الحمد لله الذي أحكم بحكمته ما فطر وبنى، وقرب من خلقه من شاء ودنا، ورضي بالشكر من بريته لنعمه ثمنا، وأمرنا بخدمته لا لحاجته بل لنا. يغفر الخطايا لمن أساء وجنى، ويجزل العطايا لمن كان محسنا. بين لقاصديه سبيلا وسننا، ووهب لعابديه جزيلا يقتنى، وأثاب حامديه ألذ ما يجتنى، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).
أحمده مسرا للحمد ومعلنا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف من تردد بن جمع ومنى. صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر المتخلل بالعباءة راضيا بالعنا، وهو الذي أراد بقوله تعالى وعنى: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)، وعلى عمر المجد في عمارة الإسلام فما ونى، وعلى عثمان الراضي بالقدر وقد حل بالفناء الفنا، وعلى علي الذي نمدحه والفخر لنا، وعلى سائر آله وأصحابه الأمنا، وسلم تسليما. أما بعد:
فهذا هو رد على مداخلة الزميل عنوان الثامنة والخمسين ومن ثم أرجو أن أوفق لاحقا لاختتام النقاش، فأقول مستعينا بالله وحده :
قد نسبت إلينا أيها الزميل القول بأن ما للدجال من معاجز وخوارق للعادات هي من باب (كرامات) الله تعالى له. فتحديناك أن تأتينا بمن وصف هذه المعاجز والخوارق (بالكرامة) فصرت كمن قال الله تعالى فيه (فبهت الذي كفر) وكأني بك قد ارتج عليك الكلام فلم تأت بأكثر من قولك: (لطيف منك هذا التهرب وكأن الأمر يحتاج لتصريح أكبر ، فالكلام ظاهر لكل ذي عينين ، وإنكار ظاهر كهذا جهل أحب أن أجلك عنه ، أو إفلاس رأيناه ممن هو أخبر منك .)
ثم إنك عقبت بقولك: (فظاهر لفظ الحديث صريح بقدرته على الإماتة والإحياء ، وعقيدتكم في تصديق هذه الرواية شرك على كل حال . فهو إما شرك إذا ما قلتم بذاتية قدرته على الإحياء والإماتة ، أو شرك لنسبة العبث لله تعالى بمده الدجال بقدرات خارقة للعادة مما يخدع العباد ويقيم عليهم الحجة .. والاعتراف يليق بك أكثر من الإنكار ، فكن حرا إن استطعت) أقول: أما وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مسبقا بدجله وتلبيسه فالحجة قائمة على من يؤمن به. نعم لو لم يخبرنا صلى الله عليه وسلم بخبره ويحذرنا الانزلاق وراء تلبيساته، لكان لاعتراضك وجه يذكر. فطرقك لهذا الاستدلال لا يخلو من طرافة.
ثم أردفت قائلا: (إلا إذا قلت بأن لله في ذاك الزمان – زمان أشراط الساعة - جنديا يفعل بالدجال القادر فعل موسى بالسحرة ، فهذا مما يتفق مع عقيدتنا بالمهدي عليه الصلاة والسلام وعجل الله فرجه وسهل مخرجه وجعلني من جنده والمستشهدين بين يديه ، لتكون الحجة بغلبته أبلغ وتصب في صالح هداية الناس .. وتهدم نظرية الطبيعة التكوينية ( النكتة ) على كل حال . )
أقول: قد تضافرت الروايات واستفاضت على أن من يهزم هذا الدجال هو المسيح عليه السلام، أما القابع في السرداب فلا صولة له ولا جولة معه. لأن الله تعالى إنما يؤيد رسله ويظهرهم على عدوهم إثباتا لدعواهم، وأما اعتقادك أيها الزميل بعنترية هذا الموهوم فشأنك، ولا يلزمنا بشيء البتة.
ثم إنك ادعيت أن مهديك هو من سيهزم الدجال خلاف ما جاءت به رواياتكم من أن المسيح عليه السلام يكون على رأس القوة التي تهزمه حيث قلت: (فتكون قدرة الدجال أمرا أجازته السماء لإثبات خلافه مما يتماشى مع القاعدة ، ليكون فتى الإسلام المهدي عليه السلام الذي يقضي عليه فيثبت للناس ظهوره عليه الصلاة والسلام . ) ولعل لديك مصادرا لم نطلع عليها، فأتحفنا بذكر المصدر، إنا منتظرون. لكن الجدير ذكره هنا قولك (قدرة الدجال أمرا أجازته السماء) فهذه القدرة التي أجازتها السماء بزعمك (شرك لنسبة العبث لله تعالى بمده الدجال بقدرات خارقة للعادة مما يخدع العباد ويقيم عليهم الحجة .. والاعتراف يليق بك أكثر من الإنكار ، فكن حرا إن استطعت . ) فادفع ما جئت به سواء أسميته قدرات أو معجزات أو كرامات كما يحلو لك.
