العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديات العلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-06-10, 01:34 PM   رقم المشاركة : 1
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road


Lightbulb مذاهب وأديان

بِسَم الْلَّه الرَّحْمِن الرَّحِيم
الْسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة مِن الْلَّه وَبَرَكَاتُه

عَن أَنَس بْن مَالِك رَضِي الْلَّه عَنْه قَال : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : « يَأْتِي عَلَى الْنَّاس زَمَان الْقَابِض عَلَى دِيْنِه كَالْقَابِض عَلَى الْجَمْر » رَوَاه الْتِّرْمِذِي .
{ وَمَن يَتَّق الْلَّه يَجْعَل لَّه مَخْرَجا } ، { وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى الْلَّه فَهُو حَسْبُه } ، { وَمَن يَتَّق الْلَّه يَجْعَل لَّه مِن أَمْرِه يُسْرا } [ الْطَّلَاق : 2 ، 3 ، 4 ]




هَذَا الْبَحْث إِجّتَهَدّت بِه وَسَأُدَرّج الْمَذَاهِب هُنَا بِتَعْرِيْف بَسِيْط عَنْهَا رَاجِيَة مَن الْلَّه تَعَالَى أَن يُوَفِّقَنِي فِي هَذَا الْبَحْث وَفِي نَشَرَهَا لِلْعِلْم وَالْمَعْرِفَة وَالْتِّبْيَان وَمَاذَلِك الْبَحْث سِوَى بُعْد خْلْطي بَيْنَهُم وَتَخَبْطي فِي مَذَاهِبِهِم فَقَرَّرْت فِي مَعْرِفَة كُل سَاق فِي الْمَذَاهِب وَتَفْنِيْدَهَا لِلْجِهَة الَّتِي إِنْدَرَجْت مِنْه ..



( وَمَا أَسْأَلُكُم عَلَيْه مِن أَجْر إِن أَجْرِي إِلَا عَلَى رَب الْعَالَمِيْن)



وَمَاتَوْفِيْقِي إِلَا بِالْلَّه








التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» الشيعة وصلوا لامريكا
»» توَاقيع مُحمْديّة
»» حرية يهود إيران / وثائقي
»» ● ورقة من تاريخ الصفوية ●
»» الحملة العالمية لتثقيف الشيعة
  رد مع اقتباس
قديم 30-06-10, 02:28 PM   رقم المشاركة : 2
الحر الأشقر
حفيد الموحدين







الحر الأشقر غير متصل

الحر الأشقر is on a distinguished road


بارك الله فيش اخت الاسلام المجيده







التوقيع :
الحر الأشقرطير شلوى
مايوقع الى على ظهر خرب
من مواضيعي في المنتدى
»» الليلة بوصال أعلان توبة شيعي
»» موبايلي تمنح 50 % خصمًا على برودباند في البيت Usb
»» مجانا في الرياض ماء زمزم وزيت زيتون مقري عليه القرآن وهو مجانا لوجه الله فقط اتصل بن
»» اخوكم الدغيشي يا ناس يا منصفين ليس كل يامي اسماعيلي
»» حجة الشيطان من اساتذة الناجي وزميل السكستاني
  رد مع اقتباس
قديم 30-06-10, 06:41 PM   رقم المشاركة : 3
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road



نَبْدَأُهَا بِبِسْم الْلَّه الْرَّحْمَن الْرَّحِيْم

مَذْهَب الْقُرآنِيُّون

الْقُرآنِيُّون [ الْبَاطَنِيُّون الْجُدُد ] عَقَائِدِهِم وَمَكَان إِنْتَشَارِهُم


فِي نِهَايَة الْقَرْن الْتَّاسِع عَشَر الْمِيْلَادِي، بَدَأَت تَغْزُو الْهِنْد الْدَّعْوَة إِلَى الْاعْتِمَاد عَلَى الْقُرْآَن وَنَبْذ السُّنَّة فِي الْتَّشْرِيْع الْإِسْلَامِي، وَعُرِف هَؤُلَاء بِاسْم (أَهْل الْقُرْآَن أَو الْقُرَآنِيِّين)، وَإِن كَان مَنْهَج إِقْصَاء الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة قَد عَرَف بَعْض الْشَّيْء فِي عُصُوْر مُبَكِّرَة، وَتَحْدِيْدَا فِي الْقَرْن الْثَّانِي الْهِجْرِي عِنْد الْمُعْتَزِلَة وَالْخَوَارِج.
وَقَد اسْتُفْحِلَت أَفْكَار هَؤُلَاء فِي الْقَارَة الْهِنْدِيَّة، وَانْتَقَلْت بَعْد ذَلِك إِلَى بَعْض الْدُّوَل الْإِسْلَامِيَّة، وَمِنْهَا مِصْر ، الَّتِي لَا يُشْكِل الْقُرآنِيُّون فِيْهَا تَنْظِيْمَا قَوِيّا كَالَّذِي ظَهَر فِي الْهِنْد. وَالْسُّوْدَان الَّتِي تَلْبوِّرّت هَذِه الْفِرْقَة فِي قَالِب جَدِيْد هُو الْحِزْب الْجُمْهُوْرِي وَالَّذِي سَنَسْتَعْرِضُه فِي الْعَدَد الْقَادِم .
قَام فَكَّر الْقُرَآنِيِّين أَسَاسَا عَلَى إِنْكَار الْسُّنَّة ، وَنَبْذِهِا، وَعَدَم اعْتِبَارِهَا مَصْدَرَا لِلْتَّشْرِيع الْإِسْلَامِي، فَتَخَبَّطُوا وَّضَلُّوْا،وَجَاءَت أَحْكَامِهِم نَاقِصَة مُشَوَّشَة، بَعِيْدَة عَن مَرَادِهَا،إِذ رَفَعُوْا شِعَار (حَسْبُنَا كِتَاب الْلَّه) مُتَنَاسِيْن أَن الْسُنَّة جَاءَت مُوَضَّحَة لِكِتَاب الْلَّه وَمُفَسَّرَة، وَمُكَمِّلَة لِّأَحْكَامِه.
وَقَد مَهْد لِظُهُوْر جَمَاعَة الْقُرَآنِيِّين، حَرَكَة الْعَصْرَنَة وَالتَّجْدِيْد الَّتِي قَادَهَا أَحْمَد خَان([1]) بَيْن مُسْلِمِي الْهِنْد.
وَقَد بَدَأ أَحْمَد خَان حَيَاتِه الْعَمَلِيَّة بِالِاتِّصَال بِالإِمْبِرَاطُوّر بَهَادَر شَاه آَخَر مُلُوْك دِهْلِي الْمُسْلِمِيْن، فَأَنْعِم عَلَيْه بَرُتَب وَالِدِه وَنُعُوتَه، وَكَان وَالِدُه قَد تَقَلّد عَدَدَا مِن الْمَنَاصِب. وَلَمَّا تَغَلَّب الْبِرِيطَانِيُّوْن عَلَى الْهِنْد، عَمِل أَحْمَد خَان لَدَيْهِم مُوَظَّفا فِي شَرِكَة الْهِنْد الْشَرْقِيَّة، ثُم أَصْبَح أَمِيْنَا لِلْسِّجِلَّات فِي الْقَلَم الْجِنَائِي بَدِهْلِي، وَعَمِل لَدَيْهِم بِإِخْلاص وَنَشَاط.
وَحِيْن ثَار الْهُنُود الْمُسْلِمُوْن فِي دِهْلِي عَلَى الاسْتِعْمَار الْبَرِيْطَانِي لَبِلادُهُم سُنَّة 1857، وَقَف أَحْمَد خَان ضِد هَذِه الثَّوْرَة، مُعْتَبِرَا أَنَّهَا سَتُلْحِق الْأَذَى بِشَعْبِه، فَأَخَذ يَحُث عَلَى إِنِهَائِهَا، وَعَرَّض حَيَاتِه لِلْخَطَر فِي سَبِيِل ذَلِك، وَكَان رَأْيُه أَن سَبَّب الثَّوْرَة أَو "الْتَمَرُّد" كَمَا أُطْلِق عَلَيْهَا، أَن الْشَّعْب الْهِنْدِي أَسَاء فَهْم طَبِيْعَة الْحُكْم الْبِرِيْطَانِي، وَأَن الْبِرِيْطَانِيِّيْن تَجَاهُلُوا شُرُوْط الْحُكْم.
وَلَمَّا انْتَهَت الثَّوْرَة، وَفَتَك الْمُسْتَعْمِر بِالْمُسْلِمِيْن فَتْكَا ذَرِيْعَا، أَكْرَم الْبِرِيطَانِيُّوْن أَحْمَد خَان بِلَقَب "صَاحِب نَجْمَة الْهِنْد"، كَمَا عَيَّن زَمِيْلَا وَعُضْو شَرَف فِي الْجَمْعِيَّة الْمِلْكِيَّة الْآَسْيَوِيَّة فِي لَنْدَن، وَعَيَّنُوا لَه رَاتِبَا شَهْرِيّا يَرِثُه ابْنَه الْبِكْر مِن بَعْدِه.
وَبَعْد ذَلِك، أَخَذ خَان عَلَى عَاتِقِه نَشْر الْثَّقَافَة الْغَرْبِيَّة بَيْن الْمُسْلِمِيْن، مُعْتَبَرَا أَن ذَلِك مِن أَهَم وَسَائِل إِصْلَاح أَحْوَالِهِم، وَفِي سَنَة 1862م، نُشِر شَرْحَا وَاسِعَا لِلْإِنْجِيْل، لِيَكُوْن أَوَّل مُسْلِم يَقُوْم بِهَذَا الْنَّوْع مِن الْبَحْث.
وَقَام بِالتَعاوُن مَع أَغَاخَان الْثَّالِث، إِمَام الْإِسْمَاعِيْلِيَّة الأَغَاخَانِيّة، وَّبِتَمْوِيلِه الْسَّخِي بِافْتِتَاح أَوَّل (جَامِعَة إِسْلامِيَّة عَصْرِيَّة) فِي عَلِيكرَّة، وَقَد تَسَلَّم إِدَارَتُهَا فِي بَادِئ الْأَمْر بَرِيْطَانِيُّوْن.
وَفِيْمَا يَتَعَلَّق بِمَنْهَجِه، فَإِن أَحْمَد خَان أَخَذ يُفَسِّر آَيَات الْقُرْآَن تَفْسِيْرا عَقْلِيَّا مُحَاوِلَا تَوْفِيقِهَا مَع الْعَصْر، وَيُؤَوَّل الْمُعْجِزَات الْمَذْكُوْرَة فِي الْقُرْآَن تَأْوِيْلَا مُخَالِفَا لِمَا عَلَيْه عُمُوْم الْمُسْلِمِيْن. وَمَن آَرَائِه: الْقَوْل بِأَنَّه لَا يُوْجَد فِي الْقُرْآَن مَا يَدُل صَرَاحَة عَلَى أَن الْمَسِيْح وُلِد مِن غَيْر أَب! كَمَا حَاوَل تَفْسِيْر آَيَات الْجَنَّة وَالْنَّار تَفْسِيْرات رُوْحِيَّة رَمَزَيَّة، خِلَاف مَضْمُوْنِهَا الْظَّاهِرِي، كَمَا رَفَض أَحَادِيْث عَلَامَات الْسَّاعَة، مِن طُلُوْع الْشَّمْس مِن مَغْرِبِهَا، وَخُرُوْج دَابَّة الْأَرْض، وَنُزُوْل الْمَسِيْح عَلَيْه الْسَّلَام وَغَيْر ذَلِك.
وَقَد كَان أَحْمَد خَان بِمَنْهَجِه هَذَا "أَوَّل مَن اخْتَط طَرِيْق الْتَّعْوِيْل عَلَى الْقُرْآَن فَقَط، وَفَهْمِه فَهْمَا عَصْرِيَّا، وَالتَّشْكِيْك بِالْأَحَادِيْث وَالْأَخْبَار، وَالْدَّعْوَة لِغَرْبَلَة الْتُّرَاث"([2]).








التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» مُحمْد عبدالعزيز وَأتباعة تفضلوا هُنا
»» أسْلاَفُنَا فِيْ رَمَضَانْ
»» English Dawah Training
»» دلق البرهان في حجة البيان
»» ايران ترد على السعودية والبحرين بحرق القرآن " فيديو "
  رد مع اقتباس
قديم 30-06-10, 06:43 PM   رقم المشاركة : 4
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road



أَهُم أَفْكَارِهِم:


1ـ اعْتِبَار الْقُرْآَن الْكَرِيْم الْمَصْدَر الْوَحِيد لِلْشَّرِيعَة الْإِسْلَامِيَّة دُوْن سِوَاه.
2ـ اسْتِبْعَاد كُل الْمَصَادِر الْأُخْرَى الْمُشْكِلَة لِلْشَّرِيعَة الْإِسْلَامِيَّة كَالْسَّنَة، وَالسِّيَرَة وَالتَّفْسِيْر وَالْقِيَاس وَالِاجْتِهَاد وَسِيَر الْصَّحَابَة وَالْإِجْمَاع وَفَتَاوَى الْأَئِمَّة.
3ـ وَفِيْمَا يَتَعَلَّق بِالْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة عَلَى وَجْه الْتَّحْدِيْد، فَقَد وُجِّه الْقُرآنِيُّون سِهَامُهُم نَحْوَهَا، وَأبِعَدُوْهَا مِن مَذْهَبِهِم، مُنْكِرِيْن أَنَّهَا الْمَصْدَر الْثَّانِي لِلْتَّشْرِيع الْإِسْلَامِي، بَل وَمُنْكِرِيْن لَهَا جُمْلَة وَتَفْصِيلَا بِزَعْم أَنَّهَا غَيْر مَحْفُوظَة مَثَل الْقُرْآَن، وَأَن نِسْبَتِهَا إِلَى الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم غَيْر يَقِيْنِيَّة.
4ـ ادِّعَاؤُهُم بِأَن الْصِّوْم فِي شَهْر شَعْبَان، وَلَيْس فِي رَمَضَان.
5ـ اعْتِبَارِهِم أَن الْكَعْبَة صَنَم، وَأَن الْطَّوَاف حَوْلَهَا مِن طُقُوس الْوَثَنِيِّيْن فِي الْجَاهِلِيَّة.
6ـ يُنْكِرُوْن وُجُوْد النُّسَخ بِأَقْسَامِه الْثَّلاثَة (نَسْخ الْحُكْم، وَنَسْخ الْتِّلاوَة، وَنَسْخ الْحُكْم وَالتِّلَاوَة) فِي الْقُرْآَن الْكَرِيْم، مُعَلِّلِين ذَلِك بِقَوْلِهِم (الْإِقْرَار بِوُجُوْد الْآَيَات الْمَنْسُوْخَة فِي الْقُرْآَن يَسْتَلْزِم مُخَالَفَة الْقُرْآَن نَفْسَه، إِذ يَقَع الْجُرْح فِي الْعِلْم الْإِلَهِي بِحَيْث أَن بَعْض أَحْكَام الْقُرْآَن اسْتَلْزَم النُّسَخ لِعَدَم مُسَايرَتِهَا الْظُّرُوْف الْزَّمَنِيَّة).
7ـ يَرَى بَعْضُهُم أَن لَا وُجُوْد لِلْمُجْمَل فِي الْقُرْآَن الْكَرِيْم، كَمَا يَخْتَلِفُوْن فِي مَسْأَلَة تَخْصِيْص الْقُرْآَن، وَّتَقْيِيْدُه بِغَيْرِه، إِذ قَال بَعْضُهُم: "وَإِن الْقُرْآَن الْكَرِيْم بَرِئ مِن عَيْب الْإِجْمَال، وَالْإِطْلَاق كَبَرَاءَة الْلَّه وَطَهَارَتِه، لِأَنَّه لَا يُتَصَوَّر تَخْصِيْص الْعَام أَو تَعْمِيْم الْخَاص أَو تَقْيِيْد الْمُطْلَق أَو إِطْلَاق الْمُقَيَّد إِلَا مَن الْمُتَكَلِّم، أَو مِمَّن هُو أَعْلَى مِنْه، لَا مِمَّن يُسَاوِيْه فِي الْرُّتْبَة، وَكَيْف مَن الْمَخْلُوْق فِي كَلَام الْخَالِق"([3]).
8ـ يَعْتَمِدُون فِي فَهْم الْقُرْآَن وَتَفْسِيْرِه عَلَى الْلُّغَة الْعَرَبِيَّة فَقَط، وَذَلِك بِسَبَب اسْتِبْعَادُهُم لِلْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُوَضِّحَة وَالمِفْصِلّة لِلْقُرْآن، فَصَرَفُوا الْآَيَات وَالْأَحْكَام عَن مَرَادِهَا. وَمِن أَمْثِلَة ذَلِك قَوْل الْحَافِظ مُحَمَّد أُسَلِّم مُنْتَقَدا الْمُفَسِّرِيْن لِعَدَم سُلُوْكِهِم هَذَا الْمَسْلَك: "الْمُفَسِّرُوْن يَبْحَثُوْن عَن غَيْر الْقُرْآَن أَكْثَر مِنْه فِي الْقُرْآَن..، وَإِن الْقُرْآَن لَو نَظَرْنَا إِلَيْه بِعَيْن بَصِيْرَة لَوَجَدْنَاه مُفَصَّلَا، فَفِيْه تَفْسِيْر حَقّائِقُه، وَحَل مُشْكِلَاتِه، وَشَرَح مُصْطَلَحَاتِه...، وَكُل ذَلِك يَعُوْد فَهْمِه إِلَى تَعَلُّم الْعَرَبِيَّة، فَمَن عَرَف الْعَرَبِيَّة فَهُم الْقُرْآَن دُوْن مَعُوْنَة أَي عِلْم آَخَر"([4]).
وَقَد جَاء فِي تَفْسِيْرِهِم لِلْطَّوَاف مَثَلا قَوْلُهُم: "لَيْس مَعْنَى الْطَّوَاف أَن تَدُوْر حَوْل الْبَيْت، بَل مَعْنَاه أَن نَتَرَدَّد إِلَيْه بَيْن الْحِيْن وَالْآخَر.."([5])
9ـ تَبْنِي نَظَرِيَّة (مَرْكَز الْمِلَّة) الَّتِي تَعْنِي أَن الْآَيَات الَّتِي تَأْمُر بِطَاعَة الْلَّه وَرَسُوْلِه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم غَيْر مُخْتَصَّة بِهِمَا، إِنَّمَا تَعْنِي طَاعَة الْحَاكِم أَو الْإِمَام الَّذِي يَتَوَلَّى مَنْصِب الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم مِن بَعْدِه.
وَقَد أُعْطُوْا لِهَذَا (الْمَرْكَز) صَلَاحِيَّات تَعْيِيْن حِكَم الْشَّرْع فِي الْأَحْكَام الَّتِي لَم يَرِد ذِكْرُهَا فِي الْقُرْآَن، دُوْن أَن يَلْتَزِم بِمَا سَبَقَتْه مِن الْأَنْظِمَة، وَالْتَّمَتُّع بِالْتَّحْرِيْم وَالْإِطْلَاق وَالتَّقْيِيْد لِمَا يَرَاه غَيْر مُوَافِق لِظُرُوفِه مِن الْأَحْكَام الْقُرْآنِيَّة.
10ـ وَفِي الْجَانِب الاقْتِصَادِي، يُرَوِّجُوْن لِلْنَّظَرِيَّة الاشْتِرَاكِيَّة، الَّتِي تَبَنَّتْهُا الْشُّيُوعِيَّة وَيُطْلِقُون عَلَيْهَا (نَظَرِيَّة نِظَام الْقُرْآَن الاقْتِصَادِي)، وَتَعْنِي سَيْطَرَة الْدَّوْلَة عَلَى الثَّرَوَات وَوَسَائِل الْإِنْتَاج، وَإِلْغَاء الْمِلْكِيَّة الْفَرْدِيَّة. وَيَقُوْل غُلَام بَرْوِيز: "يَجِب عَلَى الْدَّوْلَة الْإِسْلَامِيَّة أَن تَلَبَّي جَمِيْع حَاجِيَات شَعْبِهَا (وَمَا مِن دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَا عَلَى الْلَّه رِزْقُهَا)([6]) وَبِنَص الْآَيَة تَضَمَّن الْدَّوْلَة جَمِيْع مُتَطَلَّبَات شَعْبِهَا، وَهِي الَّتِي تَقُوْل لَهُم: (نَحْن نَرْزُقُهُم وَإِيَّاكُم)([7]) .
وَيَقُوْل أَيْضا: "فِي ظِل هَذَا الْنِّظَام لَا يَجُوْز جَمْع الْمَادَّة الْبَتَّة، وَقَد جَاء الْوَعِيْد الْشَّدِيْد عَلَى مَن يَجْمَعُهَا. قَال تَعَالَى: (وَالَّذِين يَكْنِزُوْن الْذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُوْنَهَا فِي سَبِيِل الْلَّه فَبَشِّرْهُم بِعَذَاب أَلِيْم)([8]). وَفِي الْنِّظَام الَقُرْآني لَا يُمْكِن الْبَقَاء لِلْأَمْوَال الْنَّافِلَة فِي أَيْدِي أَصْحَابِهَا، وَلْاسِيَّمَا أَن نَتَصَوَّر الْمِلْكِيَّة الْفَرْدِيَّة تَحْت حُكْم هَذَا الْنِّظَام، بَل تُعَمَّم الْأَرْض وَالْأَمْوَال وَالْمَصَانِع وَالْتِّجَارَة لِلْمُلْكِيَّة الْجَمَاعِيَّة، حَتَّى يَسْتَطِيْع هَذَا الْنِّظَام الْقِيَام بِتَلْبِيَة مَا يَحْتَاج إِلَيْه أَفْرَادِه"([9]).
11ـ إِنْكَار وُقُوْع خَوَارِق الْعَادَات مِن مُحَمَّد صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم، وَأُمَّتُه مِن بَعْدِه، مَا عَدَا مُعْجِزَة الْقُرْآَن، يَقُوْل الْحَافِظ أَسْلَم: "لَم يُعْط الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم مُعْجِزَة سِوَى الْقُرْآَن، بَيْنَمَا الْأَحَادِيْث ذَكَرْت لَه مُعْجِزَات حِسِّيَّة كَثِيْرَة..."([10])
12ـ ذَهَب بَعْضُهُم إِلَى الْقَوْل بِأَن الْمَسِيْح عِيْسَى بْن مَرْيَم وُلِد مِن أَبَوَيْن شَرْعِيِّين، لَا مِن مَرْيَم وَحْدَهَا. كَمَا صَرَّح بَعْضُهُم بِعَدَم عَوْدَتِه إِلَى الْأَرْض مَرَّة أُخْرَى، وَقَالُوْا بِأَن مُعْتَقَد الْعَوْدَة دَخَل إِلَى الْإِسْلَام مِن الْمُسْلِمِيْن الَّذِيْن كَانُوْا نَصَارَى قَبْل الْإِسْلَام.
13ـ يُنْكِر الْقُرآنِيُّون الْحَيَاة الْبَرْزَخِيَّة فِي الْقَبْر. أَمَّا الْجَنَّة وَالْنَّار، فَذَهَب بَعْضُهُم إِلَى أَنَّهُمَا (أَمَاكِن حَقِيْقِيَة سَتَخْلُق يَوْم الْقِيَامَة، وَأَنَّه لَا وُجُوْد لَهُمَا حَالِيّا)، وَذَهَب فَرِيْق ثَان إِلَى (أَن الْجَنَّة وَالْنَّار وَمَا وُصِفَتا بِه مِن نَعِيْم وَعَذَاب صُوْرَتَان تَمْثِيلِيَتَان)، وَرَأَى فَرِيْق ثَالِث أَن (الْجَنَّة وَالْنَّار طَوَّر مِن أَطْوَار الْحَيَاة الْبَشَرِيَّة، وَإِن نُمُو الْحَيَاة وازْدِهَارِهَا يَعْنِي حَيَاة الْجَنَّة، وَتُوَقِّفُهَا وَعَدَم الْرُّقِي فِيْهَا يَعْنِي حَيَاة الْجَحِيْم وَالْنَّار).
14ـ لَهُم آَرَاء فِي الْمِيْرَاث تَخَالُف مَا عَلَيْه أَهْل الْسُّنَّة، مِثْل اعْتِقَادِهِم بِأَن اخْتِلَاف الْدِّيْن بَيْن الْوَارِث وَالْمُوَرِّث لَا يَمْنَع مِن الْمِيْرَاث، وَأَن الْأَنْبِيَاء يُوَرِّثُون، وَأَن الْرَّق لَا يَمْنَع مِن الْمِيْرَاث، وَأَن أُوْلِي الْأَرْحَام هُم مِن يَرْتَبِط الْمَيِّت بِهِم بِصِلَة الْرَّحِم وَالْقَرَابَة، فَيَدْخُل فِيْهِم الْأَب وَالْأُم وَالْأَوْلاد وَالْاخُوَّة وَالْأَخَوَات وَالْأَعْمَام وَأَبْنَاء الْإِخْوَة...

