بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وأهلك عدوهم يـاكريم
اخواني السنه اصح كتبكم هي من تتحدث...
ما أن أتم رسول الله جملته : ( قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ) حتى تصدى له عمر بن الخطاب وقال متجاهلا وجود النبي ، ومتجاهلا طلبه وموجها كلامه للصفوة التي اختارها النبي ليكتب أمامها وصيته وتوجيهاته النهائية ( لا حاجة لنا بكتابه إن النبي يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ) ! ! !
وما أن أتم عمر جملته حتى قال أعوانه بصوت واحد متجاهلين وجود الرسول وموجهين كلامهم للحضور ( القول ما قال عمر ، إن رسول الله يهجر ، ما له ! ! أهجر ! ! ما شأنه أهجر ! ! استفهموه إنه يهجر ! ! ) وكان أتباع عمر يرددون مع كل جملة مع الجمل السابقة قافية مفادها ( القول ما قاله عمر ) .
صعقت الصفوة التي اختارها النبي من هول ما رأت وما سمعت ! ! ! فقالت : ألا تسمعون رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ! ! ! ورد عليهم عمر : ( إن النبي يهجر وعندنا كتاب الله حسبنا كتاب الله ) وعلى الفور كان أتباع عمر يضجون بالقافية التي تعلموها قبل دخولهم إلى منزل النبي ( القول ما قال عمر ، إن النبي يهجر ! ! استفهموه إنه هجر ! ! ما له أهجر ! ! ) ، وتنازع الفريقان ، وكثر اللغط والتنازع بين الصفوة القليلة المؤمنة التي دعاها رسول الله ، وبين الكثرة المتآمرة التي اقتحمت منزل الرسول بدون إذن ! !
نتيجة تصرفات عمر وحزبه
كثر اللغط ، واللغو ، وارتفعت الأصوات ، وتنازع الفريقان ، الصفوة المؤمنة تقول : ( ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، وعمر بن الخطاب يقول : إن الرسول يهجر ، ولا حاجة لنا بكتابه ، ( حسبنا كتاب الله ) وأركان حزب عمر ومن جلبهم معه يرددون ( القول ما قال عمر ، إن الرسول يهجر ، استفهموه ، أهجر ! ! ما له أهجر ! ! ،
( 1 ) صحيح البخاري ج 7 ص 9 وج 4 ص 31 ، وصحيح مسلم ج 5 ص 75 وج 2 ص 16 ، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95 ، ومسند أحمد ج 4 ص 356 وج 1 ص 355 ، وتاريخ الطبري ج 2 ص 192 ، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320 ، وتذكرة الخواص ص 62 ، وسر العالمين ص 21 .
( 2 ) المصدر السابق . ( 3 ) المراجع السابقة في البندين 1 و 2 .
- ص 147 -
الصفوة المؤمنة متمسكة بموقفها ، وعمر وحزبه متمسكون بموقفهم ، لقد بدأ التنازع بين الفريقين ، وعمر وحزبه على استعداد لفعل أي شئ يحول بين النبي وبين كتابة ما أراد .
تدخل النسوة وتقريعهن لعمر وحزبه وشهادة الرسول
سمعت النسوة من وراء الستر كل ما كان يجري ، ما قاله الرسول ، وما قالته الصفوة المؤمنة ، وما قاله عمر وحزبه ، فدهشن من هول ما سمعن ، فقالت النسوة لعمر وحزبه : ( ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم . . . فصاح بهن عمر إنكن صويحبات يوسف . . فقال الرسول لعمر وحزبه دعوهن فإنهن خير منكم )
الرسول يحسم الموقف رأى الرسول كثرة حزب عمر ، ونوعية رجال ذلك الحزب ، وإصرارهم على فعل أي شئ للحيلولة بين الرسول وبين ما أراد كتابته ، فلو أصر الرسول على كتابة ما أراد كتابته لأصروا على هجر الرسول مع ما يجره هذا الاتهام من خطر على الدين لذلك صرف النظر عن الكتاب مكتفيا بتأكيداته اللفظية السابقة ورد على عمر وحزبه ردا يليق بجلال النبوة فقال لهم : ( دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع )
( 1 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 243 - 244
( 2 ) صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9 ، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 وج 2 ص 16 وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 94 - 95 ، ومسند أحمد ج 1 ص 355 وج 4 ص 356 ، وصحيح البخاري ج 4 ص 31 ، وتاريخ الطبري ج 2 ص 194 ، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320 ، تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 62 ، وسر العالمين ، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21 .
- ص 148 -
وهذا ما تمناه عمر وحزبه ، لقد تحققت غايتهم من اقتحامهم لبيت الرسول دون إذن ولا دعوة ، ولم يعد هنالك ما يوجب بقاءهم ، وهكذا كسروا خاطر النبي الشريف ، وقصموا ظهر الدين والأمة معا ، وتركوا النبي يصارع الموت ، تحف بجنابه الأقدس الملائكة الكرام ! !
لماذا استمات عمر بن الخطاب وحزبه ليحولوا بين الرسول وبين ما أراد كتابته ؟
لقد اعترف عمر بن الخطاب في ما بعد إنه وحزبه لم يحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد لأن المرض قد اشتد به كما ادعوا ، أو لأنه سلم كان يهجر كما زعموا ، أو لأن القرآن وحده يكفي كما أوهموا . إنما صدوا النبي عن كتابة ما أراد ( حتى لا يجعل الأمر لعلي بن أبي طالب ) (فيؤكد تأكيداته اللفظية بتأكيد خطي هذا اعتراف زعيم الحزب عمر بن الخطاب .
هل في ما قاله الرسول هجر ! ! هل ما قاله الرسول يوجب هذه المواجهة ! ! أنظر بربك وتأمل مليا بالجمل التي نطق بها رسول الله في تلك الجلسة ، هل فيها خطأ ؟ هل فيها غلط ؟ هل فيها إساءة لأحد ؟ هل فيها ما يدل على أن الرسول يهجر ( حاشاه ) أي لا يدري ماذا يقول ! ! !
ثم إن الرسول في منزله كأي إنسان ، ومن حق الإنسان أي إنسان أن يقول ما يشاء في بيته ! ثم إن الرسول على الأقل مسلم ومن حق المسلم - أي مسلم على
الإطلاق أن يوصي والذين يسمعونه أحرار في ما بعد بإعمال أقواله أو إهمالها ! ثم إن الرسول وبكل المقاييس كان ما زال رسولا وقائدا للمسلمين ورئيسا للدولة ، وسيبقى متمتعا بكافة صلاحياته كنبي وكرسول وكقائد وكرئيس عام للأمة ولا يملك أحد حق تجريد النبي من هذه الصلاحيات ! ! ولتقف على حقيقة وبشاعة ما فعلوه برسول الله فلا بد من أن نضع تحت تصرفك مجموعة الجمل التي نطق بها رسول الله .
( 1 ) شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 7 ص 114 سطر 27 الطبعة الأولى بيروت وج 2 ص 79 سطر 3 تحقيق أبي الفضل مكتبة الحياة وج 3 ص 167 طبعة دار الفكر ، وكتابنا المواجهة ص 503 وما فوق .
1 - الجملة الأولى : أنه قد قال للصفوة التي أحضرها ( قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ) وعلى أثر صدور هذه الجملة من رسول الله أقام عمر وحزبه الدنيا ولم يقعدوها بحجة أن القرآن موجود وهو يكفي ، ولا حاجة للمسلمين بوصايا النبي ولا بتوجيهاته فأحدث عمر وحزبه حالة من الفوضى واللغط والتنازع متعمدين ذلك حتى يحولوا بين الرسول وبين ما أراد كتابته ! ! ! وفوق هذا وذاك قالوا للرسول : ( أنت تهجر ولا تدري معنى ما يصدر عنك ) .
2 - الجملة الثانية : انتقدت النساء تصرف عمر وحزبه ، فقالت لهم النساء : ألا تسمعون رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا . . . فنهرهن عمر وقال لهن إنكن صويحبات يوسف عندئذ نطق الرسول بالجملة الثانية قائلا لعمر وحزبه : ( دعوهن فإنهن خير منكم ) .
3 - الجملتان الثالثة والرابعة : لم يتوقف عمر وحزبه ، بل استماتوا بكسر خاطر النبي والتشويش عليه ، فتلفظ النبي بالجملتين الثالثة والرابعة قائلا : ( دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع )
( 1 ) في الصفحات السابقة حرصنا على توثيق كل جملة نطق بها الرسول .
- ص 150 -
هذه هي الجمل الأربعة التي نطق بها رسول الله قبيل وفاته بدقائق ! ! فأين هو الهجر الذي أدعوه ! ! ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) .
ثم من الذي جعل عمر بن الخطاب وحزبه أوصياء على دين الله ، وعلى رسول الله ! ! ومن الذي خولهم هذه الصلاحية ! !
ثم هل الرسول قاصر حتى يتولوا الوصاية عليه ! !
ثم هل كان الرسول في بيته أم في بيوتهم ! !
نحن ندرك الآن حجم ظلمهم واستبدادهم واستخفافهم بمقام النبوة ، وقد عرفنا من الذي هجر ؟ هل هو رسول الله ( حاشاه ) أم عمر وحزبه ! ! بعد مرور أربعة عشر قرنا على تلك الفواجع يقرأ أولياء الخلفاء ذلك دون أن يشعروا بأي أسف لما فعله عمر وحزبه ، بل يشعرون بالفخر والاعتزاز ، ويعطون عمر وحزبه دور البطولة حتى في صراعهم مع رسول الله ! ! إن هذا لهو البلاء المبين