الكذبة الأولى:
زعمه أن الإمامية يجعلون الصحابة في العدالة درجات لم يورد فيها اتهامهم بالردة:
قال في ص8:
( ولأجل ذلك ظهر اتجاهان: ....
أولاً:...... .
ثانياً: أن صحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تؤثر في سلوك الصحابي وأخلاقياته حسب
قابلياته ، فمنهم من بلغ قمة الكمال حتى أصبح يستدر به الغمام ، ومنهم من لم يبلغ هذا الشأو
ولكن استضاء بنور النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحسنت صحبته وسلمت سريرته ، ومنهم من
لم ينل إلا حظاً قليلاً ، وما هذا إلا لتفريطه وتقصيره ، والنظرية الثانية هي خيرة (أي اختيار) الشيعة
الإمامية ولفيف من غيرهم ) أهـ .
تأمل القسم الأخير والعبارة اللطيفة المخففة في الحكم على ( المقصرين من الصحابة ) ، ولا
تنسها فسيأتي ما يناقضها !
ولا أظن أني بحاجة إلى جهد كبير لأكشف كذبه ، ذلك أن هذا التقسيم يخالف الروايات المتواترة
في كتبه وأقوال علماء مذهبه .
وبيان ذلك من وجهين:
الأول: تواتر الروايات في مذهبهم على القول بردة الصحابة إلا ثلاثة أو أربعة أو خمسة :
وقد ادعى تواتر هذه الروايات المامقاني والشاهرودي وغيرهم - وسيأتي ذكر أقوالهم - .
وهذه أمثلة:
أ- عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : ( جعلت فداك ما أقلَّنا ! لو اجتمعنا على
شاة ما أفنيناها ! فقال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك: المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ، وأشار بيده ،
ثلاثة ! قال حمران فقلت: جعلت فداك ما حال عمار ؟ قال: رحم الله عماراً أبا اليقظان ، بايع وقتل
شهيداً . فقلت في نفسي: ما شئ أفضل من الشهادة . فنظر إليَّ فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة
أيهات أيهات ) الكافي 2/244 ، رجال الكشي37 .
ب- عن علي رضي الله عنه أنه قال: ( إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أربعة ) .
الأنوار النعمانية 1/81 ، السقيفة ص92 .
ج- عن الباقر رحمه الله أنه قال: ( كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة ) .
روضة الكافي ص115 ، تفسير العياشي 1/199 ، تفسير الصافي1/148 ، قرة العيون ص426 ، اختيار معرفة الرجال ص6-8-10 ، البرهان للبحراني1/319 ، بحار الأنوار 6/749 ، حق اليقين لعبدالله شبر 1/218-219 .
وقد وصف علماؤهم أسانيد هذه الروايات بأنها معتبرة .
أنظر الموضع السابق لتفسير العياشي وقرة العيون وحق اليقين .
د - عن الحارث النصري بن المغيرة، قال: ( سمعت عبد الملك بن أعين، يسأل أبا عبد الله عليه
السلام قال: فلم يزل يسأله حتى قال له: فهلك الناس إذاً ؟ قال: أي والله يا ابن أعين هلك الناس
أجمعون ، قلت: من في الشرق ومن في الغرب ؟ قال: هلكوا إلا ثلاثة ثم لحق أبو ساسان وعمار
وشتيرة وأبو عمرة فصاروا سبعة ) . رجال الكشي46 .
هـ - عن أبي جعفر عليه السلام قال: ( إرتد الناس إلا ثلاثة نفر سلمان وأبوذر والمقداد قال: قلت:
فعمار؟ قال: قد كان جاض جيضة ثم رجع ، ثم قال: ان أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء
فالمقداد ، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض ) .
روضة الكافي 8/245باب الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة ، رجال الكشي ص51 .
و- عن عبد الرحيم القصير قال: ( قلت لأبي جعفر عليه السلام إن الناس يفزعون إذا قلنا: إن
الناس ارتدوا ، فقال: يا عبد الرحيم إن الناس عادوا بعد ما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أهل
جاهلية ، إن الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير ، جعلوا يبايعون سعداً وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية
يا سعد أنت المرجاء وشعرك المرجل وفحلك المرجم ). الكافي 8/296
وهذا تكفير صريح للأنصار وسائر الصحابة إلا ثلاثة ، والرابع وهو عمار بن ياسر رضي الله عنه
فيه نظر أيضاً
الثاني: تقرير علماء الإمامية أن الأصل في الصحابة الردة حتى يثبت خلافها:
وقولهم أن الصحابة كانوا أهل ردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، سبعة :
1- قول المامقاني أن الأصل في الصحابة الردة :
( إن أخبارنا قد تواترت بأنه ارتد بعد النبي ( ص ) جميع الناس بنقض البيعة إلا ثلاثة أو أربعة أو
خمسة فمن يثبت توبته بعد ذلك وقوله بخلافة علي بلا فصل نعده حسن الحال , ومن شككنا في
توبته فيصحبه الارتداد العام إلى أن يثبت خلافه ) . تنقيح المقال 1/216 .
إذاً ..
الأمر قطعي متواتر ، والمسألة مفروغ منها ، وهي أن الأصل في الصحابة الردة إلا ثلاثة أو أربعة أو خمسة .
ولأن العقيدة سبأية ، فإن مدار قبول التوبة من الردة هو البيعة لعلي ولو في زمان خلافته الراشدة
فالأمر يقبل الترقيع
وأما من مات قبل خلافته فإنه مرتد على الأصل العام في تكفير الصحابة !!
نسأل الله العافية
2- وقال علي النمازي الشاهرودي نحو كلام المامقاني:
( مقتضى الأخبار الكثيرة الناطقة بارتداد ما عدا الثلاثة أو الأربعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
صلى الله عليه وآله هو كون الأصل في كل صحابي بقي بعد النبي صلى الله عليه وآله ولم
يستشهد في زمانه صلى الله عليه وآله هو الارتداد , لتقديم غير المنصوص عليه بالولاية على
المنصوص عليه , أو الفسق بالتقصير في حقه , فلا يمكن توثيق غير من استثنى إلا بدليل
شرعي ) . مستدركات علم الرجال 1/67 , المقدمة - الفائدة السادسة .
وهكذا يقرر الشهرودي عقيدة الإمامية في الصحابة ، بأن الأصل فيمن بقي من الصحابة بعد النبي
صلى الله عليه وسلم الردة والفسق إلا ثلاثة أو أربعة .
والعلة أنهم قدموا أبا بكر على الوصي ، ولا يمكن استثناء أحد من ذلك إلا بدليل ، ولم يثبت لدى
الشاهرودي بمقتضى الأخبار الكثيرة إلا ثلاثة أو أربعة فقط !
3- وقال التستري مكفراً عموم الصحابة:
( كما جاء موسى للهداية وهدى خلقاً كثيراً من بني إسرائيل وغيرهم فارتدوا في أيام حياته ولم
يبق على إيمانه سوى هارون (ع) ، كذلك جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهدى خلقاً كثيراً
لكنهم ارتدوا على أعقابهم ) . إحقاق الحق316 .
يشبه التستري ردة الصحابة المزعومة بردة بني إسرائيل حين ارتدوا ولم يبق منهم على دين
موسى إلا هارون !
وقال في موضع آخر: ( إنهم لم يسلموا بل استسلم الكثير رغبة في جاه رسول الله...إنهم داموا
مجبولين على توشح النفاق وترشح الشقاق ) إحقاق الحق ص3 .
قال: ( إنهم لم يسلموا ) !
وأقول:
نعم لم يُسلم إلا ابن سبأ وشيطان الطاق وهشام بن الحكم وزرارة والتستري والخميني من على شاكلتهم !
4- وذكر المجلسي أن قول الإمامية هو: ضلال ونفاق وفسق أكثر الصحابة:
( وذهبت الإمامية إلى أنهم كسائر الناس من أن فيهم العادل وفيهم المنافق والفاسق والضال ، بل
كان أكثرهم كذلك ) .
5- وقال الكاشاني حاكماً على أكثر الصحابة بالكفر والنفاق:
( إن هؤلاء الناس - أي الصحابة - لم يكن لهم معرفة حقيقة أحوالهم لما تقرر عنهم أن الصحابة
كلهم عدول ولم يكن لأحد منهم عن الحق عدول ، ولم يعلموا أن أكثرهم كانوا يبطنون النفاق
ويجترئون على الله ويفترون على رسول الله في عزة وشقاق ) . تفسير الصافي 1/4 .
ولا ندري إذا كان الصحابة أهل ردة ونفاق إلا ثلاثة أو أربعة أو خمسة على من سينزلون آيات القرآن ؟
أعلى عمائم أهل قم والكوفة ؟
وعلى من سينزلون آيات القرآن ، كقوله تعالى:
( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ) !!
فمن هؤلاء الذين نصروه وأيدهم الله به ، وألف بين قلوبهم بعد أن كانوا أشتاتاً متحاربين ؟!
أليسوا هم أصحابه من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ؟
6- سبحاني يناقض نفسه:
فقد زعم أن الأنصار قد نقضوا وصية النبي وانقلبوا عليها ، وتقيأ في كتابه ( الحجة الغراء على
شهادة الزهراء ص10-14 ) ذماً مقذعاً للصحابة عموما وللأنصار خصوصاً ، حيث قال:
( وهذه الروايات تعرب عن أنّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان عالماً بتضافر الأُمّة على هضم
حقوق الإمام عليه السَّلام ولذلك أوصاه بالصبر والمثابرة دون أن يتعرض للقوم بعنف ) .
