المبحث الخامس
في بيان السنة لعقوبة الزاني الواردة في القرآن الكريم
ودفع الشبهات
تمهيد : -
جاءت أحكام الشريعة الغراء لحفظ مصالح الناس الدينية والدنيوية ، وتضم تلك المصالح حفظ الدين والنفس ، والمال ، والنسل ، والعقل ، وقد سماها الفقهاء والأصوليون بالضروريات أو الكليات الخمس( ) .
وقد شرع الإسلام لكل واحد من هذه الضروريات الخمس أحكاماً تكفل إيجاده وإقامته ، وأحكاماً تكفل حفظه وصيانته .فكل حكم يكفل إقامة هذه الأمور الخمسة أو حفظها هو حكم ضروري ( 2 ) .
الحدود في الإسلام لحماية المجتمع , وهي حق لله تعالي :
والحدود في الإسلام أحكاماً ضرورية شرعت لحفظ هذه الضروريات ، ومع أنها شرعت لحماية المجتمع ، إلا أن العلماء من الأصوليين وغيرهم اعتبروها حق لله تعالي .
ومعني هذا الاصطلاح أنها شرعت لحماية الجماعة ولكنهم يجعلون العقوبة حقاً لله تعالي إشارة إلي عدم جواز العفو عنها ، أو تخفيفها ، أو إيقاف تنفيذها لا من الأفراد أو من الجماعة ( 3 ) .000...
وهذا يجعل البشرية من شأنها أن تعيش في طهر ديني ، وفي فضيلة سائدة ، فإن الفضيلة كما هي حماية للمجتمع من جراثيم الانحلال التي تحل عراه ، فإنها كذلك أمر مصون تجب المحافظة عليه ، وتشريع العقاب لكل من هتك حماها .
ورغم أن هذه الحدود الكبرى قليلة العدد ، إلا أنها كثيرة الوقوع ، وهذا ما غفل عنه البعض في عدم اعتبار القرآن كتاب محكم ، لأنه لم يذكر إلا بضع جرائم ، في حين أن قانون العقوبات الذي صاغه البشر احتوي على ما يزيد على مائتي جريمة .
ونقول لهؤلاء إن القرآن وإن تعرض لقليل من الجرائم ، فإن هذه الجرائم تقع بنسبة ثمانين في المائة فالعبرة إذا ليست بتعداد الجرائم ، وإنما بكثرة وقوعها وخطورتها على المجتمع .
وكل جماعة إنسانية تشترك لا محالة في أمور لا بد منها كي تعيش في حياة كريمة يسودها النظام والاستقرار ، وهذه الأمور أربعة :
( 1 ) الأســـــرة ( 2 ) الملكيــــــــة
( 3 ) النظام الاجتماعي ( 4 ) الحكـــــــم
وهذه الأمور الأربعة تحرص الجماعات البشرية عليها ، حرصاً يكاد أن يكون فطرياً ، وتثور وتغضب من أجلها ، وربما تضحي بنفسها عندما تقع اعتداء على واحد منها , وللحفاظ على هذه الأمور شرعت الحدود ـ فحد الزنا حماية للأسرة ، وحد السرقة للنظام الاجتماعي ، وحد البغي حماية للحكم.
وترجع باقي الحدود للحفاظ على هذه الأمور ـ فحد القذف حفاظ على الفرد الذي هو من صميم الأسرة والمجتمع ، وحد الشرب كذلك حفاظ على الفرد ، وعلى النظام الإجتماعي ، وحد الردة حفاظ النظام العام الذي هو الدين .
مميزات الحدود في الإسلام :
تمتاز الحدود الشرعية في الإسلام بما يلي : ـ
1- أنها لا قسوة فيها على ما يزعم أعداء الإسلام من المستشرقين ومن تابعهم من أدعياء العلم من أمتنا الإسلامية ، بل هي رحمة للجاني وللجني عليه ، لأن عقوبات الحدود الغرض منها تأديب الجاني وزجر غيره ، ولا تهتم بالنظر لشخصية المجرم ـ فجريمته أخطر من أن يلتمس لصاحبها عذر أو ظروف محيطة به .
فمتي ثبتت بشروطها المحدودة , وتوافرت أركانها ، فقد أغنت عن النظر لما ورائها .
وعلى أنه يجب التنبيه إلى أن الإسلام وضع في الحدود قاعدة مهمة وهي ( درئها بالشبهات ) ففي الحديث (( ادرؤوا الحدود بالشبهات ، وادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم )) ( 1 ) .
وفي رواية (( ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله ؛ فإن الإمام إن يخطئ في العفو ، خير من أن يخطئ في العقوبة )) ( 2 ) 0
وهذا الحديث وإن لم يصح مرفوعاً ، وفيه المقال المعروف ، إلا أن الفقهاء اتفقوا على العمل به ، إلا الظاهريين ، إذ لا يسلمون بصحة ما روي عن الرسول والصحابة .
والصحيح صحة وقف الحديث عن جماعة من الصحابة ، ومنهم عمر بن الخطاب قال :
(( لأن أخطئ في الحدود بالشبهات ، أحب إليَّ من أقيمها بالشبهات )) ( 3 ) .
ويؤيد صحة هذه القاعدة ما قاله النبي لماعز لما جاء معترفَََاَ بالزنا ، وسيأتي الحديث وتخريجه قريباً .
والشبهات عديدة موضوعها كتب الفقه ( 4 ) ، ومن تتبعها أدرك كأن عقوباتالحدود شرعت للتخويف أكثر مما شرعت لأن توقع ! .
(( فمثلاً : عقوبة الزنا { الرجم } نجدها صعبة التنفيذ ، لأن المجيء بأربعة شهداء يرون وقوعها يكاد
يستحيل ، إلا إذا كان المجرمان في طريق عام ، عاريين مفضوحين لا يباليان بأحد وعندما يتحول
امرؤ إلي حيوان متجرد على هذا النحو الخسيس ، فلا مكان للدفاع عنه أو احترام إنسانيته )) ( 1 )
وكفي بقاعدة (( درء الحدود بالشبهات )) رداً على زعم أعداء الإسلام أن شريعة الإسلام متعطشة لتعذيب الناس 0
2- إن الحدود في الإسلام وضعت على أساس محاربة الدوافع النفسية في داخل مرتكبها بحيث تقلع
جذور الجريمة من ذهنه ، لأنها وضعت على أساس متين من علم النفس ( 2 ) لأن واضعها هو
القائل : ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ( 3 ) 0
وقوله سبحانه : ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ( 4 ) .
وكأن الله تعالي يقول لنا : أنا خالق هذا الإنسان ، وأنا أعلم بما يصلحه ويردعه ، ففرضت هذه
الحدود التي لا مجال للرأي ي فيها .
فكم كان يتهور البشر ويضعون للسرقة عقوبة القتل ، وكم انحل البشر فأباحوا الزنا بالرضا ، وعدوا شرب الخمر مخالفة .
وهكذا تضاربت أهوائهم ، وسيطرت على عقولهم وشهواتهم قال تعالي : ومن أضل مما اتبع هواه بغير هدي من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( 5 ) ،
والحدود كما وردت في القرآن الكريم ، وردت في السنة النبوية ، والسيرة العطرة تأكيداً وبياناًُ لها بالقول والعمل .
مما لا يدع مجالاً للشك في أن الإسلام قرآن وسنة قانوناً قد عمل به ، ونجحت أصوله الإدارية ، والسياسية ، والمدنية ، والأخلاقية ................ إلـــــــخ 0
وليس هو مجرد نظريات محتاجة للإثبات بالتجربة والتطبيق .
وإليك نماذج من تلك الحدود كما وردت في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وسوف أقتصر على تفصيل حدي الزنا والردة حيث أنهما من أكثر الحدود إنكاراً من أعداء السنة النبوية ، والسيرة العطرة.
أولاَ : حد الزنــا :
أ – التعريف به : هو حد الجناية على الفرج ، وهو حد حاربته الشرائع السماوية كافة وحرمت الوسائل المؤدية إليه تحريماً قاطعاً باتاً ، وشددت العقوبة على مرتكبيه .
قال تعالي : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً (1 )
والنهي عن قربان الزنا أبلغ من مجرد فعله ، وهو نهي يشمل كل مقدماته ، ودواعيه ووسائله الموصلة إليه ، وهي في عالم اليوم أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر !
قال تعالي في عقوبة الزاني في الآخرة : والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقي أثاماَ يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناَ ( 2 ) .
وإذا كانت عقوبته في الآخرة مضاعفة ، فهي في الدنيا مضاعفة أيضاً قال تعالي : والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( 3 ) .
حكمة الجلد للزاني :
وعقوبة الجلد هنا في الآية الكريمة على ما فصلته السنة النبوية ، هي لمن زنا وهو غير محصن ، وهي عقوبة تتجلى فيها حكمة الخالق عز وجل .
لأنه إذا كان الباعث على الزنا هو اللذة وإشباعها ، كان الصارف لهذا الباعث في تشريع القرآن العادل إنما هو الألم الحسي بالجلد ، والألم المعنوي بمشاهدته وهو يجلد , ليشعر المذنب أنه لا قيمة للذة يعقبها ذلك الألم الشديد الحسي والمعنوي .
ومن المعلوم أن في الإنسان غريزتين :
غريزة حافزة دافعة ، وغريزة مانعة كافة والغلبة لأقواهما سلطاناً لذا فقد عني الشارع الحكيم بتقوية سلطان المانع بما شرعه من عقوبة حاسمة لو تصورها الإنسان على حقيقتها لانكمش الدافع للجريمة المعاقب عليها بتلك العقوبة ( 1) 0
ب –بيان السنة لحد الزنا :
جاءت السنة النبوية مؤكدة ومبينة لما جاء في القرآن الكريم من حد الزنا فبين النبي أن جلد الزاني في الآية الكريمة إنما هو لمن زنا وهو غير متزوج ، ويضاعف على عذابه بالجلد , نفيه سنة , كما بين النبي حد من زنا وهو متزوج , بأنه ضعف غير المتزوج بالرجم .
وما يزعمه أعداء السنة النبوية من مخالفة البيان النبوي في حد الزاني للقرآن الكريم زعم لا أساس له من الصحة ، فذلك البيان النبوي صح متواتراً في سنته المطهرة وسيرته العطرة .
