العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتـــــــــديات العـــــــــــامـــة > منتدى فضح النشاط الصفوى > منتدى نصرة سنة العراق

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-02-16, 10:17 PM   رقم المشاركة : 1
مدير موقع القادسية
مشترك جديد






مدير موقع القادسية غير متصل

مدير موقع القادسية is on a distinguished road


متدين في ظل نظام البعث

متدين في ظل نظام البعث

د. طه حامد الدليمي

ما بين دخولي كلية الطب عام 1979 وتخرجي منها عام 1986، وبين تركي عالم الطب بعد ثماني سنين.. قرابة خمسة عشر عاماً.
كانت تلك الأعوام الطويلة مشحونة بأحداث جسام وأفكار ونظرياتٍ عاصفة لا بد أن تتجاذب من عاشها، شاركتْ شيئاً فشيئاً في إرساء معالم (القضية السنية) أمام ناظري، وأدت بي إلى تبني هذه القضية على أنها القضية الأولى والمركزية لدول المشرق العربي: العراق والخليج واليمن والشام. هذه الأحداث والأفكار القلقة لا يمكن اختزالها بما سبق عرضه؛ فيحتاج مني إلى وقفات أمام أهم ما مررت به من ذلك.
دخلت كلية الطب في جامعة بغداد فرحاً؛ ها هو حلم والدتي الذي داعب أجفانها سنين وسنين في طريقه إلى التحقيق. كانت تعلق صدريتي البيضاء على الحائط الطيني أمام عينيها وهي راقدة على فراش المرض وتبشر من جاء يعودها: "طه راح يصير طبيب!"، وتشير إلى الصدرية.
بعد أيام جاءني إلى الكلية أخي الشيخ ليكفلني، وهو إجراء لا بد منه لكل طالب يتعهد فيه - بواسطة كفيل - أن يخدم في مستشفيات الدولة مدة من الزمن بعد تخرجه. ما زلت أذكر ابتسامته وهو يراني بلحمي وعظمي طالباً في كلية الطب! بعد الانتهاء من الإجراءات الرسمية ودعني ومضى. وفي المساء جاءني – وكنت في بيت والدي في المدينة - ليخبرني أن والدتي في النزع وعليّ الإسراع قبل أن تفارق الحياة!
كنت قبل يومين عندها، جلست بجوارها.. كانت تكلمني ببطء مغمضة العينين. وفي جيبي حبيبات حمص، وضعت في فمها واحدة. سألتني عن دراستي وحالتي، ثم بعد ساعة ودعتها ومضيت وفي أذني حفيف آخر كلمة سمعتها منها: "الله يساعدك".
أظنها - رحمها الله - لو عاشت لخيبت ظنها في أن أتخصص بعد تخرجي في الفرع الذي يعالج مرضها، بل ولا في أي فرع آخر من فروع الطب. وحقاً لقد استجاب الله تعالى دعاءها المختصر في كلمتين فقط "الله يساعدك"، فأعانني إعانة لم أكن أحلم بها، لكن في حقل آخر من حقول الحياة، تجنى ثمارها لا في سلة من سلال الأرض وإنما في أُخرى من سلال السماء. وأن عسى؛ والأمل بالكريم كبير.
وها أنا أعود بعد يومين. أدركتها فوضعت رأسها في حجري على صدري، لكنها كانت في السكرة الأخيرة، ولا أظنها أحست بي، ثم بعد قليل ودعتنا الوداع الأخير. كان ذلك في مساء يوم 11/11/1979.
كانت إقامة مجالس التعزية التي يسمونها شعبياً بـ(الفاتحة)؛ لأن قراءة سورة (الفاتحة) ركن من أركانها التي يستحيل أن يدخل المجلس أحد فيرحب به قبل أن يقول لحظة جلوسه ويمد يديه بالدعاء: (آجركم الله الفاتحة)، أو يقتصر على قول كلمة (الفاتحة) يرفع بذلك صوته عالياً ليسمعها كل من في المجلس أو الديوان. فإذا انتهوا من قراءتها، عندها يرحبون به على عادة العراقيين فيشتعل الجو بقول الجميع فرداً فرداً للمعزي: "الله بالخير" فيرد عليهم قائلاً: "الله بالخير"، على إضمار محذوف هو "صبحكم، أو مساكم". والأمر جار على سنن العرب في لغتهم، إذا كانت العبارة مكررة على لسانهم حذفوا منها ما يمكن حذفه بحيث يكون في المذكور غنية عن المحذوف.
كانت هذه المجالس مقدسة اجتماعياً فلا يمكن أن يموت أحد دون أن يقيموا له مجلس عزاء يستمر على الأقل ثلاثة أيام، وإلا فقد أدركنا الناس ونحن صغار لا يقلون بها عن عن سبعة. وقد يكون الميت فقيراً فتزيد تكاليف المجلس بما يقدم فيها من وجبات دسمة تذبح فيها الخرفان والعجول وتقدم عند الغداء والعشاء. ثم يجدد الأمر عند (الأربعين)، أي عند مرور أربعين يوماً على وفاة ميت، بعد حذف عدد من الأيام تساوي عدد عائلة الميت.
قررنا أنا وأخي أن نكسر القاعدة فلا نقيم مجلس عزاء. فالأمر يدخل في باب (البدعة) شرعاً ما دام قد وصل في اعتقاد الناس حد التقديس تديناً(1). ويدخل في باب الإنفاق غير المبرر؛ فما الداعي له؟ إرضاء الناس؟ يمكن الصبر قليلاً حتى تمر النازلة. وصدم أبي وأعمامي من هذا القرار! "كيف! ماذا يقول الناس عن أبناء مزعل؟!". قلنا لهم: ليقولوا ما يقولون. وكان أشدهم العم عبد الرحمن شقيق أبي الأصغر. أذكر أنه قال: أنتم تنظرون من زاوية ضيقة. وأذكر أنني أجبته: نحن ننظر من زاوية الإسلام التي تسع كل الزوايا. وكان أن غضب وزعل وقاطعنا إلى حين.

الحالة الدينية في ظل نظام البعث
تسلم حزب البعث حكم العراق في تموز من سنة 1968، وكان حزباً أقرب إلى الإلحاد آنذاك منه إلى الإيمان. أشاع أجواء الرعب من كل نشاط ديني ولو كان الذهاب إلى المسجد! أغلق المدارس الدينية الملحقة بالمساجد والتابعة للوقف، وحوّل ما تبقى منها - وهي قليلة بل نادرة – إلى إعداديات رسمية تابعة لوزارة التربية، ويشرف عليها اتحاد الطلبة حالها حال أي مدرسة أخرى. والاتحاد كيان حزبي في كل مدرسة يديره الطلبة البعثيون، يشرف ويراقب وينظم العمل الحزبي وله صلاحيات مستقلة عن إدارة المدرسة. بل إن بعض هذه الإعداديات أغلقت بعد مدة، كما حصل لإعدادية المحمودية التي كان أصلها مدرسة دينية تسمى "هيبت خاتون الدينية" ونقل طلابها إلى الإعدادية الإسلامية في بغداد/ منطقة الصليخ، وهي الإعدادية الإسلامية الوحيدة في جميع أنحاء العاصمة! كما كانت هناك كلية دينية واحدة فقط في بغداد، هي "كلية الإمام الأعظم"!
441 33513كنت أطلع على بعض أعداد مجلة "الثورة العربية"، وهي الجريدة الداخلية للحزب، توزع شهرياً على المنتمين إليه، فلا أكاد أعثر فيها على شيء له علاقة بالدين ولو كان اسم (الله) فقط! دعك من أي إشارة أو همسة فيها رائحة من آية أو حديث. بل كنت أجد في بعض الأحيان كلاماً إلحادياً يفسر الدين على أنه ظاهرة نفسية جمعية يلجأ إليها الإنسان الضعيف عند الحاجة، لذا تشيع عند الأزمات وتنكمش عند زوالها! هذا ما قرأته يوماً في أحد أعدادها بقلم أحد منظري الحزب وهو كمال عبد الله الحديثي. ولا يتردد بعض صغار المسؤولين الحزبيين من السخرية بالدين في مجالسهم. على أن ذلك لم يبلغ سخرية بعض كبار البعثيين السوريين. وهو فرق يسجل بين الفريقين من الحزب نفسه.
كذلك جريدة (الثورة) الرسمية، ومثلها (الجمهورية)، ومجلة (ألف باء)، وتكاد الصحافة العراقية تقتصر على هذه الصحف، سوى بعض المجلات الدورية أو الشهرية مثل مجلة (آفاق عربية) التي تعنى بالثقافة.. كلها تخلو من أي ذكر للدين! كنت أحياناً أقلب جريدة (الثورة) فأقول متهكماً: ليتني أجد فيها ذكراً (لله) ولو على سبيل الكفر! وكان هذا مقصوداً ففي التقرير الصادر عن المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث المطبوع في مجلد كبير، تجد تحت عنوان (المسألة الدينية) توصية مشددة بعدم الأداء العلني للعبادات - التي يطلق عليه التقرير اسم "الطقوس" – من قبل المسؤول الحزبي بحيث يراه من هم في مسؤوليته من الحزبيين! ويبرر التقرير ذلك بأن الحزبي إذا رأى مسؤوله يصلي فسيقلده في ذلك ويقوم بأداء الصلاة كي يتقرب إليه، فيكون التقييم والترقي في سلّم العضوية على أساس الدين وليس على أساس الانتماء والأداء! ومثلها الإذاعة والتلفزيون لولا أنها تفتتح برامجها وتختمها بقراءة القرآن. وهو تقليد لا تخلو منه حتى إذاعة أورشليم! هذا وقد أوقفت الحكومة نقل الأذان ووقائع صلاة الجمعة من خلال الإذاعة والتلفزيون منذ استيلائها على سُدة الحكم في سنة 1968. ولم يعد الأذان إلى الإذاعة إلا في سنة 1986؛ بتأثير الاتهام الإيراني بكفر حكومة البعث وحزبها، واستدلالهم على ذلك بخلو الإذاعة من البرامج الدينية وأولها الأذان وصلاة الجمعة. ثم بدأ الأمر يتغير إلى الأحسن منذ ذلك الحين وقبله بقليل. حتى تبنى الرئيس صدام حسين رحمه الله قيادة ما سمي بـ(الحملة الإيمانية) بعد أحداث الكويت سنة 1991 فتطورت الأمور نحو الأحسن.

31/1/2016


[1]- قال الشيخ ابن باز (فتاوى ابن باز، 13/369): إقامة العزاء بهذه الصورة بدعة لا يجوز فعلها، ولا المشاركة فيها؛ لما ثبت عن جرير بن عبد الله البجلي t أنه قال: كنا نعد الاجتماع لأهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة. رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح . وإنما السنة أن يصنع لأهل الميت طعام من أقاربهم، وجيرانهم؛ لما ثبت عن النبي e أنه قال لأهله لما جاء نبأ نعي جعفر بن أبي طالب t: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم). رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح.







 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:36 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "