رُويَ أنَّ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ أبْدَى اسْتِنْكَارُهُ
خَبَرَ رَسُولَيْ الرّسُولِ بِقَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ :
أَنّهُ لَمّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ ، وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ
إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ
إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ بَشِيرِينَ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِ
وَقَتْلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
قَالُوا : قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَانَ رَجُلًا مِنْ طَيّءٍ
ثُمّ أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ ، وَكَانَتْ أُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ
حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ : أَحَقّ هَذَا ؟
أَتَرَوْنَ مُحَمّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُسَمّي هَذَانِ الرّجُلَانِ
يَعْنِي زَيْدًا وَعَبْد اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَهَؤُلاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ
وَمُلُوكُ النّاسِ وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ أَصَابَ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ
لَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا
ثُمَّ نَذَرَ نَفسَهُ لإيذَاءِ الرّسُولِ
وَجَعَلَ يُحَرّضُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ
الّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرِ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي
عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ مَنْ لِي بِابْنِ الأَشْرَفِ ؟
فَقَالَ لَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ
أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَقْتُلُهُ ؟
قَالَ فَافْعَلْ إنْ قَدَرْت عَلَى ذَلِكَ
فَرَجَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلاثًا لا يَأْكُلُ وَلا يَشْرَبُ
إلا مَا يُعْلِقُ بِهِ نَفْسَهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَرَكْت الطّعَامَ وَالشّرَابَ ؟
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْت لَك قَوْلًا لَا أَدْرِي هَلْ أَفِيَنّ لَك بِهِ أَمْ لا؟ فَقَالَ " إنّمَا عَلَيْك الْجَهْدُ "
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ لا بُدّ لَنَا مِنْ أَنْ نَقُولَ
"أي نحتال عليه بالقول فيك بما لاتطعه النفس المؤمنه"
قَالَ قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلّ مِنْ ذَلِكَ
فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، وَسِلْكَانُ بْنُ سَلامِ بْنِ وَقْشٍ
وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ
وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ مِنْ الرّضَاعَةِ
وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ
وَالْحَارِثُ مِنْ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ
وَأَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ
مَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ
ثُمّ وَجّهَهُمْ فَقَالَ انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ اللّهُمّ أَعِنْهُمْ
ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ
وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ وَأَقْبَلُوا حَتّى انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ
فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ ، وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسِ
فَوَثَبَ فِي مِلْحَفَتِهِ فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَتِهَا
وَقَالَتْ إنّك امْرِئِ مُحَارِبٌ وَإِنّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لا يَنْزِلُونَ
فِي هَذِهِ السّاعَةِ قَالَ إنّهُ أَبُو نَائِلَةَ
لَوْ وَجَدَنِي نَائِمًا لَمَا أَيْقَظَنِي
فَقَالَتْ وَاَللّه إنّي لأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشّرّ ؟
قَالَ يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةِ لأَجَابَ
فَنَزَلَ فَتَحَدّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَحَدّثُوا مَعَهُ ثُمّ قَالَ
هَلْ لَك يَا ابْنَ الأَشْرَفِ أَنْ تَتَمَاشَى إلَى شِعْبٍ الْعَجُوزِ
فَنَتَحَدّثَ بِهِ بَقِيّة لَيْلَتِنَا هَذِهِ ؟ قَالَ إنْ شِئْتُمْ .
فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ فَمَشَوْا سَاعَةً ثُمّ إنّ أَبَا نَائِلَةَ
شَامَ يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ شَمّ يَدَهُ فَقَالَ
مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ طِيبًا أَعْطَرَ قَطّ ، ثُمّ مَشَى سَاعَةً
ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا
فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ قَالَ اضْرِبُوا عَدُوّ اللّهِ
فَضَرَبَهُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا .
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَذَكَرْت مِغْوَلًا فِي سَيْفِي
حِينَ رَأَيْت أَسْيَافَنَا لَا تُغْنِي شَيْئًا ، فَأَخَذْته
وَقَدْ صَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إلا وَقَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ
قَالَ فَوَضَعْته فِي ثُنّتِهِ ثُمّ تَحَامَلْت عَلَيْهِ حَتّى بَلَغْت عَانَتَهُ
فَوَقَعَ عَدُوّ اللّهِ وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ
فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِنَا .
قَالَ فَخَرَجْنَا حَتّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ
ثُمّ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، ثُمّ عَلَى بُعَاث حَتّى أَسْنَدْنَا فِي حُرّةِ الْعُرَيْض
وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ
وَنَزَفَ الدّمَ فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً ثُمّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا
قَالَ فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
آخِرَ اللّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي ، فَسَلّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إلَيْنَا
فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا
فَرَجَعَ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا
فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بِعَدُوّ اللّهِ
فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيّ إلّا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ .