كنت في السابقة أظن أن هذه القصة غير ثابتة بسبب الوهم الذي وقعت فيه ، وهذه الوهم سبب لي إشكالين الأول هو أن أبا حيان دخول مصر بعد وفاة البدوي بسنتين ، والإشكال الثاني وهو أخف من الأول ، وهو أن الأمير ناصر الدين دخل مصر بعد موت البدوي بعشرين سنة تقريبا والذي يخففه أن جد الأمير أسمه أيضا الأمير ناصر الدين محمد بن جنكلي فيحتمل أن يكون المقصود الجد وليس الحفيد .
وبعد أن أعدت النظر في دراسة هذه القصة تبين لي أنها صحيحة وأخرجها المقريزي في درر العقود بسند كله ثقات قال : (( أخبرنا شيخنا المقرئ النحوي شمس الدين محمد بن محمد الغماري رحمه الله قال أخبرنا شيخنا العلامة أثير الدين أبو حيان النفري رحمه الله .... القصة )) [ درر العقود الفريدة ص 77 / 3 ] .
والإشكال الأول الذي وقعت فيه سببه أني اعتمدت دخول أبي حيان لمصر هو سنة 679 ، وهذه وهم مني بل هذه تاريخ استقراره مصر وإنما هو دخل مصر قبل هذا التاريخ وطلب العلم فيها وكان سبب هجرته لمصر ما وقع له في غرناطة من مشاكل .
قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة : (( ولد في أواخر شوال سنة 654 وقرأ القرآن على الخطيب عبد الحق بن علي إفراداً وجمعاً ثم على الخطيب أبي جعفر ابن الطباع ثم على الحافظ ابن علي بن أبي الأحوص بمالقة وسمع الكثير ببلاد الأندلس وإفريقية ثم قدم الاسكندرية فقرأ القراآت على عبد النصير بن علي المربوطي وبمصر على أبي طاهر إسمعيل بن عبد الله المليجي خاتمة أصحاب أبي الجود ... الخ )) [ ص 185 / 4 ] .
وهنا ينقل الحافظ ابن حجر أنه رحل في طلب العلم ودخل الإسكندرية ومصر لطلب العلم ، وأما عن سبب استوطانه مصر المحروسة ما نقله الحافظ ابن حجر عن ابن الخطيب قال : (( كان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدة شبيبته على التعرض للأستاذ أبي جعفر ابن الطباع وقد وقعت بينه وبين أستاذه أبي جعفر ابن الزبير وحشة فنال منه وتصدى للتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته فرفع أمره للسلطان بغرناطة فانتصر له وأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى ثم أجاز البحر مختفياً ولحق بالمشرق وتكررت رحلته إلى أن حل بالديار المصرية ... الخ )) [ ص 185 – 186 / 4 ] وهنا ابن الخطيب يذكر أن أبا حيان رحلته إلى أن استقر بالديار المصرية .
أما الوهم الذي وقع به عندما قرأت هذه العبارة في الدرر الكامنة : (( وقدم أبو حيان سنة 679 فأدرك أبا طاهر المليجي ... الخ )) [ ص 186 / 4 ] . فظننت أن هذا أول دخوله مصر ، ولكن ثبت أنه له أكثر من دخول لمصر في طلب العلم ، فذهب الوهم فيكون رؤيته للبدوي قبل هذا التاريخ ، فيكون الأمير ناصر الدين هو الجد محمد بن جنكلي وليس الحفيد فيذهب الإشكالان ، والظاهر أنه رآه في آخر آية البدوي لأنه نقل أن الناس كان يأتونه أفواجا معتقدين به وهذا مما يدل على اشتهاره عند العوام .
فبعد ثبوت هذه القصة نثبت شخصية هذا الرجل والتي يا ليتها لم تثبت ، فثبوت هذه القصة لا يفرح به فما فيها منقبة واحد بل فيها إثبات ما يقال عن البدوي منه أنه لا يصلي وليس هذا فقط بل يخرج عورته أمام الناس في المسجد ويتبول أيضا ، وهذا لا يفعله إلا مجنون أو فاجر لا جعل للمسجد والمسلمين حرمة ، لا وحول ولا قوة إلا بالله .
=============
أبو عثمان