ثم قلت: (وكل ما فات يهدم نظريتك ، فيا حبذا لو تتراجع - رغم ما نظنه من ضغط ودعم وأماني وهابية تحيط بك - .. وما أصعب التراجع وسط خفق النعال من حولك .) أقول: لا يعدو قولك هذا أن يكون من الوهم الذي تحيط به نفسك.
ثم إنا أوردنا عليك ما يدعم قولنا من كتاب إلزام الناصب، فاعتذرت بقولك (لم أظفر بالكتاب لأراجعه لمشاغل ، رغم ثقتي بك إلا فيما يخص مذهبنا ، فقد اعتدنا البتر وسوء النقل والمضحك من المفتريات ، فلابد من مراجعته أولا . ) وها نحن نرفق صورة لما استشهدنا به إن شاء الله تعالى.
وتساءلت أيها الزميل: (استجداؤك أمر الدجال .. في إلزام الناصب ، هل ينفع نظريتك ؟؟) أقول: إن إيراد مسألة الدجال كانت من طريقك حيث نسبت لنا القول من غير دليل أن ما يأتي به من خوارق العادات هو من (كرامة) الله تعالى له، فلما أحوجناك لذكر الدليل تعللت بقولك (فالكلام ظاهر لكل ذي عينين) والصواب أنه وهم لكل واهم. وأما ما يتعلق بأصل النظرية، فلنجعله محور الجولة القادمة.
ثم إنك قلت: (ولكنني لست أدري سبب إيرادك هذا النص علي ؟ أترد بذلك علي أم على نفسك ؟) والجواب أنك أنكرت علينا ما جاء في صحيح مسلم، فجئناك بمثله مما أورده صاحب إلزام الناصب، فلاحظ ولا تغفل.
فأما قولك: (حيث كان الكلام عن نظريتك التي تعتقدها وربطك الكرامة والخرق بالطبيعة التكوينية ، وكان هدفي نسف النظرية بما تعتمده أنت من رواياتك ، ثم دعمت أنت رأيي بهذه الرواية المروية عندكم أيضا في مشكاة المصابيح .. فثبوت ورودها لا يزيد إلا في هدم نظريتك . ) أقول: احفظ قولك هذا وسنتطرق له باستفاضة في الجولة القادمة إن أحيانا الله تعالى لنرى نظرية من الع
ثم قلت (فقضية إعجاز الدجال باطلة من أصلها ، والغرض من الاستشهاد بها هدم نظرية الطبيعة التكوينية ، فلا تكابر . ) أقول: هات من أنكر من علماء الإمامية ما أورده صاحب إلزام الناصب والذي نصه:
" ثم يخرج منها ومعه مائة ألف موكب وكل موكب يزيد على خمسين مقاتل فينزل على ساحل فلسطين بين عكة وسور غزة وعسقلان فيأتيه خبر الأعور الدجال بأنه قد أهلك الحرث والنسل ، وذلك أن الأعور الدجال يخرج من بلدة يقال لها يهوداء ، وهي قرية من قرى أصفهان وهي بلدة من بلدان الأكاسرة ، له عين واحدة في جبهته كأنها الكوكب الزاهر، راكب على حمار خطوته مد البصر وطوله سبعون ذراعا ويمشي على الماء مثل ما يمشي على الأرض ، ثم ينادي بصوته يبلغ ما يشاء الله وهو يقول : إلي إلي يا معاشر أوليائي فأنا ربكم الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فتتبعه يومئذ أولاد الزنا وأسوأ الناس من أولاد اليهود والنصارى وتجتمع معه ألوف كثيرة لا يحصي عددهم إلا الله تعالى. ثم يسير وبين يديه جبلان: جبل من اللحم وجبل من الخبز الثريد فيكون خروجه في زمان قحط شديد، ثم يسير الجبلان بين يديه ولا ينقص منه شئ فيعطي كل من أقر له بالربوبية، فقال ( ع ): معاشر الناس ألا وإنه كذاب ملعون، ألا فاعلموا أن ربكم ليس بأعور ولا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
قال الراوي : فقامت إليه أشراف أهل الكوفة وقالوا: يا مولانا وما بعد ذلك ؟ قال ( ع ): ثم إن المهدي يرجع إلى بيت المقدس فيصلي بالناس أياما فإذا كان يوم الجمعة وقد أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم في تلك الساعة من السماء عليه ثوبان أحمران وكأنما يقطر من رأسه الدهن وهو رجل صبيح المنظر والوجه أشبه الخلق بأبيكم إبراهيم، فيأتي إلى المهدي ويصافحه ويبشره بالنصر فعند ذلك يقول له المهدي: تقدم يا روح الله وصل بالناس ، فيقول عيسى: بل الصلاة لك يا ابن بنت رسول الله ، فعند ذلك يؤذن عيسى ويصلي خلف المهدي ( عج ) فعند ذلك يجعل عيسى خليفة على قتال الأعور الدجال ثم يخرج أميرا على جيش المهدي وأن الدجال قد أهلك الحرث والنسل وصاح على أغلب أهل الدنيا ويدعو الناس لنفسه بالربوبية فمن أطاعه أنعم عليه ومن أبى قتله، وقد وطأ الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس، وقد أطاعته جميع أولاد الزنا من مشارق الأرض ومغاربها ثم يتوجه إلى أرض الحجاز فيلحقه عيسى ( عليه السلام ) على عقبة هرشا فيزعق عليه عيسى زعقة ويتبعها بضربة فيذوب الدجال كما يذوب الرصاص والنحاس في النار . ثم إن جيش المهدي يقتلون جيش الأعور الدجال في مدة أربعين يوما من طلوع الشمس إلى غروبها.
وعن باقر شريف القرشي، في كتابه حياة الإمام المهدي، ص 264:
روى أبو أمامة الباهلي قال: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فكان أكثر خطبته حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله أن قال: " إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين ظهرا************م فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم وإنه يخرج من خلة بين ( الشام ) و ( العراق ) فيعيث يمينا ويعيث شمالا. يا عباد الله فاثبتوا فإني سأصفه لكم وصفا لم يصفه إياه نبي قبلي. إنه يبدأ فيقول أنا نبي، ولا نبي بعدي، فيقول أنا ربكم، ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب، وإن من فتنته أن معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار، فمن ابتلى بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار على إبراهيم. وإن من فتنته أن يقول لأعرابي أرأيت أن بعثت لك أباك وأمك أتشهد إني ربك؟ فيقول نعم فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان يا بني اتبعه فإنه ربك وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار حتى يلقى شقتين ثم يقول انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن ثم يزعم أن له ربا غيري. فيبعثه الله تعالى ويقول له الخبيث من ربك؟ فيقول: ربي الله وأنت عدو الله أنت الدجال والله ما كنت بعد أشد بصيرة بك مني اليوم " وانظر عقد الدرر ص 333.
عقدة التشويش:
ثم قلت: (أولا : قولي : ( وما الذي أحوجنا نحن للتشويش ؟ لاحظ أن المحتاج لدعم مذهبه بالمنحولات هو غيرنا ) ، فالشيعة لا تحتاج لإثبات مقامات أهل البيت إلى وضع روايات وقد اعترف بأعلى مقاماتهم بعض ألد خصومهم . ولكن خصومهم أحوج للموضوعات لمعادلة مقامات من قدموا من المؤخرين بمن أخروا من المقدمين .. فلاحظ . )
أقول: بل أنتم أحوج لانتحال الفضائل لأسباب كثيرة أهمها إثبات نظرية الوصاية والولاية وزخرفتها بروايات موضوعة لإثبات تقدم من أخره الله تعالى. ولو كان الأصلح تقديمه لقدمه الله تعالى طبقا لنظريتكم في وجوب فعل الأصلح على الله جل وعلا. بل ليس أدل على قولنا من اعترافك إذ قلت (يبدو أنك تبحث عن تصريح بأنني لا أنفي ورود روايات غير صحيحة عندنا في الفضائل إجمالا ، وبهذا أصرح) ونحن من هذا المنبر نطالبك مع جزمنا بعجزك بأن تأتينا برواية واحدة في فضائل أئمتك مما اعتبره قومك منحولا ورموه في سلة القمامة. وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
عبد الحميد بن أبي الحديد:
ثم قلت: ( وأقول : لاشك في كفر قوم من أكابر الصحابة أو نفاقهم عند الشيعة ، فلو كان الحديدي شيعيا لما رابه ذاك ولا استنكره ، فهلا أتيتنا برافضي يقر ادعاءك بدلا عن صاحبنا المعتزلي .
نعم ، ربما يكون ابن أبي الحديد ممن قدم عليا على غيره لكثرة ما ورد في ذلك ، ولكنه ليس شيعيا بمعنى رافضي حتى يعتمد من كلامه شيء عندنا .. فابحث عن غيره . )
لا شك في كفر من كفر صغار الصحابة فضلا عن أكابرهم عند المسلمين. فأما حال ابن أبي الحديد في دعواه فليست بأغرب من قول علامتكم آل كاشف الغطاء في كتابه (أصل الشيعة وأصولها)، ولست أريد به أن نخرج عن إطار الموضوع، لكن لمن يتأمل قوله (وحين رأى أن المتخلفين، أعني الأول والثاني، بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجنود وتوسيع الفتوح، ولم يستأثروا ولم يستبدوا، بايع وسالم.) أقول: لا يضع خطا أو خطين بالأحمر بل سيضرب بالأحمر كل ما نحلتم لهم من مثالب وتقولتم عليهم من أكاذيب.
ثم جئت على ذكر الدوائر وقد بينا لك فساد استدلالك فتعلقت بـقاعدة (ليس الكلام عن الديانات ، فلرب قاعدة تنفع في حوار المذاهب ولا تنفع في حوارنا معهم) وسألتنا (فإن لم تصلح هذه القاعدة فبين لي وجه فسادها)
فأقول لن نذهب بعيدا ولن نكلفك شططا إذ لسنا نجتمع معكم على إله ولا على نبي بزعم آيتكم الجزائري: "وحاصله أنا لم نجتمع معهم على إله ولا على نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون أن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيه وخليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول أن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذاك النبي نبينا" فوجه الفساد واضح جلي لكل ذي عينين ولكل من نزع نقاب التقية جانبا.
الفرق بين الإقرار بأصل الكرامة وبين جحدها:
ثم نأتي على قولك (غاية ما هنالك أن ثبوت التفصيل يحتاج إلى ورود الكرامة بطريق معتبر) وهو ما لا يتماشى مع ما ذهبنا إليه من رفض الكرامة أو المنقبة من أسها إن لم تثبت بطريق صحيح أو حسن على أقل تقدير. والفرق بيننا جلي في قولك (ثبوت التفصيل) الذي هو محك الكلام. فأنتم تصححون أصل الكرامة كانت ما تكون، وهذا ظاهر من كلامك في غير موضع، غاية ما في الأمر أن تفاصيل وحيثيات هذه الكرامة يحتاج ورودها بطريق معتبر عندكم. فهل ظهر لك الفرق؟
تنزيه المولى تعالى بين النظرية والواقع:
وقد سألناك هداك الله (فما أنكرت مثلا على من زعم أن رجلا حدثه عن جماعة من أصحابه، عن غير واحد عن أحدهما، أن محمدا (صلى الله عليه وسلم – وحاشاه) هو الذي خلق الأكوان من العدم وخلق الملائكة والجن والإنس والطير والدواب وخلق كل ذرة في الكون، وخلق الجنة وما فيها من نعيم مقيم، وخلق النار وما فيها من عذاب أليم، وخلق العرش والكرسي وهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض، وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، كل ذلك بإذن الله؟؟ فهذا من علو كعبه أيضا، فما الذي تنكر من قوله بغض النظر عن طريق ورودها؟ ) فكان جوابك (ذلك جائز في حد نفسه) مع عظيم تناقضه الصريح لما عرف من القرآن بالضرورة من اختصاص الله تعالى به. نعم أنتم تدعون تنزيه الله تعالى عن الشريك وهي دعوى كاذبة ، ولا أدل على كذبها من قولكم أن عليا فرع من فروع الربوبية. وقد اعترفت مسبقا احتمال مراد الإمام أن الله تعالى قائم بعلي وأخذنا رهنك عليه، فتكون دعواكم أن عليا فرع من فروع الربوبية تأكيد وتثبيت لمقالنا وهو المطلوب. (غاية الأمر ، هل نص معصوم على ذلك ؟ فإن نص آمنا به صاغرين .) وقد نص كما أثبتنا.
ونتخطى مؤقتا فقرة الروايات لنأتي على استشهادك برواية ابن حنبل: (أخرج ابن الجوزي أيضا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية ؟ فأطرق ، ثم قال : أي شيء أقول فيهما ؟ اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كيدا منهم لعلي . قال :فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له ". قال : وقد ورد في فضل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد ، وبذلك جزم اسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما والله أعلم". انتهى من فتح الباري 7/105 رقم 3555. )
ثم قولك: (فهذا معاوية قد بث ما لا أصل له ، وأعانه على ذلك أعداء علي الذين لا زالوا يشككون في فضله وتقدمه ، ومنه ما ذكره ابن عمر عن تقدم أبي بكر وعمر وعثمان ويسكت مشوشا على أفضل وأقرب الصحابة لرسول الله أسد الله الغالب علي ابن أبي طالب عليه الصلاة والسلام ، فلا هو اعترف بتقدم علي عليه السلام الظاهر ، لا بل غطى الحقيقة بوهم وأمنيات لا تصمد أمام الف باء التحقيق ولا التمحيص والتدقيق . فالكلام عن التشويش مولانا ، وهذا شيء مما فعله قومك وأمير مؤمنينكم معاوية في التشويش عليكم ، وقد فعل غيره ممن سبقه أكثر منه إذ منع من تدوين الحديث ، حتى خاف أبو هريرة من بث ما يقطع بلعومه إن بثه ( فاتقى ) ومنع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله . )
أقول: ليس في رواية ابن حنبل ما يؤكد وهمك من أن أمير المؤمنين معاوية رضوان الله عليه وعلى أبويه وذريته قد بث ما لا أصل له. وندعوك على الملأ أن تأتينا برواية صحيحة أو حسنة الإسناد تشير إلى أن معاوية رضي الله عنه قد وضع أو أوعز إلى من يضع روايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثالب علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أو جحد شيء من فضائله. فأما ما لم يصح من فضائل معاوية رضي الله عنه، فإن علماءنا لم يستعينوا بكم لردها كما لم يستعينوا بكم لرد فضائل موضوعة في الصديق والفاروق رضي الله عنهما. فهذه كتبنا تشهد برد هذه الروايات، علما أنها لم ترد لسواد عيونكم بل لأننا طلاب حق ودليل نميل مع الحق حيث يميل. وأما ما صح من فضائل ابن أبي طالب رضي الله عنه فهذه كتبنا تذخر بها لا لسواد عيونكم أيضا، بل لثبوتها بطريق صحيح. وأنا أتحداك بكل ما في الكلمة من معنى أن تسندوا لعلي بن أبي طالب، عماد تشيعكم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحيح الكافي أكثر مما ورد عنه في صحيح البخاري.
قلت (وهذا ما يتسق مع مسيرة التاريخ ، فغير العاقل هو من يقول بأن الصحيح هو أن معاوية بن ابي سفيان قد بث جنوده الذين قاتلوا الأمير عليه السلام وأعوانه الذين لا يفرقون بين الناقة والجمل من أهل الشام لبث فضائل علي عليه السلام ومناقبه ، وبدأ خطبه مغاليا في حب علي والحسن عليهما الصلاة والسلام ، وقد أكرم يزيد ابنه الحسينَ فأقامه في أفخم القصور إكراما لله ورسوله الذين يحبون عليا والحسن والحسين .
ثم قل لي .. لماذا قتل أهل الشام النسائي ؟ وما الذي سمعوه عن معاوية فأقاموه في مقام ليس بمقامه ، حتى استحق هذا الحافظ القتل بهذه الطريقة ؟ )
أقول: لا أريد بهذا أن يتشعب الموضوع أكثر مما تشعب، ولكني أطالبك بذكر رواية تظهر ابن أبي سفيان رضي الله عنهما وقد ذكر عنده علي فلم يثن أو يترحم عليه. بل إن كتبكم تشهد بخلاف ذلك. بل لم يكرم آل البيت أحد إكرام بني أمية لهم. فأول من أعطى أهل البيت ألف ألف، أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه، دفعها للحسن رضي الله عنه، وذكر صنائع الجميل معهم ومصاهراتهم لبعض يطول ذكرها، لثبوتها في مظانها من كتب التاريخ، فراجع.
