بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه.
سأتكلم في هذا الموضوع عن مسألة علم الغيب التي ما زال الله عز وجل يمدح نفسه بها وهي من خصائص ربوبيته عز وجل. وستكون على النقاط التالي:
أولاً: الآيات الدالة على اختصاص الله عز وجل بعلم الغيب.
ثانياً: الآيات الدالة على عدم معرفة الرسل بعلم الغيب.
ثالثاً: ادعاء الشيعة علم الغيب للأئمة
رابعاً: من علم الغيب المطلق.
خامساً: الله عز وجل يطلع بعض رسله على أمور من الغيب
سادساً: الفرق بين علم الله عز وجل وعلم الأئمة عند الشيعة
سابعاً: أمثلة على مصادمة ومخالفة آيات الله عز وجل
ثامناً: بعض الاثار التي يناقض بعضها بعضاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
أولاً: الآيات الدالة على اختصاص الله عز وجل بعلم الغيب.
كثيرة هي الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه تبين اختصاص الله عز وجل بعلم الغيب ونذكر منها:
أولاً: قال تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}
ثانياً: قوله تعالى: {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
ثالثاً: قال تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}
والقرآن كثيرة آياته في هذا المقام.
ثالثاً: الآيات الدالة على عدم معرفة الرسل بعلم الغيب.
لا شك ولا ريب أن رسل الله عز وجل هم أفضل البشرية عند الله عز وجل ولذلك اصطفاهم سبحانه وبحمده بحكمته وفضله قال تعالى: {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}
نوح عليهالسلام
قال تعالى: {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ}
إبراهيم عليه السلام
قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ{24} إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ}إلى قوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}فها هو أبو الأنبياء لايعلم حال الملائكة ولا يعلم ما خطبهم.
لوط عليه السلام
قال تعالى: {قَالُواْ يَا لُوطُإ ِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ}ظن لوط عليه السلام في بادئ الأمر أن هؤلاء بشر مثله وأراد الدفاع عنهم حتى أخبروه أنهم رسل ربه إليه.
يعقوب عليه السلام
قال تعالى: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} ولو كان يعلم ما يدبرونه لما أرسله معهم.
موسى عليه السلام
قال تعالى: {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}ولو كان يعلم الغيب لما احتاج لهذا الرجل أن يخبره أن الملأ يأتمرون به. ولما سأله فرعون{قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى{51} قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَايَنسَى}أرجع العلم لله عز وجل. وقصته مع الخضر خير دليل على عدم علمه بالغيب عليه السلام.
سليمان عليهالسلام
سليمان عليه السلام سخر الله له ما لم يسخره لأحد من العالمين ومع هذا اقرأ قصته مع الهدهد الذي أحاط بشيء لم يحط به سليمان عليه السلام، قال تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ{20} لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَان ٍمُّبِينٍ{21} فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}
زكريا عليهالسلام
لم يكن يعلم من أين يأتي الطعام إلى مريم قال تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاًحَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال تعالى حكاية عنه: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
الملائكة عليهم السلام وهم المقربين من الله عز وجل لا يعلمون الغيب وقد ذكر الله عز وجل حالهم لما خلق آدم عليه السلام فقال عنهم: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}
والآيات في هذا كثيرةجداً لمن تأمل.
ثالثاً: ادعاء الشيعة علم الغيب للأئمة
عندما نقول الأئمة عند الشيعة يعني أئمة أهل البيت رضي الله عنهم، فقد ادعى الشيعة لهؤلاء الأئمة رضي الله عنهم، وهم (أي الأئمة) يتبرؤون من هذا الادعاء.
أولاً: جاء عن الصادق في بحار الأنوار أنه قال: والله لقد أُعطينا علم الأولين والآخرين. فقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟ فقال له: ويحك إني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء ... إلى أن قال: والله لو أردت أن أحصي كل حصاة عليها لأخبرتكم. (بحار الأنوار 26/27)
ثانياً: روى الكليني عن أبي عبد الله أنه قال: إني لأعلم ما في السموات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان ما يكون. (الكافي 1/261).
