بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل ومن يضل فلا هادي له
وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبده ورسوله
أما بعد فقد وقفت على موضوع في منتدى أنصار السنة بعنوان" توبوا إلى ربكم قبل موتكم" لصحابه الأباضي( لولا الهوى)، تحاور فيه مع أخينا غريب مسلم وفقه الله مدعيا أن الله لا يغفر ذنوب العبد إلا إذا استغفر وتاب، منكرا مشيئة الله في أصحاب الكبائر وإنه سبحانه إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم وإن عذبهم لم يخلدهم في النار
وقد طال النقاش والحوار في هذا الموضوع كثيرا حتى أغلق
فما كان من هذا الاباضي إلا أن طار إلى منتدى حارتهم ( ومعرفه هناك كبر فحسبك)معلنا إلجام إخواننا في منتدى أنصار السنة
وقد كان منه قبل ذلك أن أدرج نفس الموضوع في منتداهم "الحارة"
وكان من ضمن ما احتج به هذا الإباضي حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي رواه الامام الترمذي في سننه عن انس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:" قال الله عز وجل:يا ابن أدم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ،يا أبن أدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم أستغفرتني غفرت لك ولا أبالي ،يا ابن أدم إنك لو اتينتي بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة"
ثم زاد هذا الاباضي هذه الزيادة :"قال إبليس : وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال سبحانه وتعالى: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني"
وبالرغم من أن الحديث واضح في معناه إلا أن هذا الرجل وكعادة أهل البدع يحاولون – وأنى لهم ذلك- لي أعناق النصوص لتتماشى مع ما يعتقدونه.
فادعى هذا المسكين أن المخاطب في قوله تعالى :" يا ابن أدم إنك لو اتينتي بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" هو الكافر فيقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً الكافر لو كانت خطاياك بقراب الأرض ولكن دخلت الى الأسلام وتركت الشرك سوف آتيك بقرابها مغفره
وشبهته في ذلك أن المسلم العاصي لا يقال له " ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا" ، إذ أن المسلم العاصي ليس مشركا.
فأحببت أن ارد على هذه الشبهه
فأقول مستعينا بالله عز وجل أن الحديث واضح وضوح الشمس وأن المخاطب في قوله تعلى :" يا ابن أدم إنك لو اتينتي بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" هو المسلم العاصي
وأن المقصود هنا هو بيان عظم رحمة الله ومغفرته وبيان عظم منزلة التوحيد وعظم معصية الشرك
وبيان ذلك من عده وجوده:
الوجه الأول لغوي:
فإنه لو قال سلطان لأحد رعيته إنك لو أتيتني بأي جريمة فإني أغفر لك ما لم تنزع يدا من طاعة ، فإنه لا يلزم أن يكون هذا المخاطب نازعا يدا من طاعة، بل قد يكون من أشد الناس طاعة لهذا السلطان.
فيكون قول السلطان لهذا الرجل كالتنبيه له على عظم جريمة العصيان عنده وأنها لا يغفرها ويغفر ما دونها.
وكذلك في هذا الحديث فالله سبحانه وتعالى يخاطب المسلم منبها إياه على عظم معصية الإشراك به وأنه سبحانه وتعالى لا يغفرها ويعفر ما دونها وإن بلغت بكثرتها قراب الأرض.
وهذا مطابق تماما لقوله تعالى:{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}
الوجه الثاني: ورود مثل هذا في القرآن الكريم في كثر من المواضع
فكثيرا ما يخاطب سبحانه وتعالى المؤمنين بلفظ المؤمنين ويطالبهم بأمور هي من مقتضى كونهم مؤمنين.
يقول الله سبحانه وتعالى { أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}
فلا يلزم من مطالبة المؤمنين بالإيمان بالله ورسوله أنهم ليسوا مؤمنين بهما، إذ لو كانوا كذلك لم يصح مخاطبتهم بالمؤمنين أصلا
فكيف يطالب المؤمنين بالايمان بالله ورسوله وهم لم يستحقوا ان يخاطبوا بالمؤمنين إلا بعد إيمانهم بالله ورسوله؟!!
فالمطالبة هنا لبيان عظم وأهمية المطلوب
وكذالك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}
فهل من يتبع خطوات الشيطان ولا يدخل في السلم كافة يصح أن يخاطب بالمؤمنين؟!!
وكذلك قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
فهل من لم يتق الله ولم يذر الربا يصح أن يخاطب بالمؤمنين؟!!
وكذلك قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}
فهل من لم يطع الله ورسوله وتولى عنه يصح أن يخاطب بالمؤمنين؟!!
ومثل ذلك كثير في القرآن الكريم
فنقول في قوله تعالى:" ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا" لا يلزم منه أن يكون المخاطب مشركا، بل هذا تنبيه للمخاطب من ان يقع في الشرك
الوجه الثالث: أن الحديث يقول:" لو أتيتني بقراب الأرض خطايا" والشرك أنما هو خطيئة واحدة!!
الوجه الرابع: وهو قوله :"لو اتيتني" و :"ثم لقيتني"
وهما دالان على وجوب تحقق الأمرين في الآخرة وليس في الدنيا، بمعنى أن هذا المخاطب أتى الله يوم القيامة بقراب الارض خطايا ولقيه لا يشرك به شيئا.
وهذا لا يتأتى ولا ينطبق إلا على المسلم الموحد العاصي
فإنه لو كان الأمر كما يقول هذا المدعي وان معنى الكلام أن الكافر لو كانت خطاياه بقراب الأرض ولكن دخل الى الأسلام وترك الشرك سوف يأتيه الله بقرابها مغفره، فإن هذا الرجل لم يكن آتيا الله بقراب الارض خطايا!!
إذ أن دخول الكافر في الاسلام يجب ان يكون في الدنيا، فإذا أسلم في الدنيا غفر له عندها بل وبدلت سيئاته حسنات فعندها لا يكون آتيا الله بقراب الارض خطايا بل بعكس ذلك تماما!!
الوجه الخامس، ان نقول أن هذا الحديث يبين عظم رحمة الله بعباده ومغفرته لهم
وفيه تدرج في بيان عظم هذه الرحمة والمغفرة
فإنه سبحانه وتعالى في البدايه يبين انه يغفر لمن يدعوه ويرجوه ثم يتدرج فيبين أنه يغفر لمن يستغفره ولو بلغت ذنوبه عنان السماء، ثم يبين أخيرا أنه حتى ولم يستغفره العاصي فإنه يغفر له ما لم يشرك به.
واي رحمة ومغفرة أعظم مه هذه الرحمة والمغفرة!!
الوجه السادس: أن الزيادة التي أدرجها هذا المدعي في الحديث والتي هي :" قال إبليس : وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ،فقال سبحانه وتعالى: وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" وذلك لتساعده في خطته ليست من نفس حديث "ابن آدم"
فحديث "أبن آدم " من رواية انس بن مالك رضي الله عنه وأما حديث "قال الشيطان" فهو حديث آخر من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
فلا أدري كيف ادرجها هذا الاباضي في حديث "ابن آدم"
هل هو الكذب والتدليس أم هو الجهل؟!!
وإلا فليخرج لنا هذه الروايه التي تجمع الروايتين معا، فقد بحثت عنها ولم أجدها
هذا ما اردت بيانه، فإن كان صوابا فمن الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
28-12-11, 06:12 PM
العرض العادي
