه وحضارته, فالعرب يتغذون من الحضارة العالمية ويغذونها, ويمدون يد الإخاء إلى الأمم الأخرى ويتعاونون معها على إيجاد نظم عادلة تضمن لجميع الشعوب الرفاهية والسلام, والسمو في الخلق والروح.
المبادئ الخفية لحزب البعث:
* نادى مؤسس الحزب بضرورة الأخذ بنظام الحزب الواحد؛ لأنه كما يقولإن القدر الذي حملنا هذه الرسالة خولنا أيضا حق الأمر والكلام بقوة والعمل بقسوة لفرض تعليمات الحزب)؛ ولذلك أبدع فرسان البعث في دك البيوت فوق ساكنيها بمجرد الشبهة، وارتكاب المجازر التي لا يحصى ضحاياها، وأبدعوا في مسرحيات الموت من حلبجة إلى حماة إلى البصرة إلى تل الزعتر إلى جسر الشاغور..الخ، وقادوا سورية إلى التخلف والتخليف والفقر والخارج تاريخية، بفضل سياساتهم الثورجية والعنترية والارتجالية، مما قلب السورين على وجوهم في القارات الخمس، مما دعا أحد كبار الأدباء السوريين لأن يطالب بأن تعامل الحكومة الشعب كما يعامل الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين....
* تعلن سياسة الحزب التربوية أنها ترمي إلى خلق جيل عربي جديد مؤمن بوحدة أمته وخلود رسالتها أخذاً بالتفكير العلمي، طليقاً من قيود الخرافات والتقاليد والرجعية، مشبعاً بروح التفاؤل والنضال والتضامن مع مواطنيه في سبيل تحقيق الانقلاب العربي الشامل وتقدم الإنسانية، "والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن بأن الله والأديان والإقطاع ورأس المال وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ".
* تركيز سياسة الحزب على قطع كافة الروابط بين العروبة والإسلام، والمناداة بفصل الدين عن السياسة، والمساواة في نظرتها للأمور بين شريعة حمورابي، وشعر الجاهلية، وبين دين محمد عليه والصلاة والسلام، وبين ثقافة المأمون، وجعلها جميعاً تتساوى في بعث الأمة العربية، وفي التعبير عن شعورها بالحياة.
* الرابطة القومية عنده هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية، التي تكفل الانسجام بين المواطنين وانصهارهم في بوتقة واحدة، وتكبح جماح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية حتى قال شاعرهم:
آمنت بالبعث رباً لا شريك له *** وبالعروبة ديناً ما لــه ثان
* ادّعت سياسة الحزب أن تحقيق الاشتراكية شرط أساسي لبقاء الأمة العربية، ولإمكان تقدمها، مع أن النتيجة الحتمية للسياسة الاشتراكية التي طبقت في العراق لم تجلب الرخاء للشعب، ولم ترفع مستوى الفقراء، ولكنها ساوت الجميع في الفقر، وبعد أن كان العراق قمة في الثراء ووفرة الموارد والثروات أصبح بطيش حزب البعث عاجزاً عن توفير القوت الأساسي لشعبه.
المصادر الفكرية لحزب البعث:
في نقده لحزب البعث يذكر الدكتور طه العلواني أن مصادر فكر "حزب البعث" محدودة جداً، ولذلك فإن البعثي الذي يريد أن يحمل صفة "مثقف" لابد له من تجاوز ثقافة الحزب ومصادرها، والبحث عن الزاد الفكري والثقافي في مجالات أخرى خارج مصادر فكر الحزب وثقافته؛ إذ أن مصادر فكر الحزب وثقافته الرسمية لا تتجاوز:
1- مجموعة أحاديث وكلمات مرتجلة بدون إعداد مسبق يلقيها عفلق، أهمها ما كان قد ألقاه خلال السنوات الأولى لتأسيس الحزب على شباب "الطلائع الأولى للبعث"، وهي التي حولها الحزب إلى كتب تحمل عناوين جذابة، إضافة إلى اسم المؤلف مصدراً بلقب "القائد المؤسس".
2- مجموعة مقالات عفلق والبيطار الافتتاحية السياسية لجريدة الحزب، في الفترة التي سبقت انقلاب حسني الزعيم عام 1949م، وكانت تلك المقالات مكرسة لتوجيه النقد السياسي الساذج لمظاهر الحكم الوطني الذي أعقب جلاء الفرنسيين عام 1946م.
3- منشورات الحزب ضد الحكومات السورية المتعاقبة بعد الجلاء، وكلها من إعداد عفلق، والبيطار ويساعدهما بعض شباب الحزب.
4-مجموعة مقالات مترجمة في الفلسفة والأدب والسياسة لبعض المفكرين الفرنسيين اليمينيين واليساريين.
5- بعض كتب حررها بعض كتاب الحزب، الذين كانوا مرضياً عنهم من عفلق في تلك المرحلة، منها كتابات منيف الرزاز وعبد الله عبد الدايم.
ثم يعقب العلواني بقوله: ولذلك كانت قيادة الحزب تكثر من إحالة الأعضاء على تراث لا ترى بأساً به لسد ذلك الفراغ. وكان بعض الأعضاء يحاولون البحث عن زاد ثقافي بأنفسهم، فقد يقبل بعضهم على الدراسات الماركسية أو الدراسات التي تناولت قضايا العرب قبل الثورة العربية في (9 شعبان) وما بعدها. ولذلك كان من الصعب أن يقال: إن الحزب قدم لأعضائه ومناصريه دليل عمل فكري واضح أو غامض".