قلت: (أقول : وحديث الطائر معروف رده قومك لأنه يخالف ما في قلوبهم ، وهكذا فعلوا بمجرد ذكر فضل علي ، ثم تنفي أنت التشويش ؟.. فلا تصم أذنك .
ثم أبحب علي بن أبي طالب طالَب معاوية سعدا كما في صحيح مسلم أم بسبه فامتنع ؟ )
أقول: حديث الطائر حديث موضوع، ولو كنا ننكر فضائل علي على وجه الإطلاق لحق لمثلك الكلام، أما وكتبنا تطفح بها فالقبول والرد مسألة تخضع لمقاييس علمية. أما الأخذ بما هب ودب فهذا من خصائص ومناقب الرافضة وليس منا في شيء.
وأما رواية مسلم فليس فيها ما يفيد أن معاوية رضي الله عنه أمر سعدا بسب علي، فإن شئت فافتح لهذه المسألة رابطا آخرا نتوسع في الإجابة عليه درءا للانحراف بالموضوع عن مساره.
ثم قلت: (هناك فرق في اسلوب التعامل مع الروايات- ألجأنا إليه وصعبه علينا مغتصبوا الخلافة -قد يختلف في بعضه عن أسلوبكم الأبسط ، لأنكم وببساطة .. يا زميلي العزيز .. من اغتصب الخلافة وفاز بيسر الدنيا فاستغلها في بسط ضلاله ، فلم يعان رواتكم وعلماؤكم بقدر ما عاناه أصحابنا)
أقول: ماذا تريد من قولك هذا؟ أفصح !
ثم تساءلت عن سبب ردنا لرواية الطبري في حوادث سنة 51، والجواب أنه يكفي في ردها ورودها عن أبي مخنف، وهو عندنا إخباري تالف وكذاب أشر، تماما كما تردون أحاديث رسول الله وتصفون رواتها من كبار الصحابة بالكذب والكفر. فهذا منهجكم وذاك منهجنا. وقد أشرنا عليك مسبقا بأن لا تحتج علي إلا بما يلزمني مما ألزمت نفسي به، وألزمك بما ألزمت نفسك به في قولك: (فالصحيح عندك يكفيني في رفع مذهبي وهدم مذهبك) فهلم فهاته.
وحول الكرامات تساءلت: (فتارة تبرر موقفك بعد التصديق بما لم يثبت صحته ، ثم تعود وتعترض على أصل جواز الكرامات عليهم وإن وردت بطريق معتبر ، لأنها مقدمة فاسدة أصلا .. قل لي .. أيها تريد ؟ ) أقول: قد تقدمنا آنفا بطلب بحث هذه المسألة حال تفرغك لنا وعودتك سالما غانما. وما ذكرته في هذا الاستشهاد يؤكد ضرورة إفراد بحث مستقل لها لا لشيء إلا لصعوبة فهمك المراد. وأكرر القول وأتشبث بما ذكرته من أن دعاء المخلوق فيما لا قدرة له عليه، سواء كان حيا أو ميتا هو على حد الشرك بالله تعالى. فلنؤجل البحث لحين عودتك لنفرغ ونختتم الذي بين يدينا.
وأما دعواك أني أسأت أدب الحوار فمردود؛ فقد أدرج الجواهري في جواهر الكلام (ج13/ هامش ص 74) علامات الإمام التي منها ما ذكرناه، إذ قال: "عشر علامات يولد مطهرا مختونا ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يتثأب ولا يتمطى ، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ونجوه كرائحة المسك ، والأرض موكلة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله كانت عليه وفقا وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا ، وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه ".
تكذيب الله تعالى كفر بواح:
وقد أوردنا عليك الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
وسألناك إن كان أئمتك يقعون تحت طائلة الآية الأولى فأجبت نافيا، مع أن الله تعالى أمر نبيه بتقواه فقال: يا أيها النبي اتق الله. وأما أئمتكم ففي منأى من هذا الخطاب، بل صريح قولك ينفي أنهم من (جنس) الناس وليس عليهم خشية يوم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا، وهذه نتيجة الغلو، مع أن عليا بزعمكم قال أنه لا يدري إن قبل الله منه فرضا واحدا أم لم يقبل. (غارات الثقفي ص 95)
يتبع إن شاء الله تعالى
(وأعتذر أشد الاعتذار عن التأخير لكثرة الأشغال وضيق وقت الكتابة)
01-04-04, 12:54 PM
العرض العادي
