قال الشيخ محمد ابو زهره في كتابه (تاريخ المذاهب الاسلامية) :
الأمامية (الإسماعيلية) :
والإسماعيلية طائفة من الأمامية كما اشرنا, وهي منبثة في أقاليم متفرقة من البلاد الإسلامية, وبعضها في جنوب افريقيا ووسطها, وبعضها في بلاد الشام, وكثير منها في الهند, وبعضها في باكستان, وقد كانت لها في الإسلام دولة, فالفاطميون في مصر والشام كانوا منهم, والقرامطة الذي سيطروا وقتاً على عدة أقاليم إسلامية كانوا منهم.
وهذا المذهب ينتسب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق وهو يتفق مع الاثنى عشرية في الأئمة إلى جعفر الصادق, ومن بعد جعفر الصادق ابنه موسى الكاظم, أما الإسماعيلية فيقرون أن الإمام بعد جعفر الصادق ابنه إسماعيل, وقد قالوا إن ذلك كان بنص من أبيه جعفر ولكنه مات قبله, ومع انه مات قبله أعملوا النص على إقامته من بعده, وكان إعمال هذا النص, بان تبقى الإمامة في عقبه, فإن إعمال النص الذي يقوله الإمام أولى من إهماله, ولا عجب في ذلك, فإنهم يعتبرون أقوال الأمام كنصوص الشرع تماماً, يجب إعمالها, ولا يسوع إهمالها, وقد انتقلت عن طريق إسماعيل إلى ابنه محمد المكتوم وهذا أول الأئمة المكتومين, أو المستورين إذ هم يقرون أن الإمام يصح أن يكون مستوراً وتجب طاعته, ولا يمنع ذلك من إمامته, ومن بعد (محمد المكتوم) ابنه جعفر الصادق, ومن بعده (محمد الحبيب) وبعد ابنه عبد الله المهدي الذي ظهر في شمال إفريقيا وملك المغرب, ثم كان من عقبة من أنشأ الدولة الفاطمية بمصر.
وقد نشأ ذلك المذهب بالعراق كغيره من المذاهب الشيعية, وأضطهد كم اضطهد غيره من المذاهب الشيعية, وقد فر المعتنقون له بتأثير الاضطهاد إلى فارس, وخراسان وما وراء ذلك من الأقاليم الإسلامية كالهند والتركستان, وهنالك خالط مذهبهم بعض آراء من عقائد الفرس القديمة, والأفكار الهندية, وتحت تأثير ذلك أنحرف كثيرون منهم, فقام فيهم ذوو أهواء, ولذلك حمل اسم الإسماعيلية طوائف كثيرة, بعضهم لم يخرجوا من دائرة الإسلام وبعضهم انحرفوا بما انتحلوا من نجل لا يتفق ما اشتملت عليه مع المقرر الثابت من الأحكام الإسلامية.
فإن هؤلاء قد اتصلوا ببراهمة الهنود والفلاسفة الإشراقيين والبوذيين, وبقايا ما كان عند الكلدان والفرس من عقائد وأفكار حول الروحانيات والكواكب والنجوم وغيرها, فبعضهم أخذ من كل هذه المخارف, وأوغل فيه, وكان بمقدار إيغاله بعده عن الإسلام, ولقد كانت السرية التي أحاطوا أنفسهم بها مدعاة لانقطاعهم عن جماهير الأمة, فلم يستأنسوا بما كان عند السنيين, وكلما اشتد الكتمان اشتد معه البعد.
وإنهم قد بلغ بهم الكتمان درجة أن كانوا يكتبون الكتب والرسائل, ولا يعلنون عن أسماء كاتبها, فرسائل إخوان الصفاء التي اشتملت على علم غزير, وفلسفة عميقة هم الذين كتبوها, ولم يعرف العلماء الذين اشتركوا في كتابتها.
وقد سموا الباطنية او الباطنيين, وذلك لاتجاههم إلى الاستخفاء عن الناس الذي كان وليد الاضطهاد أولاً, ثم صار حالاً نفسية عند طوائف منهم.
ومنهم الذين كانوا يسمون بالحشاشين, وقد ظهرت أعمالهم في إبان الحروب الصليبية وإبان حرب التتار, وكان بعضهم سوءاً على الإسلام والمسلمين.
ومن أسباب تسميتهم بالباطنية أنهم قالوا في كثير من الأحوال: ان الإمام مستور, فقد استمر مستوراً إلى أن أنشئت دولة لهم في المغرب, ثم انتقلت إلى مصر, ومن الأسباب أيضا أنهم يقولون أن للشريعة ظاهراً وباطناً, وإن الناس يعلمون علم الظاهر, وعند الإمام علم الباطن, بل عنده باطن الباطن, وأولوا على هذا ألفاظ القرآن تأويلات بعيدة, بل أول بعضهم بعض الألفاظ العربية تأويلات غريبة, وجعلوا هذه التأويلات هي وما عند الإمام من أسرار علم باطن, وقد شاركهم الاثنى عشريه في هذا الجزء الخاص بعلم الظاهر والباطن, وأخذت عنهم طوائف من الصوفية ذلك.
وفي الجملة كانوا يسترون كثيراً من آرائهم, ولا يعلنون إلا ما تسمح الأحوال بإعلانه, ولا يكشفون كل ما يرتئون في الوقت الذي كانت لهم فيه دولة وسلطان في شرق وغرب.
وقد بنيت الآراء التي يعتنقها المعتدلة منهم على ثلاث شعب يشاركهم في
أكثرها الاثنا عشرية:
أولها: الفيض الإلهي من المعرفة التي يفيض الله به على الأئمة, فيجعلهم بمقتضى إمامتهم فوق الناس قدراً, وفوق الناس علماً, فهم قد اختصوا بعلم ليس عند غيرهم, وأن عندهم علماً بالشريعة قد اوتوه فوق مدارك الناس.
والثانية: أن الإمام لا يلزم ان يكون ظاهراً معروفاً, بل يصح ان يكون خفياً مستوراً, ومع ذلك تجب طاعته, وأنه هو المهدي الذي يهدي الناس, وأنه يظهر في جيل من الأجيال, فإنه لا بد ظاهر, وأنه لن تقوم الساعة حتى يظهر ويملا الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
الثالثة: أن الإمام ليس مسئولاً أمام احد من الناس ولي لأحد من الناس أن يخطئه مهما يأت من أفعال, بل يجب عليهم أن يصدقوا أن كل ما يفعله خير لا شر فيه, لأن عنده من العلم ما لا قبل لأحد معرفته, ومن هذا قرروا أن الأئمة معصومون, لا بمعنى أنهم لا يرتكبون الخطايا التي نعلمها, بل على معنى أن ما نسميه نحن خطايا قد يكون عندهم من العلم ما ينير السبيل لهم, ويكون سائغاً لهم, وليس سائغ لسائر الناس.
[المصدر كتاب: تاريخ المذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهره ص 50- 53]