العودة   شبكة الدفاع عن السنة > منتدى الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم > الدفاع عن الآل والصحب

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-04-17, 09:40 PM   رقم المشاركة : 21
حجازية 1
عضو ماسي








حجازية 1 غير متصل

حجازية 1 is on a distinguished road


هل كان أبو هريرة تلميذاً لكعب الأحبار؟: (2).

وكما اتَّهمه عبد الحُسين (3) بالأخذ عن كعب الأحبار اتَّهمه أيضاً أبو رية بذلك، وهَوَّلَ هذا الزعم، وصوَّرهُ مؤامرة دبَّرها كعب الأحبار لِبَثِّ الإسرائيليات في الدين الإسلامي، وجعل أبا هريرة مطيَّة له من أجل ذلك، ويرى أيو ريَّة أنَّ كعباً «قد سلَّط قوة دهائه على سذاجة أبي هريرة لكي يستحوذ عليه ويُنيِّمَهُ ليلقِّنه كل ما يريد أنْ يبثَّهُ في الدين الإسلامي من خرافات وأوهام، وكان له في ذلك أساليب غريبة وطرق عجيبة» [ص 172].
ويرى أبو ريَّة أنَّ كعباً كن يثني على أبي هريرة وعلى معرفته لما في " التوراة "، ليثق الناس به ويأخذوا عنه حديثه الذي يلقِّنَهُ إياه كعب. هكذا يتصوَّرُ أبو ريَّة، ويرى أبا هريرة ألعوبة في يد كعب يأخذ عنه ويدَّعِي أنه سمع من الرسول!!! ما كان لكعب ولا لغير كعب أن يشتري ضمير أبي هريرة الذي عرفناه في أمانته وصدقه وإخلاصه. وحاول أنْ يستشهد ببعض الأحاديث ليدعم زعمه إلاَّ أنه لم يوفَّق في واحد منها (4).

والمشهور عن أبي هريرة أنه كان يعزو كل ما يُحَدِّثُ به عن غير النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى قائله، فبالأحرى أنْ يبيِّن حديث كعب، وما يقوله له كعب، ولا يمكن لإنسان أنْ يتصوَّر أبا هريرة الذي روى حديث: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يكذب على لسان الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وينسب ما يقوله كعب إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخاصة أنَّ كعب الأحبار لم يلق النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. فإنْ كان أبو هريرة وابن عباس قد سمعا من كعب وَرَوَيَا عنه فإنما رَوَيَا أخبار الأمم الماضية وعَزَوَاهَا إليه. وربما يكون بعض السامعين قد خلط بين ما يروي أبو هريرة عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما يرويه من القصص عن كعب، ويثبت ذلك ما قاله [بُسْرٌِ بنِ سَعِيدٍ]: «اتَّقُوا اللهَ، وَتَحَفَّظُوا مِنَ الحَدِيثِ، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَيُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحَدِّثُنَا عَنْ كَعْبٍ (الأحبار)، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَأَسْمَعُ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَنَا يَجْعَلُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ عَنْ كَعْبٍ، وَيَجْعَلُ حَدِيْثَ كَعْبٍ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (1).

فليس في تحديث أبي هريرة عن كعب أيُّ حرج أو مانع وقد سمح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك فقال: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ»، ولكن ليس لأحد أنْ يزعم أنه كان يسب ما يُحَدِّثُ به عن كعب إلى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد بان وجه الحق فيما رويناه من أنَّ بعض من كان يسمع ذلك كان يخطئ في نسبة ما سمع من أبي هريرة إلى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... فما جريرة أبي هريرة في ذلك؟.

والغريب من أمر المؤلف أنه يتعجَّبُ من بعض الأحاديث التي يرويها أبو هريرة ويوافقه عليها كعب، ويستشهد بما يؤيِّدها من " التوراة ". مثال ذلك، قوله: «وإليك مثلاً من ذلك نختم به ما ننقله من الأحاديث التي رواها أبو هريرة عن النبي وهي في الحقيقة من الإسرائيليات حتى لا يطول

بنا القول: روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أنَّ رسول الله قال: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ عَامٍ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30] ". ولم يكد أبو هريرة يروي هذا الحديث حتى أسرع كعب فقال: " صدق والذي أنزل التوراة على موسى، والفرقان على محمد " ... » (1).