وهو بيان إلهي لقوله تعالي : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ( 2 ) 0 وقوله عز وجل : فإذا قرأناه فاتبع قرءانه ثم إن علينا بيانه ( 3 ) 0
وهذا البيان الإلهي واجب على النبي تبليغه ، كما أنه واجب على الأمة إتباعه لقوله تعالي : وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه (4 ) 0
وقوله سبحانه : فلا وربك ليؤمنون حتى يحكٍّموكً فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ( 5 ) .
وعلى ما سبق فهذا البيان النبوي هو حكم الله في كتابه العزيز لقوله لوالد الزاني لامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم : والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، الوليدة
والغنم رد . وعلى ابنك الجلد مائة ، وتغريب عام ، واغد يا أنيس ! ( 1 ) إلي امرأة هذا 0 فإن اعترفت فارجمها )) قال : فغدا عليها ، فاعترفت ن فأمر بها رسول الله فرجمت ( 2 ) 0
قال الحافظ بن حجر ( 3 ) : المراد بكتاب الله ما حكم به ، وكتب على عباده وقيل المراد القـرآن وهو المتبادر .
قال أبو دقيق العيد ( 4 ) : الأول أولي ، لأن الرجم والتغريب ليسا مذكورين في القرآن إلا بواسطة أمر الله باتباع رسوله 0
قيـل : وفيما قال نظـر ؛ لاحتـمال أن يكون المـراد متضـمناً قوله تعالي : أو يجعل الله لهـن
سبيـلاً ) .. ..
فبين النبي : أن السبيـل جـلد البكـر ونفيـه , ورجـم الثيـب (5 ) .
قال بن حجر : وهذا أيضاً بواسطة التبيين ، ويحتمل أن يراد بكتاب الله الآية التي نسخت تلاوتها وهي : (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم )) (1 ) .
وهذه الآية المنسوخة تلاوة ، الباقية حكماً هي التي قال فيها عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله : (( إن الله قد بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه آية الرجم ، قرأناها ، ووعيناها ، وعقلناها ، فرجم رسول الله ورجمنا بعده ، فأخشى أن طال بالناس زمان ، أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن ؛ من الرجال والنساء إذا قامت البينة ، أو كان الحَبَلْ، أو الإعتراف )) ( 2 ) 0
تواتر حد الرجم :
وفي إعلان عمر بالرجم ، وهو على المنبر ، وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالإنكار ، دليل على ثبوت الرجم وتواتره ( 3) 0
فرق قديمة أنكرت الرجم :
وما خشيه عمر قد وقع ، فانكر الرجم طائفة من الخوارج أو معظمهم ، وبعض المعتزلة ، ويحتمل أن يكون استند في ذلك إلي توفيق ( 4 ) 0
ويؤيده رواية أحمد عن ابن عباس قال : خطب عمر بن الخطاب ، فحمد الله ، وأثني عليه فقال (( ألا وإنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم ، وبالدجال ، وبالشفاعة ، وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا ))(5 ) 0
الرد علي دعوي مخالفة السنة للقرآن في حد الزنا :
يقول الإمام الشاطبي (1) : رداَ على دعوى مخالفة الرجم والتغريب للقرآن الكريم ، قال : (( هذا اتباع للمتشابه ، لأن الكتاب في كلام العرب ، وفي الشرع يتصرف على وجوه منها الحكم ، والفرض
في قوله تعالي : كتاب الله عليكم ( 2) وقال تعالي : كتب عليكم الصيام ( 3 ) وقال سبحانه: وقالوا ربنا لما كتبت علينا القتال ( 4 ) .
فكان المعني : لأقضين بينكما بكتاب الله ، أي بحكم الله الذي شرع لنا ، ولا يلزم أن يوجد هذا الحكم في القرآن ، كما أن الكتاب يطلق على القرآن ، فتخصيصهم الكتاب بأحد المحامل من غير دليل إتباع لما تشابه من الأدلة )) ( 5 ) 0
ثم قال الإمام الشاطبي : (( وقوله من زعم ( 6 ) أن قوله تعالي في الإماء : فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب (7 ) .لا يعقل على ما جاء في الحديث أن النبي رجم ، ورجمت الأئمة بعده ( 8 ) 0
لأنه يقتضي أن الرجم ينتصف ، وهذا غير معقول ، فكيف يكون نصفه على الإماء ؟
هذا ذهاباً منهم إلي أن المحصنات هن ذوات الأزواج ، وليس كذلك بل المحصنات هنا المراد بهن الحرائر ، بدليل قوله تعالي : ومن لم يستطع منكم طولاًُ أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات (1 ) 0
وليس المراد هنا إلا الحرائر ؛ لأن ذوات الأزواج لا تنكح (2 ) .
وتأكيداً على أن حد الأمة نصف حد الحرة (( بالجلد دون الرجم )) سواء كانت محصنة بالتزويج أم !
جاء التقييد في الآية الكريمة في حق الإماء فإذا أحصن قال تعالي : فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ( 3 ) .
أي على الإماء وإن كن محصنات بالتزويج ، وجوب نصف حد المحصنات (( وهن الحرائر غير المتزوجات )) كما قال الإمام الشاطبي.
فلئلا يتوهم أن الأمة المزوجة ترجم جاء التقييد في الآية الكريمة .
وقد أجمع العلماء على أنها لا ترجم ( ) وهذا الإجماع قائم على الآية السابقة ، وما ورد في صحيح السنة النبوية الشريفة في تأكيدها وبيانها ، من أحاديث مطلقه في حكم الأمة إذا زنت بالجلد 0
فعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله يقول (( إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها ، فيجلدها الحد . ولا يثرب عليها . ثم إن زنت ، فليجلدها الحد ، ولا يثرب عليها . ثم إن زنت الثالثة، فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر )) ( 5 ) .
قلت : إن الرجم والنفي في البيان النبوي يوافق القرآن الكريم فيما ذكره من مضاعفة العذاب ؛ قال تعالي : ... ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا يضاعف له العذاب يوم القيامة ( 6 ) ) فكان الرجم عقاب مضاعف ، وأشد لمن زنا وهو متزوج ، مقارنة بمن زني وهو غير متزوج ، حيث أخف عقوبة بجلده ، ومضاعفته بنفيه عام .
وتبدو حكمة التغريب للزاني غير المحصن في أنه " تمهيد لنسيان جريمته ، وإبعاد له عن المضايقات التي قد يتعرض لها ، فهي عقوبة لصالحه أولاً ، ولصالح الجماعة ثانياً .
والمشاهد حتى في عصرنا الحالي الذي إنعدم فيه الحياء ، أن كثيريين ممن تصيبهم معرة الزنا يهجرون موطن الجريمة مختارين لينأوا بأنفسهم عن الذلة والمهانة التي تصيبهم في هذا المكان (1) .
الرجم من كرهه نظرياَ فسوف يرضي به عملياَ اللهم إلا أن يكون 000 !
وكذلك الرجم : يستهدف إصلاح المجتمع ، وقد استفظعه قوم يرضون به لو كان الزاني قد زنا بمن هي من أهله . فهو وإن كرهه نظرياً ، فسوف يرضي به عملياً ، اللهم إلا أن يكون ديوساً لا غِيرةَ له على أهله ، وإباحياً لا دين له ، ومثل هذا لا وزن له عند العقلاء !
وفيما نشاهده أن الناس الأحرار يأبون أي شئ إلا القتل عقوبة للزاني في طرق ملتوية ، وكثيراً ما تكون وسائلها المكر والخديعة والخيانة أو دس السم وغير ذلك ، دون أن يفرقوا في حالة الزاني متزوج أم غير متزوج !
فإذا أراح القـرآن الكريـم الناس ، وأمر برجم الزاني المحصن فقد رحـم الناس من حيث يشعرون أو لا يشعرون (2) 0 ) .
الرجم هو القتل لا غير , وقوانين العالم كله تبيحه :
وأخيراً : فإن الرجم هو القتل لا غير، وإن قوانين العالم كله تبيح القتل عقوبة لبعض الجرائم ، ولا فرق بين من يقتل شنقاً ، أو ضرباً بالرصاص ، أو رجماً بالحجارة ، فكل هؤلاء يقتل ، ولكن وسائل القتل هي التي فيها الإختلاف .
ثم إن التفكير في الرجم بالحجارة لا يتفق مع طبيعة العقاب ، فالموت إذا تجرد من الألم والعذاب كان من أتفه العقوبات ، فالناس لا يخافون الموت في ذاته ، وإنما يخافون العذاب الذي يصحب الموت .
وقد بلغت آية الزنا الغاية في إبراز هذا المعني حيث جاء فيه وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( 1 ) .
جـ - الرجم من أقدم العقوبات التي عرفتها البشرية :
لو رجعنا إلي القرآن الكريم لوجدنا أنه يثبت بأن الرجم من أقدم العقوبات التي عرفتها
البشرية .
1- وأول ما يمكن التوقف عنده قصة سيدنا نوح الذي يمكن أن يعد الأب الثاني للبشرية بعد آدم وفي قصته التي يذكر فيها القرآن الكريم جانبَا منها تأتي كلمة (( الرجم )) في قوله تعالي قاالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ( 1 ) ومما ينبغي أن نلحظه في قوله تعالي ( من المرجومين ) أن حرف الجر (( من )) للتبعيض أي من بعض المرجومين . وفي ذلك دلالة دلالة واضحة على أن قومه كانوا يمارسون رجم من يخالفهم ، وأن الرجم عادة اتخذها قومه في العقوبات .
2- وفي قصة سيدنا لإبراهيم ، وفي حواره مع أبيه قال له أبوه قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك ( 2 ) .
3- وفي قصة سيدنا موسى تستوقفنا الآية الكريمة وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ( 3 ) أي تقتلوني رجماً ( 4 ) .
4- وفي قصة سيدنا شعيب ، وفي دعوته مع قومه وحواره معهم قالوا له ولولا رهطك لرجمناك ( 5 ) أي لقتلناك بالرجم وهو شر قتله ( 6 ) . ..
5- وهذا ما نجده مع رسل سيدنا عيسي الثلاثة الذين بعث بهم إلي القرية ( إنطاكية )(1 ) لهداية أهلها ، ولكنهم رفضوا الهداية ، وهددوهم بالقتل ، قال تعالي على لسانهم : لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم ( 2 ) .
6- وفي قصة أهل الكهف التي قيل إن أحداثها جرت بعد الميلاد ، وردت كلمة الرجم في قوله تعالي: إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبـــــدَا ( 3 ) .
