.
بسم الله .
أن يكون والدا الرسول صلى الله عليه وسلم من الناجين في الآخرة هو أمر لا يضيق به صدر مؤمن بالله .. لو ثبت ذلك ..
والله جلّ وعلا يقول :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) )
سورة النساء
فنرد هذه المسألة إلى الله والرسول .. ونضرب بكل قول خالفهما عرض الحائط .
فظاهر القرآن صريح في عدم إيمان أبي إبراهيم عليه السلام ، ولم يذكر القرآن أباً لإبراهيم عليه السلام غير آزر ليستقيم القياس به على إسماعيل عليه السلام حينما ذكره الله مع آباء يعقوب عليه وعليهم السلام .
وإلا فقد ورد في القرآن تسمية الأم أباً كما في قوله تعالى :
( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ .. )
سورة يوسف الآية 100
فلا ندري فقد يأتي يوم من الأيام ممن يسلك هذا المسلك ويصرف القرآن عن ظاهره دون بينة ليقول بأن آزر هي أم إبراهيم عليه السلام وأن مخاطبة إبراهيم معها بصيغة التذكير لأنه اختار أن يسميها أباً .. !!!
كما أن الأدلة الصحيحة الصريحة على خلاف قول من يقول بإيمان أبي إبراهيم عليه السلام أو يقول بإيمان والدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم فلا يمكن تجاوزها لقول فلان أو رأي علان ..
حتى لو كان ذلك القائل إماماً من أئمة السلف .. فكيف بمن هو دونهم .. !!!
في صحيح مسلم (1/ 191) :
347 - (203) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: «فِي النَّارِ»، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ»
وأيضاً في صحيح مسلم (2/ 671) :
108 - (976) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ»
وفي صحيح البخاري (4/ 139) :
3350 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي عَبْدُ الحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَاليَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: " إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ "
فهذه الأحاديث الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة في المسألة ..
ولم يأت مخالفوها بآيات صريحة ولا أحاديث صحيحة تجعلنا نقول بخلافها .. !
أما الحديثان اللذان ذكرهما الشعراوي فهما فضلاً عن ضعفهما .. فإنهما لا يعارضان هذه الأحاديث .. !!
الحديث الأول الذي نسبه الشعراوي كما في المقطع إلى النبي عليه الصلاة والسلام قوله : ( إنني اخترت من خيار من خيار من خيار ) ..
والحديث الذي يشير إليه الشعراوي أورده الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (1/ 512) :
338 - " إن الله عز وجل خلق السموات سبعا، فاختار العليا منها فسكنها، وأسكن سائر سمواته من شاء من خلقه، وخلق الأرضين سبعا فاختار العليا منها فأسكنها من شاء من خلقه، ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم،
واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم ".
منكر.
رواه الطبراني (3 / 210 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " (458) وابن عدي (74 / 2 / 301 / 2) وأبو نعيم في " دلائل النبوة " (ص 12) وكذا الحاكم (4 / 73 - 74) وابن قدامة المقدسي في " العلو" (165 - 166) والعراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (2 / 201) من طريقين عن محمد بن ذكوان عن عمرو ابن دينار عن ابن عمر مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا: محمد بن ذكوان، قال النسائي: ليس بثقة
وضعفه الدارقطني وغيره، وقد قال العقيلي: إنه لا يتابع عليه، لكن أخرجه الحاكم من طريق أخرى عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مرفوعا مختصرا.
قلت: وفي سنده أبو سفيان زياد بن سهيل الحارثي ولم أجد له ترجمة.
والحديث أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 367 - 368) من الطريق الأول وقال عن أبيه: إنه حديث منكر، وأقره الذهبي في ترجمة ابن ذكوان من " الميزان ".
ومما ينبغي أن يعلم أن القطعة الأخيرة من الحديث المتضمنة فضل العرب وفضل الرسول صلى الله عليه وسلم ثابتة في أحاديث صحيحة قد ذكرنا بعضها عند الكلام على الحديث الموضوع: " إذا ذلت العرب ذل الإسلام " وتكلمنا هناك عن مسألة أفضلية العرب على العجم وحقيقتها بشيء من التفصيل فراجع الحديث (163) والذي بعده.
انتهى كلام الألباني .
وعلى فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فأنا من خيار إلى خيار ) فليس في ذلك دلالة على إيمان أبويه عليه الصلاة والسلام لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أثبت التفاضل في الخيرية حتى لغير المؤمنين :
في صحيح البخاري (4/ 147) :
3374 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ المُعْتَمِرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ «أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: «فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ، ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ» قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْأَلُونِي» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَخِيَارُكُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا»
أما الحديث الثاني الذي ذكره الشعراوي : ( ما زلت أتنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ) ..
فهو يشير إلى الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنه وأورده الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (6/ 331) :
عن عكرمة , يرويه أنس بن محمد قال: حدثنا موسى بن عيسى , قال: حدثنا يزيد بن أبى حكيم عنه به ولفظه: " لم يلتق أبواى فى سفاح , لم يزل الله عز وجل ينقلنى من أصلاب طيبة إلى أرحام طاهرة , صافيا مهذابا , لا تتشعب شعبتان إلا كنت فى خيرهما ".
أخرجه أبو نعيم (1/11 ـ 12) .
قلت: وإسناده واه , من دون عكرمة لم أعرفهم.
انتهى كلام الألباني .
وهناك طريق أخرى أوردها ابن الملقن في البدر المنير (7/ 635) :
قَالَ أَبُو نعيم: ثَنَا هَارُون بن مُوسَى الْأَخْفَش الدِّمَشْقِي، ثَنَا سَلام بن [سُلَيْمَان] الْمَدَائِنِي، أبنا وَرْقَاء بن عمر، عَن ابْن أبي نجيح، عَن عَطاء وَمُجاهد، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «لم يلتق أبواي عَلَى سفاح، لم يزل الله عَزَّ وَجَلَّ - ينقلني من الأصلاب الطّيبَة إِلَى الْأَرْحَام الطاهرة مصفى مهذبًا، وَلَا يتشعب شعبتان إِلَّا كنت فِي خيرهما»
و سَلام بن [سُلَيْمَان] الْمَدَائِنِي هو سلام بن سليمان بن سوار، أبو العباس الثقفي المدائني
ابن أخي شبابة بن سوار.
قال أبو حاتم: ليس بالقوي.
وقال ابن عدي: منكر الحديث، ثم سرد له ثمانية عشر حديثاً، وقال: عامة ما يرويه حسان إلا أنه لا يتابع عليه.
وقال العقيلي: في حديثه مناكير
وقال ابن حجر ضعيف
وقال المعلمي منكر الحديث
ورغم ضعف الحديث فإن الشعراوي لم يذكر أوله وهو قوله : ( لم يلتق أبواي عَلَى سفاح ) فهذا يفهم منه على أن الطهارة المقصودة في الحديث هي طهارة نسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ثمرة نكاح لا سفاح .
قال الإمام البيهقي الشافعي رحمه الله في دلائل النبوة (1/192) :
( وَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَبَوَاهُ وَجَدُّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْوَثَنَ حَتَّى مَاتُوا، وَلَمْ يَدِينُوا دين عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَمْرُهُمْ لَا يَقْدَحُ فِي نَسَبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ، أَلَا تَرَاهُمْ يُسْلِمُونَ مع زَوْجَاتِهِمْ فَلَا يَلزَمُهُمْ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ، وَلَا مُفَارَقَتُهُنَّ إِذَا كَانَ مِثْلُهُ يَجُوزُ فِي الْإِسْلَامِ. ) ا.هـ.