الرد الاول
شبهات وردود
غسل الأرجل في الوضوء
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : غسل القدمين في الوضوء منقول عن النبي نقلا متواترا كحديث " ويل للأعقاب من النار " وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين ونقل عنه المسح على القدمين في موضع الحاجة مثل أن يكون في قدميه نعلان يشق نزعهما وأما مسح القدمين مع ظهورهما جميعا فلم ينقله أحد عن النبي وهو مخالف للكتاب والسنة أما مخالفته للسنة فظاهر متواتر وأما مخالفته للقرآن فلأن قوله تعالى (( وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين )) فيه قراءتان مشهورتان النصب والخفض فمن قرأ بالنصب فإنه معطوف على الوجه واليدين والمعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم ومن قرأ بالخفض فليس معناه وامسحوا أرجلكم كما يظنه بعض الناس لأوجه : أحدها إن الذين قرأوا ذلك من السلف قالوا عاد الأمر إلى الغسل , الثاني أنه لو كان عطفا على الرؤوس لكان المأمور به مسح الأرجل لا المسح بها والله إنما أمر في الوضوء والتيمم بالمسح بالعضو لا مسح العضو فقال تعالى (( وامسحوا برؤوسكم )) وقال (( فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه )) ولم يقرأ القراء المعروفون في آية التيمم وأيديكم بالنصب كما قرأوا في آية الوضوء فلو كان عطفا لكان الموضعان سواء وذلك أن قوله (( وامسحوا برؤوسكم )) وقوله (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم )) يقتضي إلصاق الممسوح لأن الباء للإلصاق وهذا يقتضي إيصال الماء والصعيد إلى أعضاء الطهارة وإذا قيل امسح رأسك ورجلك لم يقتض إيصال الماء إلى العضو وهذا يبين أن الباء حرف جاء لمعنى لا زائدة كما يظنه بعض الناس .. والمسح اسم جنس يدل على إلصاق الممسوح به بالممسوح ولا يدل لفظه على جريانه لا بنفي ولا إثبات قال أبو زيد الأنصاري وغيره العرب تقول تمسحت للصلاة فتسمى الوضوء كله مسحا ولكن من عادة العرب وغيرهم إذا كان الاسم عاما تحته نوعان خصوا أحد نوعيه باسم خاص وأبقوا الاسم العام للنوع الآخر كما في لفظ الدابة فإنه عام للإنسان وغيره من الدواب لكن للإنسان اسم يخصه فصاروا يطلقونه على غيره .
قال الرافضي : (( وكمسح الرجلين الذي نصّ الله تعالى عليه في كتابه العزيز فقال :]َ فاْغسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُم إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن [([1]) ، وقال ابن عباس : (( عضوان مغسولان، وعضوان ممسوحان ، فغيروه وأوجبوا الغسل )) .
فيقال : الذين نقلوا عن النبي eالوضوء قولا وفعلا، والذين تعلّموا الوضوء منه وتوضؤوا على عهده ، وهو يراهم ويقرهم عليه ونقلوه إلى من بعدهم ، أكثر عددا من الذين نقلوا لفظ هذه الآية ، فإن جميع المسلمين كانوا يتوضؤون على عهده ، ولم يتعلموا الوضوء إلا منه e؛ فإن هذا العمل لم يكن معهوداً عندهم في الجاهلية ، وهم قد رأوه يتوضأ ما لا يحصى عدده إلا الله تعالى ، ونقلوا عنه ذكر غسل الرجلين فيما شاء الله من الحديث ، حتى نقلوا عنه من غير وجه في الصحاح وغيرها أنه قال : (( ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار)) ، مع أن الفرض إذا كان مسح ظهر القدم ، كان غسل الجميع كلفة لا تدعو إليها الطباع ، كما تدعو الطباع إلى طلب الرئاسة والمال فإن جاز أن يقال : إنهم كذبوا وأخطؤوا فيما نقلوه عنه من ذلك ، كان الكذب والخطأ فيما نُقل من لفظ الآية أقرب إلى الجواز .
وإن قيل بل لفظت الآية بالتواتر الذي لا يمكن الخطأ فيه ، فثبوت التواتر في نقل الوضوء عنه أوْلى وأكمل ،ولفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنَّة ، فإن المسح جنس تحته نوعان : الإسالة ، وغير الإسالة ، كما تقول العرب : تمسَّحت للصلاة ، فما كان بالإسالة فهو الغسل ، وإذا خص أحد النوعين باسم الغسل فقد يخص النوع الآخر باسم المسح ، فالمسح يُقال على المسح العام الذي يندرج فيه الغسل ، ويُقال على الخاص الذي لا يندرج فيه الغسل.
وفي القرآن ما يدل على أنه لم يُرد بمسح الرجلين المسح الذي هو قسيم الغسل ، بل المسح الذي الغسل قسم منه ؛ فإنه قال : ] إلى الكعبين [ ولم يقل : إلى الكعاب ، كما قال : ] إلى المرافق [ ، فدل على أنه ليس في كل رجل كعب واحد ، كما في كل يد مرفق واحد ، بل في كل رجل كعبان ، فيكون تعالى قد أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين ، وهذا هو الغسل ، فإن من يمسح المسح الخاص يجعل المسح لظهور القدمين ، وفي ذكره الغسل في العضوين الأوَّليْن والمسح في الآخرين ، التنبيه على أن هذين العضوين يجب فيهما المسح العام ، فتارة يُجزئ المسح الخاص ، كما في مسح الرأس والعمامة والمسح على الخفين ، وتارة لا بد من المسح الكامل الذي هو غسل، كما في الرجلين المكشوفتين .
وقد تواترت السنة عن النبي e بالمسح على الخفين وبغسل الرجلين ، والرافضة تخالف هذه السنة المتواترة، كما تخالف الخوارج نحو ذلك ، مما يتوهمون أنه مخالف لظاهر القرآن ، بل تواتر غسل الرجلين والمسح على الخفين عن النبي eأعظم من تواتر قطع اليد في ربع دينار، أو ثلاثة دراهم ، أو عشرة دراهم ، أو نحو ذلك .
وفي الجملة فالقرآن ليس فيه نفي إيجاب الغسل ، بل فيه إيجاب المسح، فلو قدِّر أن السنة أوجبت قدراً زائدا على ما أوجبه القرآن لم يكن في هذا رفعا لموجب القرآن ، فكيف إذا فسَّرته وبيَّنت معناه ؟ وهذا مبسوط في موضعه .
(1) الآية 6 من سورة المائدة .
موقع فيصل نور