ثالثاً: روى ابن رستم الطبري عن الفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله: جعلت فداك ما لإبليس من السلطان؟ قال: ما يوسوس في صدور الناس. قلت: ما لملك الموت؟ قال: قبض أرواح الناس. قلت: وهما سلطان على من في المشرق والمغرب؟ قال: نعم. قلت: فما لك أنت؟ قال: أعلم ما في المشرق والمغرب، وما في السموات والأرض وما في البر والبحر وعدد ما فيهن وذلك لا لإبليس ولا لملك الموت. (دلائل الإمامة 125).
رابعاً: عن أبي جعفر قال: والذي نفسي بيده إني لأعلم علم النبي صلى الله عليه وسلم وعلم ما كان وما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة.
وسأكتفي بهذه الروايات، وسأذكر بعضها في مبحث تناقضات الرافضة.
رابعاً: من علم الغيب المطلق.
هناك من العلم الغيب المطلق الذي صرح الله عز وجل به بالنص أنه لم يطلع أحد من خلقه عليه، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، وهو علم الساعة ومفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، فعلم الساعة كثير ما كان يُسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيرد علمها إلى الله عز وجل {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} وكذلك مفاتح الغيب {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} وقد جاء ذكرها في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} فهذه بالنص لم يطلع الله عز وجل أحداً من خلقه عليها، ولم يخالف في هذا إلا الشيعة وسأكتفي بذكر نص من نصوص الشيعة يُبين مخالفتهم لنص القرآن بوب الكليني بقوله: أن الأئمة يعلمون منى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم. (أصول الكافي 1/258). وقولهم أنهم يعلمون ما كان وما يكون يلزم منه أنهم يعلمون هذه الخمسة التي نص الله عز وجل أنه لا يعلمها إلا هو.
خامساً: الله عز وجل يطلع بعض رسله على أمور من الغيب
بعد قراءة الآيات السابقة والتي تبين أن علم الغيب هو من خصائص الله عز وجل، وهو وحده العالم بالغيب، وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن يعلمه كل موحد، نأتي للرسل عليهم السلام، فهم بشر كغيرهم من البشر كما حكى ذلك الله عز وجل عنهما فقال: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} ولاحظ أن هذه الكلمة ليست عابرة هكذا أو هي زائدة في القرآن، لا، وإنما لتعلم أن الرسول بشر له قدرات البشر التي خلقه الله عز وجل عليها ولذلك لما أراد كفار قريش من النبي بعض الأمور كأن يسقط عليهم كسفاً من السماء او يرقى في السماء وغير ذلك، ماذا كان جوابه عليه الصلاة والسلام؟ قال تعالى حكاية عن ذلك {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} فهذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان يعتريه الجوع والمرض ويحتاج إلى الطعام وإلى إخراجه، فكل ما يكون من الطبيعة البشرية فهو لا يزيد عنها.
ولكن استثنى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور، وأي استثناء من هذا الأصل لابد أن يكون بدليل، فمن ذلك أنه اصطفاه سبحانه وبحمده ليكون رسولاً للعالمين، وكذلك اصطفاه بأن أطلعه على بعض الغيبيات وليس كل الغيب، بل جزء يسير مما يمكن لعقول البشر أن تحتويه، وليس كل الغيب الذي لا يستطيعه عقل بشري.
وهذا الاستثناء جاء في قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} فلاحظ كلمة (رسول) يعني ليس كل أحد بل رسول من الله عز وجل يوحى إليه. وهذه الآية لا تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانه الرسل من قبله، فلا أحد بعده يدخل في هذه الآية أبداً إذ لا رسول بعده.
