موقفنا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
مما لاشك فيه أن الناس قد انقسموا في هذا الباب ( الموقف من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ) مواقف شتى .. لكن ماهو الموقف الحق الذي يجب أن يقفه المسلم تجاههم ، حتى لا يغلو فيهم ، وفي الوقت نفسه لا يجفو عنهم ..
ثم إنه لا يشك منصف أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من أشرف البيوت نسباً .. ومن أكرمهم أصلاً وطبعاً .. ومن أنبلها أرومة .. وقد أوجب الله علينا محبة هذا البيت الكريم تبعاً ملحبة مُشرّفهم صلى الله عليه وسلم ، فمحبتهم وبرهم من محبته مبره ، وبغضهم من بغضه ، فهي عندنا فرض واجب كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ، ويؤجر العبد عليه . انظر مجموع الفتاوى ( 4 / 487 ) .
والعجيب أن الناس قد انقسموا تجاه هذا البيت الكريم إلى أصناف ثلاثة ، ما بين تفريط وإفراط ، ولاشك أن بينهما وسط ، وهو الطريق المستقيم .. وبيان ذلك :-
الصنف الأول : مُفَرِّطون في حقهم ، وهو الجفاة فيهم ، البغاة عليهم .
الصنف الثاني : مُفْرِطون في حبهم ، متجاوزون الحد الشرعي فيه ، وهو الغلاة فيهم .
الصنف الثالث : معتدلون منصفون ، مفارقون طريقة الصنفين ( الغالين والجافين ) ، وهم الواسطة بينهما .
جاء في السنة لابن أبي عاصم برقم ( 1017 ) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ( ليحبني قوم حتى يدخلون النار فيّ ، وليبغضني قوم حتى يدخلون النار في بغضي ) . وإسناده صحيح .
وجاء أيضاً في السنة لابن أبي عاصم برقم ( 1018 ) عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( يهلك فيّ رجلان مُفْرِط في حبي ومُفَرِّط في بغضي ) وإسناده حسن .
قال العلامة محمود شكري الألوسي رحمه الله في تفسير روح المعاني ( 25 / 32 ) : والكثير من الناس في حق كلٍّ من الآل والأصحاب في طرفي التفريط والإفراط ، وما بينهما هو الصراط المستقيم ، ثبتنا الله تعالى على ذلك الصراط .
ويقول العلامة صديق حسن خان رحمه الله في هذا السياق أيضاً : وهذه المحبة لهم واجبة متحتمة علىكل فرد من أفراد الأمة ، ومن حُرِمها فقد حُرم خيراً كثيراً ، ولكن لابد فيها من لفظ الإفراط والتفريط ، فإن قوماً غلوا فيها فهلكوا ، وفرّط فيها قوم فهلكوا ، وإنما الحق بين العافي والجافي ، والغالي والخالي . انظر : الدين الخالص ( ص 3 / 351 ) .
وسيكون الكلام في هذا المبحث بشيئة الله تعالى عن مذهب أهل السنة والجماعة في آل البيت ، وكيف يتعاملون مع النصوص الواردة في فضلهم ؟ وما الحق الذي يرونه واجباً لهم ؟ ثم ما الواجب عليهم ؟ ثم أذكر شروط تولي أهل السنة لأهل البيت ، وأختم المبحث بطرح سؤال مهم ، وهو ( هل القول بتفضيل بني هاشم يعد تفضيلاً مطلقاً على جميع الشخاص وفي كل الأحوال ؟ ) ..
فأقول وبالله تعالى التوفيق :-
موقف السلف تجاه أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم موقف الإنصاف والاعتدال ، وهو الحق الحقيق بالاتباع ، فهم بين الجافي والغالي ، وهو الصواب البحت ، لتوسطه بين جانبي الإفراط والتفريط .
فأهل السنة أسعد الناس بموالاة أهل البيت ، يعرفون فيهم وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليهم ، ويعتبرون محبتهم واجبة محتمة على كل فرد من أفراد الأمة . انظر : الدين الخالص لصديق خان ( 3 / 351 ، 357 ) .
و هذا مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة في أهل البيت الكرام ..
1- أهل السنة يوجبون محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ويجعلون ذلك من محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتولونهم جميعاً ، لا كالرافضة الذين يتولون البعض ويفسقون البعض الآخر .