ما وجه الإنكار لهذا الحديث، وقد رواه عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عدد من الصحابة، وأخرجه الأئمة الأعلام في الصحاح والسُنن والمسانيد والمُصنَّفات، ورواه عن هؤلاء الصحابة خلق كثير من التابعين، فهل خدع كعب في قوله هذا؟ أم أنَّ هناك غايات وراء الميول والأهواء التي حملت أمثال هؤلاء على النيل من السُنَّة ورُواتها للتشكيك فيها بمجانبة البحث العلميِّ حيناً وبالتدليس والكذب أحياناً.

هذا الحديث الذي أنكره، حديث الشجرة التي يسير الراكب في ظلها مائة عام في الجنة ولا يقطعها، رواة الأئمة الأعلام وسأذكر أكثرهم لا على سبيل الحصر:
رواه أحمد عن أبي هريرة في " مسنده ".
ورواه مسلم عنه في " صحيحه ".
ورواه البخاري عنه في " صحيحه ".
ورواه عبد الرزاق عنه في " مُصَنَّفِهِ ".
ورواه ابن جرير الطبري عنه في " تفسيره ".
ورواه الترمذي عنه في كتابه " الجامع الصحيح ".
وسمعه من أبي هريرة الأعرج، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، وهمَّام بن منبه، ومحمد بن زياد، والمقبر، ومحمد بن سيرين، وأبو الضحاك،

مسند "، وأبو يعلى الموصلي في " المسند " أيضاً.
وروى هذا الحديث أيضاً أبو سعيد الخُدري وسهل بن سعد الساعدي عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأخرجه عنهما البخاري ومسلم في " صحيحيهما " (1).

قال ابن كثير: «فَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ مُتَوَاتِرٌ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ النُّقَّادِ، لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ، وَقُوَّةِ أَسَانِيدِهِ وَثِقَةِ رِجَالِهِ» [" تفسير ابن كثير " طبعة المنار: ص 187 و 188، جـ 8].

وأخرج حديث أبي هريرة أيضاً:
ابن أبي شيبة في " المصنَّف "، وهنَّاد في " المسند "، وعبد الرحمن بن حُميد في " المسند "، وابن المنذر في " تفسيره "، وابن مردويه في " تفسيره ".

وأخرج حديث أنس أيضاً:
أحمد في " المسند "، والترمذي في " جامعه "، وابن جرير في " التفسير "، وابن المنذر في " التفسير "، وابن مردويه في " التفسير ".

وأخرج حديث أبي سعيد الخُدري أيضاً ابن مردويه في " تفسيره ".

وروى ابن عباس الحديث موقوفاً عليه، وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه في " تفسيريهما " (2).

وروت أسماء بنت أبي بكر الصدِّيق هذا الحديث وأخرجه الترمذي (3).

بعد كل هذا هل من سبيل لاتِّهام أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -؟ أيتَّهِمُُهُ الكاتب لأنه روى بكل أمانة ما سمعه من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما سمع غيره وروى!!؟

أصبح واضحاً لكل ذي لُبٍّ أنَّ الطعن في أبي هريرة مقصود لذاته، وفي سبيل توهين السُنَّة وزعزعة ثقة الناس برُواتها ... وكل هذا لا يستقيم على منهج البحث، ولن يتحقَّق شيء منه لمن أبغض الصحابة إشباعاً لميله وهواهُ ...

لم يبق لإنكار الكاتب هذا الحديث على أبي هريرة، أم أنه ينكره لضخامة الشجرة، أو لسير الراكب مائة عام في ظلها؟ أم أنه أنكر عليه كل هذا لأنه لم يعهد في حياته مثلها؟.

هل يريد الكاتب أنْ ينفي كل ما لم يتصوَّره عقله وتفكيره؟ إنْ أراد هذا وجب عليه أنْ ينفي كثيراً من المخترعات التي نسمع بها ولا نراها، أو ينفي كثيراً مِمَّا جاء في القرآن الكريم. بل عليه أنْ يترك جانباً عظيماً من اللغة العربية، ذلك لأنَّ بعض ما جاء في السُنَّة من ألفاظ وعبارات، إنما جاء على نسق وسُنن ما حكاه القرآن الكريم من عبارات سِيقَتْ من باب المجاز لا من باب الحقيقة، تخاطب الإحساسات النفسية والنفوس البشرية لتتصوَّر عظمة ما يمثله القرآن الكريم من الثواب والعقاب ... لذلك وجب علينا أنْ نصرف الألفاظ والعبارات التي لا تطابق الحقيقة إلى المجاز، فللعدد معنى خاص لا يتناول غيره، وقد أجمع المُفسِّرون على أنَّ بعض ما ذكره من الأعداد في القرآن الكريم إنما جاء لا للحصر، وكذلك ما جاء في السُنَّة - في مثل هذا المقام - من العبارات الكثيرة التي لا تتناول حقيقة العدد. وهنا إنما ورد للتكثير وبيان إتساع ذلك الظل الذي أعدَّهُ الله تعالى للمؤمنين، فمن الخطأ أنْ يجعل المؤلف الحقيقة والواقع ميزاناً لتلك الألفاظ التي وردت من باب المجاز، لأنه في ذلك سيجانب القواعد المُسَلَّمَةَ في اللغة، ويقع معها في أخطاء فادحة، لا يقرُّهُ عليها أحد، ويلزم من هذا عدم فائدة الاستعارات والكنايات، والمجازات العقلية، التي تُشَكِّلُ جانباً عظيماً في تراثنا الأدبي، ما دام المؤلف سيصرف كل لفظ إلى حقيقته!!

ثم إنَّ العلم الحديث يُرَجِّحُ أنَّ لفظ هذا الخبر من باب الحقيقة لا من باب المجاز، فإذا عرفنا أنَّ سرعة الضوء [300,000] ثلاثمائة ألف كيلومتراً في الثانية، وأنَّ ضوء كثير من الكواكب والنجوم يستغرق وصوله إلينا ساعات ضوئية، ومنها ما يستغرق أياماً بل عشرات السنين الضوئية ... وإذا تذكَّرنا إلى جانب هذا قوله تعالى: { ... وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (1).
وقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وصف الجنة: «فِيهَا مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» (2) إذا تذكَّرنا كل هذا، أدركنا أنه ليس في هذا الحديث ما يثير العجب العجاب، ولا ما يستدعي الإنكار على راويه، بل نزداد إيمانا بصحة هذا الخبر الذي أيَّدَهُ النقل والعقل والمقاييس العلمية ...

ولن أطيل في هذا مع أبي رِيَّة، بل أترك للدكتور طه حُسين أنْ يُبَيِّنَ رأيه في بعض ما ذكره المؤلف في كتابه، علماً بأنَّ كلمة الدكتور طه حسين كلمة ثناء على المؤلف وعلى كتابه، وقد نشر المؤلف بعض هذه الكلمة - بعد أنْ رفع منها سقطاته التي أخذها عليه الدكتور طه حسين - في كراسة صغيرة كشهادة قيِّمة في كتابه (3)!!!

فبعد أنْ تكلم الدكتور عن الكتاب وموضوعه وجهود مؤلفه قال (1): «وهذا كله سجله المؤلف في كتابه ولكنه لم يبتكره من عند نفسه وإنما هو شيء كان المُتقنون من علماء المسلمين يقولونه ويُذيعونه في كتبهم كما فعل ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما ... »

ولكن المؤلف مع ذلك قد أسرف على نفسه في بعض المواطن، ولست أريد أنْ أذكر هذه المواطن كلها للإسراف في الإطالة، وإنما أكتفي بضرب الأمثال: فمنها مثلاً هذه المؤامرة التي دُبِّرَ فيها مقتل عمر بن الخطاب - رَحِمَهُ اللهُ -، وشارك فيها كعب الأحبار وهو يهودي أسلم أيام عمر، والرُواة يُحَدِّثُونَنَا بأنَّ كعباً هذا أنبأ عمر بأنه مقتول في ثلاث ليالٍ، فلما سأله عمر عن ذلك زعم أنه يجده في " التوراة "، فدهش عمر لأنَّ اسمه يذكر في " التوراة " ولكن كعباً أنبأه بأنه لا يجد اسمه في " التوراة " وإنما يجد صفته. ثم غدا عليه في اليوم الثاني لهذا الحديث فقال له: بقي يومان. ثم غدا عليه في اليوم الثالث فقال له: مضى يومان وبقي يوم وإنك مقتول من غد، فلما كان الغد في صلاة الصبح أقبل ذلك العبد الأعمى فطعنه وهو يُسَوِّي الصفوف للصلاة، والمؤلف يؤكِّد أنَّ عمر إنما قتل نتيجة لمؤامرة دَبَّرَهَا الهُرْمُزَانُ وشارك فيها كعب، ويؤكد أنَّ هذه المؤامرة ثابتة لا يشك فيها إلاَّ الجهلاء.

وأريد أنْ أؤكِّدَ أنا للمؤلف أني أنا أحد هؤلاء الجُهلاء، لأني أشك في هذه المؤامرة أشد الشك وأقواه، ولا أراها إلاَّ وهماً، فقد قتل ذلك العبد المشؤوم نفسه قبل أنْ يسأل، وتعجَّل عبيد الله بن عمر فقتل الهرمزان دون أنْ يسأل، وعاش كعب الأحبار هذا سبعة أعوام أو ثمانية دون أنْ يسأله أحد أو يتَّهمه أحد بالاشتراك في هذا المؤامرة، وكان كثيراً ما يدخل على عثمان، ثم ترك المدينة وذهب إلى حمص فأقام فيها حتى مات سَنَةَ اثنتين وثلاثين للهجرة، فمن أين استطاع المؤلف أنْ يؤكِّد وقوع هذه المؤامرة أولاً، ومشاركة كعب فيها ثانياً، مع أنَّ المسلمين قد غضبوا حين تعجَّّلَ عبيد الله بن عمر حين قتل الهُرمزان جهلاً عليه، ولم يقدِّمه إلى الخليفة، ولم يقم عليه البيِّنة لأنه شارك من قريب أو من بعيد في قتل أبيه.

وقد ألحَّ جماعة من المسلمين من أصحاب النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - على عثمان أنْ يقيم الحَدَّ على عبيد الله لأنه قتل مسلماً دون أنْ يقاضيه إلى الإمام، ودون أنْ يُثْبِتَ عليه قتل عمر بالبيِّنة، فعفا عنه عثمان مخافة أنْ يقول الناس: قتل عمر أمس ويقتل ابنه اليوم.

وعدَّ الثائرون على عثمان هذا العفو إحدى أغلاطه، و كان عَلِيٌّ حين تولى الخلافة مزمعاً معاقبة عُبيد الله على فعلته تلك، ولكنه هرب من عَلِيٍّ ولجأ إلى معاوية، فعاش في ظله، وقُتل في موقعة صِفِّينْ، ولم يسأل عثمان كعباً عن شيء. ولم يتَّهمه أحد بشيء وقد ذهب من المدينة إلى الشام ومعاوية أمير عليها، فعاش فيها حتى مات فلم يسأله معاوية عن شيء، فمن أين يأتي هذا التأكيد الذي ألحَّ فيه المؤلف حتى لعن كعباً ولم يكن له ذلك فالمعروف من أمر كعب أنه أسلم، والمعروف كذلك أنَّ لعن المسلمين غير جائز.

ومثل آخر في الصفحة [154] حين زعم أنَّ أبا هريرة - رَحِمَهُ اللهُ - لم يصاحب النبي محبَّة له أوطلباً لما عنده من الدين والهُدَى، وإنما صاحبه على ملء بطنه، كان مسكيناً وكان النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطعمه، والمؤلف يروي لإثبات ذلك حديثاً رواهُ أحمد بن حنبل ورواه البخاري ولكن مسلماً نفسه روى هذا الحديث نفسه عن أبي هريرة ونص الحديث عند مسلم أصرح وأوضح من نصه عند البخاري وابن حنبل، فقد كان أبو هريرة يقول فيما روى مسلم أنه كان يخدم النبي على ملء بطنه، وفرق بين من يقول إنه كان يخدم ومن يقول إنه كان يصاحب، وحسن الظن في هذه المواطن شر من سوئه، وما أظن أبا هريرة أقبل من اليمن مع من أقبل منها إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا ليؤمن به ولا ليأخذ عنه الدين بل ليملأ بطنه عنده.

هذا إسراف في التأويل وفي إساءة الظن.

