قال الإمام ابن القيم ... فأعظم أسباب شرح الصدر:
1- التوحيد .. وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون إنشراح صدر صاحبه قال تعالى: أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه (الزمر:22)
وقال تعالى: فمن يرِد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء (الأنعام:125)
فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر
والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه
2- النور .. الذي يقذفه الله في قلب العبد .. وهو نور الإيمان
فإنه يشرح الصدر ويوسعه ويفرح القلب
فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج
وصار في أضيق سجن وأصعبه
قال صلى الله عليه وسلم: إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح
قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله ؟
قال: الإنابة إلى دار الخلود .. والتجافي عن دار الغرور .. والاستعداد للموت قبل نزوله ..
3- العلم .. فإنه يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا
... والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس ...
فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع
... وليس هذا لكل علم ...
بل للعلم الموروث عن الرسول وهو العلم النافع
فأهله أشرح الناس صدراً ... وأوسعهم قلوباً ...
وأحسنهم أخلاقاً ... وأطيبهم عيشاً ...
4- الإنابة إلى الله .. سبحانه وتعالى ومحبته بكل القلب
والإقبال عليه والتنعم بعبادته ... فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك
وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر وطيب النفس ونعيم القلب ...
لا يعرفه إلا من له حس به
وكلما كانت المحبة أقوى وأشد ... كان الصدر أفسح وأشرح
ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن
فرؤيتهم قذى عينه ... ومخالطتهم حمى روحه.
5- دوام ذكره .. على كل حال وفي كل موطن
فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب
وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه
6- الإحسان .. إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه
والنفع بالبدن وأنواع الإحسان
فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا .. وأطيبهم نفساً .. وأنعمهم قلباً
والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدراً .. وأنكدهم عيشاً .. وأعظمهم هماً
7- الشجاعة .. فإن الشجاع منشرح الصدر .. متسع القلب ..
والجبان .. أضيق الناس صدراً .. وأحصرهم قلباً .. لا فرحة له ولا سرور
ولا لذة له ولا نعيم .. إلا من جنس ما للحيوان البهيمي !!!
وأما سرور الروح ولذتها ونعيمها وابتهاجها ... فمحرم على كل جبان ... كما هو محرم على كل بخيل ... وعلى كل معرض عن الله سبحانه ... غافل عن ذكره ... جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه ... متعلق القلب بغيره ...
وأن هذا النعيم والسرور يصير في القبر رياضاً وجنة
وذلك الضيق والحصر ينقلب في القبر عذاباً وسجناً
فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر .. نعيماً وعذاباً ..
وسجناً وانطلاقاً ..
8- ومن أعظم أسباب ضيق الصدر .. الأعراض عن الله
وتعلق القلب بغيره .. والغفلة عن ذكره .. ومحبة سواه
فإن من أحب شيئاً غير الله عذب به .. وسجن قلبه في محبة ذلك الغير ..
فما في الأرض أشقى .. ولا أنكد عيشاً .. ولا أتعب قلباً منه
9- ترك فضول .. النظر .. والكلام .. والإستماع .. والمخالطة .. والأكل .. والنوم ..
فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً .. وهموماً في القلب تحصره وتحبسه وتضيقه ويتعذب بها ..
بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها ..
فلا إله إلا الله .. ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم
وما أنكد عيشه .. وما أسوأ حاله .. وما أشد حصر قلبه ...
فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى (وإن الفجار لفي جحيم) (الانفطار:14)
ولا إله إلا الله .. ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم .. وكانت همته دائرة عليها .. حائمة حولها ..
ولهذا نصيب وافر من قوله تعالى (إن الأبرار لفي نعيم) (الانفطار:13)
وبينهما مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى .
والمقصود ..... أن رسول الله كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر .. واتساع القلب .. وقرة العين .. وحياة الروح ..
وعلى حسب متابعته صلى الله عليه وسلم ينال العبد من انشراح صدره وقرة عينه ولذة روحه ما ينال ...
وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ الله لهم .. ودفاعه عنهم .. وإعزازه لهم .. ونصره لهم ..
فمن وجد خيرا فليحمد الله ... ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ...
والله المستعان
وصلى الله على رسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم .