تبايُن أُسلوب التعاطي مع المسيحيين واليهود في الدولة الفاطمية من خليفةٍ إلى آخر، فبعضُ الخُلفاء كان مُتسامحًا لأبعد الحُدود مع أهل السُنَّة ومع النصارى واليهود، فأطلق لهم الحُريَّة الدينيَّة والمذهبيَّة، واستوزر منهم ورفع شأنهم، وبعضهم الآخر اضطهدهم اضطهادًا شديدًا. فعلى سبيل المِثال، اشتهر الخليفة المنصور ومن بعده المُعز لدين الله بتسامُحه الكبير مع أقباط مصر، وباستمالتهم إليه ومُولاتهم له بعد أن اتصل بقيادتهم الدينيَّة وأعلمهم بأنَّهُ سيمنحهم الحُريَّة الدينيَّة بعد أن نالهم الضيم جرَّاء المُمارسات القمعيَّة التي انتهجها الأخشيديين ضدَّهم أواخر عهد دولتهم.[1]
ولمَّا فتح الفاطميّون مصر، سلك جوهر الصقليّ سُلوكًا دبلوماسيًّا هادئًا مع المصريين، فأعلن في خِطبة الجُمعة الأمان لأهل السُنَّة وللمسيحيين واليهود، واستقبل مُمثِّلُ الأقباط الذي كان يرفع صوته ويقول: «إنَّنَا نَنْتَظِرُ وُجُودَكُم فِي مِصْرَ بِلَهْفَةِ المُضْطَهِدِ حَتَّى نَنْعَمَ بِالحُرْيَّةِ حَتَّى فِي حَيَاتِنَا اليَوْمِيَّةِ وَأَمْوَالَنَا وَمُمَارَسَةِ دِيَانَتِنَا».[2] وكان المُعز لدين الله، ابن العزيز، أكثر تسامحًا مع أهل الكتاب من غير المُسلمين، فقد جعل عيسى بن نسطورس وزيرًا له، وتزوَّج من امرأةٍ مسيحيَّةٍ ملكانيَّة، وهي أُمُّ ولده الحاكم وشقيقة اثنين من البطاركة: أحدهما بطريرك كنيسة الإسكندريَّة، والآخر بطريرك كنيسة بيت المقدس، وكان يحتفلُ مع النصارى ويُشاركهم أعيادهم.[3] ومن شدَّة تسامح الخُلفاء الفاطميين الأوائل مع أهل الكِتاب، قيل بأنَّهم كانوا يُشجعون إقامة الكنائس والبيع والأديار، بل ربما تولوا إقامتها بأنفسهم أحيانًا.[4] تغيَّر وضعُ اليهود والنصارى مع تولّي الحاكم بأمر الله شؤون الخِلافة، فقسا عليهم في المُعاملة، ويُحتمل أن يكون ذلك بسبب ضغط المُسلمين بعامَّةً الذين ساءهم أن يتقرَّب الخُلفاء من غير المُسلمين ويُعينوهم في المناصب العُليا، فأصدر الحاكم أمرًا ألزم أهل الذمَّة بلبس الغيار، وبوضع زنانير مُلوَّنة مُعظمها أسود، حول أوساطهم، ولبس العمائم السود على رؤوسهم، وتلفيعات سوداء،[5] وذلك لتمييزهم على المُسلمين. وفي وقتٍ لاحق منعهم من الاحتفال بأعيادهم، وأمر بهدم بعض كنائس القاهرة، كما صدر سجل بهدم كنيسة القيامة في بيت المقدس.[6]
وكان هدم كنيسة القيامة أقدس المواقع المسيحية على الأطلاق أحد الأسباب الرئيسية لنشوء الحملات الصليبية.[7] أدّى هدم كنيسة القيامة إلى حالة من الغضب في العالم المسيحي. وكان السبب الرسمي المعلن للحملات الصليبية الصعوبات التي تعرض لها الحجاج المسيحيين في الوصول إلى الأماكن المسيحيّة المقدسة وهدم كنيسة القيامة.[8] غير أنه كانت أيضًا دوافع الحملات الصليبية متعددة منها دوافع دينية، وإقتصاديّة، وتوسعيّة، وإجتماعيّة.
وهنا المصادر
^ أمين، محمود حُسين (1418هـ - 1998م). بنو ملاعب في التاريخ (الطبعة الأولى). بيروت - لُبنان: دار الروضة. صفحة 46 - 47.
^ المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ (1270هـ - 1853م). الخطط المقريزيَّة المُسماة بالمواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، الجزء الثاني. القاهرة - مصر: دار الطباعة المصريَّة. صفحة 212.
^ جحا/البعلبكي/عثمان ج6 1992, p. 33-34
^ مجلَّة الراصد، العدد الأربعون شوَّال 1427هـ: العُبيديّون الفاطميّون يُعلون من شأن اليهود والنصارى. تاريخ التحرير: الأحد 22 أكتوبر 2006م نسخة محفوظة 11 نوفمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
^ المقريزي، تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبدُ القادر؛ تحقيق الدكتور جمالُ الدين الشيَّال (1416هـ - 1996م). اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، الجزء الرَّابع (الطبعة الثانية). القاهرة - مصر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميَّة. صفحة 72.
^ الأنطاكي، يحيى بن سعيد بن يحيى؛ تحقيق: عُمر عبد السَّلام تدمُريّ (1990). تاريخ الأنطاكي، المعروف بصلة تاريخ أوتيخا (الطبعة الأولى). طرابلس - لُبنان: جروس برس. صفحة 252.
^ الحملات الصليبية
^ النور البهي، المطبعة الكاثوليكية، القدس 1997، ص.159
على فكره المقال السابق من خارج المصادر الإسماعيليه..
التعليق البسيط ان الإمام الحاكم إجتمع بأخواله وهم قادة الدين المسيحي
وأخبرهم انه سيهدم الكنيسه نتاج الثورات السنيه عليهم وذلك حفاظاً على حياتهم
وسأجلب المصادر...
المنيب
الإسماعيلي