سئل الشيخ عبد الرحمن السحيم هذا السؤال و قد أجاب بالتالي :
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتـه
شيخنا الفاضل حفظه الله و رعاه ..
وضع أحد الأخوة الأفاضل و لا نزكي على الله أحداً أسئلة للمحتفلين بالمولد النبوي الشريف .. كنوع من المناقشات و درء الشبهات ..
فأخذ هذه الأسئلة أحد الأعضاء و عرضها على دار الإفتاء في حلب .. و قد تم الإجابة على الأسئلة بشبهات عدة ..
فوجدناها فرصة أن نعرضها عليكـ لترد عليها و نقوم بنشرها في المنتديات و خاصة التي تشجع على ذلكـ فهي فرصة لدحر الشبهات
و نحن نريد ردكـ يا شيخ ليكون نشرها موثقا برد من إنسان ثقة معروف و لا نزكي على الله احداً ..
فجزاكم الله خيرا و هذه هي الأسئلة مع ردها ( رد دار الإفتاء باللون الأحمر و إن أحببتم معرفة اسم المفتي فلا مانع)
السؤال الأول : لِم لمْ يحتفل الصحابة والتابعين بمولد الرسول علما أنه لم يكن
يمنعهم مانع وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حباً لرسول الله ومتابعة لشرعه ممن
بعدهم؟
نحن لا نشك بأن الصحابة الكرام والتابعين رضي الله عنهم كانوا أعلم الناس بسنة
سيدنا محمد وأكمل حباً لسيدنا محمد بل وأكمل إتباعاً للشرع الشريف.
لكن هذا لا يعني أنهم إذا لم يفعلوا أمراً من الأمور المباحة , صار هذا الأمر
المباح حراماً ومن الذي يجترئ على القول بتحريم المباح إلا الجاهل؟
الحلال ما حلله الشرع , والحرام ما حرمه الشرع , لقول الله تعالى : (وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ومعنى
الآية فسرها النبي بقوله : (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا به ما استطعتم , وما
نهيتكم عنه فاحتنبوه )) متفق عليه . لم يقل الله عز وجل ولا نبيه ما تركه
فاتركوه , فالطاعة في امتثال الأمر واجتناب النهي.
وفي رواية أخرى صحيحة كذلك : (( ذروني ما تركتكم , فإنما هلك من كان قبلكم
بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم , فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم
وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه )) متفق عليه.
ومعنى قوله : (( ذروني ما تركتكم )) أي : اتركوا السؤال عما لم آمركم به أو
أنهكم عنه , لأنه لو اقتضى الأمر أن يأمر أمر , أو أن ينهى نهى , لكونه مبلغاً
عن الله عز وجل.
فالترك من الصحابة والتابعين لا يعني التحريم , بل من رسول الله , فالنبي ترك
أموراً ولم ينه َ النبي عنها فما فهم أحد من الصحابة ولا التابعين أن هذا الترك
يعني التحريم , من جملة ذلك : ترك هدم الكعبة , وإعادة بنائها على قواعد سيدنا
إبراهيم عليه الصلاة والسلام , وترك إنفاق كنزها في سبيل الله عز وجل , لا لأن
ذلك حرام لا يجوز, بل لكون القوم حديثو عهد بجاهلية , وروى البخاري عن أم
المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله يقول : (( لولا أن
قومك حديثو عهد بجاهلية , أو قال بكفر ، لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله عز وجل
، ولجعلت بابها بالأرض , ولأدخلت فيها من الحِجْر)).
من ذلك تركه أكل الضب , لا لأنه حرام , بل لأنه لم تشته نفسه الكريمة , أو ليس
من طعامه , وسأله سيدنا خالد رضي الله عنه عن الضب , أحرام الضب يا رسول الله ؟
قال : لا , ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه )) قال خالد رضي الله عنه :
فاجتررته فأكلته ورسول الله ينظر إلي فلم ينهني . رواه مسلم
ومن ذلك تركه صلاة التراويح في جماعة في شهر رمضان , لا لأنها لا تجوز جماعة ,
بل خاف النبي أن تفرض علينا , فقال : (( قد رأيت الذي صنعتم , ولم يمنعني من
الخروج عليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم )) متفق عليه.
فأين وجه التحريم على مشروعية المولد من خلال هذا القياس المردود عليه؟
وأخيراً أقول : رحم الله من قال :
الترك ليس بحجة في شرعنا لا يقتضــي منعــاً ولا إيجـــابا
فمن ابتغى حظراً بترك نبيننا ورآه حـــكماً صــادقاً وصوابـا
قد ضل عن نهج الأدلة كلــها بل أخطأ الحكم الصحيح وخابا
لا حظر يمكن إلا إن نهي أتى متـــوعــــداً لــمخالفيـه عذابـــا
أو ذم فعـــل مـــؤذن بعقوبــة أو لفـــظ تحريـم يـواكب عــابا
السؤال الثاني : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال رسول الله : " ما
بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم
شر ما يعلمه لهم " رواه مسلم في صحيحه
لِم لمْ يدلنا على هذا الخير ؟ علما أنه ما ترك شيئا و يقربنا إلى الله إلا
ودلنا عليه ؟
فالحديث الذي رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما , عن النبي
قال : (( إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه
لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم )) أين وجه الاستدلال بهذا الحديث الشريف على أن
ترك أمر من الأمور يفيد التحريم , وقد تقدم معنا في الجواب السابق أن الترك لا
يفيد التحريم , أما ترك رسول الله صلاة التراويح في جماعة, وجمع سيدنا عمر رضي
الله عنه الناس في صلاة التراويح على إمام واحد هو أبي بن كعب رضي الله عنه ,
أليس هذا الجمع فيه خير؟ مع أن النبي ما دل أمته على ذلك .
أليس جمع القرآن في مصحف واحد ؟ أليس الصديق فعل ذلك ؟ وقس بعد ذلك الأمور
الكثيرة التي فيها خير , ورآها المسلمون حسنة ففعلوها , وهذا ليس استدراكاً على
الشرع معاذ الله , بل هو عين الالتزام بالقواعد الشرعية التي وردت في الكتاب
والسنة
جاء في صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ((
من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من
أجورهم شيء , ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده
من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)).
فأين وجه التحريم في مشروعية المولد من خلال هذا الحديث والحال كما ذكرنا؟
السؤال الثالث: ما معنى الحديث .. أو تفسيره؟ لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى
ابن مريم إنما أنا عبده ، فقولوا : عبد الله ورسوله " أخرجه البخاري في صحيحه
من حديث عمر رضي الله عنه؟
أما السؤال عن حديث النبي السابق , فأين وجه الاستدلال به على عدم مشروعية
المولد ؟ هل سمعنا عن أحد من أمة النبي يغالي كما غالت اليهود والنصارى , الذين
قالوا : عزير ابن الله وعيسى ابن الله ؟ هل يوجد أحد في هذه الأمة لا يقول :
سيدنا محمد عبد الله ورسوله ؟ على العكس من ذلك , ما من مؤمن إلا ويكرر هذه
الكلمات عدة مرات في كل يوم , إذ يقول في صلاته وخارج صلاته : أشهد أن لا إله
إلا الله , وأن محمداً عبده ورسوله.
السؤال الرابع : لم لا نحتفل ببعثة الرسول أليست البعثة أولى بالاحتفال؟
أقول : لو احتفلت الأمة بيوم البعثة لوجد كذلك من يقول لِمَ تحتفلون بيوم
البعثة ولم تحتفلوا بيوم الهجرة ؟ وهكذا .
يا أخي الاحتفال بيوم مولده هو تذكير للأمة بيوم مولده وبيوم بعثته وبيوم هجرته
وبأيام غزواته وتذكير بأخلاقه وسيرته وشمائله .
السؤال الخامس : أنتم تقولون أن المولد بدعة حسنة ..إذاً أريد أن أعرف مثالاً
فقط لا أكثر على البدعة السيئة؟
تريد معرفة مثال واحد عن البدعة السيئة , أقول لك يا أخي : خذ أمثلة لا مثالاً
واحداً, ولكن قبل أن أعطك الأمثلة هل أنت على استعداد أن تقبل أقوال الأئمة
الفقهاء الذين حملوا لنا هذا الدين وأدوه لنا بالأمانة التامة دون تعصب لفكرة
ما ؟
إذ قسموا البدعة إلى أقسام خمسة : ( وأنت حر بعد ذلك بأن تقبل أقوال الأئمة
الثقات أو لا تقبل ) خذ الأمثلة على البدعة السيئة
أولاً : بدع سيئة في العقيدة محرمة , قد تصل إلى درجة كفر صاحبها : كبدع
القدرية والجبرية والمرجئة والخوارج وكبدع الجاهليين التي نبه القرآن الكريم
عليها في قوله تعالى : ( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ
وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ) وفي قوله تعالى : ( وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ
هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا
وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ )
ثانياً : بدع سيئة في العبادات , منها محرم ومنها مكروه:
أ�- أما المحرم منها : بدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس , والخصاء لقطع
الشهوة في الجماع والتفرغ للعبادة , لما جاء عن رسول الله في حديث الرهط الذين
فعلوا ذلك , عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : جاء رهط إلى بيوت أزواج النبي
يسألون عن عبادة النبي فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها فقالوا: فأين نحن من النبي
قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل
أبداً , وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر , وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا
أتزوج أبداً . فجاء رسول الله إليهم فقال : (( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما
والله إني لأخشاكم الله وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد , وأتزوج
النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني )).
ب�- أما المكروه منها : الاجتماع عشية عرفة للدعاء لغير الحجاج فيها , وذكر
السلاطين في خطبة الجمعة للتعظيم , أما الدعاء فجائز , ومنها زخرفة المساجد ...
ثالثاً : أما البدعة في العادات : فمنها المكروه : كالإسراف في الطعام والشراب
, ومنها المباح كالتوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب ......
السؤال السادس : هل المولد قربى إلى الله ؟ يعني هل يؤجر عليه الإنسان و ينوبه
حسنات؟
إن قلت لك نعم ، هل تجعل مولداً وتحتفل بذكرى مولده ؟
فإن قلت لي نعم فأخبرني حتى أحدثك عن الفقرة الأخيرة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
و اعذرونا على الإطالة و أخذ قسطا من وقتكم
نحبكم في الله