قال الشيخ السعدي:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } أي: أموات القلوب، أو كما أن دعاءك لا يفيد سكان القبور شيئا، كذلك لا يفيد المعرض المعاند شيئا، ولكن وظيفتك النذارة، وإبلاغ ما أرسلت به، قبل منك أم لا.
قال القرطبي: { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } أي الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم ؛ أي كما لا تسمع من مات ، كذلك لا تسمع من مات قلبه. وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وعمرو بن ميمون : { ِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } بحذف التنوين تخفيفا ؛ أي هم بمنزلة أهل القبور في أنهم لا ينتفعون بما يسمعونه ولا يقبلونه.
قال صاحب كتاب المحرر الوجيز: وقوله { وما أنت بمسمع من في القبور } تمثيل بما يحسه البشر ويعهده جميعنا من أن الميت الذي في القبر لا يسمع ، وأما الأرواح فلا نقول إنها في القبر بل تتضمن الأحاديث أن أرواح المؤمنين في شجر عند العرش وفي قناديل وغير ذلك ، وأن أرواح الكفرة في سجين ويجوز في بعض الأحيان أن تكون الأرواح عند القبور فربما سمعت وكذلك أهل قليب بدر إنما سمعت أرواحهم ، وكذلك سماع الميت خفق النعال إنما هو برد روحه عليه عند لقاء الملكين .
قال القاضي أبو محمد : فهذه الآية لا تعارض حديث القليب لأن الله تعالى رد على أولئك أرواحهم في القليب ليوبخهم ، وهذا على قول عمر وابنه عبد الله وهو الصحيح إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ما أنتم بأسمع منهم »
قال صاحب كتاب البحر المحيط : ولما ذكر أنه ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ ، قال : وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ : أي هؤلاء ، من عدم إصغائهم إلى سماع الحق ، بمنزلة من هم قد ماتوا فأقاموا في قبورهم. فكما أن من مات لا يمكن أن يقبل منك قول الحق ، فكذلك هؤلاء ، لأنهم أموات القلوب.
فإذا أنهم لايجيبون ولايستطيعون الإجابة فهذا أبطل برهان
للذين يدعون غير الله ويسألونهم الحوائج.
ولاننكر ماورد في السنة أنهم تعاد أرواح المؤمنين لكي
يردوا السلام وغيره مماورد صحيحا في ذلك.