القول المشتهر عند علماء السنة والاباضية كذلك، أن خبر الواحد يوجب العمل ولا يفيد العلم والقطع
نصوص للامام إبن عبد البر في عدم القطع في أخبار الاحاد، وهو مذهب أصحابه المالكيه، حيث يقول
((وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ هَلْ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا أَمْ يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ وَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ عِنْدَهُمْ إِلَّا مَا شَهِدَ بِهِ عَلَى اللَّهِ وَقَطَعَ الْعُذْرُ بِمَجِيئِهِ قَطْعًا وَلَا خلاف فيه))
وهذه القاعدة أي عدم إفادة خبر الآحاد للعلم، هي التي سار عليها ابن عبد البر في كتابه التمهيد أثناء مناقشته للمسائل الأصولية والفروعية التي تكلم عليها. ومثال ذلك:
قال (ج7 ص17): "فالله أعلم بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في السماء إن كان قاله فإن أخبار الآحاد لا يقطع عليها".
وقال (ج7 ص261): "وقد صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم في (قل هو الله أحد) أحاديث عدة من جهة نقل الآحاد لا نقطع على عينها".
وقال (ج8 ص292): "وإنما لم تجز القراءة به في الصلاة لأن ما عدا مصحف عثمان فلا يقطع عليه، وإنما يجري مجرى السنن التي نقلها الآحاد، لكن لا يقدم أحد على القطع في رده".
وقال (ج9 ص285): "والذي أقول به في هذا الباب تسليم الأمر لله عز وجل وترك القطع على الله بالشؤم في شيء؛ لأن أخبار الآحاد لا يقطع على عينها، وإنما توجب العمل فقط".
وقال: (ج19 ص24): "والله عز وجل أعلم بالساعة أي الساعات هي؟ لأن أخبار الآحاد لا يقطع على معانيها".
وقال (( وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَا فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَهُوَ الَّذِي بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ حَيْثُ كَانُوا هُوَ الْقُرْآنُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ وَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ لِمُسْلِمٍ إِلَّا بِمَا فِيهِ وَإِنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ مِنَ القراآت فِي الْآثَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ أُبَيٍّ أَوْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ عَائِشَةَ أَوِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّا يُخَالِفُ مُصْحَفَ عُثْمَانَ الْمَذْكُورَ لَا يُقْطَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنْ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ يَجْرِي فِي الْعَمَلِ مَجْرَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا حَلَّ مُصْحَفُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الْمَحَلَّ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَسَائِرِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى مَا سِوَاهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَيُبَيِّنُ لَكَ هَذَا أَنَّ مَنْ دَفَعَ شَيْئًا مِمَّا فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ كَفَرَ وَمَنْ دَفَعَ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ وَشِبْهِهَا مِنَ الْقِرَاءَاتِ لَمْ يَكْفُرْ.))
وقال (( فأما مالك رحمه الله فإنه قَالَ فِي مُوَطَّئِهِ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ فِي تَخْرِيجِ وُجُوهِ قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ دَفَعَهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ وَإِجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَمِثْلُ هَذَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَمَلُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقَعُ مُتَوَاتِرًا وَلَا يَقَعُ نَادِرًا فَيُجْهَلَ فَإِذَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ وِرَاثَةً بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا تَوْقِيفٌ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْأَقْوَى أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ))
وقال ((وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ يُجْهَرُ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ لِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ حُكْمُهَا كَسَائِرِ السُّورَةِ وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا وَابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا مَنْ قَرَأَ بِهَا سِرًّا فِي صَلَاةِ السِّرِّ وَجَهْرًا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ فَحُجَّتُهُ أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ السُّورَةِ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا وَالْمُنَاظَرَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُخَالِفُهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ وَأَمَّا مَنْ أَسَرَّ بِهَا وَجَهَرَ كَسَائِرِ السُّورَةِ فَإِنَّمَا مَالَ إِلَى الْأَثَرِ وَقَرَأَ بِهَا كَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُوجِبِ لِلْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ))
وقال ((وَلِأَئِمَّةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي إِنْفَاذِ الْحُكْمِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مَذَاهِبُ مُتَقَارِبَةٌ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ قَبُولِهِ وَإِيجَابِ الْعَمَلِ بِهِ دُونَ الْقَطْعِ عَلَى مَغِيبِهِ فَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ إِيجَابُ الْعَمَلِ بِمُسْنَدِهِ وَمُرْسَلِهِ مَا لَمْ يَعْتَرِضْهُ الْعَمَلُ الظَّاهِرُ بِبَلَدِهِ وَلَا يُبَالِي فِي ذَلِكَ مَنْ خَالَفَهُ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ))
والحاصل، فإنّ رأي ابن عبد البر الذي كرره في أكثر من موضع من كتاب التمهيد (وكذلك من كتاب الاستذكار)، هو أنّ خبر الآحاد عنده لا يفيد العلم والقطع-والنصوص تشهد. والله أعلم
والحمدلله رب العالمين