ومع كثرة أحاديث البعثيين عن الثقافة لكن الحزب كان بدون ثقافة. والذين يسمون بـ "مثقفي الحزب" ليسوا أكثر من مجموعة من حملة الشهادات، (وللحزب طريقته الخاصة في تزويد بعض أعضائه بالشهادات والرتب). ومنذ أن ولد الحزب وحتى اليوم لم يستطع الحزب أن يقدم نفسه على أنه صاحب مدرسة فكرية.
لماذا انحسر المركسيون وانتشر البعثيون؟
يجيب على هذا السؤال الدكتور سعيد الغامدي فيقول في كتابه" حزب البعث":" لقد تميز البعث من أول نشأته بأن استفاد من العوائق التي وقفت في وجه امتداد الفكر الماركسي، وأول هذه العوائق (الدين) فالماركسية تحارب الأديان مباشرة وبصراحة وتعتبرها أفيون الشعوب، فكان ذلك من أسباب انحسارها في البلدان العربية التي تؤمن بالإسلام وتدين به.
ولما رأى البعث هذه النتيجة التي منيت بها الأحزاب الشيوعية في العالم العربي اتخذ أسلوباً آخر في التعامل مع الدين. فهو لم ينكر الأديان ولم يهاجم الإسلام صراحة بل اعترف بوجوده وأثره ومكانته في نفوس الناس، ليخلص من ذلك إلى زحزحته من الواقع وإزالة تأثيره العملي في الحياة.
وقد صرح عفلق في مواطن عديدة أن الماركسيين كانوا أغبياء حين هاجموا الدين الإسلامي وحاربوه علنًا، وأوضح أن سبب ذلك هو فهمهم السطحي لمكانة الدين ومنزلته عند الناس، ولذلك فإن حزب البعث تجاوز هذه الإشكالية واستطاع من خلال اعترافه بالإسلام أن يستخدمه مشجبًا يعلق عليه أفكاره ومبادئه وأهدافه ووسائله.
عقيدة حزب البعث في القومية العربية وموقفه من الإسلام:
1- يجعل حزب البعث الاشتراكية دينًا والعلمانية اللادينية مسلكًا ومنهجًا.
2- يجعل حزب البعث الرابطة بين العرب رابطة الدم والقرابة واللغة والتاريخ والأرض، ويلغي تمامًا رابطة الدين والتقوى بحجة أنها تمزق الأمة.
3- يدعو الحزب إلى تحرير الإنسان العربي من الرجعية والخرافات والغيبيات ويريدون بذلك الإسلام.
4- يرى حزب البعث أن الحركات الإسلامية والمؤسسات الإسلامية والشخصيات الإسلامية، والتي تدعو إلى تطبيق شرع الله، والدول التي تحكم بالإسلام عقبات يجب التخلص منها من أجل بناء المستقبل العربي.
5- يرى حزب البعث أن الوحدة العربية حقيقة حتمية لابد من تحقيقها بالانقلاب والثورة والعدوان العسكري والاحتواء التنظيمي للشخصيات السياسية والعسكرية المؤثرة أو الشخصيات ذات النفوذ الثقافي والمكانة الثقافية. وبناء على حتمية الوحدة العربية عنده فإنه يرى أن الوحدة الإسلامية حلم وهراء وأسلوب عدائي ضد القومية العربية.
6- يرى حزب البعث أن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم وشخصياته البارزة إنما هم شكل من أشكال التعبير عن القومية العربية.
7- يرى حزب البعث أن الإسلام مجرد قيم روحية وشعائر عبادية لمن أراد ذلك.
8- يقول حزب البعث: إن العروبة هي ديننا نحن العرب من مسلمين وغيرهم؛ لأن العروبة وجدت قبل الإسلام والمسيحية، ويجب أن نغار عليها كما يغار المسلمون على قرآن محمد، والنصارى على إنجيل المسيح.
9-يترسم حزب البعث الخطوات الماركسية في الأفكار والممارسة، والخلاف بينهما أن الماركسية أممية، وأما البعث فقومي، وما عدا ذلك فإن الأفكار الماركسية تمثل العمود الفقري في فكر الحزب ومعتقده.
10- يرى الحزب أن الحدود بين أجزاء البلدان العربية يجب أن تزول، وتقوم دولة العرب الواحدة بحكومة واحدة على أساس بعثي، وعلى قيادة علمانية.
11- كان الحزب ولا يزال واجهة انضوت تحته كل الاتجاهات الطائفية المعادية للإسلام درزية ونصيرية وإسماعيلية ونصرانية، وأخذ هؤلاء يتحركون من خلال حزب البعث بدوافع باطنية، يطرحونها ويطبقونها تحت شعار الوحدة والحرية والاشتراكية والقومية والثورية والتقدمية.
12- لافتة حزب البعث هي: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، ويعنون بالرسالة الخالدة أن الأمة العربية ذات رسالة تظهر بأشكال متجددة متكاملة في مراحل التاريخ، وأنه مرة عبّرت عن نفسها بشريعة حمورابي، ومرة بالشعر الجاهلي، ومرة بعبقرية محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الإسلام لا يعدو أن يكون نبتة ظهرت في أرض القومية العربية
ــــــــــــ
من مراجع التقرير:
* كتاب: قصة حياة ميشيل عفلق- زهير المارديني.
* كتاب: حزب البعث- د. سعيد الغامدي.
* حزب البعث العربي الاشتراكي- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة.
* مقال: حقيقة حزب البعث وتكوينه- د. طه جابر العلواني
* مقال: البعث السوري من الموسولينو عفلقية إلى التقية- أنس فاعور.
* حزب البعث العربي الاشتراكي-ويكيبيديا.