بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد:
فهذه نقولاتٌ قاصمة وقفت عليها أثناء بحثي في رسالة الماجستير تطوِّح بنظرية من
ضروريات الشيعة الإمامية في المعارف الإلهية وتدمدمها وتقلبها عليهم وهي (نظرية
تعدد القدماء وعينية الذات والصفات والوحدة بينهما ونفي الكثرة والتعدد فيهما)
والتي نقلوها نقل المسطرة عن أسلافهم المعتزلة والجهمية والفلاسفة.
ولطالما نقل الإمامية إجماعهم عليها ، وركّبوا عليها رمي أهل السنة بالتشبيه والتركيب للذات العليّة.
ومما يدل على خذلان الطائفة الإمامية ؛ أنها استلت من المذاهب المنحرفة أخبث ما عندها من الأقوال والأدلة السخيفة.
وهذه النقولات القاصمة تولى زمامها كبار أعلام الإمامية كعلامتهم الصدوق
وشيخه أبو الوليد وكذا علامتهم القاضي سعيد القمي وشيخه رجب التبريزي ،
وسأقوم باستعراض بعض المقدمات ثم النقولات في النقاط التالية.
النقطة الأولى: الصفات عند الشيعة الإمامية إما ثبوتية ( أي ثابتة لله ) كالعلم والإرادة والقدرة والحياة والكلام والغنى والاختيار والصدق وإما سلبية ( أي منفية عن الله ) أي ليس بجسم ولا متحيز ولا مركب ولا مرئي وهلم جرا من الصفات السلبية العدمية.
النقطة الثانية: حصل نزاع بين علماء الإمامية في رجوع الصفات في القسمة الماضية لبعضيها ، هل ترجع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية أو العكس ؟
ومعنى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية هو رجوع صفة ثبوتية مثل العلم إلى صفة سلبية هي عدم الجهل ، وصفة ثبوتية مثل القدرة إلى صفة سلبية هي عدم العجز وهلم جرا .
ومعنى رجوع الصفات السلبية إلى الصفات الثبوتية هو رجوع جميع الصفات المنفية عن الله كالجسمية والحركة والسكون إلى سلب الإمكان عنه ، وسلب الإمكان يرجع في الحقيقة إلى وجوب الوجود.
النقطة الثالثة: يرى علامتهم الصدوق وشيخه أبو الوليد وكذا القاضي القمي وشيخه رجب التبريزي برجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية وذلك لبراهين عقلية ونقلية ، أكتفي منها بذكر اثنين :
البرهان الأول: لو لم يكن الرجوع كذلك للزم وجود أشياء مع الذات في الأزل ، وبهذا تتحطم نظرية (تعدد القدماء) وتتهاوى التي هي من أعظم براهين التوحيد الذاتي في المفهوم الإمامي المعتزلي الجهمي الفلسفي!!
وهذا البرهان مستخلص من كلام علامتهم الصدوق في كتابه (التوحيد )ص143: (إذا وصفنا الله تبارك وتعالى بصفات الذات فإنما ننفي عنه بكل صفة منها ضدها ، فمتى قلنا:إنه حي نفينا عنه ضد الحياة وهو الموت، ومتى قلنا: إنه عليم نفينا عنه ضد العلم وهو الجهل، ومتى قلنا: إنه سميع نفينا عنه ضد السمع وهو الصمم، ومتى قلنا: بصير نفينا عنه ضد البصر وهو العمى، ومتى قلنا: عزيز نفينا عنه ضد العزة وهو الذلة، ومتى قلنا: حكيم نفينا عنه ضد الحكمة وهو الخطأ، ومتى قلنا: غني نفينا عنه ضد الغنى وهو الفقر، ومتى قلنا: عدل نفينا عنه الجور والظلم ومتى قلنا: حليم نفينا عنه العجلة، ومتى قلنا: قادر نفينا عنه العجز، ولو لم نفعل ذلك أثبتنا معه أشياء لم تزل معه، ومتى قلنا: لم يزل حيا عليما سميعا بصيراعزيزا حكيما غينا ملكا حليما عدلا كريما، فلما جعلنا معنى كل صفة من هذه الصفات التي هي صفات ذاته نفي ضدها أثبتنا أن الله لم يزل واحدا لا شئ معه)
وانظر كذلك : شرح الباب الحادي عشر لعلامتهم كمال الحيدري ج1 ص275
البرهان الثاني: لو كان الصفات أمورًا ثبوتية ومفهوماتٍ وجودية لكانت صفاته تعالى الثبوتية تشترك اشتراكاً معنويًا مع صفات المخلوقين وهذا يؤدي لتركّب الذات ، ولإن الصفة عُرّفت بإنها ما يكون معه الشيء بحال ، فلا شك أنها تغايرٌ الذات ، والمغاير للذات لا يمكن أن يكون عينها!!!!
وهذا البرهان مستخلص من كلام القاضي القمي في شرحه لتوحيد الصدوق ج3ص112 وانظر: شرح الباب الحادي عشر لعلامتهم كمال الحيدري ج1ص277
فمن قال من الإمامية بعكس قولهم المسنود بالبراهين لزمه القول بتعدد القدماء والتركيب والاشتراك المعنوي بين الخالق والمخلوق واستوجب الكثرة في الذات العلية!!
فلله ما أشدها وأنكاها وقعًا على قلوب الإمامية حيث انقلب ما احتجوا به من نظرية (تعدد القدماء) على أهل السنة ليكون بنفسه دليلاً عليهم ، وما توهموه عاضدًا كان هادمًا لهم ، فإذا بسيف الباطل الذي يصولون به على أهل السنة والجماعة يرتد عليهم ، ويفلق رؤوسهم ، ويشتت إجماعهم.
النقطة الرابعة: موقف بعض علماء الإمامية من هذه القواصم واللوازم.
فها هو علامتهم محمد رضا المظفر يتلوى من سياط الصدوق ويهوِّن من آراءه الكلامية ويعبر عن نفثاته من خلال كرّاسه الدراسي الفلسفة الإسلامية: (والعجب من الشيخ الصدوق في تفسير الصفات الثبوتية من التصوّر في فهم عينية الصفات للذات؛ فتصوّر أنّها ترجع إلى أمور سلبية، وفي نظره يمكن تصوّر انطباق عدّة سلوب على موضوع واحد، فهو يذكر في عقائده أنّ معنى أنّ الصفات الثبوتية عين الذات هو باعتبار أنّها ترجع إلى السلب؛ فمعنى الحياة هو: عدم الموت، ومعنى العلم: عدم الجهل، ومعنى القدرة: عدم العجز، فهذه سلوب يمكن انطباقها على ذات واحدة، فيتبيّن من هذا الكلام أنّ الله تعالى هو مجموعة سلوب، نحن نحترم الشيخ الصدوق - كمحدّث وناقل - فإذا تحدّث عن مثل هذه الأمور فلا نقبل آراءه)
ثم يتلوى المظفر في موضعٍ آخر ويعتبر أنّ الصدوق وقع فيما هو أسوأ حيث جعل الذات الإلهية عين العدم ومحض السلب ، فيقول في كتابه (عقائد الإمامية ) ص40 : (ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتيةإلى الصفات السلبية لما عز عليه أن يفهم كيف أن صفاته عين ذاته فتخيل أن الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب ليطمئن إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثرها ، فوقع بما هو أسوأ ، إذ جعل الذات التي هي عين الوجود ومحض الوجود والفاقدة لكل نقص وجهة إمكان ، جعلها عين العدم ومحض السلب أعاذنا الله من شطحات الأوهام وزلات الأقلام).
ومثله إمامهم الخميني الذي تلوى من سياط قاضيهم العرفاني سعيد القمي ، ففي كتابه ( مصباح الهداية ) ص 39 يقول : (إنّي لأتعجّب من العارف المتقدّم ذكره - القاضي سعيد القمّي(رحمه الله) - مع علو شأنه وقوّة سلوكه، كيف ذهل عن ذلك المقام الذي هو مقام نظر العرفاء العظام، حتّى حكم بنفي الصفات الثبوتية عن الحقّ عزّ وجلّ شأنه، وحكم بأنّ الصفات كلّها ترجع إلى معانٍ سلبية، وتحاشى كلّ التحاشي عن عينية الصفات للذات ، وأعجب منه الحكم بالاشتراك اللفظي بين الأسماء الإلهية والخلقية والصفات الواقعة على الحق والخلق ).
ثم يقول ص42-43 : (أيها الشيخ العارف جعلك الله في أعلى درجات النعيم أنت الذي فررت من الاشتراك المعنوي بين الحق والخلق وجعلت التنزيه ملاذًا للتشبيه ما الذي دعاك إلى الذهاب إلى أن الصفة ما معه الشيء بحال في أي موطنٍ من المواطن حصل وفي أي موجود من الموجودات وجد ؟ بمجرد أن الصفة في الخلق لا مطلقًا بل في عالم المادة والهيولى كذلك
هل هذا إلا التشبيه الذي وردت الأخبار الصحيحة من أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام بل الكتاب العزيز على نفيه ؟ وفررت منه حتى وقعت فيما وقعت من نفي الصفات التي قال الله تعالى شأنه في حقها: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ، سيجزون ما كانوا يعملون ) وقال تعالى شأنه: ( قل أدعوا الله أو أدعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى)
وهل زعمت أن من قال من الحكماء العظام والأولياء الكرام ( رضوان الله عليهم ) بعينية الذات للصفات المقدسة أنها ما ذكرت بعينها ، وهل المراد إلا أن الوجود الحقيقي بأحدية جمعه يصلح فيه المتغايرات ويجتمع فيها الكثرات بالهوية الوحدانية الجمعية المنزهة عن شائبة الكثرة؟).
فنخلص مما سبق من المقدمات والنقولات إلى ما يلي:
1- يلزم القائلين من أعلام الإمامية برجوع الصفات السلبية إلى الصفات الثبوتية القول بتعدد القدماء والتركيب والاشتراك المعنوي بين الحق والخلق والكثرة في الذات الإلهية العلية.
2- يلزم القائلين من أعلام الإمامية برجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية القول بالذات الإلهية المعدومة والمجردّة عن الصفات!!
3- لاحظنا أنّ نظرية تعدد القدماء والتركيب وعينية الذات والصفات التي يبارزون بها أهل السنة انقلبت عليهم ، فتشرذموا وتناطحوا فيما بينهم!!
4-لاحظنا أن قاضيهم سعيد القمي قال بالاشتراك اللفظي بين الخالق والمخلوق في الأسماء والصفات ، بل وألّف رسالةً في ذلك ، فهل هو مجسّم مشبّه مركّب معاشر الإمامية ؟
أكتفي بهذا ، ولي مفاجئات أخرى تهدم نظريات الإمامية في المعارف الإلهية آتي بها في مناسباتها إن شاء الله .
وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.