2- أهل السنة يعرفون ما يجب لهم من الحقوق ، فإن الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء ، وأمر بالصلاة عليهم تبعاً للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
3- أهل السنة يتبرؤون من طريقة النواصب الجافين لأهل البيت ، والروافض الغالين فيهم .
4- أهل السنة يتولون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ويترضون عنهن ، ويعرفون لهن حقوقهن ، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة .
5- أهل السنة لا يخرجون في وصف آل البيت عن المشروع ، فلا يغالون في أوصافهم ، ولا يتعقدون عصمتهم ، بل يعتقدون أنهم بشر تقع منهم الذنوب كما تقع من غيرهم .
6- أهل السنة يعتقدون أن أهل البيت ليس فيهم مغفور الذنب ، بل فيهم البر والفاجر ، والصالح والطالح – الفاسد - .
7- أهل السنة يعتقدون أن القول بفضيلة أهل البيت لا يعني تفضيلهم في جيمع الأحوال ، وعلى كل الشخاص ، بل قد يوجد من غيرهم من هو أفضل منهم لاعتبارات أخرى .
أقوال أئمة السلف وأهل العلم والإيمان من بعدهم ، مرتبين حسب الترتيب الزمني في بيان هذه العقيدة ..
تواتر النقل عن أئمة السلف وأهل العلم جيلاً بعد جيل على اختلاف أزمانهم وبلدانهم بوجوب محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإكرامهم والعناية بهم ، وحفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ، ونصوا على ذلك في أصولهم المعتمدة ، ولعل كثرة المصنفات التي ألفها أهل السنة في فضائلهم ومناقبهم أكبر دليل على ذلك ..
وإليك طائفة من أقوالهم في ذلك ..
1- قول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( ت13هـ ) .
روى الشيخان في صحيحيهما عنه رضي الله عنه أنه قال : والذي نفسي بيده ، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي . البخاري برقم ( 4241 ) ومسلم برقم ( 1759 ) .
2- قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( ت23هـ ) .
روى ابن سعد في الطبقات ( 4 / 22 ) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للعباس رضي الله عنه : والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب – يعني والده – لو أسلم ؛ لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب .
3- قول زيد بن ثابت رضي الله عنه ( ت42هـ ) .
عن الشعبي قال : صلى زيد بن ثابت رضي الله عنه على جنازة ، ثم قُرّب له بغلته ليركبها ، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما فأخذ بركابه ، فقال زيد : خل عنك يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال هكذا نفعل بالعلماء ، فقبّل زيد يد ابن عباس وقال ، هكذا أُمِرْنا أن نفعل بأهل بيت نبينا . الطبقات لابن سعد (2/ 360 ) .
4- قول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ( ت60هـ ) .
أورد الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ( 2/ 140 ) أن الحسن بن علي دخل على معاوية في مجلسه ، فقال له معاوية : مرحباً وأهلاً بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر له بثلاثمائة ألف .
وأورد ابن كثير أيضاً في البداية ( 8 / 139 ) أن الحسن والحسين رضي الله عنهما وفدا على معاوية رضي الله عنه ، فأجازهما بمائتي ألف ، وقال لهما : ما أجاز بهما أحد قبلي ، فقال الحسين ، ولم تعط أحد أفضل منا .
5- قول ابن عباس رضي الله عنهما ( ت68هـ ) .
قال رزين بن عبيد : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما فأتى زين العابدين علي بن الحسين ، فقال له ابن عباس : مرحباً بالحبيب ابن الحبيب . أخرجه أحمد في الفضائل ( 2 / 777 ) .
6- قول أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي ( ت321هـ ) .
قال رحمه الله في عقيدته الشهيرة : ( ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم ، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ، ولا نذكرهم إلا بخير ) ..
وقال أيضاً : ( ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس ، وذريته المقدسين من كل رجس ، فقد برئ من النفاق ) . انظر العقيدة الطحاوية شرح ابن أبي العز ( ص 467 – 471 ) .
7- قول الإمام الحسن بن علي البربهاري ( ت 329هـ ) .
قال في شرح السنة ( ص 96 – 97 ) : واعرف لبني هاشم فضلهم ، لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعرف فضل قريش والعرب ، وجميع الأفخاذ ، فاعرف قدرهم وحقوقهم في الإسلام ، وموالي القوم منهم ، وتعرف لسائر الناس حقهم في الإسلام ، واعرف فضل الأنصار ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، وآل الرسول فلا تنساهم ، واعرف فضلهم وكرامتهم