القراءة المبتورة بين الخوارج والإمامية (2):علي يوافق عمر في اجتهاده بمنع كتابة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فهذه القراءة المبتورة الثانية للخوارج في احتجاجهم على الإمامية ، والتي سبق أن استخدمها الإمامية مع أهل السنة !!!
وإليكم بيانها في عدة مطالب ، وكما يلي:
المطلب الأول:تلخيص حادثة رزية يوم الخميس
ومدار القراءة حول حادثة رزية يوم الخميس التي يرويها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وخلاصتها أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من الصحابة أن يحضروا له دواةً وقرطاساً ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده ، ثم اجتهد عمر رضي الله عنه بترك كتابة الكتاب إشفاقاً على النبي صلى الله عليه وسلم الذي أنهكه المرض فلم يرد الفاروق تحميله مشقة فوق مشقة مرضه لأنه يُوعَك كما يُوعَك الرجلان منا لزيادة أجره صلى الله عليه وسلم ، فقال أن رسول الله غلبه الوجع حسبنا كتاب الله ..
وهنا سوَّدَ الإمامية الصفحات والمجلدات للنيل من فاروق الأمة وتعليلهم منعه من كتابة الكتاب هو فراسته بأنه صلى الله عليه وسلم كان يريد النص على علي رضي الله عنه بالخلافة فسعى للحيلولة دون ذلك ، وأنه اجتهد أمام النص ولم يمتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقريب الدواة والقرطاس ..
فمثلاً يقول عالمهم علي الشهرستاني في كتابه ( وضوء النبي (ص) )( 2 / 17-19 ):[ وقد كان للمجتهدين في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أثر كبير ، بحيث سوغوا لأنفسهم العمل بأعمال نهى عنها النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو لم يأمر بها ، وتعدوا حدودهم فراحوا يعترضون على النبي ( صلى الله عليه وآله ) اعتراض ند قرين ، ويجتهدون أمام النص الصريح .. واللافت للنظر أن الخليفتين أبا بكر وعمر لم يكونا بمنأى عن هذه الظاهرة ، بل نرى لهما نصيباً من الاعتراض على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعدم امتثال أوامره ( صلى الله عليه وآله ) ، وخصوصاً الخليفة عمر بن الخطاب الذين خالفه في مفردات كثيرة .. وقوله في أخريات ساعات حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، إنه ليهجر أو غلبه الوجع ، وهكذا وهلم جرا في الاجتهادات التي خولف بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حياته ، غير ناسين أن المسلمين انقسموا بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين دعا بالقلم والدواة ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا ، فمن قائل : أنفذوا ما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقائل : القول ما قال عمر ]
المطلب الثاني:استدلال الخوارج لإثبات موافقة علي للفاروق - رضي الله عنهما - في اجتهاده
بعد التسليم الجدلي بكون مادة الكتاب هي النص على خلافة علي رضي الله عنه ، فإن الروايات قد أثبتت وقوع الخلاف بين أهل البيت حول كتابة الكتاب ( فاختلف أهل البيت فاختصموا ) ، ولا شك بأن علياً رضي الله عنه كان من كبار رجالات أهل البيت فهو داخلٌ في المتخاصمين ..
وثبت في الرواية أيضاً أن بعض رجال أهل البيت وافقوا عمر رضي الله عنه في اجتهاده ( فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر .. ) / ينظر صحيح البخاري ( 7 / 9 ).
وعليه سيتبادر إلى الأذهان سؤالٌ مشروع مفاده:
في أي الفريقين كان عليٌ رضي الله عنه مع ذكر الدليل ؟
جواب الخوارج:
سيجزم الخوارج انتصاراً لمذهبهم القائم على الطعن بعلي رضي الله عنه بأنه كان مؤيداً لاجتهاد عمر بمنع كتابة الكتاب ، فيكون من أهل البيت الذين قالوا بقول عمر كما نصت الرواية ، والشواهد على ذلك ما يلي:
1- إن الروايات التي نقلت الواقعة لم تشر إلى أن علياً رضي الله عنه بادر بالامتثال لإحضار الكتاب ، بما يؤيد أنه كان من الموافقين لقول عمر رضي الله عنه بتخفيف التعب والمشقة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- الذي يؤكد أن علياً كان من الموافقين لرأي عمر بالاكتفاء بكتاب الله تعالى هو ما رواه الشيعة في كتاب ( الاحتجاج ) ( 1 / 225 ) لأبي منصور الطبرسي من قول علي لطلحة رضي الله عنهما عن كتاب الله تعالى ( إنْ أخذتم بما فيه نجوتم من النار ، ودخلتم الجنة ، فإن فيه حجتنا وبيان حقنا ، وفرض طاعتنا )
فهذه العبارة على لسان علي رضي الله عنه مطابقة تماماً لقول الفاروق رضي الله عنه ( حسبنا كتاب الله ) ؛ إذ فيه بيان الإمامة وفرض الطاعة ، وهو ما أراد إثباته صلى الله عليه وسلم من كتابة الكتاب ( بزعم الإمامية ) ، فالقرآن إذاً يغني عن كتابة ذلك الكتاب.
ثم أكد علي رضي الله عنه صواب مقولة الفاروق بقوله عن كتاب الله تعالى ( إنْ أخذتم بما فيه نجوتم من النار ، ودخلتم الجنة ) فقارن بينها وبين قول الفاروق ( حسبنا كتاب الله ) ستجزم بأن علياً كان من المؤيدين لاجتهاد عمر في تلك الواقعة.
3- الذي يثبت صحة قول عمر ( حسبنا كتاب الله ) هو قول الإمام المعصوم عند الشيعة - جعفر الصادق - بأن هذا القرآن يهدي المسلم ويقوده إلى معرفة الإمامة ، كما رواه ثقتهم محمد بن يعقوب الكليني في كتابه ( الكافي ) ( 1 / 216 ) :[ عن العلاء بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " قال : يهدي إلى الإمام ] ، ففيه تصويب لقول الفاروق في الاكتفاء بالقرآن والاستغناء به عن كتابة ذلك الكتاب لمعرفة الإمامة وتثبيتها.
4- الذي يؤكد صحة قول الفاروق ونظره الثاقب هو ما أكده علماء الإمامية بنزول ما يقرب من 300 آية في علي رضي الله وإمامته ، فمنهم:
أ- يقول علامتهم الأميني في كتابه ( الغدير )( 10 / 15 ، 68 ):[ أليست آي المباهلة والتطهير والولاية وأضرابها إلى ثلاثمائة آية النازلة في علي عليه السلام تضاد ذلك القول القارص ؟! .. وقد نزلت فيه عليه السلام ثلاثمائة آية ، وجاءت في الثناء عليه آلاف من الحديث ].
ب- يقول شيخهم مهدي فقيه إيماني في كتابه ( الإمام علي (ع) في آراء الخلفاء )( ص 26 ):[ وبتعبير آخر : إذا تغاضينا لاثبات إمامة الإمام علي عليه السلام وخلافته بعد النبي عن تلك الثلاثمائة آية التي نزلت بشأن علي عليه السلام ].
ج- قال شيخهم الدكتور جواد جعفر الخليلي في كتابه ( شرح القصيدة الرائية ، تتمة التترية )( ص 283 ):[ وناهيك ما ورد منه في علي عليه السلام من النصوص التي تفوق الثلاثمائة آية ].
د- يقول شيخهم عبد الله السبيتي في كتابه ( المباهلة )( ص 6 ):[ ولا أريدك أن تقرأ فيه الآيات المائة التي أنزلت في علي عليه السلام ، ولكن اقرأ قوله تعالى في سورة الأحزاب " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " ].
فمن خلال هذه الشواهد - التي أوردها الخارجي لإفحام الإمامي - تبين لنا ما يلي:
1- موافقة علي رضي الله عنه للفاروق في اجتهاده بمنع كتابة الكتاب والاكتفاء بالقرآن الكريم بقوله ( حسبنا كتاب الله ) كيلا تلحق النبي صلى الله عليه وسلم المشقة والتعب في كتابة الكتاب.
2- إنْ كان مضمون الكتاب هو النص على خلافة علي رضي الله عنه كما قرره الإمامية ، فسيكون الفاروق ذا نظر ثاقب وفهم عميق لكتاب الله تعالى حينما قرر الغنية والكفاية بالقرآن الذي وردت فيه - كما قرره الإمامية - مئات الآيات لإثبات تلك الإمامة ، فصار قوله ( حسبنا كتاب الله ) منقبة وليست ومثلبة.