مليشيات ومنظمات مسلحة تابعة لايران تتوغل في العراق
أشكال النفوذ الإيراني في العراق:
أولاً، النفوذ العسكري: يتجسد النفوذ العسكري الإيراني في العراق في شكلين: ”قوات القدس” التي يقودها الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ومن جهة أخرى من خلال المليشيات العراقية. واحدة منها تأسست في إيران في الثمانينات، وجميعها بدون إستثناء شُكِّلت من قِبل إيران مباشرة أو عناصر موالية لها بعد غزو العراق واحتلاله.
(أ) فيلق القدس: يُعتبر فيلق القدس، الذي تأسس عام 1980 خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980-1988)، فرعاً خاصاً لـ ”العمليات الخاصة” لقوة حرس الثورة (باسداران)، وهو المسؤول المباشر عن كافة الميليشيات التي تعمل في العراق من ناحية التمويل، والتسليح، والتدريب، والقيادة.
تم تقديم قوة القدس على أنها ”النخبة” من باسدران، لكنها هي الأخرى تمتلك وحدات خاصة قتالية، وإستخباراتية تقليدية، بل حتى دبلوماسية. يقول برنار هوركيد، مدير الأبحاث الخاصة بإيران في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية (سي أن آر أس) في كتابه ”جيوبوليتيك دو إيران” (2016): هذه الوحدة الخاصة، الملحقة مباشرة بآية الله (القائد الأعلى) علي خامنئي، قوية في عملياتها الخارجية حيث قدمت الدعم اللوجستي للأكراد العراقيين في ظل حكم حزب البعث، ولها نشاطات في لبنان، بلوشستان، البوسنة، سوريا…الخ).
(ب) الميليشيات العراقية: بدأت بمليشيا واحدة فقط بعد الغزو مباشرة، لتتضاعف بسرعة فائقة إلى 23 ميليشيا في 2006، قبل أن تصل الآن إلى أكثر من 60 ميليشيا حسب جرد دقيق أجراه ”مركز جنيف للعدالة” عام 2016. هذه الميليشيات لا تزال تتزايد كتزايد الفِطر في الغابة.
جميع الميليشيات الستين إيرانية الصنع، والتمويل، والقيادة، والتوجيه، وجميعها تأتمر بصورة مباشرة أو غير مباشرة بأوامر القيادة الإيرانية، حسب إعتراف بهذا المعنى قدمه السفير الأمريكي الأسبق في العراق، زلماي خليل زاد، لصحيفة واشنطن بوست في آذار/مارس 2006. ويقدر بعض الخبراء عدد النشطاء الإيرانيين في العراق بحدود 30 ألف عنصر.
كما شهد قادة من الجيش الأمريكي مِمَن خدموا في جنوب العراق أمام الكونغرس أن إيران تقوم بتدريب المقاتلين العراقيين المنتمين للميليشيات الموالية لها، وأقامت طرق عبور آمنة مع جارتها العراق لتسريب الناشطين والأسلحة، وتتولى مساعدة الميليشيات في تنفيذ أنشطتها الإرهابية (ستيفن لي، وتوم شانكر، نيورورك تايمز، 29 أيلول/سبتمبر 2010).
أغلب عناصر هذه الميليشيات هم في الواقع من الشباب العاطل عن العمل. جميعها لديها ”فرق للموت” تقوم بأعمال تصفيات، وإغتيالات، وخطف، خاصة لأعضاء حزب البعث. غير أن جزءً من نشاطاتها يتعلق بالسرقة، والتهريب، والسطو المسلح، ونهب الأموال حسب إعتراف مسؤولين عراقيين، بضمنهم رئيس الوزراء نوري المالكي، عندما إتهم مليشيا المهدي التابعة لمقتدى الصدر بالسيطرة على مراكز تصدير النفط في البصرة، وبيع النفط لمصلحتها.
يتجلى النفوذ العسكري الإيراني بشكلٍ واضح في قوات ”الحشد الشعبي” التي جاءت في وقتٍ لاحق تحت ذريعة محاربة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، تقع هذه القوة تحتَ أمرة الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، ويشرف عليها ميدانياً، هادي العامري، وأبو مهدي المهندس. الإثنان الأخيران هما عضوان سابقان في الحرس الثوري الإيراني، ويحملان الجنسية الإيرانية، على الرغم من أن الأول تولى أكثر من منصب وزاري، والثاني أصبح عضواً في مجلس النواب.
بخلاف قوة القدس والميليشيات مارست إيران نفوذاً عسكرياً مباشراً على العراق، فقد توغلت القوات العسكرية الإيرانية في عدة مناسبات في عمق الأراضي العراقية، سواء للإستيلاء بصورة مؤقتة على حقل نفطي، أو محاولة الإستيلاء الدائم على أراضٍ عراقية.
في كانون الأول/ديسمبر 2009 زعمت إيران لأول مرة أن حقل نفط مجنون في محافظة ميسان هو حقلٌ ”متنازع عليه”، فحرَّكت قواتها إلى داخل الأراضي العراقية لتحتل الحقل. لكنها أضطرت إلى الإنسحاب تحت ضغوط أمريكية. يعود إكتشاف هذا الحقل إلى بداية سبعينات القرن الماضي، غير أنه لم يسبق لإيران أن أعلنت على مدى 45 عاماً أن هذا الحقل ”مُتنازع عليه” مع العراق.
قبل ذلك، إحتلت إيران بعد أسابيع قليلة من الغزو الأميركي عام 2003 جزيرة أم الرصاص في شط العرب جنوب مدينة البصرة، غير أنها إنسحبت منها تحت ضغط دبلوماسي مارسته بريطانيا التي كانت تتولى إدارة منطقة البصرة بعد الإحتلال. عادت إيران الكرَّة، فاحتلت الجزيرة في آذار/مارس 2009، غير أنها أضطرت للإنسحاب مرة أخرى.
قبل عام من إنسحاب القوات الأمريكية والبريطانية من العراق، أجرت إيران مناورة بريه بالقرب من الحدود العراقية. كانت تلك المناورة غير عادية من حيث نطاقها وموقعها. يقول، ناصر كريمي، الباحث في شؤون الدفاع في مقال له (واشنطن بوست 13 كانون الأول/ديسمبر 2010): حتى الآن، لم تُثر الأعمال الإيرانية هذه ردة فعل عراقيه (أو أميركية) حازمة بما يتجاوز الدعوة الخافتة إلى ضرورة إحترام السيادة العراقية.
الميليشيات الموالية لإيران في العراق:
يكشف تقرير للحكومة الأميركية أن إيران تنفق مليارات الدولارات سنوياً على الميليشيات الإرهابية، بما فيها في سوريا والعراق، على شكل دعم تقني ومالي ومادي، وأن جزءً كبيراً من ميزانية وزارة الدفاع الإيرانية، التي تراوح بين 14 و 30 مليار دولار سنويا، توجَّه إلى تمويل المليشيات المسلحة الموالية لها. تدرِّب إيران عناصر مسلحة متمركزة في سوريا والعراق بمنحها راتباً يراوح بين 500 و 1000 دولار شهرياً(3).
إذ كان حزب الله هو الذراع الإيراني العابر للحدود الذي يخترق كل مكان من أجل توسيع النفوذ الإيراني في جميع انحاء العالم، إلا أن هناك ميليشيات أخرى عراقية بدأت تأخذ دوراً لا يقل أهمية عن حزب الله في تنفيذ مخططات إيران التوسعية. هنا نتناول أهم المليشيات التي تدعمها إيران في العراق، وتعمل داخل حدود العراق وفي خارجه، سوريا تحديداً.
فيلق بدر
تاسس في طهران عام 1981 من قبل ”المجلس الإسلامي الأعلى للثورة الإسلامية في العراق” الذي كان قد تأسس هو الآخر في طهران برئاسة رجل الدين، محمد باقر الحكيم (أغتيل في آب/آغسطس 2003 بعد أشهر من الغزو الأمريكي للبلاد). يُعتقد أنه أقوى ميليشيا في العراق في الوقت الحاضر من حيث العدد والتسليح والتدريب بسبب الدعم الذي يتلقاه من إيران وتحديداً من فيلق الحرس الثوري الإيراني.
خلال الحملة التي شنتها حكومة الإحتلال بقيادة الولايات المتحدة على مجموعات الميليشيات، غيَّرت الميليشيات إسمها من ”فيلق بدر” إلى ”منظمة بدر للتعمير والتنمية”، وتعهدت بنزع أسلحتها. بيد أن المجموعة ظلت مسلحة، وتعمل اليوم بشكل رئيسي كقوة عسكرية متكاملة.
يرأسها حالياً، هادي العامري، وزير النقل السابق في حكومة نوري المالكي. تضم كتائب بدر نحو 12 ألف عضو، إنضم معظمهم إلى صفوف الجيش وقوات الأمن العراقية، وتولوا مناصب قيادية داخل إدارات الدفاع والإستخبارات. هذه الميليشيا مُتهمة بأنها تقف وراء إغتيال عدد كبير من قادة الجيش العراقي السابق، والأكاديميين، وضباط القوات الجوية، والطيارين، وكذلك أعضاء حزب البعث المحظور.
جيش المهدي
تأسس الجناح المسلح للحركة الصدرية بقياده مقتدي الصدر في أيلول/سبتمبر 2003. يقدر عدد عناصره في حينه بنحو 60 ألف عنصر. هذه الميليشيا لعبت دوراً رئيساً في أعمال القتل الطائفي في بداية الإحتلال. من المفارقات أن أفراد ”جيش المهدي” كانوا يخرجون بعد منتصف الليل خلال فترة حظر التجول الذي تفرضه القوات الأمريكية وأحياناً في سيارات الشرطة، لتنفيذ عمليات إغتيال وتصفيات ضد مَن تعتبرهم من أنصار الحكم الوطني السابق، علاوة على إغتيالات طائفية الصبغة.
عصائب أهل الحق
ظهرت عصائب أهل الحق في 2004 كواحدة من فصائل جيش المهدي تحت اسم ”المجموعات الخاصة". تولى أحد المقربين من مقتدي الصدر مع عبد الهادي الدراجي، وأكرم الكعبي، وقيس الخزعلي، قيادة هذه المجموعة منذ أوائل تأسيسها. في بداية 2006، تصرفت الحركة بصورة أكثر إستقلالية. في 2007، إنشق، قيس الخزعلي، عن الحركة الصدرية ليجعل من هذه ”المجموعة الخاصة” التابعة لجيش المهدي ميليشيا خاصة به تحت اسم ”عصائب أهل الحق”.
تكشف تقارير غربية أن الخزعلي يقوم بنشاطاته حالياً تحت رعاية قائد قوات القدس التابعة لحراس الثورة الإيرانية. تم تصنيف هذه الميليشيا على أنها واحدة من أكثر الفصائل الموالية لإيران تطرفاً، وانها متورطة على نطاق واسع في أعمال العنف الطائفي بين 2006 و2007 تستفيد من أسلحة عالية الجودة وموارد مادية عالية.
تزعم هذه الميليشيا أنها نفذت نحو 6 آلاف هجوم ضد القوات الامريكيه وحلفاؤها والقوات العراقية، غير أن هذا الزعم لم تؤكده القوات المتحالفة في العراق. المشهور من نشاطات هذه الميليشيا، إختطافها مهندسين بريطانيين في مجال النفط وشن هجمات ضد القوات الأمريكية في 2007.
في العام نفسه، ألقي القبض علي الخزعلي. لكن إثر تدخل إيراني وموافقة الحكومة الأمريكية، أطلقت الحكومة العراقية في سبتمبر 2009 سراح نحو مئتي معتقل من العصائب، كما أطلقت القوات الأمريكية سراح 5 من كِبار قادتها، هم: عبد الهادي الدراجي، وحسن سالم، وصالح الجيزاني، وليث الخزعلي، وأبو سجاد وهو شقيق قائد هذه الميليشيا قيس الخزعلي، الذي أطلق سراحه في 2010. تم إظهار تحرير الخزعلي على أنه جزء من إتفاق تبادل مخطوفين أبرمته حكومة المالكي مع العصائب، دون ذكر دور للولايات المتحدة وإيران في هذا الشأن.
جيش المختار
هو جزء من المليشيات المرتبطة بحزب الله وإيران حسب إقرار زعيم الميليشيا رجل الدين، واثق البطاط، الذي يرفع نفس علم حزب الله الأصفر لكن بشعارات مُختلفة. دعا البطاط علناً في أكثر من مناسبة إلى قتل أعضاء حزب البعث، وقال أن منظمته تنشط في هذا المجال. تباهى البطاط نفسه منذ بداية تأسيس منظمته في حزيران/يونيو 2010 بأنه لا يُبالي أن يتم تسمية منظمته بـ ”الإرهابية”.
لا يزال البطاط يعلن ولاءه المطلق لمرشد الثورة الإيراني، علي خامنئي، وقال انه سيقاتل إلى جانب إيران إذا دخلت في حرب مع العراق، مُرجعاً ذلك إلى أسباب مذهبية، معتبراً أن خامنئي ”نائب الإمام الغائب”. إرتكبت المنظمة عديداً من الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة بما في ذلك إطلاق صاروخ من صحراء السماوة في جنوب شرق العراق استهدف الحدود السعودية. يُقدر عدد أفراد ميليشيا جيش المختار بنحو 40,000 عنصر.
لواء أبو الفضل العباس
أنشئت هذه الميليشيا في 2011 من قبل قاسم الطائي. يرأس هذه المنظمة علاء الكعبي، الذي إلتحق سابقاً بعصائب أهل الحق، وحزب الله العراقي، والتيار الصدري.
تُعتبر ميليشيا أبو الفضل العباس واحدة من أوائل الميليشيات المسلحة التي تدخلت عسكرياً في سوريا إلى جانب النظام السوري، وقامت بالعديد من العمليات الإرهابية، والطائفية بحجة الدفاع عن المراقد المُقدسة.
كتائب القدس
أُنشِئت هذه الميليشيا من قِبل إيران، ويديرها قاسم سليماني ولها تدريب عسكري رفيع المستوي بسبب الدعم الإيراني. يقدر عدد هذه الميليشيا داخل العراق بنحو 1200 مُقاتل.
كتيبه الزهراء
هي ميليشيات إيرانية في سوريا تم تشكيلها مِن قِبل سكان قرية الزهراء في محافظه حلب بفضل دعم إيراني بحجة حماية قريتهم. القرويون هم جزء من كتيبة قتالية مستقلة يعملون في اللجان الشعبية لكن تحت توجيه وإشراف إيرانيين.
ليس من داعٍ للقول أن هذا العدد الضخم للميليشيات العراقية الذي قام ”مركز جنيف الدولي للعدالة” بتوثيق أكثر مِن 60 ميليشيا داخل العراق، مُدجج بالسلاح إلى أسنانه. وبحكم هذا الواقع، ومع هذا العدد الهائل للمنتمين إليها، فرضت هذه الميليشيات تحديات خطيرة على الأمن والنظام في البلاد، حيث إتجه أغلبها نحو إرتكاب أعمال سطو، وسرقة، وخطف، وابتزاز، والدخول في نشاطات غير مشروعة، كالدعارة، وتجارة المخدرات، وإغواء العائلات الفقيرة على تجنيد أطفالهم ضمن الميليشيات مقابل عائد مالي.
هذه الميليشيات - التي يدعمها زعماء دينيون - تجبر الأسر على إرسال أطفالها إلى معسكرات التدريب لتكون جاهزة للقتال. منذ عام 2014، قامت هذه الميليشيّات المسلّحة بالفعل بتجنيد مئات الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 14 و15 سنة، وهي لا تزال حتى اليوم تتمتع بالإفلات التام من العقاب.
عن جريمة تجنيد الأطفال من قِبل الميليشييات العراقية، وضع الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الدوري عن العراق بتاريخ 24 آب/آغسطس 2017 (4) ”الحشد الشعبي”، الذي أضفت عليه الحكومة العراقية صفة عسكرية رسمية، جنباً إلى جنب مع ”داعش” في تجنيد الأطفال، وشراء بعضهم بالأموال للإنتماء إلى الحشد. تضمّن التقرير للمرّة الأولى حالات موثّقة عن انتهاكات استهدفت الأطفال في العراق من قبل ميليشيا الحشد الشعبي والقوات الأمنيّة الحكومية تضمّنت القتل، والإحتجاز، والتجنيد الإجباري، والعنف الجنسي.
قال الأمين العام في الفقرة 76 من التقرير (تم تقديمه عملاً بقرار مجلس الأمن 2225/2015، ويُغطي الفترة من كانون الثاني/يناير إلى كانون الأول/ديسمبر 2016) ما نصه: أفادت التقارير ان ما لا يقل عن 168 من الصبيان جُنِّدوا واستخدموا من قبل أطراف النزاع،