من كل ما تقدم يمكن استخلاص أن عقوبة الرجم بالحجارة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور ، وقد ترسخت عند كثير من الشعوب القديمة على اختلاف أزمانها ، وأماكنها ، وارتضتها ضمن تشريعاتها وقوانينها .
الرجم عقوبة ثابتة في الشريعة اليهودية والنصرانية :
كما أن هناك استخلاصاً مهماً في كل ما سبق وهو أن الرجم عقوبة ثابتة في حق الزناة في الشريعة اليهودية والمسيحية .
يدل على ما روي في الصحيح عن البراء بن عازب ( 4 ) قال : ُمرَّ على رسول الله بيهوديِّ مُحَمَّمًا ( 5 ) مجلوداً . فدعاهم فقال ( هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ ) قالوا نعم ، فدعا رجلاً من علمائهم . فقال (( أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى ! أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ )) قال : لا . ولولا أنك نشدتي بهذا لم أخبرك . نجده الرجم . ولكنه كثر في أشرافنا . فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه . وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد . قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع . فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم . فقال رسول الله : (( اللهم ! إني أولُ من أحيا أمرك إذا أماتوه )) .
فأمر به فرجم . فأنزل الله عز وجل : يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرون يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تأتوه فاحذروا .... ( 1) .
يقولُ : ائتوا محمداً . فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه . وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا .
فأنزل الله تعالي : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( 2 )
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون (3 )
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ( 4 ) في الكفار كلها (5 ) .
من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن :
وعن ابن عباس قال : (( من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب ، قال تعالي : يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب (6) .
فكان الرجم مما أخفوا )) (7 ) .
شبهة أعداء السنة حول آية الرجم المنسوخة تلاوة , والجواب عنها :
ويبقي ما أورده البعض من خصوم السنة النبوية حول الآية المنسوخة التلاوة ، الباقية الحكم (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم))(8) .
أنكروا حكم الآية لاختلاف نظمها مع نظم القرآن الكريم وروعته (9) .
وهذا الإنكار مردود عليهم بالقرآن الكريم في قوله تعالي : ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير (1) .
والمنسوخ تلاوة في الآية التي أنكروا حكمها لا يحتمل إلا (( إنساؤُه وهو حذف ذكرها عن القلوب بقوة إلهية )) (2) .
والمراد أن نص الآية المنسية يزول من الوجود ، ولا يبقي في الذهن منها إلا آثار ، وإنساء النص الذي يدل على الحكم لا يستلزم نسيان الحكم كما هو معلوم 00
فإذا طبق الرسول الحكم بعد ذلك دل على أن الحكم باق غير منسوخ .
والحكمة من رفع التلاوة مع بقاء الحكم (( ليظهر بذلك مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلي بذل النفوس بطريق الظن ، من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به ، فيسرعون بأيسر شئ ، كما سارع الخليل بذبح ولده بمنام ، والمنام أدني طريق الوحي ، وأمثلة هذا الضرب كثيرة )) ( 3 ) 0
زد على ما سبق أن الأمر في القرآن وأحكامه إلي الله عز وجل ينسخ ما يشاء مع بقاء النص الذي يستند إليه ، ويبقي ما يشاء مع نسخ أو إنساء النص الذي كان دليلا عليه .
فعن أنس بن مالك قال : أنزل الله عز وجل في الذين قتلوا ببئر معونة ( 4 ) قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد : ( أن بلغ قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ، ورضينا عنه )( 5 ) .
وعن أبي موسى الأشعري (6) قال : (( وإنا كنا نقرأ سورة . كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة . فأنسيتها غير أني قد حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغي وادياً ثالثاً . ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب . وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها . غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . فكتبت شهادة في أعناقكم . فتسألون عنها يوم القيامة )) (1) .
فهذه الروايات المعتمدة وغيرها ، تؤكد ما قلناه : وهو أن ما نسخت تلاوته أُنسِيَ فلم يبقي منه إلا ذكريات .
فمن قارن بينه وبين القرآن ، قارن بين ما هو غير موجود ، وما هو موجود .
ومن أنكره أنكر ما أثبتت الروايات وقوعه ، وكابر في التاريخ الثابت الموجود !
ومن اعتبر ما بقي منه قرأناً بنصه خالف القرآن بنسخه وإنسائه ، وأتي بما ليس بقرآن موجود ، مدعياً أنه قرآن !
وعلى ما ذكرناه تحمل كل الروايات في هذا المجال .. فإذا قال الصحابي ، قرأنا كذا ، أو توفي الرسول وهن فيما يقرأ من القرآن ، أو قال كنا نقرأ كذا فحفظت منه كذا ، أو قال : فلا أدري من القرآن هو أم لا .
كل ذلك محمول في قرآن نسي أو نسخ ، ولم يبقي منه إلا بعض المعاني أو بعض الذكريات عبر عنها الصحابي بأسلوبه أو بالمعني ، والرواية بالمعني ليست من القرآن الكريم !
والدليل على ذلك : أن القرآن المجموع حفظاً وكتابةً في عهد النبي ثم في عهد أبي بكر ، ثم في عهد عثمان بن عفان ، لم يختلف فيه حرف عن حرف أو كلمة عن كلمة ، ولا يوجد فيه شئ مما ذكر الصحابة أنه مما كان من القرآن .
ومما يدل على ذلك أنه ما بقي من آثار القرآن المنسوخ لم يشتهر بين الصحابة ، بل حكي كل واحد ما بقي من ذهنه مما كان ...........
وما دام النص المنسوخ قد أُنسِيَ ، أو ليس موجوداً ، فمجال البحث والدراسة والتفسير والتأويل بالنسبة إليه غير ذي موضوع .
لكن المهم هنا أن كل ما ذكرناه يؤكد أن الآية في قوله تعلي : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ( 1 ) يراد بها الآية من القرآن التي تنزل على الرسول ، وتنسخ تلاوتها ، أو تُنسَي من القرآن ، وهو ما تؤكده الروايات الواردة في ذلك ، ومنها آية (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما )) (2) .
الحكمة من كراهة النبي كتابة آية الرجم المنسوخة تلاوة :
وهذا الذي قلناه يفسر لنا لماذا كره النبي كتابة آية الرجم السابقة .
إذ كيف يسمح بكتابة شئ منسوخ تلاوة بجوار القرآن الكريم ، وقد نهي عن كتابة أي شئ بجوار كلام الله عز وجل ( 3 ) في صحيفة واحدة لئلا يلتبس على من بعده , هل هو من القرآن أم لا ! ( 4 ) .
وليس أدل على ذلك في مسألتنا هذه من قول الصحابي الجليل بن عباس بعدما سمعت رسول الله يقول : (( لو أن لابن آدم ملء واد مالاً لأحب أن له إليه مثله ؛ ولا يملأ عين بن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب ))
قال : ابن عباس فلا أدري أهو من القرآن أم لا ! ( 4 ) .
فخشية هذا الإلتباس تحمل كراهته كتابة آية الرجم ، ولو كانت آية الرجم بنص تلاوتها ، كما أنزلت أولاً ، ولم تُنْسَيَ ، ولو كان مأموراً بكتابتها، لأمر بكتابتها شأنها شأن آيات الحدود الأخرى .
ومنها ما هو أفظع وأشد من حد الرجم كحد المحاربين الذين يسعون في الأرض فساداً والوارد في قوله تعالي : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( 5 ) .
الجواب عن إشكال كراهة النبي كتابة آية الرجم , وهم عمر بكتابتها :
وكراهية النبي كتابة آية الرجم لا يشكل مع قول عمر بن الخطاب (( إياكم أن تَهْلِكُوا عن آية الرجم ! لا يقول قائل لا نجد حديث في كتاب الله فقد رجم رسول الله ، ورجم أبو بكر ورجمت ، فوالذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة )) فإنا قد قرأناه ( 1 ) .
فليس الظاهر من كلام عمر مراداً ، وأن كتابة آية الرجم جائز ، وأن المانع له من ذلك قول الناس ! كلا !
بل مراده المبالغة والحث على العمل بالرجم ~ إذ لا يسع مثل عمر مع مزيد فقهه تجويز كتابتها مع نسخ لفظها ( 2 ) .
ويؤيد هذا المراد رواية الترمذي عن عمر قال رجم رسول الله ، ورجم أبو بكر ، ورجمت ، ولولا أني أكره أن أزيد في كتاب الله تعالي ، لكتبته في المصحف ، فإني خشيت أن تجئ أقوامٌ فلا يجدونه في كتاب الله تعالي ، فيكفرون به )) ( 3 ) .
ويؤكد ما سبق من علة كراهة كتابة آية الرجم ، التباس آخر لو كتبت في المصحف , وهو أن العمل بها على غير الظاهر من عمومها ( 4 ) .
كما جاء في رواية عمر بن الخطاب قال : لما أنزلت أتيت النبي فقلت : أكتبها ؟! فكأنه كره ذلك ، فقال عمر : ألا تري أن الشيخ إذا لم يحصن جلد ، وأن الشاب إذا زني وقد أحص)) ( 5 )
الجواب عمن أنكر آية الرجم تلاوة وحكماَ :
أما زعم البعض أن الآية ( تلاوة وحكماً ) لم تكن في القرآن ! ولو كانت لطبق الحد على كثيرين من الصحابة، اعتماداً على أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال (( لا تشكوا في الرجم ، فإنه حق ولقد هممت أن أكتبه في المصحف ، فسألت أُبَّيّ بن كعب فقال : أليس أتيتني وأنا أستقرئها رسول الله ، فدفعت في صدري ، وقلت : تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر )) ( 1 ) 0
يقول أحدهم : وهو ما يعني في حال تدوين الآية ، وتطبيق الحد ، وقوع الرجم على أعداد غفيرة من المسلمين زمن الدعوة . ( 2 )
مما يحمل تشكيكاً في ثبوت الحد ، وتشكيكاً في الوقت نفسه بمجتمع الصحابة وتوهيناً للثقة فيهم .
فهذا لا حجة فيه للطاعن في حد الرجم ، لأن عدم التدوين في المصحف لا يعني عدم تطبيق الحد ، لما تواتر في السنة العملية من تطبيق حد الرجم من رسول ، وأصحابه الكرام من بعد .
كما أنه ليس في كلام عمر ، ما يدل على زعم الزاعم أنه في حالة تطبيق الحد يقع على أعداد غفيرة من الصحابة زمن الدعوة !
لأن كلمة عمر ((تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر )) لا تعني صحابة رسول الله الأطهار ، وإنما تعني غيرهم ممن كان معهم زمن الدعوة من المنافقين ، والمشركين ، واليهود .
ويحتمل أنها تعني من سيأتي فيما بعد من شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة وهم يتهارجون تهارج الحمر . ( 3 )
وهذا من حسن الظن بعمر وإلا فهل يظن بمثله أن يطعن في صحابة رسول الله ؟ !
إن كلمة سيدنا عمر تعني على فرض التسليم بظاهرها أن التهارج فيما بعد سيكون شائعاً وجزاؤه الرجم ، ولكن إن كان هذا التهارج لا بينة عليه بأربعة شهود يرون جريمة الزنا على نحو صريح لا شبهة فيه ، فلا حد حينئذاَ إلا بالإقرار أو الحَبَلْ .
فالمقصود من كلمة عمر درء الحد مهما أمكن ، فالحدود تسقط بالشبهات ، كما سبق من قوله (( لأن أخطئ في الحدود بالشبهات ، أَحَبُ إليَّ من أن أقيمها بالشبهات )) ( 1 ) .
وكأن عمر يقول لأُبَّيّ بن كعب : كيف تستقرئه آية الرجم أو كيف نكتبها ، وفي ظاهرها التباس في عمومها ؛ وهو عموم ينافي درء الحد بالشبهة ؟ !
وفي ذلك إشارة إلي : (( التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف وإن كان حكمها باقياً ، لأنه أثقل الأحكام وأغلظ الحدود ، وفيه الإشارة إلي ندب الستر )) ( 2) 0
ثم إن تشكيك خصوم السنة النبوية ، ودعاة التنوير الزائف ، في حجية المصدر الذي أقيم على أساسه حد الرجم ، بناء على هذه الآية المنسوخة تلاوة ، الباقية حكماً .
هذا التشكيك والإنكار لا يفيد في شئ ! 0
لأن الرجم ثابت بالقرآن كما سبق ( 3 ) . وثابت بالسنة القولية , والعملية المتواترة عنه ، وعن أصحابه من بعده .
فقد اشتهر وتواتر الرجم عن النبي قولاً وعملاً في قصة ماعز والغامدية واليهوديين ، وعلى ذلك جري الخلفاء بعده ، فبلغ حد التواتر ( 4 ) . 00. 0000000
فعن بريدة بن الحصيب الأسلمى ( 1 ) أن ماعز بن مالك الأسلمى أتي رسول الله فقال : يا رسول ! إني قد ظلمت نفسي ، وزينت ، وإني أريدك أن تطهرني . فَردَّهُ .فلما كان من الغد أتاه فقال : يا رسول الله إني قد زنيت ؛ فرده الثانية . فأرسل رسول الله إلي قومه فقال ( أتعلمون بعقله بأساً تنكرون منه شيئاً ؟ فقالوا : ما نعلمه إلاَّ وفيَّ العقل . من صالحينَا فيما نُري . فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضاً فسأل عنه فأخبروه : أنه لا بأس به ، ولا بعقله , فلما كان الرابعة حُفِرَ له حفرة ثم أمر به فرجم . )) ( 2 ) .
قال : فجاءت الغامدية فقالت : يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني . وإنه ردها فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم تَرُدَنِي ؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً . فو الله إني لحُبْلَي . قال : (( إمَّا لا ، فاذهبي حتى تلدي )) فلما ولدت أتته بالصبي في خرقهِ قالت :هذا قد ولدته . قال : (( اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه )) . فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز . فقالت : هذا يا نبي الله قد فطمته ، وقد أكل الطعام . فدفع الصبي إلي رجل من المسلمين . ثم أمر بها فحفر لها إلي صدرها , وأمر الناس فرجموها . فيقبل خالد بن الوليد بحجر . فرمي رأسها. فتنطح الدم على وجه خالد فسبها . فسمع رسول الله سبَّه إياها . فقال : (( مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده ، لقد تابت توبة ، لو تابها صاحب مَكْسٍ (3 ) لغفر له )) ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت ( 4 ) .
الجواب عمن زعم أن الرجم حكم ثابت بالسنة , ولكنه حكم مؤقت :
بقي الرد على من زعم أن الرجم حكم ثابت بالسنة النبوية ، ولكنه حكم مؤقت !
إذ يقول بعضهم بعد أن أقر بثبوت الرجم في السنة النبوية القولية والعملية المتواترة قال : (( ونحن نقول إنه مع ثبوت وقوع حالات الرجم في عهد الرسول , فإن استقصاء هذه الحالات ينتهي إلى أن من الممكن إيقاف هذه العقوبة دون مخالفة للسنة، ومع هذا فإذا أصر دعاة الرجم على أقوالهم فهناك مخرج يقوم على عدم تأبيد بعض أحكام السنة )) ( 1 ) .
وهذا الزعم مبني على مذهبه (( بأن الرسول والخلفاء الراشدون والصحابة أرادوا عدم تأبيد ما جاءت به السنن من أحكام )) ( 2 ) .
ويجاب عن ذلك : بأن تلك الدعوى لا دليل عليها ، ويبطلها كلام رسول الله r وسيرة أصحابه الأطهار من بعده .
فإذا كان رسول الله r أراد عدم تأبيد ما جاءت به السنة النبوية من أحكام :
1- فعلام إذاً يقرنها مع كتاب الله عز وجل مبيناً أن الإعتصام بها عصمة من الضلال في قوله : (( إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدَا كتاب الله ، وسنة نبيه )) (3 ) .
2- وعلام يأمر بتبليغ سنته المطهرة في قوله r : (( ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من أن يبلغه يكون أوعى له من بعض مَن سمعه . )) (4 ) .
3- وعلام يوصي بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين والعض عليه بالنواجذ عند الإختلاف في قوله r : (( فإنه من يعش منكم : فسيري اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ . )) (1 )
4- وعلام التحذير الشديد من الكذب عليه r في قوله : (( إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار . )) ( 2 ) 0
5- وعلام يحذر ممن يأتيه الأمر مما أمر به أو نهي عنه فيعترض ويقول : (( بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه ، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه . )) 0
ثم يبين رسول الله r أن ما يحرمه بوحي غير متلو مثل ما يحرمه الله عز وجل في
قرآنه المتلو قائلاً : (( ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله . )) ( 3 ) .0
وذلك التحريم دين دائم إلي يوم القيامة كما سيأتي من قول أئمة المسلمين .
6- وعلام يصف الزائغ عن سنته المطهرة بأنه هالك كما قال r : (( قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك . )) ( 4 ) .
فعلام يدل هذا إن لم تكن أحكام السنة حجةً وديناً عاماً دائماً كالقرآن الكريم !
إن كل ما نقلناه هنا من هذه الأحاديث ونحوها كثير بمثابة التصريح من رسول الله r بأن سنته المطهرة حجة ودين عام دائم ملازم للقرآن الكريم .
وهذا ما فهمه الصحابة من رسول الله r ، فهم أول المخَاطَبين بكتاب الله عز وجل , وفيه الأمر بطاعته r والتحذير من مخالفة أمره . قال تعالي : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ( 1) 0
فهل هذا الأمر الإلهي بإتباع أمر نبيه r الوارد في سنته المطهرة أراد به رب العزة ألا يكون ديناً عاماً دائماً كالقرآن ؟؟؟ .
إن القول بهذا طعن في القرآن نفسه ، وفي عالمية الدعوة الإسلامية ؛ ثم إن رب العزة يقسم بذاته المقدسة على عدم إيمان من يُحَكِّم رسوله في كل شأن من شئون حياته ، ومن المعلوم بالضرورة ، أننا نُحَكِّمْ الرسول r بذاته وهو حي ، فإذا انتقل الرسول r إلي الرفيق الأعلى حَكَّمْنَا سنته المطهرة .
على أنه ليس فقط أن نُحَكِّمْ الرسول r وسنته ، بل لا بد وأن تمتلئ قلوبنا بالرضا والسعادة بهذا الحكم النبوي ، وأن نخضع له خضوعاً كاملاً مع التسليم التام قال تعالي : فلا وربك لا يؤمنون به حتى يُحَكَّمُوكَ فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ( 2 ) .
وعلى ذلـك يؤكـد رسول الله r بقوله : (( لا يؤمن أحـدكم حتى يكـون هواه تَبَـعًا لما جئتُ بهِ )) ( 3 ) 0
ولم يخالف في ذلك أحد من أصحاب رسول الله r ، ولا يقول بخلاف هذا إلاَّ من جهل طريقتهم في العمل بأحكام الدين ، وكيف كانوا يأخذونها .
فالصحابة أجمع وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين كانوا يعظمون حديث رسول الله r ويحكمونه في كل شأن من شئون حياتهم .
فعن ميمون بن مهران ( 1 ) قال : كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله ، فإن وجد فيه ما يَقْضِي به قضي به ، وإن لم يكن في الكتاب ، وعلم من رسول الله r في ذلك الأمر سنة قضي بها ، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين ، وقال آتاني كذا وكذا !
فهل علمتم أن رسول الله r قضي في ذلك بقضاء ؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عـن رسول الله r فيه قضاءًا ، فيقول أبو بكر : الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا ، فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله r جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على شئ قضي به(2) .
وعن جابر بن زيد (3 ) أن ابن عمر لقيه في الطواف ، فقال له يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة، فلا تُفْتِ إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية ، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت (4) .
وعن شريح القاضي ( 5 ) : أن عمر بن الخطاب كتب إليه (( إن جاءك شئ في كتاب الله فاقض به ، ولا يلتفتك عنه الرجال ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر في سنة رسول الله r ، فاقض بها ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ، ولم يكن في سنة من رسول الله r فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله و، ولم يكن في سنة رسول الله r ، ولم يتكلم فيه أحد قبلك ، فاختر أي الأمرين شئت : إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم ، وإن شئت أن تتأخر فتتأخر، ولا أري إلاَّ التأخير خيرًا لك . )) ( 1 ) 0
ونحو ذلك روي بن مسعود وابن عباس وغيرهم (2 ) أجمعين 0
وبذلك كانت مصادر الأحكام في الصدر الأول بأربعة :
1-القرآن الكريم : وهو المصدر الأول لهذا الدين ، وعمدة الملة , وكانوا يفهمونه
واضحاً جلياً ، لأنه بلسانهم نزل ، مع ما امتازوا به من
معرفة أسباب نزوله .
2-السنة النبوية : وهي المصدر الثاني الملازم للمصدر الأول ، وقد اتفقوا على
اتباعها متي ظفروا بها .
3- القياس : أو الرأي المستند إلي كتاب الله عز وجل ، أو سنة رسول الله r
4- الإجماع : المستند إلي نص من كتاب أو سنة أو قياس ( 3 ) .
ولم يزل أئمة الإسلام من المحدثين والفقهاء من التابعين فمن بعدهم إلي يومنا هذا وإلي أن تقوم الساعة على تحكيم سنة رسول الله r !!
فكيف يصح بعد ذلك القول بأن رسول الله r وأصحابهم وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين أرادوا عدم تأبيد ما جاءت به السنن من أحكام ؟ !!
اللهم إن هذا إنكار لإجماع الأمة منذ عهد نبينا r إلي يومنا هذا ! وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها بحجية السنة المطهرة . واتخاذها ديناً عاماً دائماً ملازماً لكتاب الله عز وجل .
وهذا الإجماع قائم على الحقائق الثابتة في كتاب ربنا ، وسنة نبينا r وسنة الخلفاء الراشدين ، والصحابة أجمع وعلى هذا الإجماع أئمة المسلمين من التابعين فمن بعدهم إلي يومنا هذا .
وما أصدق ما قاله عمر بن العزيز ( 1 ) في إحدى خطبه قال : (( يا أيها الناس إن الله لم يبعث بعد نبيكم نبيًا ، ولم يُنّّزِلْ بعد هذا الكتاب الذي أنزله عليه كتابًا ، فما أحل الله على لسان نبيه r، فهو حلال إلي يوم القيامة وما حرم على لسان نبيه r فهو حرام إلي يوم القيامة ، ألا إني لست بقاض ولكني منفذ ، ولست بمبتدع ولكني متَبِعْ ، ولست بخير منكم ، غير أني أثقلكم حملاً ، ألا وأنه ليس لأحد من خلق الله أن يطاع في معصية الله ، ألا هل أَسْمَعْت )) ( 2 )
وقال أيضاً رحمه الله تعالي : (( سن رسول الله r ولاة الأمر من بعده سنناً ، الأخذ بها اتباع لكتاب الله عز وجل ، واستكمال لطاعة الله عز وجل ، وقوة على دين الله عز وجل ، ليس لأحد من الخلق تغيرها ولا تبديلها ولا النظر في شئ خالفها ، من اهتدي بها فهو المهتد ، ومن انتصر بها فهو منصور ، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه تعالي مما تولاه ، وأصلاه جنهم وساءت مصيراً )) ( 3 ) 0
وقال الحافظ بن عبد البر ( 4 ) ( ليس لأحد من علماء الأمة يثبت حديثاً عن النبي r ثم يرده دون إدعاء نسخ عليه بأثر مثله ، أو إجماع ، أو بعمل يجب على أصله الانقياد إليه ، أو طعن في سنده ، ولو فعل ذلك أحد سقطت عدالته ، فضلاً عن يتخذ إماماً ولزمه إثم الفسق )) ( 5) أهـ .
المبحث السادس
في بيان السنة لعقوبة المرتد الواردة في القرآن الكريم
ودفع الشبهات
تمهيـد : ـ
أ- التعريف بحد الردة : هو حد الجناية على دين الإسلام ، والخروج على جماعة المسلمين ، وهو
حد له نظائر في الشرائع السماوية جميعهاً ، والقوانين الوضعية تحمي نفسها .
وكمثال : فإن في المسيحية ما يسمي ( حق الحرمان ) وهو عقوبة مشهورة ومطبقة ، بل كان الباباوات يطبقونها على الخارجين عن سلطان الكنيسة ، ولو كان من الأباطرة .
وفي القوانين الوضعية المعاصرة أي إنسان يعتدي على النظام العام للدولة في أي أمة من الأمم سواء كان نظامها شيوعياً أو رأسمالياً أو غير ذلك يتعرض للعقاب ، وقد يصل الأمر في ذلك إلي حد تهمة الخيانة العظمي , التي تعاقب عليها معظم الدول بالإعدام !
فهل الدين أهون من مثل ذلك ؟ !
إن الإسلام في تقريره عقوبة الإعدام للمرتدين منطقي مع نفسه ، ومتلاق مع غيره من الشرائع السماوية السابقة ، وغيره من النظم القديمة والمعاصرة .
ب- حد الردة لا يناقض حرية الإعتقاد والفكر الواردة في القرآن الكريم .
إن حرية العقيدة في الإسلام مكفولة ومقدسة إلي الحد الذي لا يجوز العدوان عليها ، وهذا بصريح النصوص القرآنية التي تعلن أنه لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ( 1 ) .
ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك تأكيداً لا يقبل التأويل في قوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (2 ) .
وجاء التأكيد الصريح في ترك مسألة الإعتقاد للحرية الكاملة في قوله قل يا أيها الكافرون0 لا أعبد ما تعبدون 0 و لا أنتم عابدون ما أعبد 0 ولا أنا عابد ما عبدتم 0 ولا أنتم عابدون ما أعبد 0 لكم دينكم وليَّ دين ( 1 ) 0 .
هكذا بالإعلان الصريح أنتم أحرار في اختياركم وأنا حر في اختياري .
أفبعد هذا حريـة ؟ !
وقد أكد رسول الله r تلك الحرية عملياً عندما هاجر إلي المدينة المنورة ، ووضع أول دستور للمدينة حينما اعترف لليهود أنهم مع المسلمين يشكلون أمة واحد ة ( 2) 0.0..
ومن منطلق هذه الحرية الدينية التي يضمنها الإسلام ، كان إعطاء الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس الأمان (( لأنفسهم وأموالهم وصلبانهم .. لا تهدم ، ولا ينتقص منها ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم . )) ( 3 ) .
ومع تقرير الإسلام الحرية المطلقة في اختيار العقيدة ، إلا أن تلك الحرية تقف عندما تبدأ حرية الغير وحقوقه .
فكل فرد حر في أن يعتقد ما يشاء ، وأن يتبني لنفسه من الأفكار ما يريد ، حتى ولو كان ما يعتقده أفكاراً إلحادية ، فلا يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الأفكار لنفسه ، ولا يؤذي بها أحد من الناس .
أما إذا حاول نشر هذه الأفكار التي تتناقض مع معتقدات الدين الإسلام ، وتتعارض مع قيم الناس التي يدينون لها بالولاء ، فإنه بذلك يكون قد اعتدي على حقوق هذا الدين وحقوق معتنقيه .
ومعروف أن الإسلام عقيدة وشريعة ، دنيا وآخره ، وبتعبير عصرنا دين ودولة 0
فقتل المرتد عن دين الإسلام حينئذ ليس لأنه ارتد فقط ؛ ولكن لإثارته الفتنة والبلبلة ، وتعكير النظام العام في الدولة الإسلامية ! 0
أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس ، ويثير الشكوك في نفوسهم فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء ، فالله وحده هو المطلع على ما تخفي الصدور . (1 )
ولن تخسر الأمة بارتداده شئ بل هو الذي سيخسر دنياه وآخرته قال تعالي : ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .( 2 ) .
إن الإسلام إذ يقرر حرية العقيدة على ما سبق ، لا يجبر أحد على الدخول فيه فإذا ارتضاه الإنسان بكامل إرادته وحريته واقتناعه ، فعليه أن يلتزمه لأن الأمر في الدين جد ، لا عبث فيه ، لأنه بدخوله الإسلام أصبح عضواً في جماعة المسلمين له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، وكأنه بهذا قد دخل مع جماعة المسلمين في عقد اجتماعي يقرر الإنتماء والولاء بكل ما لهما من حقوق وواجبات للفرد والأمة التي ينتمي إليها .... وبهذا العقد الاجتماعي يصبح الفرد وكأنه جزء من جسد الأمة على النحو الذي أشار إليه رسول الله :
بقوله : (( مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد . إذا اشتكي منه عضو ، تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي . )) ( 3 ) .
فإذا عنَّ لأحدهم بعد ذلك أن يرتد ـ أعني أن يفارق الأمة التي كان عضواً فيها وجزءاً منها تمنحه ولائها وحمايتها ، ويسعي إلي تمزيق وحدتها ، إنه بهذا قد مارس ما يشبه ( الخيانة الوطنية ) في
المستوي السياسي .
وخيانة الوطن في السياسة جزائها الإعدام ، ولن تكون أقل منها خيانة الدين ! ( 1 ) 0
ونتساءل بعد ذلك الإستعراض :
هل من حرية الفكر والإعتقاد أن يسلم رجل ليتزوج امرأة مسلمة ، فإذا نال مبتغاه منها وتحولت عاطفته عنها رجع إلي دينه الأول .... ؟
أو هل من حرية الفكر أن يتصل شخص بأعداء أمته ، وينقل إليهم أسرارها ، ويتآمر معهم على مستقبلها ؟
إنه لا بد من التفريق بين العبث بالدين أو خيانة الوطن وبين حرية الفكر ! فالمسافة شاسعة بين المعنيين !
وقد ذكر رب العزة في كتابه العزيز كيف أراد اليهود استغلال هذه الحرية لضرب الإسلام, وصرف الناس عنه :
قال تعالي : وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أُنْزِلَ على الذين أمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون .( 2 ) .
فهل ترضي جماعة تحترم دينها بهذا العبث ! أو أن ينجح هذا التلاعب ؟ ! .
وعندما ننظر إلي السيرة النبوية العطرة ، وتاريخنا الإسلامي الطويل نجد أن قتلا المرتدين إلي أخر رمق , تم دفاعاً عن الدين والدولة معاً , وما سمعنا برجل قتل مرتداً لأنه ترك الصلاة مثلاً .
إن الإرتداد كما شرحنا خروج على دولة الإسلام بغية النيل منها ومنه ، والإتيان عليها وعليه ، ومقاتلة المرتدين ـ والحالة هذه ـ دين ( 3 ) 0 0 0
ج- حد الردة لايناقض القرآن الكريم :
إذا كان حد الردة في دين الإسلام عقوبة للمرتد ، ليس لارتداده فقط ، وإنما لإثارته الفتنة في صفوف جماعة المسلمين ، وتشكيكهم في كتاب ربهم ، وسنة نبيهم ، بغية النيل من الإسلام وأهله.
فإننا نجد حينئذ حد المرتد صريحاً في القرآن الكريم ، والسيرة النبوية العطرة , وإليك تفصيل ذلك
من القرآن الكريم , والسنة المطهرة :
أولاً : أدلة قتل المرتد من القرآن الكريم :
1- ففي القرآن الكريم يقول رب العزة : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في
الأرض فساداً أن يُقَتَّلوا . ( 1 ) .
والمحاربة نوعان : 1 - محاربة باليد 2- و محاربة باللسان 0
1- والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكي من المحاربة باليد ، ولذلك كان النبي r يقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد ( 2 ) , خصوصاً محاربة الرسول r بعد موته ، فإنها تمكن باللسان ، وكذلك الإفساد قد يكون باليد ، وقد يكون باللسان ، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد ، كما أن ما يُصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تُصلحه اليد ، فثبت أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد ، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد .
فهذا المرتد عن دين الإسلام المحارب لله ورسوله ,أولي باسم المحارب المفسد من قاطع الطريق .
ويؤكد أن المحارب لله ورسوله باللسان قد يفسر بالمحارب قاطع الطريق , ما رواه أبو داود في سننه مفسراً لقوله r : (( التارك لدينه المفارق للجماعة )) ( 3 ) .
(( لا يحل دم امرئ مسلم , يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله , إلا بإحدى ثلاث : رجل زني بعد إحصان فإنه يرجم ، ورجل خرج محارباً لله ورسوله , فإنه يقتل أو يصلب , أو ينفي من الأرض ، أو يقتل نفساً فيُقْتَل بها . )) (4) .
فهذا المستثني هو المذكور في قوله (( التارك لدينه المفارق للجماعة )) ولهذا وصفه بفراق الجماعة ، وإنما يكون هذا بالمحاربة .
ويؤيد ذلك أن الحديثين تضمنَّا أنه لا يحل دم من يشهد : أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، والمرتد لم يدخل في هذا العموم ، فلا حاجة إلى استثنائه .
وعلى هذا فيكون ترك دينه عبارة عن خروجه عن موجب الدين ، ويفرق بين ترك الدين وتبديله0
أو يكون المراد به من ارتد وحارب كالعُرَنيين ( 1 ) 0
ويؤيد أن المرتد عن دين الإسلام المشكك , والطاعن في كتاب الله ، وسنة رسوله r محارب لله ورسوله ، وتشمله الآية الكريمة 0
ما روي عن أنس ، وابن عمر ، وابن عباس وغيرهم , أن آية المحاربة نزلت في قوم من عرينة سرقوا ، وقتلوا ، وكفروا بعد إيمانهم ، وحاربوا الله ورسوله .
فعن ابن عمر أن ناساً أغاروا على إبل النبي r فاستاقوها , وارتدوا عن الإسلام ، وقتلوا راعي رسول الله r مؤمناً ، فبعث في آثارهم ، فأخذوا , فقطع أيديهم وأرجلهم , وسَمَلَ أعينهم، وقال : ونزلت فيهم آية المحاربة ( 2 ) .
والعلاقة بين العقوبة والجريمة في الردة والبغي : هي المعاملة بالقسطاس المستقيم فلما كان المرتد يعد خارجاً على النظام العام ، والباغي يبتغي تقويض نظام الحكم 0
والنظام، واستقرار الحكم , أمران ضروريان لا غني للبشر عنهما ، فهدمهما هدم للحياة ، والخيانة وعدم النظام , لا تستقيم الحياة معهما 0
فكان جزاءاً وفاقًا أن شرع الإسلام للمرتد والباغي عقوبة القتل ( 1 ) 0
وهذا القتل الذي جعله رب العزة عقوبة وحداً للمرتد والباغي ، وصفه بأنه خزي لهم في الدنيا ، ولهم في الآخر عذاب عظيم ، وهذا ما ختمت به آية المحاربة قال تعالي : ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( 2 ) 0
2- ويدل أيضاً على قتل المرتد قوله تعالي : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً 0 ملعونين أينما ثقفوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تقتيلاً 0 سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً ( 3 ) 0
قال الحسن البصري : أراد المنافقون أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق ، فأوعدهم الله في هذه الآية فكتموه وأسرُّوه . ( 4 )
وهذا يعني أن المنافق حين يظهر كفره ، ويطعن في دين الله ، يُأْخَذْ ويُقْتَلْ عقاباً له .
والسؤال هنا : هل هناك شك في أن المرتد عن دين الإسلام منافق ؟ يسعى إلي تفريق جماعة المسلمين ، وإفساد دينهم عليهم ؟ ! 0
فالمرتد كما سبق وأن قلنا : إن كانت ردته بينه وبين نفسه , دون أن ينشر ذلك بين الناس ، ويثير الشكوك في نفوسهم , فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء ، فالله وحده هو المطلع على ما تُخفِي الصدور .
أما إذا أظهر المرتد عن دين الإسلام ردته ، وأثار الشكوك في نفوس المسلمين بالنطق بكلمة الكفر، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة .
كان حاله في هذه الحالة حال المنافق الذي يُظهر ما في قلبه من الكفر والنفاق ؛ وجهاده واجب عملاً بقوله تعالي :
3- يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جنهم وبئس المصـير0 0
يحلفون ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله من فضله فإن يتوبوا يكُ خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليِّ ولا نصير ( 1 ) 0
ووجه الدليل في الآيتين : أن الله أمر رسوله r بجهاد المنافقين , كما أمره بجهاد الكافرين وأن جهادهم يمكن إذا ظهر منهم ؛ من القول أو الفعل ما يُوجب العقوبة ، فإنه ما لم يظهر منهم شئ البتة لم يكن لنا سبيل عليهم 0
فإذا ظهر منهم كلمة الكفر كما قال الله وكفروا بعد إسلامهم فجهادهم بالقتل وهو العذاب الأليم الذي توعدهم به في الدنيا بقوله : وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة 0
4- وهذه الآية نظير قوله تعالي قل هل تربصُّون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ( 2 ) 0
قال أهل التفسير ( أو بأيدينا ) بالقتل : إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلناكم ، وهو كما قالوا ؛ لأن العذاب على ما يبطنونه من النفاق بأيدينا لا يكون إلا القتل لكفرهم ( 3 ) 0
فهل بعد كل هذه الآيات الكريمات شك , في أن المرتد إذا أظهر كلمة الكفر , مثل المنافق , جزاؤه القتل بصريح القرآن الكريم ؟ ! 0
أما إذا كان المرتد ردته بينه وبين نفسه ، ولم يعلن بها ، فحكمه في هذه الحالة , حكم المنافق المعلوم نفاقه بعلامات المنافقين , غير أنه لم يعلن كلمة الكفر , فيعامل بحسب الظاهر من إيمانه ، ويحصن به من القتل .
وهذا من حكم عدم قتل النبي r بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم !
أن أجري عليهم أحكام الدنيا على حسب الظاهر من إيمانهم والله يتولى السرائر وهذا ما أكده النبي r في مواقف عدة منها : ـ
1- قوله r لأسامة بن زيد لما أخبر النبي r أنه قتل من قال (( لا إله إلاَّ
الله )) خوفاً من السيف ، فقال له النبي r (( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم
أقالها أم لا )) فما زال يكررها علىَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ .
وفي رواية قال له رسول الله r (( فكيف تصنع بلا إله إلاَّ الله , إذا جاءت يوم
القيامة ؟ قال يا رسول الله ! استغفر لي 0 قال : وكيف تفعل بلا إله إلاَّ الله إذا
جاءت يوم القيامة ؟ قال فجعل لا يزيده على أن يقول , كيف تصنع بلا إله إلاَّ الله
إذا جاءت يوم القيامة ؟ ( 1 ) 0
2- وقوله r للذي ساره في قتل رجل من المنافقين : (( أليس يشهد أن لا إله إلا
الله ؟ قال الأنصاري بلي يا رسول الله ؛ ولا شهادة له 0 قال رسول الله r
أليس يشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال بلي يا رسول الله ! قال : أليس يصلي ؟
قال بلي يارسول الله ؛ ولا صلاة له 0 فقال رسول الله r (( أولئك الذين نهاني
الله عن قتلهم )) ( 1 ) 0)) 00
3- وقوله r لخالد بن الوليد ( 2 ) لما استأذن في قتل رجل أنكر قسمته r فقال رسول الله r : (( لا 0 لعله أن يكون يصلي )) قال خالد : كم من مصل
يقول بلسانه ماليس في قلبه ! فقال رسول الله r إني لم أُومر أن أُنَّقـب عـن
قلوب الناس ولا أشق بطونهم )) ( 3 ) والأحاديث في ذلك كثيرة .
فإعراض رسول الله r عن قتل بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم وقبول علانيتهم لوجهين :
الوجه الأول : أن عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة ، بل كانوا
يظهرون الإسلام ، ونفاقهم كان يعرف بعلامات منها, الكلمة يسمعها الرجل المؤمن
فينقلها إلي النبي r فيحلفون بالله أنهم ما قالوا ؛ كما قال الله : يحلفون بالله
ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ( 4 ) 0
وقوله تعالي : إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون . اتخذوا إيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ( 5 ) 0
فدلت هذه الآيات أن المنافقين كانوا يُرضون المؤمنين بالأيمان الكاذبة ، وينكروا أنهم كفروا ، ويحلفون أنهم لم يتكلموا بكلمة الكفر . وذلك دليل علي أنهم يُقتلون إذا ثبت عليهم ذلك بالبينة .
وكذلك المرتد إذا أظهر ردته , ونطق بكلمة الكفر , وثبتت عليه البينة ؛ قُتِلْ 0
الوجه الثاني : أنه r كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر من استبقائهم ، وقد بيـن
ذلك رسول الله r حين استأذنه عمر ( 1) في قتل رجل من المنافقين أنكر قسمته r فقال : معاذ الله ! أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ( 2 ) 0
فإنه لو قتلهم بما يعلمه من كفرهم لأوشك أن يظن الظانَّ أنه إنما قتلهم لأغراض وأحقاد ( 3 )
وبالجملة كان ترك قتلهم مع كونهم كفاراً ، لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية ، فإذا ظهر استحقوا القتل بصريح القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، والسيرة العطرة التي ورد فيها إهدار دماء بعضهم .
وفيما سبق ردُ على من استدل بمواقف النبي r من بعض المنافقين ، وأهل الكتاب بعدم قتلهم على نفي حد الردة ( 4 ) 0
ثانياً : أدلة قتل المرتد من السيرة العطرة :
في صحيح السنة النبوية ، والسيرة العطرة نجد التطبيق القولي والعملي من النبي r للآيات الكريمات السابقة المجاهدة لكل من يرتد ويظهر كلمة الكفر ، ويفسد على المسلمين دينهم ، ويؤذيهم في ربهم ، ونبيهم r بإهدار دمه ، يدل على ذلك ما يلي : ـ
1- ما روي عن ابن عباس قال : كان عبد الله بن أبي سرح ( 1 ) يكتـب
لرسول الله r فأزله الشيطان ، فلحق بالكفار ، فامر به رسول الله r أن
يقتل يوم الفتح ؛ فاستجار له عثمان بن عفان ، فأجاره الرسول r ( 2) 0
وفي رواية عن سعد بن أبي وقاص قال : لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن أبي سرح عند عثمان بن عفان ، فجاء به حتى أوقفه على النبي r ، فقال : يارسول الله بايع عبد الله ؛ فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً ، كل ذلك يا أبي ، فبايعه بعد ثلاث ، ثم اقبل على أصحابه فقال : (( أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلي هذا , حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ؟
فقالوا : ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ؛ ألا أومأت إلينا بعي************ ؟ قال : (( إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ))( 3 )
وكان عبد الله بن سعد , أحد الرجال الذين أهدر النبي r دمائهم يوم فتح مكة ، وقال : ((اقتلوهم ، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة )) ( 4 ) 0
2- وعن معاذ بن جبل أن رسول الله r حين أرسله إلي اليمن قال له : (( أيما رجل ارتد عن
الإسلام فادعه ، فإن تاب فاقبل منه ، وإن لم يتب فاضرب عنقه ، وأيما امرأة
ارتدت عن الإسلام ، فادعها ، فإن تابت فاقبل منها وإن لم تتـب فاضرب عنقها )) ( 1 )
3- وقد طبق معاذ حد الردة لما قدم على أبي موسى الأشعري باليمن وخاطبه قائلاً ((
انزل . وألقي له وسادة ، وإذا رجل عنده موثق . قال ما هذا ؟ قال : هذا كان
يهودياً فأسلم . ثم راجع دينه ، دين السوء ، فتهود . قال : لا أجلس حتى يقتل .
قضاء الله ورسوله . فقال : اجلس
نعم قال : لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله . ثلاث مرات . فأمر به فقتل . ثم تذاكرا
القيام من الليل . فقال أحدهما ، معاذٌ : أما أنا فأنام وأقوم ، وأرجو في نومتي ما أرجو في
قومتي )) ( 2 ) 0
وغير ذلك من الروايات التي جاء فيها إهدار النبي r دم من كان يؤذيه بالسب
4- فعن عليّ أن يهودية كانت تشتم النبي r وتقع فيه ، فنخقها رجل حتى ماتت
فأبطل الرسول r دمها )) ( 3 ) 0
5- وفي الصحيح عنه r قال : (( من بدل دينه فاقتلوه )) ( 4 ) 0
شبهة أعداء السنة حول حديث (( من بدل دينه فاقتلوه )) 0
طعن خصوم السنة النبوية في هذا الحديث سنداً ومتناً :
أما السند فزعم بعضهم أن فيه عكرمة مولي بن عباس وأنه متهم بالكذب على بن عباس وأنه كان من دعاة الخوارج والحرورية والإباضية ! ( 1 ) 0
أما المتن فزعم بعضهم أن عموم الحديث يفيد شموله لكل من غير دينه ، ومن ثم فإن اليهودي الذي ينتصر ، أو المسيحي الذي يعتنق الإسلام , يدخل تحت حكم الحديث فيجب قتله ! ( 2) 0
والجـواب :
1- إن طعونهم في السند محض كذب وافتراء لما يلي : ـ
أولاً : ـ إجماع عامة أهل العلم بالحديث على الإحتجاج بحديث عكرمة ، فقال الحافظ في التقريب
ثقة ، ثبت ، عالم بالتفسير ، لم يثبت تكذيبه ، ولا يثبت عنه بدعه ( 3 ) 0
وقال الحافظ العجلي : ثقة ، وهو برئ مما يرميه الناس به من الحرورية ( 4 ) 0
ثانياً : ـ الحديث لم ينفرد به عكرمة عن ابن عباس ، بل له شواهد عن جماعة من الصحابة ، تصل بالحديث إلي درجة الشهرة (5 ) وليس درجة الآحاد كما زعم بعضهم ( 6 )
2- أما طعن بعضهم في صحة الحديث بحجة أن عمومه يشمل من انتقل من الكفر إلي الإسلام فإنه يدخل في عموم الخبر .
فالجواب : أن هذا العموم ليس مراداً . لأن الكفر ملة واحدة ، فلو تنصر اليهودي لم يخرج عن دين الكفر ، وهكذا لو تهود الوثني ، فوضح أن المراد من بدَّل دين الإسلام بدين غيره ، لأن الدين في الحقيقة هو الإسلام قال تعالي : إن الدين عند الله الإسلام ( 1 ) وما عداه فهو بزعم المدعي ( 2) 0
ويؤيد تخصيصه بالإسلام ما جاء في بعض طرقه عن بن عباس مرفوعاً (( من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه )) ( 3 ) 0
وفي المسند عن عائشة مرفوعاً (( لا يحل دم امرئ مسلم إلا إحدى ثلاث ....... أو رجل ارتد بعد إسلامه )) الحديث ( 4 ) أ هـ 0
ثالثاً : إجماع الصحابة على قتل المرتـــد :
أجمع الصحابة ومن بعدهم أئمة الإسلام , على حد الردة , فنقل عن صحابة رسول الله قتل المرتد عن دين الإسلام في قضايا متعددة ، وينتشر مثلها ويستفيض ، ولم ينكرها أحد منهم ، فصارت إجماعاً على وجوب قتل المرتد ( 5) 0
فمن ذلك مايلي : -
1- أن أبا بكر قتل أم قرفة الفزاريه في ردتها ، قتلة مثلة ، شد رجليها بفرسين، ثم صاح بهما فشقاها 0
وأم ورقة الأنصارية رضي الله عنها كان رسول الله يسميها الشهيدة ، فلما كان في عهد عمر بن الخطاب قتلها غلامها وجارتها ، فأتي بهما عمر بن الخطاب فقتلهما وصلبهما( 6 ) 0
ما روي أنه قدم على عمر بن الخطاب رجل من قِبَلْ أبي موسى الأشعري فسأله عن الناس فأخبره . ثم قال له عمر : هل كان فيكم من مُغَرِّبَةِ خبر ؟ ( 1 ) فقال نعم رجلٌ كفر بعد إسلامه . قال فما فعلتم به ؟ قال : قربناه ، فضربنا عنقه . فقال:
أفلا حبستموه ثلاثاً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً واستتبتموه لعله يتوب ويُراجع أمر الله؟
ثم قال عمر : اللهم إني لم احضر , ولم آمر ؛ ولم أرض إذا بلغني )) ( 2 ) 0
والعجيب ممن يستدل بهذا الأثر ونحوه علي أنه يجوز قتل المرتد عقوبة تعزيريه ، ويجوز استبدالها بالحبس مثلاً . ( 3 )
وهو بذلك يتجاهل علة مقولة عمر بالحبس ، وهي كما جاءت في رواية الإمام مالك باستتابة المرتد قبل قتله ، كما قال : (( أفلا حبستموه ثلاثاً . وأطعمتموه كل يوم رغيفاً ، واستتبتموه لعله يتوب ....... إلخ )) وهو ما تضمنته عناوين الأبواب التي ذكر تحتها أئمة السنة هذا الحديث
3- روي عن على بن أبي طالب ، أنه أُتي بزنادقة ! فأحرقهم 0 فبلغ ذلك عبد الله بن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي ( (لا تعذبوا بعذاب الله )) (4) ولقتلتهم لقول رسول الله : (( من بدل دينه فاقتلوه )) ( 5 ) 0 )
14وعن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله واستخلف أبو بكر بعده ، كفر من
كفر من العرب ، قال عمر بن الخطاب : كيف تقاتل الناس ؟ وقد قال رسول الله
(( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله , فقد عصم
مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله )) . فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق
بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال . والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلي
رسول الله لقاتلتهم على منعه .
فقال عمر بن الخطاب : فو الله ! ماهو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر
أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق )) ( 1 ) 0
قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالي (2 ) : في شرح هذا الكلام , كلاماًُ حسناً لا بد من ذكره لما فيه من الفوائد في الرد على من ينكر حد الردة في حروب الردة ( 3 ) 0
قال رحمه الله : مما يجب تقديمه في هذا أن يعلم أن أهل الردة كانوا صنفين :
1- صنف ارتدوا عن الدين : ونابذوا الملة وعادوا إلي الكفر ، وهم الذين عناهم
أبوهريرة بقوله : وكفر من كفر من العرب ، وهذه الفرقة طائفتان :
الطائفة الأولي : أصحاب مسيلمة من بني حنيفة , وغيرهم الذين صدقوا على دعواه في النبوة ،
وأصحاب الأسود العنسي ، ومن كان من مستجيبيه من أهل اليمن وغيرهم ،
وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة سيدنا محمد مدعية النبوة لغيره ! فقاتلهم أبو
بكر حتى قتل الله مسيلمة باليمامة ، العنسي بصنعاء ، وانفضت جموعهم ،
وهلك اكثرهم .
والطائفة الأخرى : ارتدوا عن الدين ، وأنكروا الشرائع ،وتركوا الصلاة و الزكاة وغيرها من
الشرائع ؛ وعادوا إلي ما كانوا عليه في الجاهلية ، فلم يكن يسجد لله في بسيط
الأرض إلا في ثلاثة مساجد : مسجد مكة ، مسجد المدينة ، ومسجد عبد القيس
في البحرين في قرية يقال لها جواثا .
2- والصنف الأخر : هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة ، فأقروا بالصلاة ، و أنكروا
فرض الزكاة ،ووجوب أدائها إلي الإمام ، وهؤلاء على الحقيقة أهل
بغي ، وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم. وإنما لم يدع هـذا
الصنف بأهل البغي في ذلك الزمان خصوصاً لدخولهم في غمار
أهل الردة إذ كانت أعظم الأمرين ، وأهمهما ، ولمشاركتهم
المرتدين في منع بعض ما منعوه من حقوق الدين 0
وذلك أن الردة اسم لغوي , وهو كل من انصرف عن أمر كان مقبلاً عليه ، فقد ارتد عنه ، وقد وجد من هؤلاء القوم الإنصراف عن الطاعة ، ومنع الحق ، وانقطع عنهم اسم الثناء , والمدح بالدين ، وعلق بهم الاسم القبيح ؛ لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقاً ( 1 ) 0
اختلاف العلماء في استتابة المرتد :
إذا كان هناك إجماع من الصحابة فمن بعدهم , على وجوب قتل المرتد عن دين الإسلام ؛ إلا أنهم اختلفوا في استتابته ، هل هي واجبه أم مستحبة ، وفي قدرها ، وفي قبول توبته ، وفي أن المرأة مثل الرجل في ذلك أم لا ؟ ! 0
وخلاصة القول :
انه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل , هو قول الجمهور ، والمرأة كالرجل في ذلك ، واستدل على ذلك بالإجماع السكوتى الوارد في كتاب عمر في أمر المرتد (( أفلا حبستموه ثلاثاً ، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً ، واستتبتموه لعله يتوب ويُراجع أمر الله )) ( 2 ) ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة .
كأنهم فهموا من قوله (( من بدل دينه فاقتلوه )) ( 3 ) أي إن لم يرجع 0
وقد قال تعالي : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ( 4 ) 0
واستدل على أن المرأة كالرجل في الإستتابة ، فإن تابت وإلا قتلت ؛ بما وقع في حديث معاذ أن النبي لما أرسله إلي اليمن قال له (( أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه ؛ فإن تاب فاقبل منه , وإن لم
يتب فاضرب عنقه ، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها ، فإن تابت فاقبلها ، وإن لم تتب فاضرب عنقها )) ( 1 ) 0
وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه .
ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها كالزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، والقذف ......
واختلف القائلون بالإستتابة ، فهل يكتفي بالمرة ، أو لا بد من ثلاث ؟ وهل الثلاث في مجلس أم في يوم أو في ثلاثة أيام ؟ 0
وعن عليّ يستتاب شهراً ، وعن النخعي رحمه الله يستتاب أبداً ( 2) 0
وهذا محمول على رجاء توبته كما قال سفيان الثوري رحمه الله تعالي ( 3 ) 0
وأخيراَ : تعقيب وتعليق علي تطبيق الحدود :
إن التشريع الإسلامي لا يعارض تطبيقه وتنفيذه سوي طوائف ثلاث : ـ
الطائفة الأولي : الجاهلون بهذا التشريع السماوي العادل ، ويدخل فيهم بعض المثقفين , الذين يحملون أرقي الشهادات وأعلاها ، ولكن لم تتح لهم دراسة القرآن الكريم , والسنة النبوية , والفقه الإسلامي ، بل نشئوا على دراسة مناهج من وضع وإخراج المستعمرين 0
شُحِنَتْ بالطعن في الإسلام ومبادئه ، والإستهزاء بأحكامه وتشريعاته ، والتعريض بشخصياته التاريخية ، والإفتراءات الباطلة الشاذة 0
فنشأ هؤلاء بيننا بأسماء عربية إسلامية ، ولكن بعقول غربية اعتنقت مبادئهم ، وأنظمتهم ، تهلل وتطبل لكل ما هو غربي ، وإن كان عُهْراً وفساداً ! وتحتقر كل ما هو شرقي ، وإن كان شرفاً وصلاحاً 0
فالإستعمار وإن جلا عنا بجنوده ، فهو قابعاً في عقول هؤلاء المثقفين الجهلاء بدينهم 0
ومن البلاء أن يصبح بعض هؤلاء , قادة التوجيه في الصحافة والمجلات ، وبيدهم السلطات الواسعة ، التي تجعل أصواتهم في القمة ، وتحارب الأصوات المؤمنة العاقلة .
والطائفة الثانية : تتمثل في هؤلاء المنحرفين في سلوكهم ، المنغمسين في شهواتهم ، الذين
أصبحوا كالكلاب المسعورة ، تنهش الأعراض , وتسبح في المحرمات ، لا تفيق
من ُسكٍر ، ولا تعف عن مال حرام ، ولا تشبع من لذة .
وهؤلاء عندما يعارضون التشريعات الإسلامية , لا يدفعهم إلي هذا الموقف اقتناع بعدم صلاحيتها أو تخوف على مصلحة الأمة ، بل هم مقتنعون أنها أعدل التشريعات ، وأحكم النظم ، ولكنهم يخشون عند تطبيقها على أنفسهم من مس السياط , ورجم الحجارة ، والحرمان مما ألفوه من العربدة , والمال الحرام 0
ولا ينبغي لعاقل أن يسمع صوتاً لمثل هؤلاء المنحرفين ، ولا يقيم لمعارضتهم وزناً ، فهم خارجون على النظام والقانون . متمردون على مصالح المجتمع ، وأمنه ، وإذا جاز لنا أن نسمع لأصواتهم ! فمن حق القتلة , وسفاكي الدماء , أن يرفعوا أصواتهم أيضاً ، مطالبين بإسقاط القصاص وإباحة جرائمهم 0
والوضع الصحيح أن نعتبر هذه الطائفة مرضي ، هم في مسيس الحاجة للعلاج والدواء ، والإنقاذ من التردي في هاوية الشهوات والمحرمات .
والطائفة الثانية : من هذه الطوائف المعرضة ؛ هي تلك الفئة من الناس المتعصبين تعصباً أعمي،
ضد كل إصلاح , وتشريع عادل ، فهم قد أغلقوا عقولهم , وعطلوها عن التفكير
والإدراك ، وأغمضوا أعينهم عن النور والحق , وآثروا العيش في ظلمات
التعصب ، وهم يحسبون أنفسهم أنهم يصنعون صنعَا .
وأكثر هؤلاء المتعصبين هم من أهل الكتاب. الذين يتجاهلون سماحة الإسلام , وكرمه في معاملتهم، ودعوته القوية إلي مودتهم ومحبتهم ، ومراعاة شعورهم وإحساسهم ، ومحافظته الشديدة على مقدساتهم ، وأموالهم ، وأماكن عبادتهم ، وتركه لهم وما يدينون ؛ لهم ما للمسلمين , وعليهم ما على المسلمين .
ويكفي برهاناً على ذلك ؛ أن الله تعالي مدح النصارى في كتابه الكريم ؛ ووصفهم بالعلم والعبادة، والزهد والتواضع ، والانقياد للحق فقال : 00ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا
نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون 0 وإذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين 0 وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين . ( 1) 0
والآيات وإن كانت نازلة في طوائف خاصة ؛ إلا أن علماء الأصول اتفقوا على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ فكل من اجتمعت فيه الصفات المذكورة تشمله الآيات .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (( أنا أولي الناس بعيسي بن مريم في الآولي والآخرة قالوا : كيف يا رسول الله ؟ قال : الأنبياء إخوة من علات ( إخوة الأب) وأمهاتهم شتي ، ودينهم واحد , فليس بيننا نبي )) ( 2 ) 0
ولقد أوصي أمته بقبط مصر خيراً ، واتخذ منهم أم ابنه إبراهيم ، والتاريخ أكبر شاهد على تسامح المسلمين وحسن معاملتهم لأهل الكتاب ، وإطلاق الحرية لهم في مزاولة طقوسهم الخاصة ، وتطبيق أحكامهم في جميع أحوالهم الشخصية ، من طلاق وزواج ونحوهما , وعدم تنفيذ الحدود الشرعية عليهم التي تتعلق بحدود الله تعالي ، كشرب الخمر وغيره 0
والجميع يعرف كيف عامل الخليفة عمر بن الخطاب نصارى بيت المقدس ، وأعطاهم العهد والأمان على أموالهم وكنائسهم وصلبانهم 0
وكيف أنه لم يرضي أن يصلي داخل الكنيسة حين حضرته الصلاة ، وإنما صليَّ على الدرج الخارجي لها . خشية أن يستولي المسلمون عليها فيما بعد ويقولون : هنا صلي عمر 0
والتاريخ يعرف أيضاً كيف استقبل النجاشي ( وهو نصراني ) المسلمين الأولين المهاجرين إلي بلاده , وكيف أكرم وفادتهم ، ورفض أن يسلمهم لأعدائهم , وأعطاهم الحرية الكاملة في أداء عبادتهم .
وهاهو المقوقس عظيم القبط بمصر يرد على كتاب النبي رداً كريماً حسناً ، ويهدي إليه جارية , وغلاماَ , وبغلا , ويقول : إني نظرت في أمر هذا النبي ، فهو لا يزهد بمزهود فيه ، ولا ينهي عن مرغوب فيه ، ولم أجده بالساحر الضال ، و لا الكاهن الكاذب ! 0
ومما تقدم يتضح لكل عاقل منصف أنه لا محل لهذه العصبية العمياء ، ولا معني لها ، ولا ضرر على أحد من تطبيق التشريع الإسلامي ، بل الخير كل الخير ، والنصر كل النصر في تنفيذه ، فإن الله تعالي وعد بنصرة من ينصر دينه ، والله لا يخلف الميعاد , ونَِصَرْ دينه لا يكون بالأماني والكلام والوعود ، وإنما بتنفيذ أحكام كتابه , وسنة نبيه
والخلاصة : أن قيام حكم إسلامي في دولة عصرية , ليس معناه خسارة ولاء غير المسلمين فيها
وعدم رضاهم ؛ كما يري البعض !
لأن دولة الإسلام تقوم على العدالة مع الجميع , وهي لا تتعرض لأصحاب الديانات الأخرى , ولا تجبرهم على شئ يخالف دينهم , وهم أمام القانون الإلهي متساوون في الحقوق والواجبات مع المسلمين ( 1) 0
والله الهادي إلي سواء السبيل
الخاتمـة
فـي
نتائـج هذا البحـث
ومقترحــات وتوصيــات