والمؤلف شديد على أبي هريرة شِدَّةً أخشى أنْ يكون قد أسرف فيها شيئاً. فنحن نسلِّمُ أنَّ أبا هريرة كان كثير الحديث عن النبي، وأنَّ عمر شَدَّدَ عليه في ذلك، وأنَّ بعض أصحاب النبي أنكروا بعض حديثه، وأنه أخذ كثيراً عن كعب الأحبار، وكان المؤلف يستطيع أنْ يُسَجِّلَ هذا كله تسجيلاً موضوعياً كما قال، ودون أنْ يقحم فيه غيظاً أو موجدة، فهو لا يكتب قصة ولا يكتب أدباً فيظهر شخصيته بما ركب فيها من الغضب والغيظ والموجدة، وإنما يكتب علماً يتَّصل بالدين، وأخص مزايا العلماء ولا سيما في هذا العصر أنهم ينسبون أنفسهم حين يكتبون العلم أنهم يبحثون ويُقَرِّرُونَ بعقولهم لا بعواطفهم.

فمن الظلم لأبي هريرة أنْ يقال إنه لم يصاحب النبي إلاَّ ليأكل من طعامه والذي نعلمه أنه أسلم وصلى مع النبي وسمع منه بعض أحاديثه، فليقل فيه المؤلف أنه لم يصاحب النبي إلاَّ ثلاث سنين، وقد روى من الحديث أكثر مِمَّا روى المهاجرون الذين صحبوا النبي بمكة والمدينة، وأكثر من الأنصار الذين صاحبوا النبي منذ هاجر إلى المدينة حتى آثره الله بجواره، وهذا يكفي للتحفُّظ والاحتياط بإزاء ما يروى عنه من الحديث.

وأخرى أريد أنْ أثبتها هنا هي أنَّ المؤلف يقول في حديثه الطويل عن أبي هريرة أنه لحرصه على الأكل ورغبته ي الطيبات كان يأكل عند معاوية ويصلِّي مع عَلِيٍّ ويقول: إنَّ الأكل مع معاوية أدسم أو بعبارة أدق إنَّ المضيرة عند معاوية أدسم - والمُضَيْرَةُ لون من الحلوى - وإنَّ الصلاة مع عَلِيٍّ أفضل.
وأريد أنْ أعرف كيف كان يجتمع لأبي هريرة أنْ يأكل عند معاوية، ويصلِّي مع عَلِيٍّ، وقد كان أحدهما في العراق والآخر في الشام، أو أحدهما في المدينة والآخر في الشام إلاَّ أنْ يكون قد فعل ذلك أثناء الحرب، إذن لاتَّهَمَهُ أحد الفريقين بالنفاق والتَجَسُّسِ. وإنما هذا كلام قيل في بعض الكتب وكان يجب على الأستاذ المؤلف أنْ يتحقَّق منه قبل أنْ يثبته.
فهذا أيسر ما يجب على العلماء.

وبعد ... فالمؤلف يطيل في تأكيد ما اتفقت عليه جماعة المسلمين من أنَّ الأحاديث التي يرويها الأفراد والآحاد كما يقول المُحَدِّثُونَ لا تفيد القطع وإنما تفيد الظن وحده ومن أجل ذلك لا يستدل المسلميون بهذه الأحاديث على أصول الدين وعقائده وإنما يستدلون بها أحياناً على الأحكام الفرعية في الفقه، وعلى فضائل الأعمال ويستعان بها على الترغيب في الخير والتخويف من الشر. وكل هذه الأحاديث التي اعتمد عليها المؤلف في المواضع التي ضربنا لها الأمثال إنما هي أحاديث رواها الأفراد والآحاد فهي لا تفيد قطعاً ولا يقيناً، فما باله يرغب عن الإفراط في الثقة بهذه الأحاديث، ثم يستدل بها هو ليتهم الناس بأشياء لا سبيل له إلى إثباتها.

وملاحظة أخيرة أختم بها هذا الحديث الذي أراه على طوله موجزاً، وهي أنَّ المؤلف قد أخذ في كتابه وهو مؤمن فيما يظهر بأنه لن يظفر برضا الناس عنه ولن يظفر برضا فريق من رجال الدين خاصة، فعرَّض بهم أحياناً، واشتدَّ عليهم أحياناً أخرى، ووصفهم بالجمود حيناً وبالتقليد حيناً، وبالحشوية أحياناً، فأغرى هؤلاء الناس بنفسه وسلطهم على كتابه، وخيَّل إليهم أنه يبغضهم، ولا يراهم أهلاً للبحث القيِّم، والمحاولة لاستكشاف حقائق العلم، ولو أنه صبر حتى يخرج كتابه ويقرأه الناس، ويسمع رأيهم فيه ونقدهم له لكان هذا الصبر خيراً له وأبقى عليه.

ويثني على جهوده بكلمات معدودة ثم يقول: «ولا بأس عليه من هذه الهنات» (1) التي أشرت إلى بعضها، فالذين يبرؤون من النقص والتقصير أو الهفوات أحياناً لا يكادون يوجدون، وصدق بشار حين قال:
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ... ظئمت وأي الناس تصفو مشاربه
طه حسين

...

وأختم البحث بكلمة لابن خزيمة (2) يدافع فيها عن أبي هريرة ويبيِّنُ أصناف الطاعنين فيه، فتظهر من خلالها منزلة أبي هريرة ومكانته، وفي هذا مسك الختام.
قال ابن خزيمة: «وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ لِدَفْعِ أَخْبَارِهِ مَنْ قَدْ أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ فَلاَ يَفْهَمُونَ مَعَانِيَ الأَخْبَارِ:
- إِمَّا مُعَطِّلٌ جَهْمِيٌّ يَسْمَعُ أَخْبَارَهُ الَّتِي يَرَوْنَهَا خِلاَفَ مَذْهَبِهِمُ - الَّذِي هُوَ كَفْرٌ - فَيَشْتُمونَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَيَرْمُونَهُ بِمَا اللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَزَّهَهُ عَنْهُ تَمْوِيهًا عَلَى الرِّعَاءِ وَالسَّفِلِ، أَنَّ أَخْبَارَهُ لَا تَثْبُتُ بِهَا الْحُجَّةُ؟
- وَإِمَّا خَارِجِيٌّ، يَرَى السَّيْفَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ يَرَى طَاعَةَ خَلِيفَةٍ، وَلاَ إِمَامٍ إِذَا سَمِعَ أَخْبَارَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَ مَذْهَبِهِمُ الَّذِي هُوَ ضَلاَلٌ، لَمْ يَجِدْ حِيلَةً فِي دَفْعِ أَخْبَارِهِ بِحُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ كَانَ مَفْزَعُهُ الْوَقِيعَةَ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ!.
- أَوْ قَدَرِيٌّ اعْتَزَلَ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ وَكَفَّرَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الأَقْدَارَ الْمَاضِيَةَ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَضَاهَا قَبْلَ كَسْبِ الْعِبَادِ لَهَا إِذَا نَظَرَ إِلَى أَخْبَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي قَدْ رَوَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ لَمْ يَجِدْ بِحُجَّةٍ تُؤَيِّدُ (1) صِحَّةَ مَقَالَتِهِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ وَشِرْكٌ، كَانَتْ حُجَّتُهُ عِنْدَ نَفْسِهِ أَنَّ أَخْبَارَ أَبِي هُرَيْرَةَ لاَ يَجُوزُ الاحْتِجَاجُ بِهَا!.
- أَوْ جَاهِلٌ يَتَعَاطَى الْفِقْهَ وَيَطْلُبُهُ مِنْ غَيْرِ مَظَانِّهِ إِذَا سَمِعَ أَخْبَارَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَ مَنْ قَدِ اجْتَبَى مَذْهَبَهُ، واخْتَارَهُ (3) تَقْلِيدًا بِلاَ حُجَّةٍ وَلاَ بُرْهَانٍ تَكَلَّمَ (4) فِي أَبِي هُرَيْرَةَ، وَدَفَعَ أَخْبَارَهُ الَّتِي تُخَالِفُ مَذْهَبَهُ، وَيَحْتَجُّ بِأَخْبَارِهِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ إِذَا كَانَتْ أَخْبَارُهُ مُوَافِقَةً لِمَذْهَبِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ هَذِهِ الْفَرَقِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْبَارًا لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا أَنَا ذَاكِرٌ بَعْضُهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ... » (5).


http://shamela.ws/browse.php/book-29...e-153#page-240






 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:55 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "