جزاك الله خيرا أستاذنا المحترم
أما النقاشات حول الصفات (التي توحي -بالنسبة لي- بالتجسيم) فلن نعيده مرة أخرى, و ربما يكون الحق معك, أنا لم أعي كل ما كتبته في ثنايا الموضوع و هذا ممكن, أنا كل يوم أتعلم شيئا جديدا فأكتشف كم كنت و لا أزال جاهلا.
أما موضوع البدوي فأنا يا أخي لا أعرفه حتى أعرفك به, لكن تكلمت أنا عن الفقه الحقيقي الذي يؤثر في الإنسان و حياته و مناخه عندما رأيتك تركز على الفقه النظري و هذا لا يعني استهانتي بالجانب النظري بل هو علم لابد له لأهل الذكر أما العامة فيجب ان يتعلم التطبيق و ينصرف للعمل و العبادة و إعمار الأرض و يعرف بأي ماء يجوز الوضوء فيتوضأ به بدل أن يبقى أيام إن لم تكن شهورا يتعلم أقسام المياه و تعريف كل قسم لغة و اصطلاحا و أقول العلماء و الاختلافات و الاجتهادات و و .., هذا الفقه الحقيقي هو الفقه العملي فإن عرفت شيئا عن ذلك فأنت عرفت فقهه, لكن شرط أن تلتزم بضوابط علم التوثيق و لا تُنسب كل ما قيل عن فلان لفلان حتى لا تظلمه. المتصوفون يا أخي موجودون و الحمد لله, و للأسف أنا لست منهم و أتمنى يوما أن أصبح منهم, فمن خلالهم تعرف فقههم الحقيقي الذي عايشته أنا مع بعضهم.
أما المتصوفة المبتدعة فقد حكم عليهم الإمام الشاطبي رحمه الله (و هو متصوف تصوف إسلامي) في فقههم حيث يقول في الاعتصام:
فهذه مجالس الذكر على الحقيقة وهي التي حرمها الله أهل البدع من هؤلاء الفقراء الذين زعموا أنهم سلكوا طريق التصوف ، وقل ما تجد منهم من يحسن قراءة الفاتحة في الصلاة إلا على اللحن ، فضلاً عن غيرها ، ولا يعرف كيف يتعبد ولا كيف يستنجي أو يتوضأ أو يغتسل من الجنابة . وكيف يعلمون ذلك وهم قد حرموا مجالس الذكر التي تغشاها الرحمة ، وتنزل فيها السكينة ، وتحف بها الملائكة فبانطماس هذا النور عنهم ضلوا ، فاقتدوا بجهال أمثالهم ، وأخذوا يقرؤون الأحاديث النبوية والآيات القرآنية فينزلونها على آرائهم ، لا على ما قال أهل العلم فيها . فخرجوا عن الصراط المستقيم ، إلى أن يجتمعوا ويقرأ أحدهم شيئاً من القرآن يكون حسن الصوت طيب النغمة جيد التلحين تشبه قراءته الغناء المذموم ، ثم يقولون : تعالوا نذكر الله فيرفعون أصواتهم يمشون ذلك الذكر مداولة ، طائفة في جهة ، وطائفة في جهة أخرى ، على صوت واحد يشبه الغناء ، ويزعمون أن هذا من مجالس الذكر المندوب إليها ، وكذبوا : فإنه لو كان حقاً لكان السلف الصالح أولى بإدراكه وفهمه والعمل به ؟ وقد قال تعالى : "ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين" والمعتدون في التفسير هم الرافعون أصواتهم بالدعاء .
أما التصوف الفلسفي فهو عميق جدا لا يفهمه حتى كبار الفلاسفة ناهيك عن العامة و المتخصصين في مجالات أخرى , فهذا ليس محل للنقاش و لا أعرف بين المسلمين من يؤمن بالحلول في صيغته الفلسفية, لكن أعرف من يقول أن الله في السماء فجعلوه يسكن السماء مثلما فعل النصارى و قولهم هذا يخرج منه القول بحلول الله في السماء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا, و إن قالوا إنه في السماء بلا كيف, قلنا لهم و كذلك قالوا الله في كل مكان بلا كيف .. المهم التصوف الفلسفي عميق جدا و لا يمكن أن نناقشه هنا بكل بساطة فـأنا عكفت على قراءة نصوص اسبينوزا الذي أخذى تصوفه من الفلاسفة المسلمين الاندلسيين و تأثر بإبن رشد و إبن سينا في عقائد حول وحدة الوجود, و الحقيقة لم أجد من أي طرف أشد الحبل في أوغال التحليلات الميثالية و المعرفية لفكر الانسان في تلك الفلسفة.
هنا يجب الإشارة إلى شيء مهم و هو أن التصوف علم مثل علم الفقه و اللغة و الحديث و غيرها من العلوم الشرعية. علم يهتم بالجانب الروحي و السلوكي للانسان للارتفاع به في مقام الروحانيات بالعبادات و الذكر, في مقام السلوك بالتواضع و الاخلاق الحميدة و الزهد و الحب و محاسبة النفس وو..
إذن: من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق
يعني من تعلم التصوف النظري و لم يطبقه في الواقع تزندق, إذا لا يمكن أن تتطبق في الواقع كيفيه افشاء السلام و قول التي هي احسن و اخفاض المومنين جناح الذل من الرحمة و اماطة الاذي عن الطريق و الصبر في الاوامر و العبادات و ذكر الله و الصلاة على رسول الله بدون أن تعرف الكيفية المنهجية مع ثبوتها من القرآن و السنة و الجماعة من الصحابة و الصحابيات و أهل البيت عليهم السلام و رضي الله عنهم.