عدنا .. لنكمل البحث في عقيدة الشيعة بالتوحيد .... اعتذر على طول الغياب ...
يقول العالم الإيراني – الشيعي الأصل – أحمد الكسروي [انظر الحديث عنه في "فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة" ص:555 وما بعدها.] : "ومما يرى من لجاج الشيعة أنه قد انقضى منذ ظهور الوهابيين أكثر من مائة وخمسين عامًا، وجرت في تلك المدة مباحثات ومجادلات كثيرة بينهم وبين الطوائف الأخرى من المسلمين، وانتشرت رسالات وطبعت كتب، وظهر جليًا أن ليست زيارة القبب، والتوسل بالموتى، ونذر النذور للقبور وأمثالها إلا الشرك، ولا فرق بين هذه وبين عبادة الأوثان التي كانت جارية بين المشركين من العرب فقام الإسلام يجادلها ويبغي قلع جذورها، يبين ذلك آيات كثيرة من القرآن، فأثرت الوهابية في سائر طوائف المسلمين غير الروافض أو الشيعة الإمامية، فإن هؤلاء لم يكترثوا بما كان، ولم يعتنوا بالكتب المنتشرة والدلائل المذكورة أدنى اعتناء، ولم يكن نصيب الوهابيين منهم إلا اللعن والسب كالآخرين"[الكسروي/ الشيعة ص89.].
إن الشرك قد ألبس في مصادر الشيعة المعتمدة ثوب الحق، وأصبح هو الدين، وهذا هو الخطر الأكبر، والداء الأعظم. لقد عقدت أمهات كتبهم "أبوابًا" كثيرة ضمنتها مئات من الروايات تجسد الشرك وترسي قواعده، وألفت في هذا كتبٌ مستقلة جمعت من الشر في هذا السبيل فأوعت – كما مر -.
لقد غلت الرافضة بالأئمة وقبورهم، وصنعوا صنيع النصارى في غلوهم في المسيح.. فترك هؤلاء الروافض عبادة الله وحده لا شريك له فتراهم يعطلون المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.. ويعظمون المشاهد المبنية على القبور فيعكفون عليها مشابهة للمشركين، ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، بل السفر إليها والطواف بها والصلاة عندها وتقديم القرابين في رحابها والانكباب على الضريح والاستغاثة به، وطلب الشفاء منه، أو التوسل به وطلب شفاعته هي عندهم من أفضل القربات وأعظم الطاعات – كما مضى ذكر بعض شواهده – ومن أضل ممن يفضل الشرك على التوحيد، ويعمر المشاهد ويعطل المساجد، و"يعتاض عن أرض مكة والحرم وعفرة ومنى بأرض كربلاء" [الجرجاني/ المعارضة في الرد على الرافضة الورقة (71).] ويستبدل الباطل بالحق، ويرى أنه أهدى من الذين آمنوا سبيلاً؟!
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد ولا شرع ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين، بل هذا من دين المشركين [منهاج السنة: 1/175.] الذين قال الله تعالى فيهم: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح، آية:23.].
قال ابن عباس وغيره: هؤلاء.. أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت[أخرجه البخاري في تفسير سورة نوح (البخاري مع الفتح: 8/667). قال الألباني: "وهو موقوف على ابن عباس في حكم المرفوع" (شرح العقيدة الطحاوية ص80 –الهامش-).].
وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – لأبي الهياج الأسدي: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته" [أخرجه مسلم في الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر (969): 1/666، وأبو داود: 3/548 (3218)، والترمذي: 3/366 (1049)، والنسائي 4/88، 89، وأحمد 1/96، 129 ومواضع أخرى، وأبو داود الطيالسي 1/168، والحاكم: 1/369، والبيهقي في سننه: 4/3.].
وهذا المعنى أقرت به بعض روايات الشيعة، فقد روى الكليني عن أبي عبد الله قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فقال: لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبرًا إلا سوّيته[فروع الكافي: 2/227، وسائل الشّيعة: 2/869]. وفي رواية أخرى « بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدم القبور وكسر الصّور" [فروع الكافي: 2/226، وسائل الشّيعة: 2/870.].
وعن أبي عبد الله قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه [الطوسي/ تهذيب الأحكام: 1/130، وسائل الشيعة: 2/869.]. وعن أبي عبد الله قال: لا تبنوا على القبور.. فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك [تهذيب الأحكام: 1/130، البرقي/ المحاسن: ص 612، وسائل الشّيعة: 2/870.]، وعنه أيضًا عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصّص المقابر [ابن بابويه/ من لا يحضره الفقيه: 2/194، أمالي الصّدوق ص253، وسائل الشّيعة: 2/870].
وقد زعم الحرّ العاملي أنّ هذا النهي يشمل كل قبر "غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة عليهم السلام وأن هذا النّهي لمجرّد الكراهة" [كما هو صريح الباب الذي عقده لهذه الأحاديث وهو "باب كراهة البناء على القبر في غير قبر النّبيّ والأئمّة.." (وسائل الشّيعة 2/869) والغريب أنّه لم يذكر ما يدلّ على هذا العنوان؛ إذ كلّ أحاديث الباب السّبعة تناقض ما ذهب إليه.].
وصيغة العموم واضحة في هذه الروايات، كما أن دلالة التحريم بينة، ولا دليل عند العاملي سوى ما شذت به طائفته في واقعها وفي جملة من رواياتها، والشذوذ دليل على البطلان لمخالفته لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة بما فيهم أهل البيت الذين أثر عنهم التحذير من ذلك، لأن ذلك وسيلة للشرك بالله، ثم إن الحكمة التي ورد من أجلها النهي لا تفرق بين قبر وقبر، وقد يكون الخطر في قبور الأئمة أشد لعظيم الافتتان بهم، ولهذا كان أصل الشرك هو الغلو في الصالحين[انظر: كتاب التوحيد (مع شرحه تيسير العزيز الحميد) باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين ص305.]..
وتناقض كتب الشيعة نفسها حينما تنقل أدعية الأئمة، ومناجاتهم لله سبحانه، وتضرعهم بالاستكانة إليه، وإخلاص الدعاء له وحده، وإظهار الضعف والافتقار إليه سبحانه، مما يكشف باطل الشيعة، ويبين أن ما تفعله في مزاراتها، وتدعو إليه في رواياتها ليس من هدي الأئمة.
فهذا جعفر الصادق كان من دعائه كما تعترف كتب الشيعة: "اللّهم إنّي أصبحت لا أملك لنفسي ضرًّا ولا نفعًا ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا، قد ذلّ مصرعي، واستكان مضجعي، وظهر ضري، وانقطع عذري، وقل ناصري، وأسلمني أهلي ووالدي وولدي بعد قيام حجتك عليّ، وظهور براهينك عندي، ووضوح أدلتك لي.
اللهم وقد.. أعيت الحيل، وتغلقت الطرق، وضاقت المذاهب، ودرست الآمال إلا منك، وانقطع الرّجاء إلا من جهتك.." [بحار الأنوار: 86/318، مهج الدّعوات ص216.].
هذا ما يجأر به جعفر ويلجأ به إلى الله فهو لا يملك شيئًا من النفع، أو الضر لنفسه فكيف لغيره، وإذا كان ذلك في حياته فهو بعد موته أعجز.
وكثير من الأئمة نقل عنهم أمثال هذه الدعوات [انظر – مثلاً -: باب الأدعية والأذكار من البحار: 86/240 وما بعدها، وانظر أيضًا: باب أدعية المناجاة في الجزء 94 ص89 وما بعدها.].
كما تنقل كتب الشيعة أن أمير المؤمنين عليًا صور حالته في القبر في مناجاته لربه فقال: "إلهي كأني بنفسي قد أضجعت في حقرتها، وانصرف عنها المشيعون من جيرتها.. ولم يخف على الناظرين ضرّ فاقتها.. قد توسدت الثرى وعجز حيلتها.." [بحار الأنوار: 94/93-94.]. فليس له حيلة في نفسه إلا برحمة من الله وفضل، فكيف يطلب منه في قبره الشفاعة والغفران وينسى ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم.
والحسين لم يستطع أن يدفع عن نفسه القتل فكيف يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله؟!
وقد نقلت كتب الشيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذه هو والحسن بهذه العوذة وهو هذا الدعاء: بسم الله الرحمن الرحيم: أعيذ نفسي وديني وأهلي ومالي وولدي وخواتيم عملي، وما رزقني ربي وخولني بعزة ربي وعظمة الله.. إلخ [بحار الأنوار: 94/264، مهج الدعوات: ص13.] فهو أضعف من أن يقي نفسه شر ما يصيبها إلا بحفظ الله، فإذا كان ذلك في حياته فهو بعد موته أعجز، والله سبحانه لم يجعل بينه وبين خلقه واسطة إلا الرسل للإبلاغ والبيان.
((يتبع))