أَبْرَز شَخْصِيَّاتِهِم


أَوَّلَا: فِي الْقَارَة الْهِنْدِيَّة
1ـ عَبْد الْلَّه بْن عَبْد الْلَّه الجَكْرَالوَي مُؤَسِّس جَمَاعَة أَهْل الْذِّكْر، وُلِد بَمُقَاطَعَة البِنْجَاب الْبَاكِسْتَانِيَّة فِي نِهَايَة الْعُقَد الْثَّالِث مِن الْقَرْن الْتَّاسِع عَشَر الْمِيْلَادِي. كَان بِارِعا فِي الْمُنَاظَرَة وَالْجَدَل، وَتَأْخُذُه الْحِدَّة وَالْعُنْف، وَكَان كَثِيْر الْإِهَانَة لِلْتُّرَاث الْإِسْلَامِي، لِذَلِك قُل أَتْبَاعِه، وَخَمَل ذَكَرَه بَيْن الْنَّاس.
وَقَد كَان لَه مُؤَلَّفَات كَثِيْرَة، مِنْهَا:
ـ تَفْسِيْر الْقُرْآَن بِآَيَات الْفُرْقَان، فِي مُجَلَّد وَاحِد.
ـ تَرْجَمَة الْقُرْآَن بِآَيَات الْفُرْقَان، فِي ثَلَاثَة مُجَلَّدَات ضَخْمَة.
ـ رَد النُّسَخ الْمَشْهُوْر فِي كَلَام الْرَّب الْغَفُوْر.
ـ الْبَيَان الْصَّرِيْح لِإِثْبَات كَرَاهَة التَّرَاوِيْح.
اسْتُغِل الْبِرِيطَانِيُّوْن الَّذِيْن كَانُوْا يَحْتَلُّوْن الْقَارَة الْهِنْدِيَّة حَرَكَة جَكْرَالَوِي، وَقَد كَان "الْمَشْرُوْع الْبِرِيْطَانِي" يَضُم فِي صُفُوْفَه عَدَدَا كَبِيْرَا مِن الْقَسَاوِسَة الْمُنَصِّرِيِن، الَّذِي أُعْجِبُوْا بِنَهْج جَكْرَالَوِي فِي إِنْكَار الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة، وَأَخَذُوا يُشَجِّعُوْنَه، وَأَخَذَت كُتِب الْتَّأْيِيْد وَالرَّسَائِل تَصِل إِلَيْه مِن الْقَسَاوِسَة، وَتُعِدُّه بِالمُسَاعدَّات الْمَادِّيَّة، وَتَشْكُرَه عَلَى هَذَا "الْمَجْهُوْد الْجَبَّار"، كَمَا كَشَف ذَلِك لِمَجلَّة الِاعْتِصَام الْأُسْبُوْعِيَّة، المُتَرّجَم الَّذِي كَان يَقُوْم بِتَرْجَمَة هَذِه الْرَّسَائِل لجَكْرَالوَي الَّذِي لَم يَكُن يُجِيْد الْلُّغَة الْإِنْجِلِيْزِيَّة([11]) .
وْجَكْرَالوَي كَان أَحَد الْمُتَأَثِّرِين بِأَحْمَد خَان، وَمِمَّا ابْتَدَعَه أَنَّه شُرِّع لِأَنْصَارِه طَرِيْقَة جَدِيْدَة لِلِصَّلَاة، وَقَال: إِن الْأَذَان وَالْإِقَامَة بِالشَّكْل الَّذِي يَفْعَلُه الْمُسْلِمُوْن بِدْعَة.
2ـ أَحْمَد الْدِّيْن الْأَمْرِتْسَرِي مُؤَسِّس فِرْقَة "الْأُمَّة الْإِسْلَامِيَّة"، وَالْمَوْلُوْد سُنَّة 1861م بِمَدِيْنَة آمْرَتَسر بِالْهِنْد.
وَمِن مُؤَلَّفَاتِه:
مُعْجِزَة الْقُرْآَن، وَتَفْسِيْر بَيَان لِلْنَّاس وَهُو فِي 7 مُجَلَّدَات، وَلَم يُكْمِلْه، وَغَيْرِهِمَا.
كَان نَاقِدَا لَاذِعَا لِنِظَام الْمِيْرَاث عِنْد الْمُسْلِمِيْن، وَغَيْر ذَلِك، وَقَد تُوُفِّي سَنَة 1936م.
3ـ حَافِظ مُحَمَّد أُسَلِّم جَرَاجْبُوْري، وُلِد سَنَة 1299هـ (1880م)، وَكَان مِن أَرْكَان الْقُرَآنِيِّين الْبَارِزِيْن، وَكَاتِبَا لِأَحَد الْأَعْمِدَة الْرَّئِيْسِيَّة لَّصَحِيْفَة بَيْسَة الْيَوْمِيَّة الَّتِي كَانَت تَصْدُر فِي لَاهُور بِبَاكِسْتَان، وَعَمِل مُحَاضِرَا فِي جَامِعَتَي عَلِيكرَّة، وَالْمُلَيَّة.
مِن مُؤَلَّفَاتِه:
الْوِرَاثَة فِي الْإِسْلَام، حَيَاة عَمْرِو بْن الْعَاص، تَارِيْخ نَجْد،تَارِيْخ الْقُرْآَن ،تَارِيْخ الْأُمَّة الْإِسْلَامِيَّة، عَقَائِد الْإِسْلَام.
تُوُفِّي فِي نِهَايَة عَام 1955 فِي الْهِنْد، وَكَان قَبْلَهَا، وَتَحْدِيْدَا سُنَّة 1947، قَد هَاجَر إِلَى دَوْلَة بَاكِسْتَان عِنْد قِيَامِهَا، لَكِنَّه عَاد إِلَى الْهِنْد بَعْد مُدَّة قَصِيْرَة لِعَدَم وُجُوْد جَو مُنَاسِب لَه.
4ـ غُلَام أَحْمَد بَرْوِيز، رَئِيْس جَمْعِيّة أَهْل الْقُرْآَن، وَمُؤَسِّس حَرَكَة طُلُوْع إِسْلَام. وُلِد سَنَة 1903م بِالبِنْجَاب الْشَّرْقِيَّة فِي الْهِنْد، وَنَشَأ فِي بِدَايَة حَيَاتِه مُتَأَثِّرا بِالْطَّرِيْقَة الصُّوْفِيَّة الْجِشْتِيَّة الْنِّظَامِيَّة الَّتِي كَان جَدُّه عَلَى صِلَة وَثِيْقَة بِهَا.
أَصْدَر سُنَّة 1938 مَجَلَّة "طُلُوْع إِسْلَام" دُوْن تَسْجِيْلُهَا بِاسْمِه الْخَاص. وَكَان يَمْتَاز بِالِاطِّلَاع الْوَاسِع عَلَى الْأَفْكَار الْأَوْرُبِّيَّة، وَيَرَى وُجُوْب صَبَغ الْإِسْلَام بِهَا، وَبِالْإِضَافَة إِلَى ذَلِك يَعْتَقِد أَن الْنَّظَرِيَّات الْعِلْمِيَّة حَقّائِق لَا تَقْبَل الْجَدَل وَالْمُنَاقَشَة، لِذَا يَجِب تَفْسِيْر الْقُرْآَن بِمُقْتَضَاهَا، مِثْل الْقَوْل بِالتَّطَوُّر فِي وُجُوْد الْخَلْق، وَإِنْكَار خَوَارِق الْعَادَات.
وَيُعْتَبَر بَرْوِيز أَكْثَر الْقُرَآنِيِّين كِتَابَة وَتَأْلِيْفا، حَتَّى أَسْمَاه الْبَعْض (مُؤَلَّف الْحَرَكَة الْقُرْآنِيَّة)، وَمِن مُؤَلَّفَاتِه:
ـ تَبْوِيْب الْقُرْآَن فِي ثَلَاثَة مُجَلَّدَات، وَهُو عِبَارَة عَن مُعْجَم لِبَعْض مَعَانِي الْقُرْآَن.
وَمِنْهَا: أَنَا وَالْرَّب، إِبْلِيْس وَآَدَم ،الْمُجْتَمَع الْمُسْلِم،عَالِم الْغَد ،الْحَرَكَة الْقَادِيَانِيَّة وَخَتَم الْنُّبُوَّة، الْقُرْآَن وَّالْدُكْتُوْر مُحَمَّد إِقْبَال.
وَقَف عُلَمَاء الْقَارَة الْهِنْدِيَّة لَه ـ وَلِغَيْرِه ـ بِالْمِرْصَاد، وفَنَدُوا عَقَائِدِه وَأَفْكَارَه، وَكَان لِلْشَّيْخ المَوْدُوْدِي دَوْر كَبِيْر فِي تَسْلِيْط الْأَضْوَاء عَلَى أَفْكَار بَرْوِيز، وَتَحْذِيْر الْنَّاس مَن اتِّبَاعَهَا. وَفِي سَنَة 1961م، وُضِعَت أَفْكَار بَرْوِيز ومُعْتَقَدَاتِه عَلَى طَاوِلَة الْبَحْث الْإِسْلَامِي أَمَام الْعُلَمَاء لِيُفْتُوا فِيْهَا، وَتَوَلَّى إِجْرَاء هَذَا الاسْتِفْتَاء الْمَدْرَسَة الْعَرَبِيَّة الْإِسْلَامِيَّة بَكَرَّاتْشّي، فَأَفْتَى مَا لَا يَقِل عَن أَلْف عَالَم مِن عُلَمَاء الْدِّيْن مِن بَاكِسْتَان وَالْهِنْد وَالْشَّام وَالْحِجَاز بِتَكْفِيْرِه وَخُرُوْجِه عَن رِبْقَة الْإِسْلَام وَقَد تُوُفِّي سَنَة 1985.
5ـ جَعْفَر شَاه بِلَوَارِي، أَحَد زُعَمَاء جَمَاعَة "طُلُوْع إِسْلَام"، وَأَحَد الْمُكْثِرِيْن فِي الْكِتَابَة عَن آَرَاء الْقُرَآنِيِّين فِي الْآوِنَة الْمُعَاصِرَة. تُقَلِّد عِدَّة مَنَاصِب حُكْوَمِيَّة فِي بَاكِسْتَان، وَفِي الْسَبْعِينِيَّات مِن الْقَرْن الْعِشْرِيْن الْمِيْلَادِي، كَان أَحَد أَعْضَاء إِدَارَة الْثَّقَافَة الْإِسْلامِيَّة بِلاهُوّر، الَّتِي تَعْمَل تَحْت إِشْرَاف الْدَّوْلَة.
وَلَه عِدَّة مُؤَلَّفَات مِنْهَا: مَقَام الْسُّنَّة، رِيَاض الْسُّنَّة، الْدِّيْن يُسْر.
6ـ مُحَمَّد رَمَضَان، أَحَد تَلَامِيْذ عَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي، مِن أَهَم أَعْمَالِه إِصْدَار مَجَلَّة بَلَاغ الْقُرْآَن الَّتِي لَا تَزَال تُحَمِّل آَرَاء بَعْض الْقُرَآنِيِّين إِلَى الْآَفَاق الْبَاكِسْتَانِيَّة حَتَّى الْآَن، وَلَه مَن الْمُؤَلَّفَات (صَلَاة الْقُرْآَن كَمَا عَلَّم الْرَّحْمَن). تُوُفِّي سَنَة 1939م.
7ـ جْرَاغ عَلَي، تَأَثُّر بِأَفْكَار أَحْمَد خَان عِنَدَمّا شَارَكَه بِتَرْجَمَة بَعْض الْكُتُب، وَكَان يُطَالَب بِإِعَادَة تَدْوِيْن الْفِقْه الْإِسْلَامِي مِن جَدِيْد..
وَعَن قَوَاعِد الْجُرْح وَالتَّعْدِيْل، وَالْمَعَايِيّر الَّتِي وَضَعَهَا عُلَمَاء الْحَدِيْث لِتَّمْيِيِز الْحَدِيْث الْصَّحِيْح مِن غَيْرِه، كَان يَقُوْل: ".. لَا حَاجَة إِلَيْهَا لِتَّمْيِيِز صَحِيْح الْحَدِيْث مِن سَقِيْمِه، لِأَن الْحَدِيْث ـ فِي حَد ذَاتِه ـ شَيْء لَا يُمْكِن الاعْتِمَاد عَلَيْه"([12]).
8ـ عِنَايَة الْلَّه الْمَشْرِقِي: خَرِّيج جَامِعَة كَامْبَرِدْج فِي بِرِيْطَانْيَا. أَخَذ عَلَى عَاتِقِه مُهَاجَمَة الْعُلَمَاء وَالسُّخْرِيَة مِنْهُم، مُعْتَبِرَا أَنَّهُم "تَقْلْيدِيُّون".

ثَانِيا: فِي مِصْر

1ـ د. أَحْمَد صُبْحِي مَنْصُوْر، كَان يَعْمَل أُسْتَاذَا بِجَامِعَة الْأَزْهَر، فَتَم فَصْلِه بِسَبَب انْحِرَافَاتِه. غَادَر مِصْر إِلَى الْوِلَايَات الْمُتَّحِدَة وَاسْتَقَر بِهَا. وَيُعْتَبَر الْأَب الْرُّوْحِي لِلْقُرَآنِيِّين فِي مِصْر.
2ـ أَمِيْن يُوَسُف عَلَي، الْزَّعِيْم الْسَّابِق لِلْقُرَآنِيِّين بِمِنْطَقَة الْمَطَرِيَّة بِالْقَاهِرَة، وَكَان يَعْمَل خَطِيْبَا بِمَسَاجِد وِزَارَة الْأَوْقَاف. وَهُو أَحَد الَّذِيْن تَم حَبَسَهُم فِي قَضِيَّة هَذَا الْتَّنْظِيْم عَام 2002م.
3ـ عَلَي الْمَنْدْوّة السِيِسي، وَهُو أَحَد الَّذِيْن تَم حَبَسَهُم أَيْضا عَام 2002، لِمُدَّة 3 سَنَوَات.
4ـ إِيَهَاب عَبْدِه، صَاحِب كِتَاب "اسْتِحَالَة وُجُوْد عَذَاب فِي الْقَبْر".
وَيَنْبَغِي هُنَا الْإِشَارَة إِلَى أَن حَرَكَة إِنْكَار الْسُّنَّة كُلِّيّا أَو جُزْئِيّا فِي مِصْر، وَبَعْض الْبُلْدَان الْعَرَبِيَّة سَبَقَت تَنْظِيْم الْقُرَآنِيِّين الَّذِيْن صُدِّرَت بِحَق أَفْرَادِه أَحْكَام بِالْسِّجْن سُنَّة 2002.
وَيُمْكِن أَن نُوَرَد عَدَدَا مِن الْأَسْمَاء الَّتِي عَادَت الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة، وَادَّعَت الِاكْتِفَاء بِالْقُرْآَن الْكَرِيْم، أَو مِن أُوْلَئِك الَّذِيْن ادَّعَوْا حَمَلَهُم لِلِوَاء الْتَّجْدِيْد وَالْإِصْلَاح الْدِّيْنِي:
1ـ مُحَمَّد عَبْدِه، مُفْتِي الْدِّيَار الْمِصْرِيَّة الْسَّابِق (ت 1905م) مِن أَقْوَالِه: "لَا يُمْكِن لِهَذِه الْأُمَّة أَن تَقُوْم مَادَامَت هَذِه الْكُتُب فِيْهَا (أَي الْكُتُب الَّتِي تَدْرُس فِي الْأَزْهَر وَأَمْثَالِهَا)، وَلَن تَقُوْم إِلَا بِالْرُّوْح الَّتِي كَانَت فِي الْقَرْن الْأَوَّل، وَهُو (الْقُرْآَن). وَكُل مَا عَدَاه فَهُو حِجَاب قَائِم بَيْنَه وَبَيْن الْعِلْم وَالْعَمَل"([13]).
2ـ مَحْمُوْد أَبُو رِيَّة، فِي كِتَابَيْه "أَضْوَاء عَلَى الْسُّنَّة الْمُحَمَّدِيَّة" و "شَيْخ الْمَضِيرَة أَبُو هُرَيْرَة". وَقَد حَاكِمِه الْأَزْهَر عَلَى كِتَابَيْه، وَمَنَع نَشْرُهُمْا.
3ـ صَالِح أَبُو بَكْر، وَهُو مِن مِصْر أَيْضا، وَقَد أَلِف كُتَّابا مِن مُجَلَّدَيْن فِي نَقْد صَحِيْح الْبُخَارِي أَسْمَاه "الْأَضْوَاء الْقُرْآنِيَّة فِي اكْتِسَاح الْأَحَادِيْث الْإِسْرَائِيْلِيَّة وَتَطْهِيْر الْبُخَارِي مِنْهَا"، وَقَد أَمَرْت لِجَنَّة الْبُحُوْث الْأَزْهَرِيَّة بِمَنْع هَذَا الْكِتَاب وَمَصَادْرَتِه بِسَبَب تَشكيكَه بِأَصَح كُتِب الْحَدِيْث، أَلَا وَهُو صَحِيْح الْبُخَارِي.
4ـ أَحْمَد زَكِي أَبُو شَادِي (1892ـ 1955)، فِي كِتَابِه "ثَوْرَة الْإِسْلَام"، الَّذِي قَال فِيْه (ص44): "هَذِه سُنَن ابْن مَاجَة وَالْبُخَارِي، وَجَمِيْع كُتُب الْحَدِيْث وَالْسُّنَّة طَافِحَة بِأَحَادِيْث وَأَخْبَار لَا يُمْكِن أَن يَقْبَل صِحَّتِهَا الْعَقْل، وَلَا نَرْضَى نِسْبَتِهَا إِلَى الْرَّسُوْل، وَأَغْلَبُهَا يَدْعُو إِلَى السُّخْرِيَة بِالْإِسْلَام وَالْمُسْلِمِيْن وَالْنَّبِي الْأَعْظَم، وَالْعِيَاذ بِالْلَّه".
5ـ د. حُسْن الْتُّرَابِي، مِن الْسُّوْدَان، فِي بَعْض مُؤَلَّفَاتِه مِثْل: "تَارِيْخ الْتَّجْدِيْد الْإِسْلَامِي".
6ـ أَحْمَد أَمِيْن (1887ـ 1954)، فِي فَصْل الْحَدِيْث فِي كُل مِن كِتَابَيْه "فَجْر الْإِسْلام" و "ضُحَى الْإِسْلَام"، فَقَد هَاجَم مَنْهَج الْمُحَدِّثِيْن وَكَان مِن حِيْن لِآِخَر يُرَدِّد آَرَاء الْمُسْتَشْرِقِيْن وَشُبُهَاتِهِم حَوْل الْسُّنَّة.
7ـ مُحَمَّد بَخِيْت: كَان مِن مُدَرِّسَي الْأَزْهَر، وَقَد أَجَاز فِي أَحَد أَبْحَاثِه تَوَلَّي غَيْر الْمُسْلِم سُدَّة الْخِلَافَة الْعُظْمَى، بَعْد أَن أَنْكَر جَمِيْع مَا وَرَد فِي الْسُّنَّة، وَأَوَّل آَيَات الْقُرْآَن تَأْوِيْلَا يُوَافِق مَذْهَبَه، تَّبْرِيْرَا لِلْحُكْم الْإِنْجِلِيْزِي فِي مِصْر آَنَذَاك.





لِلِاسْتِزَادَة:

1ـ الْقُرآنِيُّون وَشُبُهَاتِهِم حَوْل الْسُّنَّة ـ الْشَّيْخ خَادِم حُسَيْن إِلَهِي بَخْش.
2ـ الْفَرْق وَالْمَذَاهِب الْإِسْلَامِيَّة مُنْذ الْبِدَايَات ـ سَعْد رُسْتُم.
3ـ مَقَال "الْقُرآنِيُّون.. وَالْوُقُوْف فِي مُفْتَرَق الْطُّرُق" ـ صَلَاح الْدِّيْن مُحْسِن
4ـ مَقَال:"الْقُرآنِيُّون انْحِرَاف فِكْرِي أَم مَدْلُوْل سِيَاسِي" مَوْقِع الْإِسْلَام الْيَوْم 8/4/2002.





الْمَصْدَر مَوْقِع مَجَلَّة الْرَّاصِد .

_________________________

[1] ـ (1242ـ 1316هـ/ 1817ـ 1898م).
[2] ـ الْفَرْق وَالْمَذَاهِب الْإِسْلَامِيَّة مُنْذ الْبِدَايَات ص 376.
[3] ـ مَجَلَّة إِشَاعَة الْسُّنَّة ج19 ص 154 سُنَّة 1902م.
[4] ـ مَجَلَّة طُلُوْع إِسْلَام ـ عَدَد أَبْرِيْل سُنَّة 1939م ص29.
[5] ـ مَجَلَّة بَلَاغ الْقُرْآَن عَدَد يَنَايِر 1975.
[6] ـ سُوْرَة هُوْد، الْآَيَة 6.
[7] ـ سُوْرَة الْإِسْرَاء، الْآَيَة 31.
[8] ـ سُوْرَة الْتَّوْبِة ، الْآَيَة 34.
[9] ـ كِتَاب الْأُصُول الْقُرْآنِيَّة .
[10] ـ تَعْلِيْم الْقُرْآَن ص 150.
[11] ـ الْقُرآنِيُّون ـ ص 31.
[12] ـ زَوَابِع فِي وَجْه الْسُّنَّة لِلْشَّيْخ صَلَاح الْدِّيْن مَقْبُوْل أَحْمَد نُقْلَا عَن أَعْظَم الْكَلَام 1/20.
[13] ـ أَضْوَاء عَلَى الْسُّنَّة الْمُحَمَّدِيَّة لِمَحْمُوْد أَبُو رِيَّة.








التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» عار في بيت شيعي ملتزم ( وثيقة )
»» البلوتوث الامامي
»» فضيحة محمد الحسيني الشيرازي / صورة
»» Islamic Books "Foreign Languages"
»» بدعة جديدة في المذهب الشيعي....زيارة القبور و المشاهد عن بعد!! عبر الهاتف و الانترنت
  رد مع اقتباس
قديم 30-06-10, 06:46 PM   رقم المشاركة : 5
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road



شُبُهَات الْقُرَآنِيِّين حَوْل الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة

إِعْدَاد :

أ.د. مَحْمُوْد مُحَمَّد مَزْرُوَعَة




الْمُقَدِّمَة

الْحَمْد لِلَّه رَب الْعَالَمِيْن –وَالْصَّلاة وَالْسَّلام عَلَى رَحْمَة الْلَّه إِلَى الْعَالَمِيْن ، وَعَلَى إِخْوَانِه وَآَلِه وَأَصْحَابِه وَالْتَّابِعِيْن.

أَمَّا بَعْد؛

فَلَقَد بَعَث الْلَّه – سُبْحَانَه وَتَعَالَى – مُحَمَّدا عليهِ الصَلاةِ والسَلامْ عَلَى فَتْرَة مِّن الْرُّسُل ، وَأَنْزَل عَلَيْه الْقُرْآَن الْكَرِيْم ، فَخَتَم الْلَّه – تَعَالَى- بِه الْرُّسُل ، وَخَتَم بِرِسَالَتِه الرِّسَالات ، وَخَتَم بِكِتَابِه الْكُتُب ، وَجَعَلَه مُصَدِّقا لَمَّا بَيَّن يَدَيْه مِنْهَا وَمُهَيْمِنَا عَلَيْهَا .

وَقَد جَاء الْقُرْآَن الْمَجِيْد مُشْتَمِلَا عَلَى الْدِّيْن كُلِّه ، بَعْضَه مُفَصَّل وَالْكَثِيْر مِنْه مُجْمَل . وَقَد وُكِّل الْلَّه - تَعَالَى – تَبْيِيْن الْكِتَاب الْمَجِيْد ، وَتَفْصِيْلُه إِلَى رَسُوْلِه مُحَمَّد عليهِ الصَلاةِ والسَلامْ ، وَمَن ثُم ، جَاءَت سَنَّة رَسُوْل الْلَّه مُّبَيِّنَة لِمَا أُبْهِم وَمُفَصَّلَة لِمَا أُجْمِل . يَقُوْل الْلَّه -عَز وَجَل- :}وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْذِّكْر لِتُبَيِّن لِلْنَّاس مَا نُزِّل إِلَيْهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُوْن {(الْنَّحْل :44)

وَلَمَّا كَان الْكِتَاب الْمَجِيْد بِحَاجَة إِلَى الْسَّنَة تُبَيِّنُه وَتَفَصْلَّه ، فَقَد كَانَت الْسُّنَّة مِن وَحْي الْلَّه –تَعَالَى- إِلَى نَبِيِّه -عليهِ الصَلاةِ والسَلامْ - حَتَّى يَكُوْن الْمُبَيِّن وَالْمُبَيَّن مِن مَصْدَر وَاحِد ، وَعَلَى مُسْتَوَى وَاحِد ، وَحَاشَا الْلَّه –تَعَالَى – أَن يَنْزِل الْكِتَاب وَحْيا ، ثُم يُتْرَك بَيَان مَافِيْه لِبَشَر بَعِيْدَا عَن الْوَحْي . فَإِن الْمُبَيِّن لَه نَفْس أَهَمِّيَّة الْمُبَيَّن مِن حَيْث هُو وَسِيْلَة الِانْتِفَاع بِه ، وَسَبِيْل الْعَمَل بِمُقْتَضَاه ، مِن ذَلِك كَان الْقُرْآَن الْمَجِيْد وَالْسَّنَة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة يَصْدُرَان مِن مِشْكَاة وَاحِدَة ، مِشْكَاة الْوَحْي الْإِلَهِي الْمَعْصُوْم . يَقُوْل الْلَّه –عَز وَجَل- عَن رَسُوْلِه-عليهِ الصَلاةِ والسَلامْ } وَمَا يَنْطِق عَن الْهَوَى ، إِن هُو إِلَّا وَحْي يُوْحَى {(الْنَّجْم :3-4)

وَمُنْذ جَاءَت الْرِّسَالَة الْخَاتِمَة وَأَعْدَاء الْلَّه لَهَا بِالْمِرْصَاد . وَقَد اتَّخَذْت الْعَدَاوَة لِلَّه وَرَسُوْلِه وَلَدِيْنُه صُوَرا مُخْتَلِفَة ، وَتَلَبَّسَت أَشْكَالا عَدِيْدَة . وَنَحْن نَسْتَطِيْع أَن نُجْمِل هَذِه الْصُّوَر وَالْأَشْكَال فِي نَوْعَيْن اثْنَيْن . الْأَوَّل ؛ أَعْدَاء لِلْإِسْلَام أَعْلِنُوا عَدَاءَهُم فِي وُضُوْح ، وَنَابَذُوَا الْمُسْلِمِيْن فِي جَلَاء .مِن أَمْثَال الصَّلِيْبِيِّيْن وَالَّشُّيُوْعِيِّيْن وَالْعِلْمَانِيِّيْن وَأَصْنَاف الْمَلَاحِدَة بِعَامَّة ، الَّذِيْن أَعْلِنُوا عَن إِلْحَادِهِم، وَهَؤُلَاء ضَرَرِهِم قَلِيْل ، وَخَطَرُهُم مَعْرُوْف ، لِأَن عَدَاءَهُم مُعْلَن ، وَكُفْرِهِم سَافَر ، فَالْمُسْلِمُوْن مِنْهُم عَلَى حَذَر ، وَمَن كَيْدُهُم وَمَكْرُهُم عَلَى تَرْقُب وَتَوَجُّس . أَمَّا الْنَّوْع الْثَّانِي ؛ فَهُم الْمُنَافِقُوْن الَّذِيْن يُّظْهِرُوْن غَيَّر مَا يُبْطِنُون ، يتَدَثِرُون بِعَبَاءَة الْإِسْلَام ، ويَصْطَنَعُون الْحِرْص عَلَيْه ، وَالْدَّعْوَة إِلَيْه وَالْعَمَل عَلَى وَحْدَة الْأُمَّة ، وَبَيْنَمَا يُعْلِنُوْن ذَلِك يَسْعَوْن إِلَى تَحْقِيْق أَغْرَاضِهِم الْخَبِيْثَة مِن الْقَضَاء عَلَى الْإِسْلَام عَن طَرِيْق الْتَّشْكِيْك فِي مَصَادِرِه الْمُوْحَى بِهَا مِن عِنْد الْلَّه –عَز وَجَل –وَبِخَاصَة الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة . وَذَلِك بِإِثَارَة الشُّبُهَات ضِد سُنّة رَسُوِل الْلَّه -عليهِ الصَلاةِ والسَلامْ -، وَالْزَّعْم بِأَنَّهَا لَيْسَت مِن الْدِّيْن ، وَلَاصِلَة لَهَا بِالتَّشْرِيْع الْإِسْلَامِي، وَيَزْعُمُوْن أَن الْقُرْآَن هُو الْمَصْدَر الْوَحِيد لِلْشَّرِيعَة الْإِسْلَامِيَّة .

وَهَذِه الْدَّعْوَى قَدِيْمَة ، وَالْعَدَاء لِرَسُوْل الْلَّه -عليهِ الصَلاةِ والسَلامْ - وَلِسُنَّتِه مَوْرُوْث . لَكِن الْجَدِيْد هُو هَذِه الْفِئَة مِن أَعْدَاء الْلَّه وَرَسُوْلِه وَالْمُسْلِمِيْن ، مُنْكِرِي سَنَة رَسُوْل الْلَّه -عليهِ الصَلاةِ والسَلامْ -الَّتِي بَدَأَت فِي أَوَاخِر الْقَرْن الْتَّاسِع عَشَر وَأَوَائِل الْعِشْرِيْن الْمِيْلَادِي فِي بِلَاد الْهِنْد ، ثُم انْتَقَلَت إِلَى بَاكِسْتَان بَعْد اسْتِقْلالِهَا عَن الْهِنْد ، وَمَا تَزَال . وَأَعْجَب أَمْر هَؤُلَاء أَنَّهُم يُنْسَبُون إِلَى الْقُرْآَن الْمَجِيْد ، فَهُم يُحِبُّوْن أَن يُسَمُّوْا أَنْفُسِهِم "الْقُرآنِيُّون " نِسْبَة إِلَى الْقُرْآَن كِتَاب الْلَّه الْمَجِيْد ظُلْمَا وَزُوْرا . وَقَد اخْتَارُوْا هَذِه الْنِّسْبَة إِيَهامّا لِلْنَّاس بِأَنَّهُم مُلْتَزِمُون بِكِتَاب الْلَّه الْقُرْآَن . هَذَا مِن جَانِب وَمَن جَانِب آَخَر يُشِيْرُوْن مِن طَرْف خَفِي إِلَى أَن غَيْرِهِم مِن الْمُسْلِمِيْن الَّذِيْن يُؤْمِنُوْن بِسُنَّة رَسُوْل الْلَّه -e- وَيَعْمَلُوْن بِهَا لَيْسُوْا قُرَآنِيِّين ، وَأَنَّهُم اشْتَغَلُوا بِالْسُّنَّة وَتَرَكُوْا الْقُرْآَن ،-وَأَيْضَا- حَتَّى يَجْنُبُوا أَنْفُسِهِم الْمُؤَاخَذَة ، وَيَقْطَعُوْا سُبُل الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم ، لِأَنَّه مَن ذَا الَّذِي يَعْتَرِض عَلَى طَائِفَة أَعْلَنْت أَنَّهَا تَنْتَسِب إِلَى الْقُرْآَن وَتَتَمَسَّك بِه ؟.

وَلَيْس مَن الْمُسْتَغْرَب وُجُوْد مِثْل هَذِه الْطَّائِفَة ، فَأعْدَاء الْإِسْلَام كُثُر ، وَمُنْكْرو الْسُّنَّة مَضَت بِهِم الْقُرُوْن جِيْلا بَعْد جِيْل ، وَقَد أَخْبَر عَنْهُم رَسُوْل الْلَّه -عليهِ الصَلاةِ والسَلامْ -فَعَن الْمِقْدَام بْن مَعْد يَكَرِب أَن رَسُوْل الْلَّه -عليهِ الصَلاةِ والسَلامْ - قَال (أَلَا إِنِّي أُوْتِيْت الْقُرْآَن وَمِثْلَه مَعَه ، أَلَا يُوْشِك رَجُل شَبْعَان عَلَى أَرِيْكَتِه يَقُوْل : عَلَيْكُم بِهَذَا الْقُرْآَن ، فَمَا وَجَدْتُم فِيْه مِن حَلَال فَأَحِلُّوه ، وَمَا وَجَدْتُم فِيْه مِن حَرَام فَحَرِّمُوه أَلَا وَإِن مَاحُرّم رَسُوْل الْلَّه مَثَل مَاحَرَّم الْلَّه )( ) لَكِن الْغَرِيْب مَن هَؤُلَاء هِي تِلْك الشُّبُهَات الَّتِي أَثَارُوْهَا ضِد سُنّة رَسُوِل الْلَّه -عليهِ الصَلاةِ والسَلامْ - ، وَالَّتِي يَزْعُمُوْن أَنَّهَا أَدِلَّة عَلَى أَن الْسُّنَّة لَيْسَت مِن الْدِّيْن ، وَلَا الْدِّيْن مِنْهَا وَقَد مَلَأُوا بِهَا مُؤَلَّفَاتِهِم –وَهِي فِي جُمْلَتِهَا أُوَرَدّيّة-. ونَّدَوَاتِهُم وَمُنَاظَرَاتِهُم مَع الْآَخَرِيْن .. وَقَد كَان لَنَا حَظ مِن تِلْك الْمُنَاظَرَات عَلَى مَدَى ثَلَاث جَلَسَات بَيْنَنَا وَبَيْن "البَرُوَيِزِّيِّين" بِمَدِيْنَة"كَّرَاتشِي "فِي عَام 1983م . وَذَلِك أَثْنَاء عَمَلِي أُسْتَاذَا بِالْجَامِعَة الْإِسْلَامِيَّة الْعَالَمِيَّة بِإِسْلَام أَبَاد بِبَاكِسْتَان ..

وَشُبُهَاتِهِم هَذِه الْمَزْعُوْمَة هِي مَحَل الْغَايَة فِي هَذَا الْبَحْث الْمُوْجِز الَّذِي عَقَدْنَاه لُمُنَاقَشَة هَذِه الشُّبُهَات وَالرَّد عَلَيْهَا .

نَسْأَل الْلَّه –سُبْحَانَه- الْتَّوْفِيْق وَالْسَّدَاد وَالْمَعُوْنَة وَالِاحْتِسَاب ، إِنَّه –سُبْحَانَه- وَلِي ذَلِك وَالْقَادِر عَيْه .







التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» أخيراً / الكونجرس يقول كلمة حق
»» لا أريد الرجوع ..!
»» كتيبة رياض الصالحين تنفذ عملية ضد مركز غازبوم في موسكو
»» [الْشَّيْخ الْقَفَارِي فِي رِحَاب شَبَكَة الْسُّنَّة ]
»» 12 سُؤالٌ عَجِزَ الشِيعة الإجَابْةِ عَليهَا
  رد مع اقتباس
قديم 30-06-10, 06:55 PM   رقم المشاركة : 6
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road



الْمَبْحَث الْأَوَّل الْتَّعْرِيْف بِالْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة

أَوَّلَا : السُّنَّة فِي الْلُّغَة، هِي : الْطَّرِيْقَة، وَهِي السِّيَرَة حَمِيْدَة كَانَت أَو غَيْر حَمِيْدَة. وَمِن ذَلِك قَوْل الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - : " مَن سَن سُنَّة حَسَنَة كَان لَه أَجْرُهَا وَأَجْر مَن عَمِل بِهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَمَن سَن سُنَّة سَيِّئَة كَان عَلَيْه وِزْرُهَا وَوِزْر مَن عَمِل بِهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة "( ).. وَسُنَّة الْلَّه - تَعَالَى - فِي خَلْقِه : حُكْمِه - سُبْحَانَه - فِي خَلْقِه، وَمَا عَوِّدْهُم عَلَيْه( ). وَذَلِك كَقَوْلِهِم : سُنَّة الْلَّه فِي خَلْقِه أَن يُمْهِل الْعَاصِي لَعَلَّه يَتُوْب وَيَرْجِع.
ثَانِيَا : السُّنَّة فِي الِاصْطِلَاح : يَخْتَلِف مَعْنَى الْسُّنَّة فِي الِاصْطِلَاح حَسَب تُخَصَّص الْمُصْطَلِحَيْن وَأَهْدَافُهُم واهْتَمَامَاتِهُم. فَهُنَاك الْمُحَدِّثُوْن، وَهُنَاك الْأُصُولِيُّون، وَهُنَاك الْفُقَهَاء.
أَمَّا عُلَمَاء الْحَدِيْث أَو الْمُحَدِّثُوْن فَإِنَّمَا يَبْحَثُوْن فِي الْسَّنَة عَن رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - الْإِمَام الْهَادِي، الْنَّبِي الْرَّسُوُل، الَّذِي أَخْبَرَنَا رَبَّنَا - سُبْحَانَه وَتَعَالَى - أَنَّه أُسْوَتُنَا وَقُدْوَتِنَا، وَمِن ثَم فَقَد نَقَلُوْا كُل مَا يَتَّصِل بِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مِن أَقْوَال وَأَفْعَال وَتَقْرِيْرَات، سَوَاء أَثْبَت ذَلِك حُكْما شَرْعِيّا أَم لَم يَثْبُت. كَمَا نَقَلُوْا عَنْه - عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام - أَخْبَارِه وَشَمَائِلِه وَقِصَصِه وَصِفَاتِه خَلّقا وَخُلُقَا. وَهَذَا مَا الْتَأَمَت عَلَيْه كَتَب الْحَدِيْث، وَأَنْتجتْه مَجْهُوْدَات الْمُحَدِّثِيْن. وَمِن هُنَا فَقَد عَرَفُوْا الْسُّنَّة بِأَنَّهَا : " كُل مَا أَثَّر عَن الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مِن قَوْل أَو فِعْل أَو تَقْرِيْر، أَو صِفَة خَلْقِيَّة أَو خُلُقِيَّة، سَوَاء كَان ذَلِك قَبْل الْبَعْثَة أَو بَعْدَهَا ".
وَأَمَّا عُلَمَاء الْأُصُول، فَإِنَّمَا يَبْحَثُوْن فِي الْسَّنَة عَن رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - الْمُشَرِّع الَّذِي يَضَع الْقَوَاعِد، وَيُوَضِّح الْطَّرِيْق أَمَام الْمُجْتَهِدِيْن مِن بَعْدِه، وَيُبَيِّن لِلْنَّاس دُسْتُوْر الْحَيَاة، فَاهْتَمُّوْا مِن الْسُّنَّة بِأَقْوَال الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَأَفْعَالِه وَتَقْرِيْرَاتِه الَّتِي تَسْتَقِي مِنْهَا الْأَحْكَام عَلَى أَفْعَال الْعِبَاد مِن حَيْث الْوُجُوْب وَالْحُرْمَة وَالْإِبَاحَة، وَغَيْر ذَلِك .. وَلِذَلِك عَرَفُوْا الْسُّنَّة بِأَنَّهَا : ((مَا نُقِل عَن الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مِن قَوْل أَو فِعْل أَو تَقْرِيْر ". مِثَال الْقَوْل ؛ قَوْلُه – عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام : - ( إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالْنِّيَّات ) ( ). وَمِثَال الْفِعْل، مَا نُقِل إِلَيْنَا مِن فِعْلِه – صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم – فِي الْصَّلَوَات مِن وَقْتِهَا وَهَيْئَتَهَا. وَمَنَاسِك الْحَج وَغَيْر ذَلِك. وَمِثَال الْتَّقْرِيْر ؛ إِقْرَارُه - عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام - لِاجْتِهَاد الْصَّحَابَة فِي أَمْر صَلَاة الْعَصْر فِي غَزْوَة بَنِي قُرَيْظَة حَيْث قَال لَهُم : ( لَا يُصَلِّيْن أَحَدُكُم الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة ) ( )، فَفَهِم بَعْضُهُم النَّهْي عَلَى ظَاهِرِه فَأَخَّر الصَّلَاة فَلَم يُصَلِّهَا حَتَّى فَات وَقْتُهَا، وَفَهِم بَعْضُهُم أَن الْمَقْصُوْد حَث الْصَّحَابَة عَلَى الْإِسْرَاع، فَصَلُّوْهَا فِي وَقْتِهَا قَبْل الْوُصُوْل إِلَى بَنِي قُرَيْظَة. وَبَلَغ الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مَا فَعَل الْفَرِيْقَان فَأَقَرَّهُمَا جَمِيْعا( ).
وَأَمَّا عُلَمَاء الْفِقْه فَيُبْحَثُوْن فِي الْسَّنَة عَن رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - الَّذِي لَا تَخْرُج أَقْوَالِه وَأَفْعَالِه عَن الْدَّلَالَة عَلَى حُكْم مَن الْأَحْكَام الْشَّرْعِيَّة. وَمِن هُنَا كَانَت الْسُّنَّة عِنْدَهُم هِي : " مَا أَمَر بِه الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - أَمْرَا غَيْر جَازِم". أَو " مَا ثَبَت عَن الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مِن غَيْر افْتِرَاض وَلَا وُجُوْب". أَو " مَا فِي فِعْلِه ثَوَاب، وَفِي تَرْكِه مَلَامَة وِعْتاب لَا عِقَاب ". وَهِي تُقَابِل الْوَاجِب وَغَيْرِه مِن الْأَحْكَام الْخَمْسَة لَدَى الْفُقَهَاء .. وَقَد تُطْلَق الْسُنَّة عِنْدَهُم عَلَى مَا يُقَابِل الْبِدْعَة، فَيُقَال : فُلَان عَلَى سُنَّة إِذَا كَان يَعْمَل عَلَى وَفْق مَا كَان عَلَيْه الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَيُقَال : فُلَان عَلَى بِدْعَة، إِذَا عَمِل عَلَى خِلَاف ذَلِك. وَيُطْلَق لَفْظ الْسُنَّة عِنْدَهُم - كَذَلِك - عَلَى مَا عَمِل عَلَيْه الْصَّحَابَة - رِضْوَان الّلَه عَلَيْهِم - وَجْد ذَلِك فِي الْقُرْآَن الْمَجِيْد أَو لَم يُوْجَد، لِكَوْنِه اتِّبَاعَا لِسُنَّة ثَبَتَت عِنْدَهُم، لَم تُنْقَل إِلَيْنَا، أَو اجْتِهَادَا مُجْتَمِعَا عَلَيْه مِنْهُم أَو مِن خُلَفَائِهِم. لِقَوْلِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : - " عَلَيْكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّة الْخُلَفَاء الْرَّاشِدِيْن الْمَهْدِيِّيْن مِن بَعْدِي، عَضُّوْا عَلَيْهَا بِالْنَّوَاجِذ"( )( ).
هَذِه مَعَانِي الْسُّنَّة، أَو تَعْرِيْفَاتِهَا وَالْمُرَاد بِهَا فِي مُصْطَلَح الْعُلَمَاء، وَقَد تَّبَيَّن لَنَا أَن عُلَمَاء كُل فَن أَو عِلْم مَن الْعُلُوم لَهُم اهْتِمَام وَعَمِل فِي الْسَّنَة يَتَنَاسَب مَع اهْتِمَامِهِم، وَيُحَقِّق مَا يَهْدِفُون إِلَيْه فِي عُلُوْمِهِم، دُوْن أَن تَتَعَارَض هَذِه الْعُلُوْم، فَالْحَق أَنَّهَا كُلَّهَا فِي خِدْمَة الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة وَتَيْسِيْر الْتَّعَرُّف عَلَيْهَا وَالْعَمَل بِهَا، وَمِن أَشْرَف أَهْدَاف الْقَائِمِيْن عَلَى هَذِه الْعُلُوْم هُو جَمْع الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة وَتَمحِيصُهَا، وَتَنْقِيَتُهَا مِمَّا قَد يَكُوْن دَخِيْلا عَلَيْهَا، ثُم الْدِّفَاع عَنْهَا ضِد الْشَّاغِبِيْن عَلَيْهَا، الْمُعَارِضِيْن لَهَا، الْسَّاعِين إِلَى طَرَحَهَا وَالِاقْتِصَار فِي الْتَّشْرِيْع الْإِسْلَامِي عَلَى مَصْدَر وَاحِد هُو الْقُرْآَن الْعَظِيْم.
وَإِذَا كُنَّا قُد أَشَرْنَا إِلَى عَدَد مَن تَعْرِيْفَات الْعُلَمَاء لِلْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْشَّرِيِفَة، فَإِن الْتَّعْرِيْف الَّذِي يَتَوَافَق مَع بَحَثْنَا هَذَا إِنَّمَا هُو تَعْرِيْف الْأُصُولِيِّيْن تَحَدِيَدْا، لِأَنَّهُم الَّذِيْن يَعْنُوْن - بِالْدَّرَجَة الْأُوْلَى - بِبَيَان حُجّيّة الْسُنَّة، وَمَكَانَتِهَا مِن الْتَّشْرِيع، وَسَوْق الْأَدِلَّة عَلَى ذَلِك. وَإِن كَان الْمُحَدِّثُوْن وَالْفُقَهَاء لَم يُحْرَمُوْا أَجْر الْبَحْث فِي هَذِه الْجَوَانِب، وَلَم يُقَصِّرُوْا فِي بَذْل الْمَجْهُوْد فِي سَبِيْلِهَا.









التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» الشيخ العريفي عن القبور والاضرحه
»» الشيعة مُطالبون بالتبرير لا الفرار
»» فضيحة محمد الحسيني الشيرازي / صورة
»» English Dawah Training
»» الدرُّ الثمين في سيَرِ أمهاتِ المُؤمنين
  رد مع اقتباس
قديم 30-06-10, 06:59 PM   رقم المشاركة : 7
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road



الْمَبْحَث الْثَّانِي
مَكَانَة الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة مِن الْتَّشْرِيع وَأَدِلَّة حُجِّيَّتِهَا

أَوَّلَا : مَكَانَة الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْشَّرِيِفَة مِن الْتَّشْرِيع
إِن الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْشَّرِيِفَة هِي الْمَصْدَر الْثَّانِي لِلْتَّشْرِيع الْإِسْلَامِي. وَهَذِه حَقِيْقَة لَا يُعَارِضُهَا أَو يُشَغِّب عَلَيْهَا إِلَا شَقِي مَعَاد لِلَّه وَلِرَسُوْلِه وَلِلْمُؤْمِنِيْن، مُخَالِف لِمَا أَجْمَعَت عَلَيْه الْأُمَّة سَلَفَا وَخَلَفَا وَحَتَّى قِيَام الْسَّاعَة - بِحَوْل الْلَّه تَعَالَى.
ذَلِكُم أَن الْمُقَرَّر لَدَى الْأُمَّة الْمُسْلِمَة أَن الْوَحْي الْمَنْزِل عَلَى الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مِن قِبَل الْلَّه - سُبْحَانَه - نَوْعَان : الْأَوَّل : هُو الْقُرْآَن الْعَظِيْم، كَلَام الْلَّه سُبْحَانَه - الْمَنْزِل عَلَى رَسُوْلِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - بِلَفْظِه وَمَعْنَاه، غَيْر مَخْلُوْق، الْمُتَعَبِّد بِتِلاوَتِه، الْمُعْجِز لِلْخَلْق، الْمُتَحَدِّي بِأَقْصَر سُوْرَة مِنْه، الْمَحْفُوْظ مِن الْلَّه - تَعَالَى - أَن يَنَالُه الْتَّحْرِيْف، الْمَجْمُوْع بَيْن دَفَّتَي الْمُصْحَف الْشَّرِيف .. أَمَّا الْنَّوْع الْثَّانِي مِن الْوَحْي : فَهُو الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة بِأَقْسَامِهَا الْقَوْلِيَّة وَالْفِعْلِيَّة وَالتَقَرِيرِيّة، وَسُنَّة رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - هِي مِن وَحْي الْلَّه - عَز وَجَل - إِلَى رَسُوْلِه- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - بِاتِّفَاق الْأُمَّة الْمُسْلِمَة، وَذَلِك لَمَّا قَام الْدَّلِيل مِن كِتَاب الْلَّه - تَعَالَى - عَلَى ذَلِك فِي آَيَات كَثِيْرَة، ثُم لَمَّا صَرّحَت بِه الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة، ثُم لَمَّا أَجْمَع عَلَيْه الْصَّحَابَة وَالْتَّابِعُوْن وَتَابِعُوْهُم إِلَى يَوْم الْدِّيِن - بِحَوْل الْلَّه تَعَالَى.
وَإِذَا كَان الشَاغِبُون عَلَى سُنَّة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - يَزْعُمُوْن أَنَّهُم يَسْتَمْسِكُوْن بِالْقُرْآَن الْمَجِيْد مُكْتَفِيْن بِه عَن الْسَّنَة ؛ فَلْنَذْكُر بَعْض مَا جَاء بِه الْقُرْآَن الْكَرِيْم مَن الْآَيَات الْبَيِّنَات الَّتِي تَشْهَد وَتُصَرِّح بِأَن الْسُّنَّة وَحْي مِن عِنْد الْلَّه - سُبْحَانَه- إِلَى رَسُوْلِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - ثُم الْآَيَات الَّتِي تُصَرِّح بِوُجُوْب طَاعَتِه- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَوُجُوْب حُبِّه، وَوُجُوْب اتِّبَاعِه، وَوُجُوْب الاحْتِكَام إِلَيْه وَالتَّسْلِيْم لَه فِي كُل مَا يَحْكُم بِه، لَنَا كَان الْحَكَم أَو عَلَيْنَا، إِلَى غَيْر ذَلِك.
فَمَن الْآَيَات الْقُرْآنِيَّة الَّتِي تَدُل عَلَى أَن الْسُّنَّة وَحْي قَوْل الْلَّه - عَز وَجَل -:] وَمَا يَنْطِق عَن الْهَوَى، إِن هُو إِلَّا وَحْي يُوْحَى [ (الْنَّجْم : 3 - 4) وَهَذِه الْآَيَة نَص قَاطِع فِي أَن الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لَا يَأْتِي بِشَيْء مِن عِنْدِه، وَأَن كُل مَا يَنْطِق بِه فِي مَجَال الْتَّشْرِيع إِنَّمَا هُو وَحْي مِن عِنْد الْلَّه - تَعَالَى -، سَوَاء كَان وَحِيّا مِن الْنَّوْع الْأَوَّل وَهُو الْقُرْآَن، أَو مِن الْنَّوْع الْثَّانِي وَهُو الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة.
وَمِن ذَلِك - أَيْضا - قَوْلُه - تَبَارَك وَتَعَالَى - ] لَقَد مَن الْلَّه عَلَى الْمُؤْمِنِيِن إِذ بَعَث فِيْهِم رَسُوْلِا مِّن أَنْفُسِهِم يَتْلُو عَلَيْهِم آَيَاتِه وَيُزَكِّيْهِم وَيُعَلِّمُهُم الْكِتَاب وَالْحِكْمَة، وَإِن كَانُوْا مِن قَبْل لَفِي ضَلَال مُّبِيْن [ (آَل عِمْرَان: 164). وَهَذِه الْآَيَة الْكَرِيْمَة لَعَلَّهَا اسْتِجَابَة مِن الْلَّه- تَعَالَى - لِلْدُّعَاء الَّذِي تَوَجَّه بِه إِبْرَاهِيْم وَإِسْمَاعِيْل - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا الْصَّلاة وَالْسَّلام - إِلَيْه - تَعَالَى - حِيْن كَانَا يَرْفَعَان الْقَوَاعِد مِن الْبَيْت.
وَهَذَا الْدُّعَاء ذَكَرَه الْلَّه فِي الْقُرْآَن الْكَرِيْم فِي قَوْلِه - سُبْحَانَه وَتَعَالَى : ] وَإِذ يَرْفَع إِبْرَاهِيْم الْقَوَاعِد مِن الْبَيْت وَّإِسْمَاعِيْل رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّك أَنْت الْسَّمِيْع الْعَلِيْم. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْن لَك وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّة مُّسْلِمَة لَّك وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُب عَلَيْنَا إِنَّك أَنْت الْتَّوَّاب الْرَّحِيْم. رَبَّنَا وَابْعَث فِيْهِم رَسُوْلِا مِّنْهُم يَتْلُو عَلَيْهِم آَيَاتِك وَيُعَلِّمُهُم الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَيُزَكِّيْهِم إِنَّك أَنْت الْعَزِيْز الْحَكِيْم[( الْبَقَرَة: 127 - 129). فَهَذَا الْدُّعَاء مِن إِبْرَاهِيْم وَإِسْمَاعِيْل - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا الْصَّلاة وَالْسَّلام - لَقِي الْقَبُوْل عِنْد الْلَّه - سُبْحَانَه - فَكَان مِن قَدْرِه - عَز وَجَل - أَن جَعَل مِن ذُرِّيَّتِهِمَا تِلْك الْأُمَّة الْمُسْلِمَة الَّتِي هِي خِيْر أُمَّة أُخْرِجَت لِلْنَّاس، ثُم بَعَث فِيْهَا رَسُوْلِا مِّن أَنْفُسِهِم يَتْلُو عَلَيْهِم آَيَاتِه وَيُزَكِّيْهِم وَيُعَلِّمُهُم الْكِتَاب وَالْحِكْمَة.
وَقَد ذَهَب أَهْل الْعِلْم وَالتَّحْقِيْق إِلَى أَن الْمُرَاد بِالْحِكْمَة إِنَّمَا هُو : الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة، فَإِن الْلَّه - تَعَالَى - قَد مَن عَلَى الْمُؤْمِنِيْن بِإِرْسَال الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - الَّذِي جَعَل رَأْس رِسَالَتَه أَن يَعْلَم أُمَّتِه الْمُؤْمِنَة شَيْئَيْن : الْكِتَاب وَالْحِكْمَة. وَلَا يَجُوْز أَن تَكُوْن الْحِكْمَة هِي الْكِتَاب، فَإِنَّهَا مَعْطُوْفَة عَلَيْه، وَالْعَطْف يَقْتَضِي الْمُغَايَرَة، وَلَا يَجُوْز أَن تَكُوْن شَيْئا آَخَر غَيْر الْسُّنَّة، فَإِنَّهَا عَطْفَت عَلَى الْكِتَاب، فَهِي مِن جِنْسِه فِي الْمَصْدَر وَالْغَايَة. وَقَد مَن الْلَّه - تَعَالَى - بِهِمَا عَلَى الْمُؤْمِنِيْن، وَلَا يُمَن الْلَّه - تَعَالَى - إِلَا بِمَا هُو حَق وَصِدْق، فَالَحِكْمَة حَق كَمَا أَن الْقُرْآَن حَق. وَهَذِه الْآَيَة وَاضِحَة الْدَّلَالَة عَلَى أَن الْسُّنَّة مِن وَحْي الْلَّه - تَعَالَى - عَلَى نَبِيِّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم -.
يَقُوْل الْشَّافِعِي - رَحِمَه الْلَّه تَعَالَى : " فَذَكَر الْلَّه الْكِتَاب وَهُو الْقُرْآَن، وَذَكَر الْحِكْمَة، فَسَمِعْت مَن أَرْضَى مِن أَهْل الْعِلْم بِالْقُرْآَن يَقُوْل : الْحِكْمَة سُنَّة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَهَذَا يُشْبِه مَا قَال - وَالْلَّه أَعْلَم - لِأَن الْقُرْآَن ذُكِر، وَأُتْبِعَتْه الْحِكْمَة، وَذَكَر الْلَّه مِنَّه عَلَى الْخَلْق بِتَعْلِيْمِهِم الْكِتَاب وَالْحِكْمَة، فَلَم يَجُز - وَالْلَّه أَعْلَم - أَن يُقَال الْحِكْمَة هُنَا إِلَّا سُنَّة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَذَلِك أَنَّهَا مَقْرُوْنَة بِالْكِتَاب، وَأَن الْلَّه افْتَرَض طَاعَة رَسُوْلِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَحَتَم عَلَى الْنَّاس اتِّبَاع أَمْرِه، فَلَا يَجُوْز أَن يُقَال لِقَوْل فَرْض إِلَا لِكِتَاب الْلَّه - تَعَالَى - وَسُنَّة رَسُوْلِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم .... "( ).
وَمَن الْآَيَات الَّتِي تَقْطَع بَأَن الْسُّنَّة وَحْي مِن عِنْد الْلَّه - تَعَالَى - وَأَن الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لَا يَنْطِق فِيْمَا يَتَّصِل بِالتَّشْرِيْع إِلَا بِمَا يُوْحِي الْلَّه - تَعَالَى - إِلَيْه، قَوْلُه - سُبْحَانَه - فِي شَأْن رَسُوْلِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم: ] وَلَو تَقَوَّل عَلَيْنَا بَعْض الْأَقَاوِيْل، لَأَخَذْنَا مِنْه بِالْيَمِيْن، ثُم لَقَطَعْنَا مِنْه الْوَتِيْن، فَمَا مِنْكُم مِن أَحَد عَنْه حَاجِزِيْن[ (الْحَاقَّة:44-47 ).
فَهَذِه الْآَيَات تَدُل بِوُضُوْح شَدِيْد عَلَى أَن الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لَا يَقُوْل شَيْئا - فِيْمَا يَتَّصِل بِالْدِّيْن - إِلَا بِمَا يُوْحِي إِلَيْه الْلَّه بِه - وَكَذَلِك لَا يَفْعَل، فَإِن الْقَوْل أَعَم مِن الْفِعْل وَدَلِيْلُه - وَلَو أَن الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - قَال شَيْئا فِي الْدِّيْن لَم يُوْح الْلَّه - تَعَالَى - بِه إِلَيْه، لَأُهْلِكَه الْلَّه - تَعَالَى - وَمَا مِن أَحَد بِقَادِر عَلَى أَن يَمْنَع الْلَّه - سُبْحَانَه - مِن إِهْلَاكِه آَنَئِذ، وَهَذَا وَعِيْد مَن الْلَّه - تَعَالَى - وَوَعَد، وَعِيْد لِنَبِيِّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - أَن يَتَقَوَّل عَلَيْه مَا لَم يُوْح بِه إِلَيْه - وَحَاشَاه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - أَن يَفْعَل ذَلِك - وَوَعَد لِلْمُؤْمِنِيْن بِأَنَّه - تَعَالَى - حَافِظ دَيَّنَه مِن أَن يَدْخُل إِلَيْه أَو يَخْتَلِط بِه مَا لَيْس مِنْه عَلَى لِسَان نَبِيِّه، وَهَذِه الْآَيَات تُعَد - فِي الْوَقْت ذَاتِه - أَمْرَا مِّن الْلَّه - تَعَالَى - جَازِمَا لِأُمَّتِه أَن يُؤْمِنُوَا وَيُوْقَنُوا وَيُسَلِّمُوْا لِكُل مَا يَأْتِيَهِم بِه الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - حَيْث إِن الْلَّه - عَز وَجَل- ضَمِن لَهُم أَن نَبِيِّه لَن يَتَقَوَّل عَلَيْهِم، وَأَن كُل مَا يَنْطِق بِه الْنَّبِي قَوْلَا، أَو يَأْتِيَه فِعْلَا. إِنَّمَا هُو مِن وَحَي الْلَّه - تَعَالَى - إِلَيْه .. يَقُوْل الْعُلَمَاء : لَقَد أَخْبَر الْلَّه - عَز وَجَل - بِأَن رَسُوْلِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لَو تَقُوْل فِي الْدِّيْن قَوْلَا لَم يُوْح - الَلّه تَعَالَى - بِه إِلَيْه لَأُهْلِكَه الْلَّه - سُبْحَانَه - وَحَيْث إِن الْلَّه - تَعَالَى - لَم يَهْلِك نَبِيِّه، فَلَم يَأْخُذ مِنْه بِالْيَمِيْن، وَلَم يَقْطَع مِنْه الْوَتِيْن - نِيَاط الْقَلْب - بَل سَانْدَه وَأَعَانَه، وَأَيَّدَه وَنَصْرَه، وَأَظْهَرَه عَلَى أَعْدَائِه هُو وَأَصْحَابُه الَّذِيْن آَمَنُوْا بِه وَاتَّبَعُوْه، فَإِن ذَلِك دَلِيْل قَاطِع عَلَى أَن رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لَم يَقُل أَو يَفْعَل أَو يُقِر شَيْئا إِلَّا بِوَحْي مِن الْلَّه - سُبْحَانَه وَتَعَالَى-( ).
وَمَن الْآَيَات الَّتِي تَدُل عَلَى أَن الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لَا يَقُوْل أَو يَفْعَل شَيْئا فِي الْدِّيْن إِلَا بَوْحِي مِن عِنْد الْلَّه - عَز وَجَل - قَوْل الْلَّه - سُبْحَانَه - مُخْبِرا عَن رَسُوْلِه-صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:]الَّذِيْن يَتَّبِعُوْن الْرَّسُوْل الْنَّبِي الْأُمَّي الَّذِي يَجِدُوْنَه مَكْتُوْبَا عِنْدَهُم فِي الْتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيْل، يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوْف وَيَنْهَاهُم عَن الْمُنْكَر وَيُحِل لَهُم الْطَّيِّبَات وَيُحَرِّم عَلَيْهِم الْخَبَائِث وَيَضَع عَنْهُم إِصْرَهُم وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم { (الْأَعْرَاف:157 ).
فَالْآَيَة أُسْنِدَت الْأَمْر بِالْمَعْرُوْف وَالْنَّهْي عَن الْمُنْكَر، وَإِحْلَال الْحَلَال، وَتَحْرِيْم الْحَرَام إِلَيْه- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مُبَاشَرَة دُوْن أَن تَقَيُّد ذَلِك بِكَوْنِه قَّرْآَنَا أَو سُنَّة، وَالْإِطْلَاق الْعَام هُنَا يَشْمَل جَمِيْع مَا يُحِلُّه وَيُحْرَمُه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - أَعْم مِن أَن يَكُوْن ذَلِك بِالْقُرْآَن أَو بِالْسُّنَّة، فَبَان مِن ذَلِك أَن مَا يَحِل رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- وَمَا يَحْرُم بِسُنَّتِه هُو مِثْل مَا يَحْرُم بِقُرْآَن الْلَّه - تَعَالَى - كِلَاهُمَا وَحْي مِن عِنْد الْلَّه - سُبْحَانَه -.
وَمَن الْآَيَات الَّتِي تَدُل عَلَى أَن الْسُّنَّة وَحْي مِن عِنْد الْلَّه - سُبْحَانَه - وَتَنُص عَلَى أَن مَا يَحْرُم رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - بِسُنَّتِه مِثْل مَا يَحْرُم بِالْكِتَاب الْمَجِيْد، كِلَاهُمَا مِن عِنْد الْلَّه - تَعَالَى - قَوْل الْلَّه - عَز وَجَل - : ] قَاتَلُوا الَّذِيْن لَا يُؤْمِنُوْن بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْم الْآَخِر وَلَا يُحَرِّمُوْن مَا حَرَّم الْلَّه وَرَسُوْلُه وَلَا يَدِيْنُوْن دِيَن الْحَق مِن الَّذِيْن أُوْتُوْا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوْا الْجِزْيَة عَن يَد وَهُم صَاغِرُوْن [ (الْتَّوْبَة:29 ). فَهَذِه الْآَيَة الْكَرِيْمَة ذُكِرَت نَوْعَيْن مِن الْمُحَرَّمَات، مَا حَرَّم الْلَّه - تَعَالَى- وَمَا حَرَّم رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَجَمَعْت بَيْن الْأَمْرَيْن فِي جُمْلَة وَاحِدَة عَاطِفَة مَا حَرَّم رَسُوْل الْلَّه عَلِى مَا حَرَّم الْلَّه، وَذَلِك يَدُل بِوُضُوْح عَلَى أَمْرَيْن، الْأَوَّل : أَن مَا حَرَّم رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - هُو مِثْل مَا حَرَّم الْلَّه، وَأَن الْأَمَرَّيْن عَلَى مَنْزِلَة وَاحِدَة مِن حُجّيّة الْتَّشْرِيع وَحِكَمِه، وَأَن مَا شَرَع الْلَّه - تَعَالَى - فِي كِتَابِه هُو مِثْل مَا شَرَع رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- فِي سُنَّتِه.. الْثَّانِي : أَن مَا حَرَّم رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - فِي سُنَّتِه هُو وَحْي مِن عِنْد الْلَّه - تَعَالَى - كَمَثَل مَا حَرَّم الْلَّه - تَعَالَى - فِي كِتَابِه، فَكُلا التَّشْرِيُعِين وَحْي مِن عِنْد الْلَّه - سُبْحَانَه -.
وَلَعَل مَا ذَكَرْنَاه كَاف فِي بَيَان مَا قَصَدْنَا إِلَيْه مِن الِاسْتِدْلَال بِآَيَات الْقُرْآَن الْمَجِيْد عَلَى أَن الْسُّنَّة وَحْي مِن عِنْد الْلَّه - تَعَالَى - كَمَا أَن الْقُرْآَن وَحْي، وَأَن رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لَا يَنْطِق عَن الْهَوَى. وَمَن ثُم نَنْتَقِل إِلَى مَا يَتَرَتَّب عَلَى أَن الْسُّنَّة وَحْي مِن عِنْد لِلَّه -تَعَالَى-، نَقْصِد الْآَيَات الْقُرْآنِيَّة الَّتِي تُوَجِّب وَتَأْمُر بِطَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَتَجْعَل طَاعَتِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - فِيْمَا يَأْمُر وَمَا يُنْهَى فَيْصَلَا بَيْن الْإِيْمَان وَالْكُفْر، وَالْنَّجَاة وَالْهَلاك. قَد قُلْنَا إِن ذَلِك مُرَتَّب عَلَى مَا سَبَق بَيَانُه فِي الْفِقْرَة الْسَّابِقَة مِن أَن الْسُّنَّة وَحْي مِن عِنْد الْلَّه - تَعَالَى - إِذ لَو لَم تَكُن كَذَلِك، وَكَان رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - يَنْطِق عَن الْهَوَى - حَاشَاه - لَمَّا أَمَرَنَا الْلَّه - تَعَالَى - بِاتِّباعِه وَطَاعَتُه فِي كُل مَا يَأْمُر وَمَا يُنْهِي، كَمَا سَيُبَيَّن لَنَا مَن الْآَيَات الْدَّالَّة عَلَى ذَلِك - بِحَوْل الْلَّه تَعَالَى -. وَإِن الْنَّاظِر فِي كِتَاب الْلَّه الْمَجِيْد يَرَاه قَد أَمَر بِطَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - فِي آَيَات كَثِيْرَة وَبصِيَغ مُتَنَوِّعَة عَدِيْدَة.
مِن هَذِه الْآَيَات الْآَمِرَة بِطَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مَا هُو قَاعِدَة عَامَّة فِي رِسْل الْلَّه أَجْمَعِيْن، وَخَاتَمُهُم مُحَمَّد - صَلَوَات الْلَّه عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِم - وَذَلِك قَوْل الْلَّه - عَز وَجَل : ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُوْل إِلَا لِيُطَاع بِإِذْن الْلَّه [ (الْنِّسَاء:64 ).
فَثَمَرَة إِرْسَال الْرُّسُل - صَلَوَات الْلَّه عَلَيْهِم أَجْمَعِيْن - إِنَّمَا تَنْحَصِر فِي أَن يُطَاعُوْا، وَطَاعَتِهِم إِنَّمَا هِي بِإِذْن الْلَّه سُبْحَانَه - وَأَمْرُه، فَالشاغَب عَلَيْهِم، الْتَّارِك لْسِنَتِهِم، الْرَّافِض لِأَوَامِرِهِم وَنَوَاهِيْهُم، إِنَّمَا هُو مُحَارِب لِلَّه - سُبْحَانَه - نَاقَض لإِذْنّه، فَاسِق عَن أَمْرِه.
وَمِن ذَلِك مَا هُو قَاعِدَة لِرَسُوْلِنَا - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - شَامِلَة لِكُل مَا يَأْخُذ وَمَا يَدَع، وَمَا يَأْمُر وَمـا يَنْهَى.
وَذَلِك قـوَل الْلَّه – عَز وَجَل - ]وَمَا آُتَاكُم الْرَّسُوْل فَخُذُوْه وَمَا نَهَاكُم عَنْه فَانْتَهُوْا، وَاتَّقُوا الْلَّه إِن الْلَّه شَدِيْد الْعِقَاب [ (الْحَشْر:7 ).
فَهَذِه الْآَيَة تَأْمُر الْمُؤْمِنِيْن بِأَن يَأْخُذُوَا عَن رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - كُل مَا يَأْتِيَهِم بِه، يَسْتَوِي فِي ذَلِك مَا كَان قَّرْآَنَا أَو سُنَّة، وَكَذَلِك أَن يَنْتَهُوْا عَن كُل مَا نَهَاهُم عَنْه، ثُم تَوَعَّدْت الْمُخَالِفِيْن لِرَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - بِالْعِقَاب الْشَّدِيْد.
وَمَن الْآَيَات الْآَمِرَة بِطَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مَا جَاء فِيْهَا الْأَمْر بِطَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مَقْرُوْنَا بِطَاعَة الْلَّه - سُبْحَانَه - مَع تَّكْرَار فَعَل " أَطِيْعُوْا ". وَمِن ذَلِك قَوْل الْلَّه - عَز وَجَل : ]يـا أَيـهَا الَّذِيْن آَمـنُوَا أَطِيْعُوْا الْلَّه وَأَطِيْعُوْا الْرَّسُوْل وَلَا تُبْطِلُوَا أَعْمَالَكُم [ (مُحَمَّد:33).
وَمِن ذَلِك مَا جَاء فِيْه الْأَمْر بِطَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مَقْرُوْنَا بِطَاعَة الْلَّه - تَعَالَى - دُوْن تَكْرَار الْفِعْل " أَطِيْعُوْا " مِمَّا يَدُل بِشَكْل قَاطِع عَلَى أَن طَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - هِي مِن طَاعَة الْلَّه - سُبْحَانَه -، وَأَنَّه لَا يَحِل الْتَّفْرِيْق بَيْن طَاعَة الْلَّه - تَعَالَى - وَطَاعَة رَسُوْلِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَمِن ذَلِك قَوْل الْلَّه - سُبْحَانَه : ] قُل أَطِيْعُوْا الْلَّه وَالْرَّسُوْل، فَإِن تَوَلـوَا فَإِن الْلَّه لَا يُحـب الْكَافِرِيْن[ (آَل عِمْرَان:32 ). وَوَاضِح مِن النَّص الْكَرِيْم أَن الَّذِي يَتَوَلَّى عَن طَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - هُو مَن الْكَافِرِيْن.
وَمَن الْآَيَات الْآَمِرَة بِطَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مَا جَاء فِيْه الْأَمْر بِطَاعَة الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - ابْتِدَاء، دُوْن أَن يَسْبِقَه الْأَمْر بِطَاعَة الْلَّه - سُبْحَانَه -، وَذَلِك يُبَيِّن أَن طَاعَة الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - هِي فِي الْوَقْت نَفْسِه طَاعَة لِلَّه - تَعَالَى - وَأَن طَاعَة الْرَّسُوْل وَحْدَهَا مِقْيَاس لِطَاعَة الْلَّه - عَز وَجَل - وَمِن ذَلِك قَوْل الْلَّه -تَبَارَك وَتَعَال-: ]وَأَقِيْمُوْا الْصَّلاة وَآَتُوا الْزَّكَاة وَأَطِيْعُوْا الْرَّسُوْل لَعَلَّكُم تُرْحَمُوْن [(الْنُّوْر:56 ).
وَمَن عَلَامَات طَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَاتْبَاعِه الْأَخْذ عَنْه، وَالِاحْتِكَام إِلَيْه، وَتَّحْكِيِمِه فِي كُل مَا يُعَرِّض لَنَا مِن شُؤُوْن الْحَيَاة، ثُم الْرِّضَا بِمَا يَحْكُم بِه، وَالْإِذْعَان وَالتَّسْلِيْم لَه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَقَد جَعَل الْلَّه - سُبْحَانَه - ذَلِك مِن عَلَامَات الْإِيْمَان، وَجَعَل نُفِي ذَلِك وَعَدَم الِاتِّصَاف بِه مِن عَلَامَات الْخُلُو مِن الإِيْمَان، أَي عَلَامَات الْكُفْر، يَقُوْل الْلَّه - عَز وَجَل : ] فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُوْن حَتَّى يُحَكِّمُوْك فِيْمَا شَجَر بَيْنَهُم ثُم لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِم حَرَجَا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوْا تَسْلِيْما [ ( الْنِّسَاء:65).
وَلِأَن الاحْتِكَام إِلَى رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَالْرِّضَا وَالْإِذْعَان وَالتَّسْلِيْم لَه بِكُل مَا يَأْمُر بِه أَو يَنْهَى مِّن عَلَامَات الْإِيْمَان ؛ فَقَد كَان رَفَض ذَلِك وَالْإِعْرَاض عَنْه مِن عَلَامَات الْنِّفَاق وَالْكُفْر، مُهِمَّا قَال أُوْلَئِك الْمُعْرِضُوْن أَو زَعَمُوْا أَنَّهُم مُؤْمِنُوْن. يَقُوْل الْلَّه – عَز وَجَل – حِكَايَة عَن بَعْض هَؤُلَاء : ] وَيَقُوْلُوْن آَمَنَّا بِالْلَّه وَبِالرَّسُوْل وَأَطَعْنَا ثُم يَتَوَلَّى فَرِيْق مِّنْهُم مِن بَعْد ذَلِك، وَمَا أُوْلَئِك بِالْمُؤْمِنِيْن. وَإِذَا دُعُوٓا إِلَى الْلَّه وَرَسُوْلِه لِيَحْكُم بَيْنَهُم إِذَا فَرِيْق مِّنْهُم مُّعْرِضُوْن. وَإِن يَكُن لَّهُم الْحَق يَأْتُوَا إِلَيْه مُذْعِنِيْن. أَفِي قُلُوْبِهِم مَّرَض أَم ارْتَابُوْا أَم يَخَافُوْن أَن يَحِيْف الْلَّه عَلَيْهِم وَرَسُوْلُه، بَل أُوْلَئِك هُم الْظَّالِمُوْن. إِنَّمَا كَان قَوْل الْمُؤْمِنِيْن إِذَا دُعُوٓا إِلَى الْلَّه وَرَسُوْلِه لِيَحْكُم بَيْنَهُم أَن يَقُوْلُوْا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِك هُم الْمُفْلِحــوَن. وَمــن يُطـع الْلَّه وَرَسُوْلــه وَيَخْش الْلَّه وَيَتَّقــه فَأُوْلَئـــــك هُم الْفَائِزُوْن [ (الْنُّوْر:47-52 ). فَهَذِه الْآَيَات الْكَرِيْمَة تَتَكَلَم عَلَى مَوْقِف الْمُنَافِقِيْن مِن الاحْتِكَام إِلَى الْلَّه وَرَسُوْلِه، وَتَكْشِف عَن زَيْف مَا يَزْعُمُوْن مِن الإِيْمَان بِالْلَّه وَرَسُوْلِه، وَأَن ذَلِك نِفَاق وَكُفْر، وَتَبَيَّن عَن دَلِيْل ذَلِك وَهُو الْإِعْرَاض عَن الاحْتِكَام إِلَى رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَالْرِّضَا بِحُكْمِه، ثُم تَكْشِف عَن دَخَائِل نُفُوْسِهِم مِن عَدَم الإِيْمَان بِاللَّه وَالاطْمِئْنَان إِلَى حُكْم رَسُوْلِه، ثُم تَبَيَّن - بِالْمُقَابِل - مَوْقِف الْمُؤْمِنِيْن وَهُو الْسَّمِع وَالْطَّاعَة لِلَّه وَرَسُوْلِه، ثُم تَخَتَّم الْمَقَام بِأَن الْفَوْز وَالْنَّجَاة إِنَّمَا هُمَا لِمَن يُطِيْع الْلَّه وَرَسُوْلَه.
مِن كُل هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِن الْآَيَات الْقُرْآنِيَّة الَّتِي تَنُص بِأُسْلُوب قَاطِع عَلَى أَن الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لَا يُنْطَق إِلَا عَن وَحَي مِن الْلَّه - تَعَالَى - وَلَا يَقُوْل فِي الْدِّيْن إِلَا بِمَا يُوْحِي بِه الْلَّه - تَعَالَى - إِلَيْه. وَبِأَن طَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - فَرْض عَلَى كُل مُؤْمِن، وَأَن مَن أَطَاع الْرَّسُوْل فَقَد أَطَاع الْلَّه، وَبِأَن الاحْتِكَام إِلَى رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- وَالْرِّضَا وَالتَّسْلِيْم لَه، وَالْأَخْذ عَنْه آَيَة الْإِيْمَان. نَقُوُل : مِن كُل هَذَا تَتَّضِح مَكَانَة الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة مِن الْتَّشْرِيع الْإِسْلَامِي، وَتَتَّضِح حُجِّيَّتِهَا، وَأَنَّهَا مِن حَيْث الْحُجِّيَّة هِي فِي مَنْزِلَة الْقُرْآَن الْمَجِيْد، وَلَا يَنْبَغِي أَن يُفْهَم مِن هَذَا أَنَّنَا نَجْعَل الْسُّنَّة بِمَنْزِلَة الْقُرْآَن فِي الْمَكَانَة وَالْشَّرَف، فَهَذَا مِمَّا لَا يَقُوْل بِه مُسْلِم، فَلَا رَيْب أَن الْقُرْآَن يُفَضِّل الْسُّنَّة بِأُمُوْر اتَّفَقَت عَلَيْهَا الْأُمَّة نُشِيْر إِلَى أَهَمِّهَا - بِإِيْجَاز : -
1- الْقُرْآَن الْكَرِيْم مُوَحَّى بِه مِن الْلَّه - عَز وَجَل - بِلَفْظِه وَمَعْنَاه، فَهُو قَوْل الْلَّه- سُبْحَانَه - أَمَّا الْسُّنَّة فَهِي قَوْل الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَفِعْلُه وَتَقْرِيْرُه.
2- الْقُرْآَن الْمَجِيْد تَكَفَّل الْلَّه - تَعَالَى - بِحِفْظِه، وَلَيْس ذَلِك لِلْسُّنَّة.
3- الْقُرْآَن الْعَظِيْم يُتَعَبَّد بِتِلاوَتِه، وَلَيْس ذَلِك لِلْسُّنَّة.
4- الْقُرْآَن الْعَظِيْم مُعْجِز لِلْبَشَر، وَتُرَتِّب عَلَى ذَلِك أَن الْلَّه - تَعَالَى - تَحَدَّى الْبَشَر، بَل وَالْجِن أَن يَأْتُوَا بِمِثْل أَقْصَر سُوْرَة مِنْه، وَالْسَّنَة لَيْسَت كَذَلِك.
5- لَا تَجُوْز رِوَايَتُه بِالْمَعْنَى، وَيَجُوْز ذَلِك فِي الْسَّنَة بِضَوَابِطُه.
6- لَا يَجُوْز أَن يَمَسَّه إِلَّا الْمُطَهَّرُوْن، وَلَيْس ذَلِك لِلْسُّنَّة.
7- الْقُرْآن هُو الْمَجْمُوْع بَيْن دَفَّتَي الْمُصْحَف الْشَّرِيف، وَالْسَّنَة مُوَزَّعَة فِي كُتُب وَدَوَاوِيْن.
فَهَذِه أُمُوْر يُفَضِّل الْقُرْآَن فِيْهَا الْسُّنَّة، فَهُو لِذَلِك أَشْرَف مِنْهَا وَأَرْفَع مَنْزِلَة وَقَدَاسَة، لَكِن كَلَامِنَا فِي مَجَال الِاحْتِجَاج بِالْسُّنَّة فِي أُمُوْر الْدِّيْن وَقَضَايَا الْتَّشْرِيع، وَلَا رَيْب أَنَّهَا فِي هَذَا فِي مَنْزِلَة مَع الْقُرْآَن، فَكَمَا يُقَال : الصَّلَاة وَاجِبَة بِقَوْل الْلَّه - عَز وَجَل - : ] وَأَقِيْمُوْا الصَّلَاة [ ( الْنُّوْر:56). فَكَذَلِك يُقَال صَلَاة الْصُّبْح رَكْعَتَان وَالْظُّهْر وَالْعَصْر أَرْبَع وَالْمَغْرِب ثَلَاث وَالْعِشَاء أَرْبَع. وَالْدَّلِيل فَعَل رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَالْمِثَال هُنَا يُوَضِّح أَن كَلَّا الْدَّلِيلَيْن عَلَى مسُتَوَى وَاحِد فِي إِفَادَة الْعِلْم وَإِيْجَاب الْعَمَل.
وَلِهَذَا الْمَعْنَى فَقَد ذَهَب جِلَّة الْعُلَمَاء إِلَى الْتَّسْوِيَة بَيْن كِتَاب الْلَّه - تَعَالَى - وَسُنَّة رَسُوْلِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مِن حَيْث الْحُجِّيَّة عَلَى الْأَحْكَام، وَمِن ذَلِك أَن الْخَطِيْب الْبَغْدَادِي قَد عَنْوَن فِي كِتَابِه " الْكِفَايَة " لِهَذَا الْمَوْضُوْع بِقَوْلِه : ( مَا جَاء فِي الْتَّسْوِيَة بَيْن حُكْم كِتَاب الْلَّه - تَعَالَى - وَحَكَم سَنَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - ) يُشِيْر بِهَذَا الْعُنْوَان إِلَى أَن الْقُرْآَن وَالْسُّنَّة مُتَسَاوِيَان فِي مَرْتَبَة وَاحِدَة مِّن حَيْث الْحُجِّيَّة فِي إِثْبَات الْأَحْكَام الْشَّرْعِيَّة. وَقَد قَال الْدَّكْتُوْر عَبْد الْغَنِي عَبْد الْخَالِق فِي كِتَابِه " حُجّيّة الْسُنَّة " إِن الْسُنَّة وَالْكِتَاب فِي مَرْتَبَة وَاحِدَة مِّن حَيْث الْاعْتِبَار وَالِاحْتِجَاج بِهِمَا عَلَى الْأَحْكَام الْشَّرْعِيَّة، وَلِبَيَان ذَلِك نَقُوُل : مِن الْمَعْلُوْم أَنَّه لَا نِزَاع فِي أَن الْكِتَاب يَمْتَاز عَن الْسُّنَّة وَيُفَضِّل عَنْهَا فِي أَن لَفْظَه مُنْزِل مِن عِنْد الْلَّه - سُبْحَانَه وَتَعَالَى - مُتَعَبِّد بِتِلاوَتِه، مَعْجَر لِلْبَشَر أَن يَأْتُوَا بِمِثْلِه، بِخِلَافِهَا، فَهِي مُتَأَخِّرَة عَنْه فِي الْفَضْل مِن هَذِه الَنَّوَاحِي، لَكِن ذَلِك لَا يُوَجِّب الْتَّفْضِيْل بَيْنَهُمَا فِي الْحُجِّيَّة، بِأَن تَكُوْن مُرَتَّبَة الْسُّنَّة مُتَأَخِّرَة عَن الْكِتَاب، وَيَعْمَل بِه وَحْدَه، وَإِنَّمَا كَان الْأَمَر كَذَلِك - أَي مُمَاثِلَة الْسُّنَّة لِلْكِتَاب فِي مَرْتَبَة الْحُجِّيَّة - لِأَن حُجّيّة الْكِتَاب إِنَّمَا جَاءَت مِن كَوْنِه وَحِيّا مِن عِنْد الْلَّه - سُبْحَانَه -، وَالْسَّنَة مُسَاوِيَة لِلْقُرْآن مِن هَذِه الْنَّاحِيَة فَهِي مِثْلِه "( ).
مِمَّا تَقَدَّم مِن حَدِيْث عَن حُجَيَّة الْسُّنَّة وَمَكَانَتِهَا مِن الْتَّشْرِيع تَتَّضِح لَنَا الْأُمُور الْآتِيَة :
أَوَّلَا : أَن الْوَحْي مِن عِنْد الْلَّه - تَعَالَى - إِلَى رَسُوْلِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَحَيَّان؛ وَحْي هُو الْقُرْآَن الْمَجِيْد، وَوَحْي هُو الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْشَّرِيِفَة، وَقَد ذَكَرْنَا الْأَدِلَّة عَلَى ذَلِك مِن آَيَات الْقُرْآَن الْبَيِّنَات، كَمَا بَيَّنَّا الْفُرُوق بَيْن الْوَحْيَيْن، أَي بَيْن الْقُرْآن وَالْسُّنَّة.
ثَانِيَا : أَن السُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة تَأْتِي فِي الْمَنْزِلَة الْثَّانِيَة بَعْد الْقُرْآَن الْعَظِيْم فِي مَصْدَرِيَّة الْتَّشْرِيع، فَهِي الْمَصْدَر الْثَّانِي بَعْد الْقُرْآَن الْكَرِيْم. أَمَّا مَن حَيْث الْحُجِّيَّة فَهِي مَع الْقُرْآَن بِمَنْزِلَة وَاحِدَة. بِمَعْنَى أَن دَلِيْل الْتَّشْرِيع مِن الْسُّنَّة يَعْدِل دَلِيْل الْتَّشْرِيْع مِن الْقُرْآَن، فَكِلاهُمَا مُفِيْد لِلْعِلْم، مُوَجِّب لِلْعَمَل بِمُقْتَضَاه، عَلَى أَي نَوْع مِن الْأَحْكَام الْخَمْسَة كَان الْعَمَل.
ثَالِثَا : أَن مَن رَفَض سَنَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - أَو شَغَب عَلَيْهَا، أَو رَفَض أَمْر رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - أَو نَهْيِه، أَو رَفَض الاحْتِكَام إِلَى رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - فِيْمَا يَعْرِض لَه أَو لَم يَقْبَل حُكْمِه، كُل مَن يَفْعَل ذَلِك أَو شَيْئا مِنْه يُعَد فَاسِقا عَن الْمِلَّة غَيْر مُؤْمِن، فَإِن الْلَّه - تَعَالَى - قَد جَعَل كُل ذَلِك عَلَامَة الْإِيْمَان، وَرَفَض ذَلِك أَو شَيْء مِنْه، آَيَة الْكُفْر وَالْنِّفَاق، وَذَلِك فِي آَيَاتِه الْبَيِّنَات.
رَابِعَا : لَقَد اعْتَمَدْنَا فِي بَيَان مَا قَدَّمْنَا عَلَى كِتَاب الْلَّه الْقُرْآَن الْمَجِيْد وَحْدَه، وَلَم نَتَكَلَّم فِي الْسَّنَة الْمُطَهَّرَة أَو آَثَار الْصَّحَابَة وَإِجْمَاع الْأُمَّة، ذَلِك أَن هَؤُلَاء الَّذِيْن نُخَاطِبُهُم فِي بَحْثِنَا هَذَا يَزْعُمُوْن أَنَّهُم " قُرآنِيُّون " لَا يَأْخُذُوْن إِلَا عَن الْقُرْآَن، فآثَرْنا أَن نُخْاطِبَهُم بِالْقُرْآَن الْكَرِيْم.. لَكُنَّا - بِحَوْل الْلَّه - سُبْحَانَه - سَوْف نُوَفِّي الْمَوْضُوْع حَقَّه مِن خِلَال أَحَادِيْث الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَآَثَار الْصَّحَابَة وَإِجْمَاع الْأُمَّة، حِيْن الْرَّد عَلَى شُبُهَاتِهِم، وَذَلِك بِمَشِيْئَة الْلَّه سُبْحَانَه.








التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» تحيّة طيبة ..!
»» الخميني يصدر فتوى بقبول تحول الجنسين / صوت وصورة
»» أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَقْتُلُهُ ؟
»» الفيلم الأكثر انتشاراً : (حقيقة السيستاني)
»» تأويل القرآن في مذهب شيعة نجران
  رد مع اقتباس
قديم 30-06-10, 07:06 PM   رقم المشاركة : 8
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road




الْمَبْحَث الْثَّالِث
الْجُذُوْر الْتَّارِيْخِيَّة لِمُنْكِرِي الْسُّنَّة وَأَشْهَر طَوَائِفَهُم


إِن تَارِيْخ مُنْكِرِي سَنَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - يَكَاد يُقْرَن بِتَارِيْخ مُنْكِرِي رِسَالَتَه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم -، فَالَكُفْر بِسُنَّتِه - عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام - هُو قَرِيْن الْكُفْر بِرِسَالَتِه - فَهُمَا أَمْرَان مُتَقَارِبَان زَمَانا مُتَسَاوقَان مَنْزِلَة، وَيَكَادَان يَكُوْنَان مُتَمَاثِلَيْن حُكْمِا، وَلَا يَخْتَلِفَان إِلَا بِاعْتِبَار أَن ثَمَّة كُفْرَا دُوْن كُفْر، وَإِلَا فَإِنْكَار سَنَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَجَحَدَهَا كَفَر، كَمَا أَن إِنْكَار رِسَالَتَه كَفَر ..
وَمِن الْمُسْلِم بِه أَنَّه لَم يَخْل زَمَان مَن الْأَمْرَيْن جَمِيْعَا كَذَلِك، فَكَمَا أَنَّه لَم يَخْل زَمَان مِن مُنْكِرِي رِسَالَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم -، فَكَذَلِك لَم يَخْل زَمَان مِن مُنْكِرِي سُنَّتِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مَع زَعْمِهِم بِأَنَّهُم مُسْلِمُوْن مُؤْمِنُوْن بِرِسَالَتِه، وَالْأَخِيرَة هَذِه هِي مَثَار الْعَجَب، إِذ كَيْف يَكُوْنُوْن مُؤْمِنِيْن بِرِسَالَتِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - ثُم يُنْكِرُوْن سُنَّتِه، وَيَرْفُضُوْن اتِّبَاعُه، وَيُصِرُّون عَلَى عَدَم الْأَخْذ عَنْه، وَالِاحْتِكَام إِلَيْه، وَالتَّسْلِيْم لَه وَيَقْبَلُوْن عَلَى مُخَالَفَتَه فِي كُل مَا قَال وَفَعَل وَأُقِر، فَيَقُوْلُوْن مَا لَم يَقُل، وَيَفْعَلُوْن مَا لَم يَفْعَل، وَيَرْفُضُوْن مَا أَقَرَّه وَرَضِي بِه.
وَلَقَد بَدَأْت مَسِيْرَة إِنْكَار الْسُّنَّة وَالشَّغَب عَلَيْهَا عَلَى هَيْئَة فَرْدِيَّة فِي حَالِات نَادِرَة لَا اعْتِبَار بِهَا. وَكَان ذَلِك فِي حَيَاة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَمِن ذَلِك مَا رَوَى أَصْحَاب الْسُّنَن فِي أَسْبَاب نُزُوْل الْآَيَة الْكَرِيْمَة : ]فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُوْن حَتَّى يُحَكِّمُوْك فِيْمــا شَجَر بَيْنَهُم، ثُم لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِم حَرَجا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوْا تَسْلِيْما [ ( الْنِّسَاء:65).
مِن أَن الْزُّبَيْر بْن الْعَوَّام - رَضِي الْلَّه عَنْه - اخْتَصَم وَرَجُل مِن أَصْحَاب رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لَعَلَّه حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَة - رَضِي الْلَّه عَنْه - فَحَكَم رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لِلْزُّبَيْر أَن يَسْقِي زَرْعَه أَوَّلَا، ثُم يُرْسَل الْمَاء إِلَى صَاحِبِه، فَغَضِب الْرَّجُل وَقَال : يَا رَسُوْل الْلَّه أَن كَان ابْن عَمَّتِك ؟. أَي حَكَمْت لَه بِسَبَب أَنَّه ابْن عَمَّتِك، فَتَلَوَّن وَجْه رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَأَنْزَل الْلَّه - تَعَالَى - الْآَيَة فِي ذَلِك( ).
لَكِن هَذِه الْحَالِات شَاذَّة وَلَا تَذْكُر فِي مَعْرِض الْتَّأْرِيْخ لِمُنْكِرِي سَنَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَذَلِك لِأَمْرَيْن : لِشُذُوذِهَا وَنُدْرَتِهَا، ثُم لِعَوْدَة أَصْحَابِهَا إِلَى الْحَق سَرِيْعَا وَانْقِضَاء أَثَرُهَا.
أَمَّا إِنْكَار الْسَّنَة عَلَى هَيْئَة مُؤْثَرَة، وَعَلَى أَيْدِي طَوَائِف لَهَا ذَكَرَهَا فِي الْتَّارِيْخ ؛ فَقَد بَدَأَت عَلَى أَيْدِي الْخَوَارِج وَالْشِّيْعَة، ثُم انْضَم إِلَيْهِم طَوَائِف مِن الْمُتَكَلِّمِيْن وَبِخَاصَة مِن الْمُعْتَزِلَة الَّذِيْن انْتَسَب إِلَيْهِم كَثِيْر مِن الزَّنَادِقَة وَالْفَاسِقِيْن عَن الْمِلَّة، كَالَنَّظَّام الَّذِي كَان " شَاطِرَا مِن الْشُّطَّار، يَغْدُو عَلَى سُكْر وَيَرُوْح عَلَى سُكْر وَيَبِيْت عَلَى جَرَائِرُهَا، وَيَدْخُل فِي الْأَدْنَاس وَالْفَوَاحِش، وَهُو الْقَائِل:
وَأَسْتُبِيح دَمَا مِن غَيْر مَجْرُوْح وَالْزِّق مَطْرَح جِسْمَا بِلَا رُوْح( ) مَا زِلْت آَخُذ رُوْح الْزِّق فِي لطُفَحَتَّى انْثَنَيْت وَلِي رُوْحَان فِي جِسـدَي
أَمَّا الْشِّيْعَة وَالْخَوَارِج فَكِلْتَا الْطَّائِفَتَيْن شَغَبْت عَلَى الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة وَأَنْكَرْتُهَا، لَكِن الْشِّيْعَة لَم يَّقْبَلُوَا مِن سُنَّة الْنَّبِي – صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم – إِلَا الْقَلِيْل الَّذِي نُقِل إِلَيْهِم عَن طَرِيْق مِن يَدِيْن بِعَقِيْدَتِهِم فِي الْإِمَامَة وَيُشَايِع آَل الْبَيْت – فِيْمَا يَزْعُمُوْن – وَلَو أَنَّنَا عَرَفْنَا أَنَّهُم لَم يُوَالُوَا مِن الْصَّحَابَة – رِضْوَان الّلَه عَلَيْهِم – إِلَّا بِضْعَة عَشَر صَحَابِيَّا هُم فَقَط الَّذِيْن رَضِي عَنْهُم الْشِّيْعَة وَأَخَذُوا عَنْهُم، لأَدْرَكُنا ذَلِك الْقَدْر الضَّئِيل مِن سُنَّة الْنَّبِي –صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-الَّذِي قَبْلَه الْشِّيْعَة (الْرَّافِضَة) وَعَمِلُوْا بِه، وَذَلِك الْكَم الْهَائِل مِن الْسُّنَّة النَّبَوِيَّة الَّتِي رَفَضُوْهَا وَأَنْكَرُوْهَا لِأَنَّهَا أَتَت عَن جَمْهَرَة الْصَّحَابَة الَّذِيْن لَا يَرْضَى عَنْهُم الْشِّيْعَة، فَالَّشِّيْعَة – إِذَن – رَفَضُوْا الْسُّنَّة لِأَنَّهُم طَعَنُوْا فِي عَدَالَة الْصَّحَابَة – رِضْوَان الّلَه عَلَيْهِم – لِأَنَّهُم بَايَعُوْا أَبَا بَكْر – رَضِي الْلَّه عَنْه – خَلِيْفَة لِرَسُوْل الْلَّه – صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم – وَلَم يُبَايِعُوَا عَلِيّا الَّذِي كَان هُو الْخَلِيْفَة مِن وِجْهَة أَنْظَار الْشِّيْعَة، وَالْشِّيْعَة مِنْهُم مُعْتَدِل وَغَال، فَالْمُعْتَدِلُون فَسَقُوٓا الْصَّحَابَة – رَضِي الْلَّه عَنْهُم – وَالغَالُون كَفَّرُوْهُم – عَيْاذَا بِالْلَّه – وَلَم يَسْتَثْن الْشِّيْعَة مِن ذَلِك سِوَى عَدَد يَزِيْد قَلِيْلا عَلَى أَصَابِع الْيَدَيْن .. عَلَى أَن الْشِّيْعَة (الْرَّافِضَة) أَضَافُوْا إِلَى إِنْكَارُهُم الْسُّنَّة - عَلَى الْوَضْع الَّذِي ذَكَرْنَاه - إِضَافَة جَدِيْدَة جَعَل جُرْمِهِم فِي هَذَا الْبَاب مُضَاعَفَا، ذَلِك أَنَّهُم لَم يَكْتَفُوْا بِإِنْكَار الْحَدِيْث وَرَفَض الْسُّنَّة، وَإِنَّمَا لَّجَأُوْا إِلَى وَضْع مَا أَسْمَوْه أَحَادِيْث، وَنَسَبُوْهَا إِلَى الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - فَأَلَّفُوا كَلَامَا عَلَى هَيْئَة أَحَادِيْث الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - فِي تَعْظِيْم أَئِمَّتُهُم، وَتَأْكِيد نِحْلَتَهُم، وَتَأْصِيْل مُعْتَقَدِهِم، وَأَيْضَا فِي ذَم مُخَالِفِيْهِم وَعَقَائِدُهُم. وَقَد كَان لِهَذِه الْأَحَادِيْث الْمَزْعُوْمَة الْمَوْضُوْعَة عَلَى رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - دَوْر أُصَيْل فِي حُجِّيَّة الْتَّشْرِيع وَأُصُوْل الْدِّيْن عِنْدَهُم.
أَمَّا الْخَوَارِج فَقَد طَعَنُوْا فِي الْصَّحَابَة - رِضْوَان الّلَه عَلَيْهِم - بَعْد وَاقِعَة الْتَّحْكِيْم الْشَّهِيْرَة أَثْنَاء الْحَرْب بَيْن عَلِي وَمُعَاوِيَة - رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا - وَبِسَبَب وَاقِعَة الْتَّحْكِيْم طَعَن الْخَوَارِج فِي عَدَالَة الْصَّحَابَة - رَضِي الْلَّه عَنْهُم - فَمَن الْخَوَارِج مَن فَسَّقَهُم، وَهُم قِلَّة لَا تُذْكَر، وَالْأَكْثَرُوْن مِن طَوَائِف الْخَوَارِج كَفَرُوَا الْصَّحَابَة - عَيْاذَا بِالْلَّه - بَل مِنْهُم مَن جَعَلَهُم كَالْمُشْرِكِيْن فِي الْحَرْب وَالْسَّبْي وَعَدَم قَبُوْل الْجِزْيَة .. إِلَى آَخِر تِلْك الْآَرَاء الَّتِي تَدُل عَلَى انْحِرَاف حَاد عَن جَادَّة الْإِسْلَام، وَقَد دَفَع بِهِم إِنْكَار الْسُّنَّة وَالرَّغْبَة الْمُلِحَّة عِنْدَهُم فِي مُخَالَفَة جَمَاعَة الْمُسْلِمِيْن إِلَى الْعُدْوَة الْقُصْوَى بَعِيْدَا عَن الْإِسْلَام، فَافْتَرُوا عَلَى الْلَّه وَرَسُوْلِه وَجَمَاعَة الْمُسْلِمِيْن، وَتَبَارُّوْا فِي تَكْفِيْر الْأُمَّة بِأَنْوَاع مِن الْكُفْر ؛ فَجَمَهَّرَتِهُم يَرَوْن أَن دَار مُخَالِفِيْهِم دَار حَرْب، يُقْتَل فِيْهَا الْنِّسَاء وَالْأَطْفَال وَأَن جَمِيْع الْمُسْلِمِيْن كُفَّار مِثْل كُفَّار الْعَرَب، لَا يَقْبَل مِنْهُم إِلَّا الْإِسْلَام أَو الْقَتْل.
أَمَّا فِي الْأَحْكَام فَقَد أَنْكَرُوْا الْرَّجْم فِي الْزَّانِي الْمُحْصَن لِأَّنَّه لَيْس فِي الْقُرْآَن، وَّأَقَامُوْا حَد الْسَّرِقَة وَلَم يَلْتَزِمُوا مَا وَرَد فِي الْسُّنَّة وَإِجْمَاع الْأُمَّة بِالْحَرَز فِي الْسَّرِقَة وَنِصَابِهَا وَكَذَلِك قَطْع الْيَد مِن الْرُّسُغ، كَمَا اسْتَحَلُّوْا كَفَر الْأَمَانَة الَّتِي أَمَر الْلَّه – تَعَالَى – بِأَدَائِهَا وَزَعَمُوْا أَن الْمُسْلِمِيْن مُشْرِكُوْن يَحِل أَكْل أَمَانَاتِهِم، وَأَجَاز فَرِيْق مِنْهُم - المَيْمُّونِيّة - نِكَاح بِنْت الْبِنْت، وَبَنَت الْابْن، لِأَن الْقُرْآَن لَم يُذَكِّرُهُن ضِمْن الْمُحَرَّمَات ... إِلَى غَيْر ذَلِك مِن أَنْوَاع الضَّلَال وَالْزَّيْغ الَّذِي وَقَعُوْا فِيْه فِي أُصُوْل الْدِّيْن، وَفِي أَحْكَام الْشَّرِيِعَة بِسَبَب أَنَّهُم رَفَضُوْا الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة، وَزَعَمُوْا أَنَّهُم يَأْخُذُوْن أَحْكَامِهِم وَقَضَايَا دِيَنَهُم عَن الْقُرْآَن، وَمَا عَلِمُوْا أَنَّهُم نَابَذُوَا الْقُرْآَن وَّنَبَذُوْه يَوْم نَبَذُوا الْسُّنَّة وَاتَّخِذُوْهَا ظِهْرِيّا، يَقُوْل عَبْد الْقَاهِر الْبَغْدَادِي عَن الْخَوَارِج إِنَّهُم : " أَنْكَرُوْا حُجّيّة الْإِجْمَاع وَالْسُّنَن الْشَّرْعِيَّة، وَأَنَّه لَا حُجَّة فِي شَيْء مِن أَحْكَام الْشَّرِيِعَة إِلَا مَن الْقُرْآَن، وَلِذَلِك أَنْكَرُوْا الْرَّجْم وَالْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْن لِأَنَّهُمَا لَيْسَا فِي الْقُرْآَن، وَقَطَعُوْا يَد الْسَّارِق فِي الْقَلِيْل وَالْكَثِيْر لِأَن الْأَمْر بِالْقَطْع فِي الْقُرْآَن مُطْلَق، وَلَم يَّقْبَلُوَا الْرِّوَايَة فِي نِصَاب الْقَطْع وَلَا الْرِّوَايَة فِي اعْتِبَار الْحِرْز فِيْه "( ).
فَهَؤُلَاء وَأُوْلَئِك - الْخَوَارِج وَالْشِّيْعَة - رَفَضُوْا - سَنَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لِطَعْنِهِم فِي الْصَّحَابَة - رِضْوَان الْلَّه - تَعَالَى - عَلَيْهِم أَجْمَعِيْن - وَمَن الْمَعْلُوْم أَن سُنَّة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - إِنَّمَا وَصَلْت إِلَيْنَا مِن خِلَال الْصَّحَابَة - رِضْوَان الّلَه عَلَيْهِم - بَل إِن الْدِّيْن كُلِّه وُصِل إِلَيْنَا مِن خِلَالِهِم، فَهُم الْطَّبَقَة الْمُعَاصِرَة لِرَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - زَمَانا، الْمُطْلِعَة عَلَى أَحْوَالِه قَوْلَا وَفِعْلَا، الْحَرِيصَة عَلَى أَن تَحْفَظ عَنْه كُل حَرَكَة وَسَكَنَة، وَأَن تُنْقَل عَنْه كُل لَفْظَة وَسَكْتَة، الْأَمِينَة فِي وَصْف أَحْوَالِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - صَغِيْرَهَا وَكَبِيْرِهَا، وَالْصَّحَابَة - رِضْوَان الّلَه عَلَيْهِم - هُم الَّذِيْن نَقَلُوْا إِلَيْنَا أَحْوَال الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم – كَافَّة لَم يُخَرَمُوا مِنْهَا شَيْئا، حَتَّى صِرْنَا بِفَضْلِهِم - جَزَاهُم الْلَّه عَن الْأُمَّة خَيْرا- كَأَنَّنَا نُعَايَشُه فِي أَحْوَالِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم – كَافَّة، وَنُعَايِن هَيْئَاتِه كَافَّة، فَهُم -رِضْوَان الّلَه عَلَيْهِم- هُم الَّذِيْن نَقَلُوْا إِلَيْنَا الْدِّيْن كَامِلَا عَن رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - الَّذِي تَلَقَّاه عَن رَبِّه وَحْيا فِي الْقُرْآَن أَو فِي الْسَّنَة، فَإِذَا جَاء مَن الْطَّوَائِف وَالْفِرَق مَن يَرْفَض الْأَخْذ عَنْهُم مُسْتَنَدَا إِلَى مَا يَزْعُمُه مَن أَنَّهُم لَيْسُوْا عُدْوَلَا ؛ فَعَن مَن يَأْخُذ دِيْنِه، وَأَنَّى لَه أَن يَعْرِف شَرَائِع الْإِسْلَام ؟ وَمَن أَيْن سَيَأْخُذ أَحْكَام الْدِّيْن فِي الصَّلَاة وَهَيْئَاتِهَا، وَالْزَّكَاة وَمَقَادِيْرَهَا، وَالصِّيَام وَأَحْكَامِه، وَالْحَج وَمَنَاسِكِه، ثُم مِن أَيْن لَه أَن يُعَرِّف مَا يَحِل وَمَا يَحْرُم، وَمَا يَأْخُذ أَو يَدَع فِي شُؤُوْن الْحَيَاة جَمِيْعَهَا، ثُم أَيْن نَجْد كُل هَذَا فِي الْقُرْآَن الْمَجِيْد ؟ وَأَيْن يَجِدْه هَؤُلَاء الَّذِيْن يَزْعُمُوْن أَنَّهُم يَكْتَفُوْن بِالْقُرْآَن وَحْدَه دُوْن الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُشَرَّفَة ؟
إِن رَفْضَهُم الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة كَان لَه الْأَثَر الَّذِي أَشَرْنَا إِلَى بَعْضِه مِن خُرُوْجِهِم عَلَى الْدِّيْن وَابْتِدَاعِهِم فِيْه مَا لَيْس مِنْه، وَاعْتِنَاقَهُم عَقَائِد، ومُزاولْتِهُم شَرَائِع لَا تَمُت إِلَى الْإِسْلَام، بَل تَنَاقُض الْإِسْلَام وَتَعَارْضَه، وَقَد انْتَهَى بِهِم الْأَمْر إِلَى أَن نَقَضُوْا عُرَى الْإِسْلَام ، وَكَفَرُوْا الْأُمَّة الْمُسْلِمَة، وَمَا كَفَرْت الْأُمَّة وَلَكِن الْظَّالِمِيْن كَفَرُوَا، يَهْدِمُون الْدِّيْن بِحُجَّة الْحِرْص عَلَيْه، وَيَكْفُرُوْن بِالْقُرْآَن وَهُم يَزْعُمُوْن الِاسْتِمْسَاك بِه وَالاعْتِمَاد عَلَيْه، فَأَيْن مِنْهُم آَيَاتِه الْبَيِّنَات الَّتِي تَأْمُر بِطَاعَة رَسُوْل الْلَّه – صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم – وَالْأَخْذ عَنْه وَالِائْتِمَار بِأَمْرِه وَالانْتِهَاء بِنَهْيِه ؟ بَل أَيْن مِنْهُم آَيَاتِه الْبَيِّنَات الَّتِي تَنُص عَلَى أَنَّه – صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم – لَا يَنْطِق عَن الْهَوَى، وَأَن سُنَّتِه وَحْي مِن عِنْد الْلَّه – تَعَالَى – وَأَيْن مَن هَؤُلَاء الَّذِيْن يُخَالِفُوْن عَن أَمْر رَسُوْل الْلَّه – صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم – قَوْلُه تَعَالَى – مُحَذِّرا إِيَّاهُم وَمَن عَلَى شَاكِلَتِهِم : ] فَلْيَحْذَر الَّذِيْن يُخَالِفُوْن عَن أَمْرِه أَن تُصِيْبَهُم فِتْنَة أَو يُصِيْبَهُم عَذَاب أَلِيْم [ ( الْنُّوْر:64).
هَكَذَا بَدَأْت مَسِيْرَة إِنْكَار سَنَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَالشَّغَب عَلَيْهَا وَرَفَض اعْتِبَارِهَا مُصَدِّرا تَّشْرِيعيّا كَالْقُرْآَن، وَالْخُرُوْج عَلَى طَاعَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - بَدَأْت مَسِيْرَة الْضَّلال هَذِه عَلَى أَيْدِي الْخَوَارِج وَالْشِّيْعَة (الْرَّافِضَة)، ثُم تَلَقَّفُهَا مِنْهُم وَسَار عَلَى ضَلَالِهِم طَوَائِف مِن الْمُتَكَلِّمِيْن وَأَشْهَرُهُم فِي هَذَا الْبَاب الْمُعْتَزِلَة، ثُم اسْتَمَرَّت مَسِيْرَة الْضَّلال يُسَلِّمُهَا ضَال إِلَى ضَال، وَيَأْخُذُهَا ضَال عَن ضَال، وَقَد افْتَرَقُوْا فِي ضَلَالِهِم إِلَى مَذَاهِب وَطَوَائِف، فَطَائِفَة تُنْكِر الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة بِجُمْلَتِهَا، مَا كَان مِنْهَا قَوْلَا، وَمَا كَان عَمَلَا، وَمَا كَان تَقْرِيْرَا، وَيَعُدُّوْن أَقْوَالِه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَأَفْعَالِه مِثْل أَقْوَال الْنَّاس وَأَفْعَالِهِم لَا صِلَة لَهَا بِالْدِّيْن مِن قَرِيْب أَو مِن بَعِيْد.
وَطَائِفَة تَأْخُذ مِن الْسُّنَّة بِمَا كَان عَمَلَا وَتُطْرَح مَا كَان قَوْلَا، دُوْن تَمْيِيْز أَو سَنَد مِن شُرَّع أَو عَقْل يُسَوِّغ هَذِه الْتَّفْرِقَة، فَإِن صَاحِب الْعَمَل هُو نَفْسُه صَاحِب الْقَوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-. وَطَائِفَة ثَالِثَة هِي أَقَل الْطَّوَائِف جُرْمَا فِي هَذَا الْبَاب، وَلَكِنَّهَا أَعَمُّهَا وَأَطْمُهَا وَأَكْثَرُهَا عَدَدَا، وَمَا ذَهَبَت إِلَيْه أَعْظَم شُيُوْعَا وذُيُوْعا، ذَلِكُم الَّذِيْن يَقُوْلُوْن لَا نَأْخُذ مِن سُنَّة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - إِلَا بِمَا تَوَاتَر قَوْلَا وَعَمَلَا، أَمَّا خَبَر الْوَاحِد فَلَا يَأْخُذُوْن بِه وَلَا يَعْتَبِرُوْنَه، وَمِن هَؤُلَاء مَن يَرْفُضُه جُمْلَة، وَمِنْهُم مَن يَرْفُضُه فِي الْعَقَائِد.
وَقَد ظَلَّت مَسِيْرَة الْضَّلال هَذِه تَنْتَقِل عَبْر الْتَّارِيْخ بِطَّوَائِفَهَا الْمُخْتَلِفَة وَعَلَى مُسْتَوَى الْأُمَّة الْمُسْلِمَة شَرْقَا وَغَرْبَا، حَتَّى كَانَت نِهَايَة الْقَرْن الْتَّاسِع عَشَر وَبِدَايَة الْقَرْن الْعِشْرِيْن، حَيْث نَبَتَت نَابِتَة سُوَء بَيْن الْمُسْلِمِيْن فِي بِلَاد الْهِنْد، وَذَلِك بُنَّشْأة مَا سُمِّي بِطَائِفَة " الْقُرآنِيُّون " تِلْك الْطَّائِفَة الَّتِي زَعَمَت الْاعْتِمَاد عَلَى الْقُرْآَن وَحْدَه، وَطُرِح الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة، وَأَخَذَت تَدْعُو إِلَى نَحَلْتُهُا بِهِمَّة وَنَشَاط تَحْت رِعَايَة الاسْتِعْمَار الْإِنْجِلِيْزِي، ثُم انْتَقَلَت مِن الْهِنْد إِلَى بَاكِسْتَان - بَعْد الْتَّقْسِيْم - تَحْت مُسَمَّى " البَرُوَيِزِّيِّين "
وَهَذِه الْطَّائِفَة هِي مَوْضُوْع بَحْثِنَا هَذَا، وَسَوْف نُبَيِّن بِشَيْء مِن الْتَّفْصِيْل تَارِيْخ نَشْأَتِهِم وَأَهَم رُؤَسَائِهِم عَلَى الْصَفَحَات الْتَّالِيَة - بِحَوْل الْلَّه تَعَالَى -.







التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» البلوتوث الامامي
»» ● ورقة من تاريخ الصفوية ●
»» تصريح واضح من الشيعة بقتل الملك عبد الله / وثائقي
»» مواعظ ودرر منثورة من دروس الشيخ محمد الشنقيطي حفظه الله
»» رد أسود السُنة على ماحدث في الملتقى الثقافي من مجون
  رد مع اقتباس
قديم 30-06-10, 07:12 PM   رقم المشاركة : 9
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road




الْمَبْحَث الْرَّابِع
الْتَّعْرِيْف بِطَائِفَة الْقُرَآنِيِّين، وَعَوَامِل نَشْأَتِهِم


وُضِع الْإِنْجِلِيْز أَيْدِيَهُم عَلَى شِبْه الْقَارَة الْهِنْدِيَّة، وَدَانَت لَهُم طَوَائِفُهَا وَفَرَّقَهَا مِن الْهِنْدَوْس وَالْبُوذيِين وَالجينِيِّين وَغَيْرِهِم مِمَّن يَدِيْنُوْن بِغَيْر الْإِسْلَام. أَمَّا الْمُسْلِمُوْن الَّذِيْن كَانُوْا يُمَثِّلُون قِلَّة فِي الْهِنْد فَلَم يُسَلّس قِيَادَهُم لِلْإِنْجِلِيْز الْمُسْتَعْمِرِيْن، وَلَم يُهَادِنُوْهُم يَوْمَا، وَذَلِك انْطِلاقَا مِن الْإِسْلَام الَّذِي يَمْنَع الْمُسْلِم مَن الْخُضُوْع وَالْإِذْعَان لِحَاكُم غَيْر مُسْلِم يَلِي أَمْر الْمُسْلِمِيْن بِالْقُوَّة وَالْجَبَرُوْت. لِذَلِك كَان الْمُسْلِمُوْن بِالْهِنْد يُمَثِّلُون لِلْإِنْجِلِيْز الْمُسْتَعْمِرِيْن قَلِقَا وَإِزِعَاجّا بَل يُمَثِّلُون خُطُوْرَة عَلَى سَلَّطْتَهُم وَبَقَائِهِم فِي تِلْك الْبِلاد، وَكَان الْمُسْلِمُوْن لَا يفتَأُون يُلَبُّون دَاعِي الْجِهَاد ضِد الْإِنْجِلِيْز، وَيَقُوْمُوْن بِالثَوْرَات الْعَدِيْدَة الَّتِي كَان أَشْهَرُهَا ثَوْرَة مَايُو مِن عَام سَبْعَة وَخَمْسِيْن وَثَمَانِمِائَة وَأَلَّف لِلْمِيْلاد.
وَقَد كَان الْإِنْجِلِيز بِالْمُقَابِل يَمْقُتُون الْمُسْلِمِيْن فَوْق مَقْتُهُم الْطَّوَائِف الْأُخْرَى، وَقَد كَانُوْا يُدَبِّرُوْن الْمُؤَامَرَات وَالْمَكَايِد ضِد الْإِسْلام وَالْمُسْلِمِيْن فِي تِلْك الْبِقَاع، وَرَغْم خُطِّط وَمُؤَامَرَات الْإِنْجِلِيْز الْكَثِيْرَة ضِد الْمُسْلِمِيْن، إِلَا أَنَّهُم تُمَيِّزُوا بِخُطَّة مُعَيَّنَة أَحْكُمُوْهَا وَبَرَعُوا فِيْهَا، وَقَد حَقَّقْت لَهُم أَغْرَاضَهُم وَأَهْدَافُهُم مِن تَفْرِيْق صُفُوْف الْمُسْلِمِيْن، وَإِضْعَاف شَوْكَتَهُم، وَبَث الْنِّزَاع بَيْن طَوَائِفَهُم. وَكَانَت خُطَّتِهِم تِلْك تَقُوْم عَلَى أَن يَستَقَطَبُوا أَشْخَاصَا مِن الْمُسْلِمِيْن، يَرَوْن فِيْهِم قَبُوْلِا لِبَيْع دِيْنَهُم وَأُمَّتِهِم مُقَابِل الْسَّلَطَة وَالْمَال، فَيُجَنْدُونَهُم لِلْعَمَل ضِد الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمِيْن، وَكَانَت خُطَّتِهِم الَّتِي يَرسَمُونَهَا لعُمَلَائِهُم وَاحِدَة، حَيْث يَبْدَأ هَؤُلَاء الْعُمَلَاء بِالْتَّظَاهُر بِالْإِسْلَام، وَالْحِرْص عَلَيْه، وَالْدَّعْوَة إِلَيْه، وَالْكِتَابَة فِيْه، حَتَّى إِذ اشْتُهِر أَمْرِهِم، وَالْتَّف الْنَّاس حَوْلَهُم. بَدَؤُوْا يُنَفِّذُون خُطَّة الْإِنْجِلِيْز، الَّتِي رَسَمُوهُا لَهُم، وُبَدَؤُوْا بِبَذْر بُذُوْر الْشَّك فِي عَقِيْدَة الْإِسْلَام، ثُم فِي شَرِيْعَتِه، ثُم - وَتَحْت دَعْوَاهُم الْحِرْص عَلَى الْإِسْلَام - يَبُثُّوْن سُمُوْمَهُم، فَمِنْهُم مَن يَدَّعِي الْنُّبُوَّة مِثْل : " مِيَرْزَا غُلَام أَحْمَد الْقَادْيَانِي " - لَعَنَه الْلَّه -، وَمِنْهُم مَّن يَدَّعِي حَب رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - فَيُخْلَع عَلَى الْنَّبِي - بِهَذِه الْحُجَّة - بَعْض صِفَات الْلَّه سُبْحَانَه، وَذَلِك مِثْل " أَحْمَد رِضَا خَان " وَمِنْهُم مَن يَدَّعِي أَنَّه مُجَدَّد الْقَرْن مِثْل : " أَحْمَد خَان " الَّذِي أَخْلَص لِلْإِنْجِلِيْز إِلَى حَد أَن بَاع دِيْنَه، وَضَحَّى بِأُمَّتِه فِي مُقَابِل وَلَائِه الْمُطْلَق لِلْإِنْجِلِيْز..
وَفِيْمَا يَلِي سَنَذْكُر أَهُم رِجَالات الْقُرَآنِيِّين فِي الْهِنْد، مَع ذِكْر نُبْذَة عَن تَارِيْخ كُل مِنْهُم، وَأَهَم آَرَائِه.

أَوَّلَا : الْسَّيِّد أَحْمَد خَان :
وَتَارِيْخ مُنْكِرِي السُّنَّة فِي شِبْه الْقَارَة الْهِنْدِيَّة فِي الْعَصْر الْحَدِيْث يَبْدَأ بِهَذَا الْرَّجُل : " سِيَر أَحْمَد خَان " أَو " الْسَّيِّد أَحْمَد خَان " بَل إِن تَارِيْخ الْكَثِيْر مِن صُوَر الْخِيَانَة لِلْإِسْلام وَالْمُسْلِمِيِن، وَابْتِدَاع الْآَرَاء الْشَّاذَّة الْمُخَالَفَة لِمَا عَلَيْه الْقُرْآَن وَالْسَّنَة وَإِجْمَاع الْأُمَّة، مِمَّا كَان سَبَبَا فِي تَفْرِيْق الْأُمَّة، وَتَشْتِيت جُهُوْدَهُا ضِد الْإِنْجِلِيْز أَعْدَاء الْإِسْلَام، يَرْجِع إِلَى هَذَا الْرَّجُل " الْسَّيِّد أَحْمَد خَان "( ) وَبِالتَّالِي؛ يَرْجِع إِلَيْه حَرَكَات مُمَالَأَة الْمُسْتَعْمِر الْإِنْجِلِيْزِي، وَمُهادَنَتِه، بَل مُعَاوَنَتُه وَمُوَالَاتُه، وَالْدَّعْوَة إِلَى الْسَّيْر فِي رِكَابِه وَالِاغْتِرَاف مِن ثَقَافَتِه، وَالْتَّمَثُّل بِه فِي الْشُّؤُوْن الْحَيَاتِيّة كَافَّة، يَرْجِع كَل هَذَا إِلَى هَذَا الْرَّجُل الَّذِي قَضَى حَيَاتَه فِي خِدْمَة الْإِنْجِلِيْز، وَالْدَّعْوَة إِلَى مُسَالَمَتِهِم وَمُعَاوَنَتِهِم، وَقَد اقْتَدَى بِه الْكَثِيْرُوْن فِي ذَلِك مِمَّا جَعَل مِحْنَة الْأُمَّة بِهَذَا الْرَّجُل أَعْم وَأَطَم.
وَفِيْمَا يَتَّصِل بِمَوْضُوْعِنَا ؛ فَقَد كَان هَذَا الْرَّجُل مُكْثِرِا مِن الْكِتَابَة وَالتَّأْلِيْف، وَكَان مِن تَأْلِيْفِه مَا أَسْمَاه تَفْسِيْرا لِلْقُرْآن وَقَد نُهِج فِي تَفْسِيْرِه نَهْجَا يُخَالِف الْقُرْآَن نَفْسَه وَالْسَّنَة وَإِجْمَاع الْأُمَّة، وَيُخَالِف الْمَنْهَج الْعِلْمِي فِي أَبْسَط صُوْرَه. حَيْث اعْتَمَد فِي تَفْسِيْرِه الْقُرْآَن عَلَى عَقْلِه وَهَوَاه الَّذِي يُتَحَكَّم فِي عَقْلِه، وَجَاء بِسَبَب ذَلِك بِآراء خَالَف بِهَا مُسَلَّمَات الْدِّيْن، وَعَقَائِدِه وَشَرَائِعِه، وَبِذَلِك خَرَج عَلَى إِجْمَاع الْأُمَّة، بَل اعْتَمَد فِي تَفْسِيْرِه أُسْلُوبَا خَالَف فِيْه أَسَالِيْب الْلُّغَة الَّتِي نَزَل بِهَا الْقُرْآَن، وَلَم يَعْبَأ بِدِلالَات الْأَلْفَاظ، بَل أَخْضَع كُل ذَلِك لِهَوَاه وَأَغْرَاضِه مِن إِفْسَاد الْدِّين، وَإِبْطَال الْشَّرْع، وَمِن ذَلِك أَنَّه أَنْكَر الْغَيْب وَمِنْه الْمَلَائِكَة وَالْجِن وَالْشَّيَاطِيْن، وَفِي سَبِيِل إِنْكَارُهَا تَأَوَّل الْآَيَات الْقُرْآنِيَّة الَّتِي وَرَد فِيْهَا ذِكْر الْمَلَائِكَة وَالْجِن وَالْشَّيَاطِيْن، فَأَوَّل الْمَلَائِكَة بِأَنَّهَا عَنَّاصِر الْطَّبِيْعَة وَقِوَاهَا مِن رِيْح وَمَطَر وَبَرَاكِيْن .. وَأَوَّل الْجِن بِأَنَّهُم سُكَّان الْغَابَات وَالْصَّحَارِي وَالَّذِين يُزَاوِلُوْن أَنْشَطَتِهِم فِي ظَلَام الْلَّيْل فَلَا يَرَاهُم أَحَد، كَمَا أَوَّل الْشَّيَاطِيْن بِأَن الْمُرَاد بِهَا شَهَوَات الْنَّفْس وَأَهْوَاؤُهَا، وَكَان اعْتِمَادُه هَذَا الْمَنْهَج الَّذِي يُخَالِف أَسَالِيْب الْلُّغَة الْعَرَبِيَّة وَدَلَالَات أَلْفَاظِهَا قُائِمَا عَلَى أَسَاس جُرْم آَخَر ارْتَكَبَه فِي حَق الدَّيْن، وَهُو زَعْمِه أَن الْقُرْآن الْعَظِيم لَم يُنَزِّل عَلَى رَسُوْل الْلَّه مُحَمَّد - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - بِأَلْفَاظِه وَمَعَانيَه، بَل إِنَّه نَزَل بِالْمَعْنَى فَقَط، بِمَعْنَى أَن الْلَّه - تَعَالَى - قَذَف بِمَعَانِي الْقُرْآَن فِي قَلْب مُحَمَّد - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - ثُم صَاغَهَا مُحَمَّد - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - فِي أَلْفَاظ مِن عِنْدِه، وَبِذَلِك جَعَل الْقُرْآَن مَثَل الْسُّنَّة، فِي أَن الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم -، أَلَهُم مَعْنَاه فَقَط، ثُم صَاغَه هُو بِأَلْفَاظ مِن عِنْدَه .. وَهَذَا - وَغَيْرِه - مِمَّا وَقَع فِيْه " أَحْمَد خَان " تُسَبِّب فِي ثَوْرَة الْعُلَمَاء ضِدَّه، وَفِي رَمْيَهُم إِيَّاه بِالْكُفْر، فَكَان هَذَا - مِن جَانِب آَخَر - سَبَبا فِي انْفِلَات أَمْرِه، وَانْطْلاقِه فِي غِوَايَاتِه وَضَلالاتِه إِلَى الْمُنْتَهَى الَّذِي وَصَل إِلَيْه.
أَمَّا فِيْمَا يَتَعَلَّق بِالْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة ؛ فَقَد وَضَع الْرِّجْل الْأَسَاس لِلَّذِيْن أَتَوْا مِن بَعْدِه فِي إِنْكَار الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة، وَالشَّغَب عَلَيْهَا، وَالْزَّعْم بِأَن الْقُرْآَن كَاف، وَالْطَّعْن فِي أَنَّهَا مِن وَضْع رُوَاتِهَا إِلَى غَيْر ذَلِك .. وَنَسْتَطِيْع أَن نُوْجِز أَهُم الْآَرَاء الَّتِي جَاء بِهَا الْرَّجُل بِالْنِّسْبَة لِلْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة فِيْمَا يَلِي :
1- أَوَّل كُل مَا جَاء فِيْهَا عَن الْجَن وَالْمَلائِكَة وَالْشَّيَاطِيْن، وَعَن الْجَنَّة وَالْنَّار، بِتَأْوِيْلات أَدَّت إِلَى إِنْكَارِهَا جُمْلَة عَلَى مَا قَد أَشَرْنَا إِلَيْه عِنْد حَدِيَثُنا عَن تَفْسِيْرِه الْقُرْآَن الْكَرِيْم.
2- ادَّعَى أَن الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة لَم تُدَوَّن لِأَمَد طَوِيْل، ظَلَّت ذَلِك الْأَمَد حَبِيّسَة الْصُّدُوْر، مِمَّا هَيَّأ الْأَمْر لِلْزِّيَادَة عَلَيْهَا وَالْنَّقْص مِنْهَا وَتَغْيِيْر مُحْتَوَاهَا، وَوَضَع الْكَثِير مِنْهَا، وَنِسْبَة الْكُل إِلَى رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مِمّا أَفْقَد الثِّقَة فِي جَمِيْعِهَا، وَجَعَل الْشَّك يَشْمَلُهَا كُلَّهَا.
3- بِنَاء عَلَى الْأَمْر الْسَّابِق ؛ فَقَد جَعَل الْرَّجُل كُل مَا وَرَدَت بِه الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة مِن أَوَامِر وَنَوَاه، وَأَخْبَار وَأَحْكَام، جَعَل كُل ذَلِك أُمُوْرَا اسْتِنْباطِيّة مِن عُلَمَاء الْحَدِيْث وَشُرَّاح الْسُّنَّة وَفُقَهَاء الْمَذَاهِب، وَمِن ثَم لَا يَلْزَم الْمُسْلِم الْأَخْذ بِهَا، أَو الالْتِزَام بِمَا فِيْهَا، وَذَلِك لِأَمْرَيْن ؛ الْأَوَّل : الْشَك فِي نِسْبَة الْأَحَادِيْث إِلَى رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - لِطُوْل الْفَتْرَة الَّتِي تُرِكَت فِيْهَا بِلَا تَدْوِيْن - كَمَا بَيَّنَّا قَبْلِا -، وَالْثَّانِي : لِاحْتِمَال أَلَّا يَكُوْن الْعُلَمَاء قَد فَهِمُوْا مَقْصُوْد الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - مِن هَذِه الْأَحَادِيْث، فَيَكُوْنُوْن قَد بَنَوْا أَحْكَامِهِم عَلَى فَهْم خَاطِئ فَجَاءَت الْأَحْكَام خَاطِئَة.
4- وُضِع الْرَّجُل مَقَايِيس مِن عِنْدَه لِبَيَان الْحَدِيْث الَّذِي يُؤْخَذ بِه وَيَعْتَمِد، وَقَد تَوَخَّى أَن تَكُوْن تِلْك الْمَقَايِيْس مُبْطِلَة لِلْسُّنَّة فِي جُمْلَتِهَا، فَلَا تَكَاد تِلْك الْمَقَايِيْس الْمُتَعَنِّتَة تَنْطَبِق عَلَى حَدِيْث وَاحِد أَو بَضْعَة أَحَادِيْث، هَذَا إِذَا صَدَقْت النِّيَّة فِي تَطْبِيْقِهَا، أَمَّا إِذَا أَخَذْنَا فِي الِاعْتِبَار تَكَلُّفِهِم وَتَعَنُّتِهِم فِي الْتَّأْوِيْل وَالْخُرُوْج عَلَى مُقْتَضَيَات الْلُّغَة، فَإِن مَقَايِيس الْرَّجُل تُزْرِي بِالْسُّنَّة جَمِيْعَهَا، وَهَذِه الْمَقَايِيْس :
أ - أَن يَكُوْن الْحَدِيْث الْمَرْوِي هُو قَوْل الْرَّسُوْل - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - بِالْجَزْم وَالْيَقِين.
وَهَذَا الْمِقْيَاس دُوْن إِقْنَاعَهُم بِه خَرْط الْقَتَاد، حَيْث إِنَّهُم يَطْعَنُون فِي الْمُتَوَاتِر، فَمَا بَالُنَا بِغَيْرِه؟
ب - أَن تَكُوْن هُنَاك شَهَادَة تَثْبُت أَن الْكَلِمَات الَّتِي أَتَى بِهَا الْرَّاوِي هِي عَيْن الْكَلِمَات الَّتِي نُطْقِهَا الْنَّبِي فِعْلَا.
ج- أَلَّا يَكُوْن لَأَلْفَاظ الْحَدِيْث الَّتِي أَتَى بِهَا الْرُّوَاة مَعَان سِوَى مَا أَتَى بِه شُرَّاح الْحَدِيْث، وَبَنَى عَلَيْه الْفُقَهَاء أَحْكَامِهِم.
وَهَذَا الْآَخَر مِن أَعْظَم مَعَاوِل الْهَدْم لِلْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُشَرَّفَة، حَيْث إِنَّه مَا مِن لَفْظ مِن أَلْفَاظ الْلُّغَة الْعَرَبِيَّة إِلَّا وَلَه عِنْدَهُم مَعَان وَتَأْوِيْلَات لَا تَكَاد تُحْصَى، وَلَا يَحْكُمُهَا وَيُوَجِّهَهَا إِلَا هَوَاهُم الْضَّال وَأَغْرَاضِهِم الْخَبِيْثَة. ( ).