فالأمة بأسرها انقلبت على الإمام وهضمت حقه !
ويأبى النَـفَس القمي الحاقد إلا أن يخرج ويؤكد اعتقاده بردة وفسق ونفاق أكثر الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم !
ويقول ص8: ( هذه العوامل الثلاثة التي تكفي واحدة منها في إثارة القلق والاضطراب صارت سبباً
لغض الإمام علي (عليه السَّلام) عن حقه وسكوته أمام المؤامرات التي حيكت في السقيفة ) .
ويبقى السؤال ؟
من هم الذين يتهمهم السبأي جعفر سبحاني بالتآمر على علي رضي الله عنه في السقيفة ؟
إنهم الأنصار لا سواهم !!!
الأنصار الذين رضي الله عنهم ووعدهم الجنة !
يقول ذاماً الأنصار:
( ابتدرت الأنصار إلى عقد مؤتمر السقيفة للتباحث فيمن يلي أمر الحكومة بعد رحيل النبي صلَّى
الله عليه وآله وسلَّم وكان على رأسهم سعد بن عبادة وعشيرته .
ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه وهو ما هي الدواعي التي حدت بهم إلى عقد السقيفة في وقت
مبكِّر؟
وللإجابة عنه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ثمة مخاوف كانت تساور الأنصار حيال المهاجرين، ذلك انّهم
قتلوا جمّاً غفيراً من أرحام المهاجرين في معارك بدر وأُحد ، وكانوا يخافون من اعتلاء المهاجرين
منصَّة الحكم، وممارستهم الظلم والاضطهاد في حقّهم انتقاماً لما بدر منهم ، فهذه المخاوف حدت
بهم إلى عقد مؤتمر بغية تعيين الخليفة من بينهم ليكون لهم الشوكة والمنعة من الحوادث المريرة
التي ربما يُتعرضون لها على يد المهاجرين ) .
أنظروا كيف يصور المهاجرين والأنصار على أنهم مجرد لصوص يريدون النزو على الحكم للقتل
والانتقام لمن قتل من أرحامهم من المشركين في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم .
فهو يريد أن يقول أنهم عادوا لجاهليتهم وثاراتها !!
ثم قال: ( فاجتمعت قبائل الأوس والخزرج في سقيفة بني ساعدة ، وقام سعد بن عبادة رئيس
الخزرج ينشد فضائل الأنصار ) .
وهكذا – بزعمه - تعرض قبائل الأوس والخزرج عن الوصي المنصب من السماء ، وتقبل على غيره !!
أما لماذا ؟ وكيف يُصّدق مثل هذا ؟
فحسب سبحاني القمي أن ابن سبأ قاله ، واتبعه أهل قم والكوفة !!
فلا كتاب ولا سنة ولا مهاجرين ولا أوس ولا خزرج يشهدون لهذه العقيدة السبأية !
وانظروا كيف يطعن في الأوس:
قال: ( ولمّا رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد ، وماتدعوا إليه قريش و ما تطلب الخزرج من تأمير
سعد بن عبادة ، قال بعضهم لبعض: واللّه لئن وليتها الخزرج عليكم مرّة لازالت لهم عليكم بذلك
الفضيلة ، فقام رئيسهم أُسيد بن حضير فبايع أبا بكر ، وصار ذلك سبباً لبيعة عشيرته واحداً تلو
الآخر ، فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم) .
فالأوس - بحسب العقيدة السبأية - هم أيضاً لصوص يتلاعبون بالوصية ويكفرون بالوصي ، وينقلب
حالهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أسوأ حال !
وما دام أن الأوس قد بايعوا أبا بكر واحداً بعد واحد وتركوا الوصي !
إذاً ..
انقلب الأوس وارتدوا يا سبحاني !
وما دام الخزرج قد أجمعوا على بيعة سعد بن عبادة وتركوا الوصي والوصية !
فقد انقلبوا على أعقابهم أيضاً يا سبحاني !
ولم تبق لتطبيق نظريتك أحداً من الأنصار ، فعلى من ستنزلها ؟
الجواب:
سينزلها على كثير من التابعين وسيلفق لبعضهم لقب ( الأنصاري ) ، و يخص أكثرها بمن شهد
صفين من الصحابة والتابعين ، وسترون !
وفعله هذا تطبيق عملي لقول المامقاني المتقدم !
ولا يزال بغض المهاجرين والأنصار يجري في دماء أهل قم منذ القدم !
أما نحن أهل الإسلام فنبرأ إلى الله من عقيدة ابن سبأ ونقول ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم:
( آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار ) متفق عليه .
ونقرأ قول الله في المهاجرين والأنصار: ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )
فهم من أهل الجنة قطعاً رغم أنوف السبأية !
وهكذا يكشف سبحاني تناقضه وتلفيقه لتلك النظرية - تحقيقاً لأهدافه من كتابه - !
يتبع