"التصوف في الميزان
بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد، كثر الحديث في السنين الأخيرة عن التصوف، والصوفية فانقسم الناس أمامه إلى معارضين وموافقين و آخرين محايدين. فترى كل صاحب هوى وغرض وجهل يأتي بآراء شاذة وفاسدة ومتعصبة ويسميها سلفية مع أن السلف الصالح رضي الله عنهم لا علاقة لهم البتة بكل ذلك وهذا ما سيظهر جليا من خلال هذا البحث المتواضع.
شيخ الإسلام ابن تيمية :
استهدف شيخ الإسلام إبراز كنه التصوف كمدرسة تربوية هدفها الأساسي تهذيب النفس وتطهيرها من أخلاقها الدميمة، ولذلك عارض كل انحراف طرأ على التصوف. وانطلاقا من هذه القاعدة أظهر احتراما كبيرا لرواد الزهد والتصوف الملتزمين أمثال : الجنيد، الفضيل بن عياض،إبراهيم بن أدهم … وعموما، اتخذ ابن تيمية موقفا يتميز بأمرين :
يرى أن شيوخ التصوف الأوائل قيدوا علومهم وتربيتهم بالكتاب والسنة، أما المتأخرون فقد ضل كثير منهم، وهذا ما تجده في كتابه <الفتاوى> -علم السلوك- ج 10 ص 485 –516.
أن ابن تيمية لم يرفض التصوف جملة، بل انتقد ما طرأ عليه من خروج عن الأهداف الأولى ومناهج التربية والسلوك الأولى وفي ذلك قوله : < الصوفية بنوا أمرهم على الإرادة ولابد منها لكن يشترط أن تكون إرادة الله وحده. > نفس المصدر ج19 ص172 ، وفي آخر يقول < الصوفي من صفا من الكدر، وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والحجر. والتصوف كتمان المعاني وترك الدعاوى وأشباه ذلك، وهم يسيرون بالتصوف إلى معنى الصديق.> وفي ج11 ص18 يقول :< والصواب انهم مجتهدون في طاعة الله > الآن دقق رحمك الله في القول المأخوذ من مجموعة الفتاوى ج11 ص510 : < وأما انتساب الطائفة إلى شيخ معين فلا ريب أن الناس يحتاجون من يتلقون عنه الإيمان و القرآن كما تلقى الصحابة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه عنهم التابعون وبذلك يحصل اتباع السابقين الأولين بإحسان. فكما أن المرء له من يعلمه القرآن والنحو فكذلك له من يعلمه الدين الباطن والظاهر>. وهذا يبين أن شيخ الإسلام سليم من الغلو الذي وقعت فيه الوهابية الذي فسروا ابن تيمية بتفسيرهم الخاص.
في مجلده العاشر من الفتاوى والمسمى كتاب علم السلوك نجده يسير على نهج الشيخ عبد القادر الجيلاني في كتابه <فتوح الغيب> إن لم نقل أنه يشرح هذا الكتاب. وتلميذه ابن القيم قام هو الآخر بشرح كتاب الصوفي الهروي .
كما يجدر الإشارة إلى أن ابن تيمية في كلامه عن المقامات والأحوال عند الصوفية كان أدق تعبيرا وأكثر تفصيلا من الصوفية الذين كتبوا في هذه الموضوعات. كما كان يكن للشيخ عبد القادر الجيلاني احتراما كبير و يقول في حقه: قطب العارفين، شيخنا قدس الله سره، أعظم شيوخ زمانه… هذا إضافة إلى كثرة استشهاده بكلامه.
وليتم المراد لا بأس أن نورد ما قاله بعض محبيه في رثائه مما ذكر في <العقود الذرية> للحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي :
[poet font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/16.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
فمن كان تاج العارفين لوقتنا = وشيخ الهدى قل لي بغير حمية
شربت بكأس العارفين مدامة = حقيقته من سر عين الحقيقة
[/poet]
[poet font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/16.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
في زهده ما سمعنا من يشاكله = إلا رجالا مضوا أهل الكرامات
قطب الحقائق حاروا في فضائله = أهل التصوف أصحاب الرياضات
شيخ الطريقة و الحقيقة عارف = ورث الإمامة والعلوم محقق
[/poet]
[poet font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/16.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
وله مقام في الوصول لربه = ومقامه نطقت به الأقتام
وتصوف و تقشف وتعفف = وقراءة وعبادة وصيام
[/poet]
والسؤال الذي يطرح نفسه هل هذه الميولات الصوفية التي نجدها عند الشيخ ابن تيمية وعند تلميذه ابن الجوزية صدفة ؟ أم هي وليدة توجه صوفي خفي؟ و يتبادر إلى ذهني مقالة البروفيسور جورج المقدسي(دكتور باحث في تراث ابن تيمية) التي يقول فيها أن ابن تيمية صوفي من الطريقة القادرية ؟!!!" اهـ.