ثَانِيَا : عَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي
هُو مُوَلُوي - الْشَّيْخ - عَبْد الْلَّه بْن عَبْد الْلَّه الجَكْرَالوَي، نِسْبَة إِلَى بَلْدَة ( جَكْرَالَة ) الَّتِي وُلِد بِهَا، وَهِي إِحْدَى قُرَى إِقْلِيْم " البِنْجَاب " بِبَاكِسْتَان حَالِيّا، وَعَاصِمَتُه " لَاهُور ". وَقَد وُلِد عَبْد الْلَّه حَوَالَي 1830م. فِي أُسْرَة عِلْم وَدِيْن، وَكَان وَالِدُه يَتَّبِع مَشْيَخَة إِحْدَى الْطُّرُق، فَلَمَّا وُلِد ابْنَه وَسَمَّاه عَبْد الْلَّه، حَمَلَه إِلَى شَيْخ الْطَّرِيْقَة فَبَارَكَه وَدَعَا لَه وَسَمَّاه : " غُلَام نَبِي " أَي خَادِم الْنَّبِي، أَو " عَبْد الْنَّبِي ".
وَمَن عَجِيْب أَن يَتَحَوَّل هَذَا الَّذِي سَمَّى " عَبْد الْنَّبِي " - نَعُوْذ بِالْلَّه مِن عُبُوْدِيَّة لِغَيْرِه سُبْحَانَه - إِلَى عَدُو لِلْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَيُعْلِن الْحَرْب عَلَى رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَعَلَى سُنَّتــه، وَيَخْلَع طَاعَتــه، وَيُصْبِح فِي رَأْس قَائِمَة مُنْكِرِي الْسِّنــة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة .. ] وَالْلَّه غَالِب عَلَى أَمْرِه وَلَكِن أَكْثَر الْنَّاس لَا يَعْلَمُوْن [ ( يُوَسُف:21).
وَقَد تَلْقَى " عَبْد الْلَّه جَكَرا لَوْي " عُلُوْمِه بِالمَدارِس الْأَهْلِيَّة، ثُم سَافَر بَعْد ذَلِك إِلَى مَدِيْنَة " دِهْلِي " حَاضِرَة الْهِنْد لِدِرَاسَة الْحَدِيْث الْشَّرِيف وَالتَّخَصُّص فِيْه، وَبَعْد أَن أَتَم دِرَاسَتُه، وَلَمَس مِن الْقُدْرَة عَلَى تَدْرِيْس الْحَدِيْث وَتَعْلِيْمِه الْآَخِرِين عَاد مَن " دِهْلِي " مُدَرِّسَا وَمَعْلَمَا، ثُم دَخَل مَجَال الْتَّأْلِيْف وَالْكِتَابَة فِيْمَا تَلْقَاه وَتُخَصِّص فِيْه مِن عُلُوْم الْحَدِيْث الْشَّرِيف. وَقَد ظَل عَلَى ذَلِك زَمَانَا يُزَاوْل تَعْلِيْم الْحَدِيْث وَخِدْمَة الْسُّنَّة تَّعْلِيْمَا وَتَأْلِيْفا وَمُنَاظَرَة مَع الْآَخَرِيْن.
بِدَايَّة انْحِرَافِه :
ظَل عَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي عَلَى اشْتِغَالِه بِالْحَدِيْث حَتَّى اصْطَدَم بِبَعْض مُشْكِلَات مِن مُتَشَابِه الْحَدِيْث الْشَّرِيف، فَخَرَج عَلَى الْنَّاس بِعَقِيْدَتِه الْجَدِيْدَة الَّتِي أَعْلَن عَن شِعَارُهَا بِمَقَولتِه الْشَّهِيْرَة " هَذَا الْقُرْآَن هُو وَحْدَه الْمُوْحَى بِه مِن عِنْد الْلَّه - تَعَالَى - إِلَى مُحَمَّد - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - أَمَّا مَا عَدَاه مِن الْسُّنَّة فَلَيْس بَوْحِي " ثُم شَرَع فِي تَحْقِيْق مَذْهَبِه الْجَدِيْد وَشَرْحِه، وَالْدَّعْوَة إِلَيْه، وُمُحَاوَلَة اكْتِسَاب الْأَنْصَار لَه ..

وَمِن الْوَاضِح أَن عَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي لَم يَنْتَقِل مِن الْشَّيْء إِلَى نَقِيَّضِه، أَو مِن مُنَاصِر لِلْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة وَدَاع إِلَيْهَا، وَشَيْخ مِن شُيُوْخ جَمَاعَة " أَهْل الْحَدِيْث " بِالْهِنْد إِلَى عَدُو لِلْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة، طَاعِن فِيْهَا، دَاع إِلَى نَبَذَهَا وَعَدَم اعْتِبَارِهَا، دُفْعَة وَاحِدَة، أَو فِي لَحْظَة مُفَاجِئَة، بَل الْغَالِب الْمَقْبُوْل - طَبْعَا - أَن الْرَّجُل رَاوَدَتُّه أَفْكَار وَخَوَاطِر، وَعَاوَدَتْه شِبْه وَمُشْكِلَات لَبَّسْت عَلَيْه الْحَق، وَأَضَّلْتِه عَن الْسَّبِيل الْسَّوِي فِي الْبَحْث عَن الْحَق فِيْمَا يُقَابِلُه مِن مِثْل هَذَا، وَمَن قَبْل ذَلِك سَبْق فِيْه قَدْر الْلَّه - عَز وَجَل - فَأَضَلَّه شَيْطَانُه، وَأَسْلَم قِيَادَه لِهَوَاه، وَجَاءَت الْلَّحْظَة الَّتِي لَم تَكُن مُفَاجِئَة لَه، وَلَكِنَّهَا كَانَت مُفَاجِئَة لِلْنَّاس الَّذِيْن عَرَفُوْه نَصِيْرا لِلْسُّنَّة، فَإِذَا هُم يُفَاجَؤُوْن بِه عَدُوّا لِلْسُّنَّة، وَمَن قَبْل ذَلِك عَدُوّا لِّلّه وَرَسُوْلَه وَالْمُؤْمِنِيْن.
وَهَذَا الَّذِي نَرَاه مِن أَن انْقِلَاب الْرَّجُل لَم يَأْت فَجْأَة أَو مِن فَرَاغ، هُو الَّذِي يَتَّفِق مَع الْوَاقِع وَمَنْطِق الْأَحْدَاث، فَإِن الِانْقِلاب مِن الْشَّيْء إِلَى نَقِيَّضِه فِي الْأُمُور الْخَطِيْرَة وَالْمَصيرِيّة لَا يَصِل إِلَيْه الْإِنْسَان مِن مُنْفَرَج وَاسِع، بَل يَصِل إِلَيْه مِن سَم الْخِيَاط.
صِلَة عَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي بِالْإِنْجِلِيْز :
يَبْدُو أَن انْقِلَاب الْرَّجُل مِن مُنَاصِر لِلْإِسْلَام إِلَى عَدُو لِلْإِسْلام وَالْمُسْلِمِيِن، قَد لَفَّت أَنْظَار الْمُسْتَعْمِرِيْن الْإِنْجِلِيْز إِلَيْه، وَمَا كَان لِعَيْن الْإِنْجِلِيْز الْفَاحِصَة الْبَاحِثَة عَن أَعْدَاء الْإِسْلام وَالْمُسْلِمِيْن لتُسْتِغَلَهُم وَتَوَجُّهِهِم وَتَرْعَاهُم لِتُخْطئ هَذَا الْرَّجُل، وَقَد لُفَّت الْأَنْظَار إِلَيْه بِانْقِلَابِه الْهَائِل الْمُفَاجِئ لِلْنَّاس، وَبِذَلِك بَدَأَت صِلَتِه بِالْإِنْجِلِيْز وَاسْتِغْلَالِهِم إِيَّاه، وَنَحْن لَا نَدْرِي أَكَانَت صِلَتِه بِهِم هِي الَّتِي سَاعَدَت عَلَى انْقِلَابِه ضِد سُنّة الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَالْإِسْلَام، أَم أَن انْقِلَابِه هُو الَّذِي أَهْلِه لِهَذِه الْصِّلَة الْضَّالَّة؟
وَمِن عَجَب أَن تَخْتَلِف بَعْض الْآَرَاء حَوْل هَذِه الصَّلَة، حَتَّى إِن الْبَعْض يُنْكِرُهَا، وَالْبَعْض يُشَكِّك فِيْهَا، مَع أَن سِيْرَة الْإِنْجِلِيْز وَمَنْهَجُهُم بِالْهِنْد، وَعَبَر مِئَات الْأَشْخَاص مِن أَمْثَال عَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي تُؤَكِّد أَنَّهُم وَرَاء كُل شَخَص مِن هَؤُلَاء، بَل إِنَّهُم يَبْحَثُوْن عَنْهُم وَيُشَكِّلُون فِكْرِهِم وَاتِّجَاهَاتِهِم، وَهَذَا الْرَّجُل جَاءَهُم لُقْمَة سَائِغَة، وَصَنِيْعَة سَهْلَة، وَكَان الْرَّجُل - مِن جَانِب آَخَر - يَرْفُل فِي بَحْر مِن الْأَمْوَال وَالْنَّفَقَات الَّتِي كَان يَحْتَاجُهَا لِطَبْع كُتُبِه وَمُؤَلَّفَاتِه الْعَدِيدَة ..
لَكِن الْتَّشْكِيْك فِي هَذِه الصَّلَة بَل إِنْكَارُهَا جَاء مِن أَنْصَار " عَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي "، وَمَن يَدِيْنُوْن بِمُعْتَقَدِه، وَيَسِيْرُوْن عَلَى مَنْهَجِه فِي مُعَادَاة الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة، وَمَقْت الْإِسْلام وَأَهْلَه، وَذَلِك أَمْر طَبِيْعِي، بَل إِن إِنْكَار أَنْصَارِه هَذِه الصَّلَة لَهُو دَلِيْل عَلَى وُجُوْدِهَا، وَإِن الْمُرِيب يَكَاد يَقُوْل خُذُوْنِي، وَهَل كَان يَنْتَظِر مَن أَنْصَارِه الَّذِيْن يُشَارِكُوْنَه نَفْس الْنَّقِيِّصَة وَالْضَّلالَة، أَن يُقِرُّوْا بِهَذِه الْصِّلَة، وَهِي كَفِيْلَة بِصَرْف الْنَّاس مِن حَوْلِهِم، وَانْفِضَاض الْأَنْصَار عَنْهُم ؟.
وَلِذَلِك نَرَى عَلَى رَأْس الَّذِيْن يُنْكِرُوْن هَذِه الصَّلَة " غُلَام أَحْمَد بَرْوِيز " الَّذِي تَلْقَى ضَلَالَة إِنْكَار الْسُّنَّة، وَوَرِث هَذَا الاتِّجَاه الْضَّال عَن كُل الْقَائِلِيْن بِه فِي الْهِنْد، وَتَوَلَّى كَبُر نَشْرُه فِي بَاكِسْتَان، وَمَا تَزَال نَحَلْتُه الْفَاسِدَة عَلَى الْسَّاحَة، هَذَا الْرَّجُل يُنْكِر صِلَة " عَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي " أُسْتَاذِه فِي الضَّلَالَة فَيَقُوْل : " إِن الْمِيَرْزَا غُلَام أَحْمَد الْقَادْيَانِي كَان مِن الْبُذُور الَّتِي بِذْرَتُهُا الْحُكُومَة الْبِرِيطَانِيَّة، وَإِن دَعْوَتِه جَاءَت مِن صَمِيْم الْنِّدَاء الْإِنْجِلِيْزِي ،بَيْنَمَا نَرَى عَبْد الْلَّه سَلِيْم الْنِّيَّة اكْتَوَى بِنَار مَا أُصِيْب بِه الْإِسْلَام فِي عَصْرِه مِن الْفِرَق الْمُتَعَدِّدَة "( ).
" لَكِن الْمُحَقِّقِيْن مِن أَمْثَال " مُحَمَّد عَلِي قُصُوْري " يَرَى أَن الْحُكُوْمَة الْبِرِيطَانِيَّة كَان لَهَا يَد وَرَاء الْحَرَكَتَيْن : الْقَادِيَانِيَّة، وَالجَكْرَالْوّيّة. حَيْث يَقُوْل " إِن الْحُكُومَة الْبِرِيطَانِيَّة تَمَكَّنْت مِن اصْطِيَاد بَعْض الْشَّخْصِيَّات الْإِسْلَامِيَّة، وَإِيْقَاعُهَا فِي شَبَكَة الْتَّحْرِيْف ضِد الْإِسْلَام، فَحَرَضَتِهُم عَلَى الْقِيَام بِأَعْمَال تَفْقِد الثِّقَة فِي الْسَّنَة الْنَّبَوِيَّة الْشَّرِيِفَة، وَكَان عَلَى رَأْس هَؤُلَاء جَمِيْعَا " عَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي " وَقَد اخْتَارَه الْمَسِيحِيُّون - الْنَّصَارَى - لِأَدَاء هَذِه الْمُهِمَّة، فَرَفَع صَوْتَه بِإِنْكَار الْسُّنَّة كُلَّهَا، وَأَخَذ يَدْعُو إِلَى هَذَا الْمَشْرُوْع الْهَدَّام، فَأَخَذْت رَسَائِل الْتَّأْيِيْد تَصِل إِلَيْه مِن الْمُبَشَّرِيْن الْمَسِيحِيِّيْن - الْمُنَصِّرِيِن - وَتُعِدُّه بِالمُسَاعدَّات الْمَالِيَّة، وَتَشْكُرَه عَلَى هَذَا الَمَجْهُود الْجَبَّار "( ).
جُهُوْد الْعُلَمَاء ضِدَّه :
بَدَأ عَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي حَرَكَتِه ضِد الْإِسْلَام فَأَنْكَر الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة جَمِيْعَهَا، وَأَلَّف جَمَاعَة سَمَّاهَا " أَهْل الْذِّكْر وَالْقُرْآَن " وَكَان هُو رَئِيْس هَذِه الْجَمَاعَة، وَنَشَط بِشَكْل مُكَثَّف بِالْدَّعْوَة إِلَى نِحْلَتِه الضَّالّة الَّتِي تَقُوْم عَلَى نُبَذ الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة، وَالْزَّعْم بِأَن الْقُرْآَن كَاف فِي قَضَايَا الْدِّيْن وَأَحْكَام الْشَّرِيِعَة، وَأَلِّف فِي ذَلِك الْكِتَب الْكَثِيْرَة، وَكَان مَقَر دَعْوَتِه مَدِيْنَة " لَاهُور " وَهِي فِي ذَلِك الْوَقْت - بَل فِي كُل وَقْت - حَاضِرَة الْعِلْم وِالْعُلَمَاء.
لِذَلِك كَان لَه الْعُلَمَاء بِالْمِرْصَاد، حَيْث صَارُوْا يُفَنِّدُون آراءَه، وَيَنْشُرُوْن الْمَقَالَات ضِد نَحَلْتُه، شَارِك فِي ذَلِك الْعُلَمَاء عَلَى الْأَصْعِدَة كَافَّة وَعَلَى مَنَابِر الْمَسَاجِد، وَقَامَت مَجَلَّة " إِشَاعَة الْسُّنَّة " - نَشَر الْسُّنَّة - بِالْدَّوْر الْأَهَم وَالْأَكْثَر تَأْثِيْرا، حَيْث جُمِعَت آراءَه الْضَّالَّة، وَفَنَّدَتُّهَا،وَبَيِّنَت مَا فِيْهَا مِن كُفْر وَفُسُوْق عَن الْمِلَّة، ثُم وَضَعْتَهَا عَلَى بِسَاط الْبَحْث بَيْن أَيْدِي الْعُلَمَاء، وَوَجَّهْت النِدَاءَات إِلَى جَمِيْع الْعُلَمَاء لِإِبْدَاء آَرَائِهِم، وَإِصْدَار أَحْكَام الْشَرِيعَة فِي هَذَا الَّذِي يَعْتَنِق مِثْل هَذِه الْآَرَاء الْكُفْرِيَّة وَهَل يَكُوْن مُؤْمِنَا مُسْلِما مَع اعْتِنَاقِه هَذِه الْأَفْكَار الَّتِي تَقُوْم عَلَى الْكُفْر بِالْسُّنَّة كُلِّهَا ؟ ..
فَمَا كَان مِن الْعُلَمَاء إِلَا أَن أَفْتَوْا بِكُفْرِه وَّفُسُوقِه عَن الْإِسْلَام. أَفْتَى بِذَلِك الْكَثْرَة الْكَاثِرَة مِن عُلَمَاء الْهِنْد بِأَقْطَارِهَا كَافَّة.. ثُم قَامَت الْمَجَلَّة " إِشَاعَة الْسُّنَّة " نَفْسَهَا بِنَشْر عَشَرَات الْتَّوْقِيْعَات لِعُلَمَاء الْدِّيْن الْمَشَاهِيْر فِي الْهِنْد الَّذِيْن يُعْلِنُوْن أَن " عَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي " كَافِر بِالْدِّيْن، مَقْطُوْع الْصِّلَة بِالْإِسْلَام، خَارِج عَن جَمَاعَة الْمُسْلِمِيْن .
لَكِن الْرَّجُل ظَل عَلَى ضَلَالَتِه مِن الْكُفْر بِسُنَّة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَالْدَّعْوَة إِلَى نَبَذَهَا وَعَدَم الْعَمَل بِهَا، حَتَّى أَخَذَه الْمَوْت سُنَّة أَرْبَع عَشْرَة وَتِسْعِمَائَة وَأَلْف، بَعْد عُمْر طَوِيْل قَضَاه فِي حَرْب الْلَّه وَرَسُوْلَه وَالْإِسْلَام عَلَيْه مِن الْلَّه مَا يَسْتَحِق.

ثَالِثَا : أَحْمَد الْدِّيْن الْأَمْرِتْسِرِي
هُو الخَاجَة أَحْمَد الْدِّيْن بْن خَاجَة مَيَان مُحَمَّد بْن مُحَمَّد إِبْرَاهِيْم الْأَمْر تَسْرِي. نِسْبَة إِلَى مَدِيْنَة " أمْرَتَسر " الَّتِي وُلِد بِهَا سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْن وَثَمَانِمِائَة وَأَلَّف لِلْمِيْلاد، وَبَعْد وِلَادَتِه حَمَلَه وَالِدِه إِلَى شَيْخِه فَمَسَح الْشَّيْخ رَأْس الْطِّفْل وَدَعَا لَه وَسَمَّاه بِاسْمِه هَذَا .. وَقَد بَدَأ أَحْمَد الْدِّيْن تَعْلِيْمِه بِالْقُرْآَن الْمَجِيْد، ثُم الْعُلُوم الْدِّيْنِيَّة عِنْد بَعْض الْمُشْتَغِلِيْن بِذَلِك، ثُم الْتَحَق بِمَدْرَسَة الْمُبَشِّرِيْن - الْمُنَصِّرِيِن - فَدَرَس هُنَاك كِتَاب الْنَّصَارَى الْمُقَدَّس وَبَعْض الْعُلُوم الْعَصْرِيَّة - ثُم اعْتَمَد بَعُد ذَلِك عَلَى جُهُوْدِه الْخَاصَّة فِي اكْتِسَاب الْعُلُوم وَالْمَعَارِف، مِمَّا مَكَّنَه مِن تَحْصِيْل كَثِيْر مِن الْعُلُوم الْحَدِيْثَة كَالْتَّارِيْخ وَالْجُغْرَافْيَا وَالْفُلْك وَالْاقْتِصَاد وَالْمَنْطِق وَالْرِّيَاضِيَّات بِجَانِب الْعُلُوم الْإِسْلَامِيَّة الَّتِي كَانَت عِنَايَتُه الْأُوْلَى، كَذَلِك كَان يُجِيْد الْعَرَبِيَّة وَالْإِنْجِلِيْزِيَّة وَالْفَارِسِيَّة وَالْأَرْدِيَة وَبَعْض الْلَّهَجَات الْإِقْلِيمِيَّة.
صِلَتِه بِالْقُرَآنِيِّين الْسَّابِقِيْن عَلَيْه :
كَان لِلخَاجَة أَحْمَد الْدِّيْن صِلَة وَثِيْقَة بِأَفْكَار الْقُرَآنِيِّين - مُنْكِرِي الْسُّنَّة - الْسَّابِقِيْن عَلَيْه، حَيْث قَرَأ لَهُم، وَاتَّصَل بِمَن كَان حَيّا مِنْهُم، وَأَخَذ عَنْهُم وَتَأَثَّر بِهِم إِلَى حَد أَن الْسَّابِقِيْن عَلَيْه هَم الَّذِيْن وَضَعُوُا لَه نَهْج حَيَاتِه وَوَجَّهُوْا أَفْكَارَه .. فَقَد أَخَذ عَن " الْسَّيِّد أَحْمَد خَان " إِنْكَار الْسُّنَّة، وَاتَّصَل بِعَبْد الْلَّه جَكْرَالَوِي عَبْر زِيَارَات مُتَوَالِيَة، وَأَخَذ عَنْه أَفْكَارَه، وَكَان أَشَد مَكْرَا مِن عَبْد الْلَّه، حَيْث كَان يَنْصَحُه بِعَدَم الْتَّصْرِيح بِإِنْكَارِه لِلْسُّنَّة، وَاخْتِرَاع الْفَرَائِض وَالْعِبَادَات الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا الْمُسْلِمُوْن زَاعَمَا أَنَّه اسْتَّقَّاهَا مِن الْقُرْآَن، كَذَلِك كَانَت لَه صِلَة بِمُحَمَّد إِقْبَال، وَكَان كَثِيْر الاجْتِمَاع بِه، وَالْمُبَاحِثَة مَعَه، مِمَّا أَلْقَى ظِلِّالَا عَلَى مُحَمَّد إِقْبَال تَوَهُّم تَأَثُّر إِقْبَال بِفِكْر الْقُرَآنِيِّين، وَأَنَّه مَال مَعَهُم إِلَى إِنْكَار الْسُّنَّة .. كَذَلِك كَانَت لَه صِلَة بِمِيرْزا غُلَام أَحْمَد الْقَادْيَانِي مُؤَسِّس الْدِّيَانَة الْقَادِيَانِيَّة، وَمَن الْمَأْثُوْر أَنَّه لَم يَكُن يُشَدِّد الْنَّكِيْر عَلَى الْقَادْيَانِي وَلَا غَيْرِه، بَل كَان يَحْضُر لَه دُرُوْسَه وَلِغَيْرِه مِمَّن يُخَالِفُوْنَه الْفِكْر وَالْعَقِيدَة.
دَعْوَتُه إِلَى نِحْلَتِه :
بَدَأ الخَاجَة أَحْمَد الْدِّيْن نَشَاطَه بِالْتَّدْرِيس وَالْكِتَابَة، وَكَان يَتَّسِم بِالَّلِّيْن وَالْهُدُوء، مِمَّا جَعَل الْكَثِيْرِيْن يُقْبَلـوَن عَلَى سَمَاعِه وَحُضُوْر دَرْسِه، ثُم دَعَا إِلَى تَّأْسِيْس جَمَاعَتِه الْخَاصَّة وَسَمَّاهَا : "أُمَّة مُّسْلِمَة " ثُم أَنْشَأ مَجَلَّة تَتَكَلَّم بِاسْم الْجَمَاعَة وَتُنْشَر أَفْكَارُهَا وَآرَاءَهَا، مِمَّا جَعَل الْكَثِيْرِيْن يَنْضَمُّون لِجَمَاعَتِه مُتَأَثِّرِين بِأُسْلُوبِه الْهَادِئ، وَبِخَاصَة أَنَّه لَم يَكُن يُصَرِّح بِمَا يَصْدُم الْمُسْلِم، بَل كَان يَمِيْل إِلَى الْتَّوْرَية وَعَدَم الْمُوَاجَهَة، إِضَافَة إِلَى لَيْنُه وِّهُدَوَء أُسْلُوْبِه، وَقُدْرَتِه عَلَى الْإِقْنَاع. مِمَّا كَان لَه الْأَثَر فِي انْضِمَام فِئَات الْمُثَقَّفِيْن مِن أَسَاتِذَة الْجَامِعَات وَالْمُدَرِّسِيْن وَالْقُضَاة وَغَيْرِهِم إِلَى جَمَاعَتِه، وَحَمَاسَتِهِم لِنَشْر أَفْكَارَه بِالْكِتَابَة وَالتَّأْلِيْف وَالْنَّشْر، كُل هَذِه الْعَوَامِل جُعِلْت الْمُنَاخ مُوّاتيّا لِنَشْر أَفْكَار " خَاجَة أَحْمَد الْدِّيْن " وَكَثْرَة أَتْبَاعِه.
وَقَد تُوُفِّي خَاجَة أَحْمَد الْدِّيْن فِي يونِيْه سُنَّة سِت وَثَلَاثِيَن وَتِسْعِمَائَة وَأَلْف لِلْمِيْلاد.

رَابِعَا : غُلَام أَحْمَد بَرْوِيز
هُو غُلَام أَحْمَد بَرْوِيز بْن فَضْل دِيَن بْن رَّحِيْم بَخْش. وُلِد فِي يُوَلِّيَه مِن عَام ثَلَاثَة وَتِسْعِمَائَة وَأَلْف لِلْمِيْلاد بِالْجَانِب الْهِنْدِي مِن إِقْلِيْم البِنْجَاب. وَقَد تَلْقَى عُلُوْمِه الْدِّيْنِيَّة عَلَى يَد جَدِّه، ثُم أَكْمَل بِالمَدارِس الْنِّظَامِيَّة، وَقَد اتَّجِه إِلَى الْوَظَائِف الْحُكُومِيَّة قَبْل أَن يُكْمِل تَعْلِيْمِه الْثَّانَوِي، فَقَضَى حَيَاتِه الْوَظِيْفِيَّة بِالمِطَبَعَة الْحُكُومِيَّة حَيْث وَصَل إِلَى وَظِيْفَة مُدِيْر الْمَطَبِعَة.
صِلَتِه بِعَقَائِد الْقُرَآنِيِّين :
كَان اتِّصَال غُلَام أَحْمَد بَرْوِيز بِعَقِيْدَة الْقُرَآنِيِّين فِي الْبِدَايَة عَن طَرِيْق الْقِرَاءَة لَآَرَائِهِم وَأَفْكَارُهُم الَّتِي كَانَت حَدِيْث الْمُثَقَّفِيْن وَقْتَذَاك يُؤَيِّدُهَا الْقِلَّة وَيُعَارِضُهَا الْكَثْرَة، وَمَن فِي مِثْل ذَكَاء "بَرْوِيز" وَنَشَاطِه مَا كَان يَخْفَى عَلَيْه نَشَاط هَذِه الْحَرَكَة وَآرَاؤُهَا، وَمَا كَانَت تَمُر عَلَيْه هَذِه الْأَفْكَار دُوْن أَن تَشْغَلُه وَتُؤَثِّر فِيْه إِن سَلْبَا أَو إِيْجَابِا. لَكِن تَرَكَه الْأُمَّة الْمُسْلِمَة وَانْقِلَابِه إِلَى تِلْك الْشِّرْذِمَة الْشَّاذَّة عَن الْإِسْلَام جَاء تَحْت وَاقِعَة مُحَدَّدَة، لَعَلَّهَا هِي الْقَشَّة الَّتِي قَصَمَت ظَهْر الْبَعِير. " وَهُو يُحَدِّث عَن ذَلِك فَيَقُوْل : " ذَات يَوْم كُنْت أُطْالِع الْتَّفْسِيْر فَمَرَرْت بِقَوْلِه - تَعَالَى - : ] يَا أَيُّهَا الَّذِيْن آَمَنُوْا لَا تَكُوْنُوْا كَالَّذِين آَذَوْا مُوْسَى فَبَرَّأَه الْلَّه مِمَّا قَالُوْا وَكَان عِنْد الْلَّه وَجِيْها [ (الْأَحْزَاب:69 )، وَقَد ذَكَر الْقُرْآَن تَفْصِيْل هَذَا الإِيْذَاء مِن عِنَاد بَنِي إِسْرَائِيْل لِمُوْسَى - عَلَيْه الْسَّلَام - وَطَلَبِهِم مَا لَا يَحْتَاجُوْن إِلَيْه ... غَيْر أَنِّي وَجَدْت فِي تَفْسِيْر هَذِه الْآَيَة حَدِيْث أُبَي هُرَيْرَة الَّذِي رَوَاه الْبُخَارِي وَالْتِّرْمِذِي مِن اتِّهَام بَنِي إِسْرَائِيْل مُوْسَى بِالْبَرَص، وَفِرَار الْحَجَر بِثِيَابِه، وَضَرَب مُوْسَى الْحَجَر بِعَصَاه، فَارْتَعَدَت فَرَائِصِي، وَاسْتُغْرِقْنِي الْتَّفْكِيْر، وَتَوَالَت عَلَي الشُّبُهَات وَاحِدَة تِلْو الْأُخْرَى) ( ).
وَهَكَذَا كَانَت الْلَّحْظَة الَّتِي لَابُد أَن بَرْوِيز فَكِّر فِيْهَا كَثِيْرا. أَمَّا إِعْلانُه عَن انْقِلَابِه إِلَى فِكْر الْقُرَآنِيِّين. مُنْكِرِي الْسُّنَّة، فَقَد جَاء عَلَى هَيْئَة خَطَب مِنبَرِيّة وَدُرُوْس دَاخِل الْمَسَاجِد فِي بِدَايَة الْأَمْر، ثُم تَوَلّت مَجَلَّتِه " طُلُوْع إِسْلَام " نُشِر أَفْكَارَه بَعْد ذَلِك، ثُم تَوَسَّعَت أَفْكَارَه شُيُوْعَا عَبْر مَقَالاتُه وَمُؤَلَّفَاتِه الْكَثِيْرَة، وَمِن خِلَال نَوَادِي حَرَكَتِه الَّتِي أَنْشَأَهَا لِتَضُم أَتْبَاعِه فِي إِنْكَار الْسُّنَّة، وَسَمَّاهَا : نَوَادِي طُلُوْع إِسْلَام، نِسْبَة إِلَى مَجَلَّتِه تِلْك .. وَلَقَد زَاد مِن شُيُوع حَرَكَتِه وَذُيُوع أَفْكَارَه انْتِقَالِه إِلَى دَوْلَة بَاكِسْتَان الْوَلِيِّدَة بَعْد اسْتِقْلالِهَا عَن الْهِنْد. حَيْث انْتَقَل إِلَى مَدِيْنَة " كَّرَاتشِي " الَّتِي مَا تَزَال حَتَّى الْيَوْم حَاضِرَة " البَرُوَيِزِّيِّين " أَتْبَاع بَرْوِيز. وَقَد كَانَت الْظُّرُوْف وَقْتَذَاك مُلَائِمَة لَه وَلحَرَكَتِه، حَيْث كَان عَلَى رَأْس الْدَّوْلَة الْفِتْيَة قَائِدُهَا " مُحَمَّد عَلَى جَنَاح "( ) الَّذِي اسْتَغْرَقَتْه الْسِيَاسَة فَشَغَلَتْه عَن مُشْكِلَات الْإِسْلَام، وَعَن الْحَرَكَات الْهَدَّامَة الَّتِي بَدَأَت تَنْتَشِر عَلَى حِسَاب الْإِسْلَام وَأُمَّتُه، وَعَلَى رَأْس هَذِه الْحَرَكَات الْهَدَّامَة حَرَكَة " الْقُرَآنِيِّين " بِعَامَّة، وَحَرَكَة "البَرُوَيِزِّيِّين" بِخَاصَّة. وَمَن الْمَعْرُوْف أَنَّه كَان فِي أَعْضَاء حُكُوْمَة بَاكِسْتَان حِيْن الاسْتِقْلَال، عَدَد لَا بَأْس بِه "الْقَادْيَانِيِّين" عَلَى رَأْسِهِم " ظُفُر الْلَّه خَان " وَزِيَر الْخَارِجِيَّة آَنَذَاك، الَّذِي حَارَب الْإِسْلَام وَمَكَّن لِلْقَادْيَانِيّة، بَل وَسَاعِد هُو وَقَبِيْلُه الْحَرَكَات ضِد الْإِسْلَام، وَكَان مِنْهَا حَرَكَة الْقُرَآنِيِّين، وَقَد وَصَل مِن مُحَارَبَة هَذَا الْرَّجُل الْقَادْيَانِي لِلْإِسْلام وَالْمُسْلِمِيِن فِي بَلَد قَام أَصْلَا عَلَى الْإِسْلَام، أَن قَام الْمُسْلِمُوْن بِبَاكِسْتَان بِثَوْرَة عَارِمَة يَقُوْدُهَا الْعُلَمَاء لِخَلْع هَذَا الْرَّجُل مِن وِزَارَة الْخَارِجِيَّة، وَلَم يُتِم ذَلِك حَتَّى قُتِل مِن الْمُسْلِمِيْن وَعُلَمَائِهِم الْمِئَات، وَهُو ثَمَن زَهِيْد فِي مُقَابِل تَنْحِيَة هَذَا الْكَافِر الْمُتَعَصِّب عَن مَكَانِه الْخَطِيْر فِي الْدَّوْلَة الْمُسْلِمَة.
آراؤُه وَمَوْقِف الْعُلَمَاء مِنْه :
كَان لِغُلَام أَحْمَد بَرْوِيز مِن الْآَرَاء مَا يَتَّفِق مَع الْهَدَف الْعَام لِحَرَكَة الْقُرَآنِيِّين الَّذِي يَقُوْم عَلَى تَخْرِيْب الْإِسْلَام وَهَدَم أَرْكَانِه، وَذَلِك بِتَنْحِيَة الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة عَن الْتَّشْرِيع الْإِسْلَامِي. وَقَد كَانَت حَرَكَة الْسَّابِقِيْن عَلَيْه مِن الْقُرَآنِيِّين تَقُوْم عَلَى اعْتِبَار أَن الْقُرْآَن قَد شَمِل الْدِّيْن بِكُلْيَاتِه وَجُزْئِيَّاتِه، وَكُل مُجْمَل وَمُفَصَّل، وَقَد وَضَعُوُا بِذَلِك أَسَاس دِيْنَهُم الْقَائِم عَلَى أَن الْقُرْآَن كَاف وَحْدَه .. أَمَّا " بَرْوِيز" فَقَد خُطِّط كَي يِضْمَن الْسِيَاسَة وَالسِّيَاسِيِّين إِلَى جَانِبِه، وَكَي يَنَال تَأْيِيْد أَصْحَاب الْحُكْم وَالسُّلْطَان بِبَاكِسْتَان. وَمِن ثَم فَقَد وَضَع لَهُم مَكَانا مُتَمَيِّزَا فِي آَرَائِه. وَكَانَت آراؤُه تِلْك تَقُوْم عَلَى أَن الْقُرْآن قَد شَمِل كُلِّيَّات الْدِّيْن وَمُجْمَلَه، وَأَمَّا الْتَّفَاصِيْل فَهِي مَتْرُوْكَة لِوَلِى الْأَمْر الَّذِي يَتَوَلَّى سُدَّة الْحُكْم فِي بَلَدِه، فَهُو الَّذِي يَتَوَلَّى بَيَان الْمُجْمَل، وَتَفَاصِيْل الْتَّشْرِيع، وَمَن سُلْطَتَه الْتَّحْلِيل وَالْتَّحْرِيْم حَسَب مَا يَرَاه مُلَائِمَا لِلْظُرُوف الْقَائِمَة. وَقَد كَان هَذَا الْنَّهْج مَرْضِيّا تَمَامَا لِلْحُكَّام وَالْمَسْؤُوْلِيْن، حَيْث أَضْفَوْا عَلَى بَرْوِيز وَجَمَاعَتِه حِمَايَتِهِم، وَمُنَحُوه تَأْيِيْدُهُم، وَمَكَّنُوا لَه، حَيْث اسْتَطَاع نُشِر ضَلالاتِه عَلَى نِطَاق وَاسِع، وَصَار لِلبَرُوَيِزِّيِّين وُجُوْد مَحْسُوْس عَلَى الْسَّاحَة الْبَاكِسْتَانِيَّة وَغَيْرِهَا مِن بِلَاد الْهِنْد وَبَعْض الْبِلَاد الْأَوْرُبِّيَّة الَّتِي يُهَاجِر إِلَيْهَا الْبَاكِسْتَانِيُّون لِلْعَمَل أَو الْدِّرَاسَة.
مَوْقِف الْعُلَمَاء مِن بَرْوِيز وَدَعَوْتُه :
اتَّسَعَت دَعْوَة بَرْوِيز لِتَشْمَل أَصْعِدَة كَثِيْرَة عَلَى الْسَّاحَة الْإِسْلَامِيَّة بِبَاكِسْتَان. وَقَد قَام الْعُلَمَاء فِي الْبَلَد الْمُسْلِم بِوَاجِب الْجِهَاد ضِد هَذِه الْحَرَكَة كَمَا فَعَلُوْا بِالْنِّسْبَة لِلْحَرَكَات الْسَّابِقَة عَلَيْهَا، لَكِن الْعُلَمَاء أُوْلُوْا هَذِه الْحَرَكَة مِن الِاهْتِمَام مَا يُنَاسِب خُطُوْرَتِهَا، وَقَد قَامَت الْجَمَاعَة الْإِسْلَامِيَّة مُمَثَّلَة فِي رَئِيْسَهَا وَشَيخَهَا الْإِمَام الْمُجَاهِد الْدَّاعِيَة "المَوْدُوْدِي" بِالْدَّوْر الْأَكْثَر فِي هَذَا الْمَجَال.
" وَفِي سُنَّة إِحْدَى وَسِتِّيْن وَتِسْعِمَائَة وَأَلْف وُضِعَت أَفْكَار بَرْوِيز ومُعْتَقَدَاتِه أَمَام الْعُلَمَاء لِيُفْتُوا فِيْهَا، وَلِيُبَيَّنُوا حُكْم الْإِسْلام فِيْمَن يَعْتَنِق مِثْل هَذِه الْأَفْكَار، وَهَل تَبْقَى لَه صِلَة بِالْإِسْلَام مَع اعْتِنَاقِه هَذِه الْمُعْتَقَدَات البَرُوَيزِيّة ؟ أَو أَن الْإِسْلَام بَرِيْء مِنْه ؟ وَقَد تَوَلَّى إِجْرَاء هَذَا الاسْتِفْتَاء أَرْكَان الْمَدْرَسَة الْعَرَبِيَّة الْإِسْلَامِيَّة بَكَرَّاتْشّي، فَأَفْتَى مَا لَا يَقِل عَن أَلْف عَالَم مِن عُلَمَاء الْدِّيْن مِن بَاكِسْتَان وَالْهِنْد وَالْشَّام وَالْحِجَاز بِتَكْفِيْرِه وَخُرُوْجِه عَن رِبْقَة الْإِسْلَام "( ).







التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» ايران ترد على السعودية والبحرين بحرق القرآن " فيديو "
»» الخطة الخمسينية لنشر التشيع في العالم
»» زهد وورع الفاروق رضي الله عنه
»» عاجل المهدي يخرج من الكعبة
»» البلوتوث الامامي
  رد مع اقتباس
قديم 30-06-10, 07:15 PM   رقم المشاركة : 10
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road




طَوَائِف الْقُرَآنِيِّين فِي الْوَقْت الْحَاضِر :

بَيِّنَا فِيْمَا سَبَق أَشْهُر زُعَمَاء الْقُرَآنِيِّين - مُنْكِرِي الْسُّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُطَهَّرَة -، وَقَد ذَهَب هَؤُلاء وَبَقِيَت دَعَوَاتِهِم عَلَى هَيْئَة فَرْق وَطَوَائِف تَكَوَّنَت عَلَى أَسَاس مِن هَذَه الْدَّعَوَات. وَقَد فَعَل الْزَمَان وَالْظُّرُوْف فِعْلِهَا فِي هَذِه الْحَرَكَات، حَيْث تَلاقَحت الْأَفْكَار وَالْمَنَاهِج، فَتَأَثَّر هَذَا بِذَاك، وَاخْتَلَط بَعْض بِبَعْض، وَكَان مِن ذَلِك بِضْعَة طَوَائِف مَا تَزَال تَتَحَرَّك عَلَى الْسَّاحَة الْإِسْلَامِيَّة بِبَاكِسْتَان وَالْهِنْد، وَبَعْض الْبِلَاد الْأَوْرُبِّيَّة - وَبِخَاصَة انْجِلْتِرَا - الَّتِي يَصِل إِلَيْهَا صَدَى هَذِه الْحَرَكَات عَبْر الَّذِيْن يَذْهَبُوْن إِلَى هُنَاك لِلَّدِّرَاسَة أَو الْعَمَل، وَكَثِيْر مِّن هَؤُلَاء تُجَنِّس بِالْجِنْسِيَّة الْبِرِيطَانِيَّة وَاسْتَقَر هُنَاك. وَسَوْف نُشِيْر إِلَى أَشْهُر الْطَّوَائِف الَّتِي مَا تَزَال عَلَى الْسَّاحَة، وَلَهَا تَأْثِيْرُهَا :
أَوَّلَا : أَمُت مُسْلِم أَهْل الْذِّكْر وَالْقُرْآَن ، الْأُمَّة الْمُسْلِمَة أَهْل الْذِّكْر وَالْقُرْآَن ،
هَذِه الْطَّائِفَة تَضُم أَتْبَاع " عَبْد الْلَّه جَكَر الْوَى " الَّذِي أُسِّس حَرَكَتِه تَحْت اسْم : " أُمَّة مُّسْلِمَة ". وَهَذِه الْطَّائِفَة الَّتِي تُمَثِّل فَكَّر " جَكْرَالَوِي " و " الْأَمْر تَسْرِى " أَخَذَهَا الْضَعْف وَالْوَهْن - بِفَضْل الْلَّه سُبْحَانَه -، وَأَضْحَى نَشَاطَهَا مَحْدُودَا وَمَقْصوّرا عَلَى أَعْضَائِهَا الْقَلِيلِين نَسَبِيَّا .. وَلِهَذِه الْطَّائِفَة " مَعَابِد " يَتَعَبَّدُوْن فِيْهَا عَلَى طَرِيْقَتِهِم الْكَافِرَة الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا دِيَن الْلَّه، وَيُسَمُّوْن مَعَابِدِهِم هَذِه : " مَسَاجِد" إِصْرَارِا مِنْهُم عَلَى أَنَّهُم مِن الْمُسْلِمِيْن، بَل عَلَى أَنَّهُم هُم الْمُسْلِمُوْن .. وَمَعَابِدُهُم هَذِه تُوْجَد فِي بَعْض الْمُدُن الْبَاكِسْتَانِيَّة، وَالْمُعَبَّد مِنْهَا لَا يَزِيْد عَلَى حَجْم الْحُجْرَة الْوَاسِعَة، وَهُم يُؤَدُّوْن فِيْهَا صَلَاة الْجُمُعَة، وَثُلَاث صَلَوَات فِي كُل يَوْم حَسَب عَقِيْدَتِهِم، وَكُل صَلَاة رَكْعَتَان، وَفِي كُل رَكْعَة سَجْدَة وَاحِدَة، وَهُم لَا يَرْفَعُوْن مِن الْرُّكُوع، بَل يَنْزِلُوْن مِنْه إِلَى الْسُّجُود مُبَاشَرَة. وَخَطَر هَذِه الْطَّائِفَة قَلِيْل نَسَبِيَّا، كَمَا أَن الْكَثِيرِيْن مِن أَتْبَاعَهَا قَد انْضَمُّوا إِلَى حَرَكَات أُخْرَى مِثْل حَرَكَة : "طُلُوْع إِسْلَام".
ثَانِيَا : طُلُوْع إِسْلَام ، ظُهُوْر الْإِسْلَام
هَذِه الْحَرَكَة أَسَّسَهَا " غُلَام أَحْمَد بَرْوِيز " مُنْذ كَان بِالْهِنْد، ثُم صَحِبَهَا مَعَه إِلَى بَاكِسْتَان عِنْد انْتِقَالِه إِلَيْهَا. وَهَذِه الْحَرَكَة هِي أُنْشِط حَرَكَات مُنْكِرِي سَنَة الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - " الْقُرَآنِيِّين " عَلَى الْإِطْلَاق، وَأَقْوَاهَا وَأَخْطَرِهَا، وَهِي الْأَكْثَر أَتْبَاعَا. وَقَد زَاد مِن أَتْبَاعِهَا أَنَّهَا قَد وَرِثْت الْكَثِيْر مِن أَتْبَاع الْطَّوَائِف الْأُخْرَى الَّتِي ضَعُفَت، أَو انْتَهَت مِثْل طَائِفَة " أَهْل الْذِّكْر وَالْقُرْآَن " الَّتِي أَسَّسَهَا " عَبْد الْلَّه جَكَر الْوَى ".
وَلِلطَائِفة مَجَلَّتِهِا الْشَّهِيْرَة " طُلُوْع إِسْلَام " الَّتِي سُمِّيَت الْطَّائِفَة بِاسْمِهَا، وَلَهَا مُنْتَدِّيَاتِهَا كَذَلِك. وَلَهَا وُجُوْد مُؤَثِّر - نَوْعَا - عَلَى الْسَّاحَة الْإِسْلَامِيَّة بِبَاكِسْتَان.
وَالْجَدِير بِالْذِّكْر أَنَّنَا سَمِعْنَا بِهِم وَنَحْن بِبَاكِسْتَان - إِذ كُنْت أُسْتَاذَا "بِالْجَامِعَة الْإِسْلَامِيَّة الْعَالَمِيَّة " بِإِسْلَام أَبَاد، وَقَد سَعَيْت - وَبَعْض الْزُّمَلاء - إِلَى لِقَاء هَؤُلَاء وَالِاسْتِمَاع إِلَى أَفْكَارِهِم. وَقَد حَدَث ذَلِك ابْتِدَاء بِمَدِيْنَة "رَوَالْبَنْدِي" الْقُرَيْبَة مِن إِسْلَام أَبَاد، ثُم كَانَت لَنَا لِقَاءَات - لَم تَدُم طَوَيْلَا - بِمَدِيْنَة "كَّرَاتشِي"، حَيْث كَانَت أَفْكَارِهِم ضَحْلَة، وَمَعْرِفَتِهِم بِالْإِسْلَام مُتَدَنِّيَة، وَرَغْبَتِهِم فِي الْوُصُوْل إِلَى الْحَق مَعْدُوْمَة، وَقَد لَمَسْنَا أَنَّهُم يَسْتَمْسِكُوْن بِمَا هُم عَلَيْه مِن ضَلَال رَغْبَة فِي الْتَّخَلُّص مِن حُدُوْد الْلَّه، وَأَحْكَام الْشَّرْع، وَإِشْبَاعَا لِشَهَوَاتِهِم دُوْن شُعُور بِالْحَرَج. وَذَلِك مَا تَضَمَّنَه لَهُم أَفْكَار "بَرْوِيز ". وَهَذَا مَا يُفَسِّر لَنَا كَثْرَة أَتْبَاعِهِم مِن الْشَّبَاب ذُكُورَا وَإِنَاثَا، وَكَذَلِك مَن الْمُثَقَّفِيْن الْمُتَأَثِّرِين بِالْثَّقَافَة الْغَرْبِيَّة الْنَّصْرَانِيَّة.
ثَالِثَا : تَحْرِيك تَعْمِيْر إِنْسانَيت ،حَرَكَة تَثْقِيْف الْإِنْسَانِيَّة.
وَهَذِه حَرَكَة حَدِيْثَة جَدَّا لَا تَنْتَمِي إِلَى أَحَد مِن زُعَمَاء مُنْكِرِي الْسُنَّة الَّذِيْن تُحَدِّثُنَا عَنْهُم، وَلَكِنَّهَا تَنْتَمِي إِلَى أَحَد الْأَثْرِيَاء الَّذِيْن تَأَثَّرَوا بِأَفْكَار الْسَّابِقِيْن مِن مُنْكِرِي الْسُّنَّة، وَبِخَاصَة : "بَرْوِيز" وَلَا نَدْرِي لِمَاذَا لَم يَكْتَف بِالانْضِمَام إِلَى حَرَكَة بَرْوِيز الْنَّشِطَة ؟ أَلِأَن لَه عَلَيْهَا تَحَفُّظَات أَو مُؤَاخَذَات ؟ أَم هِي الرَّغْبَة فِي الْشُّهْرَة وَحُب الْظُّهُوْر ؟ وَمَا دَام سَيُنْفِق مِن مَالِه، فَلْيُنْفِق لَإِظْهَار اسْمُه بَدَلَا مِن إِنْفَاق مَالِه لَإِظْهَار الْآَخِرِين. وَالْإِشَارَة هُنَا إِلَى : " عَبْد الْخَالِق مَا لْوَادَة " الَّذِي أَنْشَأ هَذِه الْطَّائِفَة وَرَأْسُهَا وَيُنْفِق عَلَيْهَا مِن مَالِه.
وَهَذِه الْطَّائِفَة مَضَى عَلَيْهَا قَرَابَة الْعِشْرِيْن عَاما فَقَط فَهِي حَدِيْثَة، وَتُحَاوِل أَن تَجِد لَهَا مَكَانْا عَلَى سَاحَة الْكَافِرِيْن بِسُنَّة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - الْمُرْتَدِّيْن عَن الْإِسْلام. وَلَكِن تَأْثِيْرُهَا لَا يَكَاد يُذْكَر( ).

هَذِه نَبَذَه مُوْجَزَة عَن رُؤَسَاء طَائِفَة مُنْكِرِي سَنَة رَسُوْل الْلَّه - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - وَأَشْهَر دُعَاتُهَا، ثُم عَن أَشْهُر طَوَائِفُهَا الَّتِي آَل إِلَيْهَا أَمْر الْدَّعْوَة إِلَى تِلْك الْضَّلالَة الْكَافِرَة الْرَّادَّة أَصْحَابِهَا عَن الْإِسْلَام، وَالَّتِي تَتَسَمَّى حَرَكَتِهِم : " الْقُرآنِيُّون ".
وَإِذ انْتَهَيْنَا - مِن الْتَّعْرِيْف بِهِم، نَنْتَقِل إِلَى ذِكْر شُبُهَاتِهِم ثُم نَرُد عَلَيْهَا. كُل ذَلِك بِحَوْل الْلَّه سُبْحَانَه وَتَوْفِيْقِه.







التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» الثَبَاتْ على الحُق
»» عَلِّمْنِي دُعَاءً ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ
»» De************************ion of Hajj and Umrah with صفة الحج والعمرة مع أدعية مختارة بلغات أخرى
»» كتيبة رياض الصالحين تنفذ عملية ضد مركز غازبوم في موسكو
»» مقام خادم الحرمين الشريفين والعلماء المسلمين
  رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:56 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "