بسم الله الرحمن الرحيم
يستدل بعض المتصوفة على أفعالهم الشركية بأنها ليست من الشرك في شيء بأحاديث وجهوها وفق اعتقاداتهم الباطلة ومنها:
اولاً: حديث: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب" رواه مسلم في صحيحه.
ثانياً: حديث: "والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها" رواه البخاري.
ثالثاً: حديث: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" رواه مالك من مراسيل الزهري.
بمثل هذه الأحاديث يستدل المتصوفة على أفعالهم بأنها ليست من الشرك إذ الشرك لا يمكن أن يقع في هذه الأمة كما زعموا.
كيف ذلك؟
فالجواب: أولاً: أن هذه الأحاديث ليست على عمومها بل هي مخصوصة، ومعلوم عند أهل الأصول أن العام الذي دخل عليه التخصيص تضعف دلالته بذلك.
ومن الأمثلة على تخصيص العام قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} لفظ المطلقات هنا عام يشمل كل مطلقة، لكن هل هو على عمومه؟
الجواب: خصص هذا العام قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} فخرجت بذلك المطلقة التي طُلقت قبل الدخول عليها فلا تشملها العدة.
ومثل تخصيص السنة بالسنة حديث: "فيما سقت السماء العشر" وهذا يشمل الكثير والقليل وكل ما خرج من الأرض وسقته السماء من ثمار وحبوب وخضروات وغيرها فهل هذا العموم على حقيقته أو هو مخصص؟
الجواب: هو مخصوص بحديث: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"
فمثل هذه العموميات التي تخصصها أحاديث أخرى يأتي كثير.
ومن الأحاديث التي خصصت هذا العموم:
اولاً: حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان" رواه أبو داود وصححه الألباني.
ثانياً: حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة" رواه البخاري.
ذي الخلصة: اسم صنمهم الذي كانوا يعبدون في الجاهلية.
ثالثاً: حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يذهب الليل والنهار حتى تُعبد اللات والعزى" رواه مسلم.
فإذا قال قائل: وما توجيه الصحيح لهذه الأحاديث؟
فالجواب: لأهل العلم عدة توجيهات للأحاديث، منها:
اولاً: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله شارحاً لحديث: "والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي" قال: أي على مجموعكم، لأن ذلك قد وقع من البعض.
ثانياً: قال ابن حجر: أن هذا خاص بالصحابة لأنه قال: "عليكم"
ثالثا: حديث: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" هذا من مراسيل الزهري وهو ضعيف، وعلى فرض صحته فالمقصود به ليس النفي لأنه كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوجد أديان وليس دين في جزيرة العرب، بل المقصود هو عدم التمكين لدينان في جزيرة العرب، وهذا على فرض صحته.
وكل الآثار التي جاءت بلفظ "لا يبقين دينان في جزيرة العرب" وبلفظ: "لا يترك بجزيرة العرب دينان" كلها المراد بها النهي عن وجود دينين في جزيرة العرب وليس المقصود النفي، وكل هذا على فرص صحتها.
رابعاً: حديث "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب" أن الشيطان يئس بنفسه لما رأى الناس تدخل في دين الله أفواجا، وهذا مثل يئس الكفار كما قال تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} فكما أن المشركين لما رأوا تمسك المسلمين بدينهم يئسوا من مراجعتهم فكذلك الشيطان يئس لما رأى عز المسلمين.
ثم إن الاستدلال بهذا الحديث يؤدي بنا إلى القول بأن الشيطان يعلم الغيب، فهل الشيطان كان يعلم الغيب حتى نستند على يأسه؟!!!!
ومن الوقائع التي تدل على أن الشرك وقع في جزيرة العرب:
أولاً: الردة الواقعة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت في قلب جزيرة العرب يقول القاضي عياض رحمه الله: (كان أهل الردة على ثلاثة أصناف: صنف عادوا لعبادة الأوثان ....) اهـ انظر الفتح (276/12)
ثانياً: القرامطة الذين أعلنوا كفرهم وزندقتهم وكانوا في جزيرة العرب بالبحرين.
وغيرهم كثير لمن أراد تتبع وقوع الشرك في جزيرة العرب.
فيتبين بهذا أن الاحتجاج بأحاديث عامة لا يصح ولا يستقيم
19-11-15, 11:42 PM
العرض العادي