وهذه الآية دائماً ما يحتج بها الشيعة في قولهم أن الأئمة يعلمون الغيب، ويستدلون بها، وهي في الحقيقة عليهم وليست لهم، فمن حكمة الله عز وجل أن قال {ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} ولم يقل: إلا من ارتضى من خلقه، إذ أن لفظة (خلقه) يدخل فيها الرسول وغيره من المخلوقات، أما لفظة (رسول) حصراً في الرسل فقط. وقد أكد هذا سبحانه وبحمده في آية أخرى فقال: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ} ففي بداية الآية خاطب المؤمنين بما فيهم أئمة أهل البيت، بأنه لن يطلع أحد من المؤمنين على الغيب، ثم استثنى من ذلك الرسل فقط.
ولكن هنا أمر مهم: وهو أن الشيعة يقولون الله أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم، والأئمة ورثوا علم النبي صلى الله عليه وسلم فما الجواب عن ذلك؟
فالجواب: نعم هم يقولون بذلك بل ويستدلون بآثار زعموا أنها عن الأئمة رضي الله عنهم، وهذا كله لا دليل عليه، وإنما يقال لهم: هذا الذي تزعمون أن الأئمة ورثوه من النبي صلى الله عليه وسلم هل هو العلم الشرعي المتعلق بالأحكام الشرعية، أم هو العلم القدري وهو ما يتعلق بأقدار الله عز وجل وهو علم ما كان وما يكون؟ بالعودة إلى الآثار التي رووها عن أئمتهم زوراً وبهتاناً يرى أنهم يدعون كلا العلمين (الشرعي والقدري) ولكن هذا يلزم منه أمور، منها:
اولاً: إذا ورثوا من النبي صلى الله عليه وسلم العلم الحق فلماذا تشعب الحق عندهم وأصبح كل مدرسة تدعي أن ما عندها هو علم آل البيت الذي ورثوه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فمن ورث الحق الذي يجب اتباعه؟!!
ثانياً: إذا كان المقصود العلم القدري فإنا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى عن نفسه علم الغيب {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وأنتم تقولون أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون (مطلق الغيب) فلا يخرج من علم ما كان وما يكون شيء، بل زعمتم أنهم يعلمون في ما بينهم وما بين قيام الساعة، وهذا يؤدي إلى أمرين:
الأمر الأول: أنهم أكثر علماً من النبي صلى الله عليه وسلم إذ أنه صلى الله عليه وسلم نفى علم الغيب عن نفسه، وأنتم أثبتموه كله للأئمة.
الأمر الثاني: أن طريق علمهم ليس وراثة من النبي صلى الله عليه وسلم كما تدعون لأن الوارث لا يزيد عن الموروث، فما تركه المورث هو نفسه ما سيأخذه الوارث، فإن زاد عن ما ورثه لا يصح ان يقال أن هذا ورثته من فلان، وأنتم تقولون أن عندهم من العلم ما يكون على قيام الساعة، وهذا منفي في حق النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا قال قائل: قد يتحصلون على علم الغيب من الإلهام؟
فالجواب: الإلهام هو كما قال ابن الأثير: الإلهام أن يلقي الله في النفس أمراً يبعثه على الفعل أو الترك، وهو نوع من الوحي. وهو أنواع منها:
الإلهام للإنسان كالوحي لأم موسى عليه السلام {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي}
وهناك الإلهام الجبلي للحيوان كالوحي إلى النحل {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}
فالإلهام هنا لا يختص بشخص دون آخر، فكل واحد منا ربما كان مقدماً على أمر فالهمه الله عز وجل الرجوع عنه فرجع عنه وكان خيراً له، فهل معنى هذا أنه كان يعلم الغيب ولذلك لم يقدم على الأمر بل تركه؟! لا يقول بهذا عاقل.
فقول الشيعة أن أئمتهم يعلمون الغيب بالإلهام لا وجه له، إذ لو كان كذلك لكان كل أحد يقول ألهمني الله الأمر الفلاني وبذلك أصبح عالماً للغيب!! فيصبح عقيدة لابد أن نعتقدها فيه.
سادساً: الفرق بين علم الله عز وجل وعلم الأئمة عند الشيعة
لا يختلف علم الله عز وجل وعلم الأئمة عند الشيعة في الكمية ولكن يختلف في الكيفية، كيف ذلك؟
عندما تعود أيها القارئ الكريم إلى ما يرويه الشيعة عن الأئمة مثل قول ابي عبد الله: أعلم ما في المشرق والمغرب، وما في السموات والأرض وما في البر والبحر وعدد ما فيهن. ومثل قولهم أنهم يعلمون ما كان وما يكون إلى قيام الساعة. كل هذا يبين لك كمية العلم الذي يدعونه للأئمة، وهذا هو الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، فقد ساووا بين الله عز وجل وبين الأئمة في علم الغيب، وإنما افترق الله عن الأئمة (بحد زعمهم) أن الله لم يعلمه أحد، وأما الأئمة فعلمهم الله عز وجل. فهذا هو الفرق الوحيد بين علم الله عز وجل وعلم الأئمة عندهم. نسال الله العافية والسلامة.
سابعاً: أمثلة على مصادمة ومخالفة آيات الله عز وجل
أولاً: قال الله تعالى: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
في المقابل: يقول الشيعة عن ابي عبد الله أنه يعلم ما في السموات والأرض (دلائل الإمامة 125).
ثانياً: يقول الله عز وجل: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}
وفي المقابل: يقول الشيعة عن ابي عبد الله أنه يعلم ما في البر والبحر. (دلائل الإمامة 125).
ثالثاً: يقول الله عز وجل: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}
وفي المقابل: يقول الشيعة أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون إلى قيام الساعة.
رابعاً: قال تعالى: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً}
وفي المقابل: الشيعة يزعمون ان أبي عبد الله احصى عدد الحصا. (بحار الأنوار 26/27)
وغير ذلك كثير، فأقول: أي مدح لله عز وجل في كونه يعلم ما في السموات والأرض إذا كان بعض خلقه مثله يعلم ما في السموات والأرض؟!!
وأي مدح لله عز وجل في كونه يعلم ما في البر والبحر إذا كان بعض خلقه يعلم ذلك؟!!
وأي مدح لله عز وجل عندما يخبر الناس بأنه أحصى كل شيء عددا إذا كان بعض خلقه أحصى عدد الحصى في الأرض؟!!!
عندما يمدح الله عز وجل نفسه بشيء لا يمدح نفسه إلا بما هو منفرد به عن خلقه فتفكروا يا عقلاء الشيعة.
ثامناً: بعض الاثار التي يناقض بعضها بعضاً.
أولاً: عن سيف ابن التمار قال: كنا مع ابي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر فقال: علينا عين؟ فالتفتنا بمنة ويسرة فلم نر أحداً فقلنا: ليس علينا عين. فقال: ورب الكعبة ورب البنية ثلاث مرات، لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما، ولأنبئهما بما ليس في أيديهما لأن موسى والخضر أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وراثة. (الكافي 1/261).
لو تأملت أيها القارئ لوجدت ان أول الحديث يناقض آخره فكيف يسأل من حوله هل عليهم عين أو لا؟! وهو الذي يدعي أنه يعلم ما كان وما يكون؟!!
ثانياً: يزعم الشيعة أن الأئمة يعلمون متى يموتون وفي نفس الوقت لا يموتون إلا مسمومين، فكيف يعلم الإمام السم الذي يقتله ثم يأكله؟!! اليس هذا انتحار؟!!
ثالثاً: تقولون إن تنازل الحسن رضي الله عنه لمعاوية من أجل حقن الدماء، فلماذا لم يحقنها علي رضي الله عنه من قبله؟! أوليس علياً كان يعلم الغيب وكان يعلم بأن تنازله لمعاوية سيكون بها حقناً للدماء.
وغير ذلك الكثير من التناقضات تُركت خشية الإطالة.
تدبروا يا عقلاء الشيعة.
22-01-15, 10:28 PM
العرض العادي
