تقارير نيروزية (1)
قد بدأت العطلة النيروزية التي ستستغرق سبعة أيام للموظفين وعشرين يوماً لطلبة الجامعات والمدارس, وفي رأيي وحسب تجارب السنين الماضية فأن كل الدوائر تعطل عشرين يوماً احتفالاً بحلول السنة الإيرانية الجديدة التي يسمون حلولها عيد نيروز.
الجدير بالذكر أن الإيرانيين يعطلون لأعياد المسلمين يوماً واحداً لا اكثر.
ومهما طالب العرب الأحوازيون الإيرانيين بأن يزودوا عطلة عيد الفطر أو عيد الأضحى يوماً اكثر فلا جدوى من مطالبتهم.
صممت مع زوجتي وأطفالي أن نتجول في الأحواز العاصمة كي نكسب أخباراً عن انتفاضتنا ونزور أصدقاءنا القدامى فنصيب عصفورين بحجر.
و(قلعة كنعان) كانت أول المحطات لجولتنا بعد عدم تمكننا للسفر إلى الدورق بسبب إغلاق الطريق المؤدي إلى هذه المحافظة العربية حيث كانت النيران ملتهبة جراء الانفجارات التي استهدفت أنابيب النفط فأدت إلى سد الطريق.
يسكن في القلعة آلاف العرب, وكلهم فقراء الحال سوى القليل منهم يملك سيارات و محلات تجارية ولا يتجاوز عددهم أصابع اليد.
فإن بعض المجاري فائضة في وسط الشوارع ورائحة عفنة تفوح منها وهذا اكبر دليل على حرمان هذه المدينة العربية.
يقول الشباب الذين التقيت بهم:
سبب فقر حارتنا هو أنها عربية!
وبسبب عروبتنا سدت الشركات أبوابها بوجوهنا وأصبحنا
بطالين لا عمل لدينا.
كانت الشعارات التي قد كتبت على الحيطان, شطب فوقها ولكن كان بإمكاني قراءتها, شعارات حول الانتفاضة النيسانية.
( هنا الأحواز, عاش الأحواز, عاش العرب,رسم العلم الأحوازي)
سألت عن أبي سمير, قيل لي أنه مازال مسجوناً.
أبو سمير الناصري أحد المثقفين في القلعة وقد اعتقله النظام لأسباب غير معلومة, كما اعتقل العشرات من القلعة ثم افرج عنهم. وبالحقيقة صار بإمكان النظام الإيراني أن يعتقل كل أحوازي ويتهمه بالانفصال أو بتحريض الشعب أو يلصق به أية تهمة واهية أخرى ليسجنه أو يعدمه كما أعدم الشابين مهدي حنتوش و على عودة, أو كما سجن عبدالرضا بيت سخري ( أبو خالد ) و حسين النواصري ( أبو علي ) والمئات مثل هؤلاء قد أتطرق إلى بعضهم بتقارير أخرى.
نقلوا لي أن بعض الشباب نصبوا علم الأحواز فوق أعمدة الكهرباء, ولما جاء جنود الاحتلال ليزيحوه, قام قاسم اقطيف الزبيدي الذي لا يتجاوز الخمسة عشرة من العمر برمي الحجر عليهم ولما طاردوه اختفى في أحد البيوت, ثم رجع مرة ثانية وهو يرمي صوبهم الحجر فطاردوه كلهم مرة ثانية وحاصروه, وعندما لجأ في بيت خاله اعتقلوه وضربوه بالهراوة ضرباً مبرحاً, ثم اعتقل لأسبوعين ثم افرج عنه.
سألت أصدقائي: هل بإمكاني أن أرى هذا الطفل البطل.
قالوا: ما عليك إلا الانتظار حتى يرجع من عمله!
كنا جالسين والشمس قد غربت فجاء ابن صديقي الذي كنت في ضيافته راكضاً فقالبويه ها اجه اقويسم )
فأسرعت لأري البطل الشجاع قاسم اقطيف الزبيدي.
وكم حزنت حين رأيته يدفع عربانته يبيع و يشتري الخبز اليابس وملابسه بالية, فتأثرت كثيراً وكم تمنيت أن ترى هذا المشهد ( الروائية أمل الأحوازي ) لتكتب قصة رائعة عن مرارة حال الأحوازيين.
والنفط يجري تحت أقدامهم ولكن لا نصيب لهم منه.
وهناك كريم الحيدري كما يسميه أصدقاءه, لا يبلغ من العمر عشرة أعوام, وشال العلم الأحوازي وركض في شوارع الملاشية وهي حارة عربية أيضاً ويقطنها الألوف من العرب,
ولما رآه الجنود الإيرانيون أطلقوا نحوه الرصاص فأصيب بساقيه إصابات بالغة حيث لم يتمكن الأطباء من إخراج الرصاص من رجليه, فطلبوا من أبيه ثلاثين مليون ريال إيراني (أربعة آلاف دولار تقريباً) لإجراء عملية لرجليه.
وأبوه فقير لا يملك المئة دولار, فتبرع أحد الأحوازيين بالمبلغ وأجريت العملية.
وطلبت أن أرى هذا البطل, فقيل لي أنه ما زال في المستشفى وقد يراقبه رجال الاستخبارات.
احتلال لا يرحم. لا كريم و لا قاسم ولا عماد حبيب الذي لا يبلغ الأربعة أعوام من العمر وما زال هو وأمه مسجونين عند أقزام الاستخبارات.
عادل العابر -الأحواز