السلام عليكم
بسم الله الرحمن الرحيم
الإشكال في هذا الموضوع هو حول قول إبراهيم عليه السلام { قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي } .
هل أن طلب إبراهيم عليه السلام يتضمن جهل بحكم عقلي أم لا يتضمن .
الجواب :
.......... إن طلب نبي الله إبراهيم عليه السلام لا يتضمن الجهل بحكم عقلي ، و ذلك من جهات نذكر منها .
أولاً : – أن الجهل بالأحكام العقلية هو خلاف العصمة المطلقة .
و ثانياً : - أن الذي يتتبع آيات القرآن الكريم يلاحظ أن هناك بعض الأفعال قد قام بها بعض الأنبياء .
و يظهر من تلك الأفعال أنها خلاف العصمة أو قد تكون خلاف الحكمة .
و لكن بعد ذلك يتبين أنها مقدمات من أجل إثبات و إظهار أمر مهم يتضح فيما بعد نتيجة لفعلهم .
مثلاً :
...... 1 - أن نبي الله موسى عليه السلام قد طلب من الله تعالى أمر هو في ظاهره أنه لا يتناسب مع مقام النبوة و خصوصا و أن نبي الله موسى عليه السلام هو من أولي العزم . و الأمر الذي طلبه هو كما في قوله تعالى { قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } .
فكان الأمر الذي ظهر بعد ذلك هو إثبات استحالة رؤية الله تعالى حيث قال تعالى { قَالَ لَن تَرَانِي } و هذا هو الأمر المهم الذي ظهر .
...... 2 – أن نبي الله إبراهيم عليه السلام يبدو و كأنه من المشركين كما في قوله تعالى { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي } فهذا لا يتناسب مع قوله تعالى عن لسان إبراهيم عليه السلام { قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } .
فالأمر المهم الذي ظهر بعد ذلك هو قوله تعالى { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.
....... 3 – أيضاً نبي الله إبراهيم عليه السلام يبدو و كأنه لا يقول الصدق كما في قوله تعالى { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ } .
فكان الأمر الذي ظهر بعد ذلك هو قوله تعالى { فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ } .
........ 4 – و أيضاً نبي الله إبراهيم عليه السلام يبدو و كأنه يطلب الإمامة إلى من لا يستحقهه قال تعالى { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي } .
و هذا قد أظهر أمرا مهما و هو أن الإمامة لا تكون للظالم كما في قوله تعالى { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } .
النتيجة :
............ إن بعض أفعال الأنبياء قد تبدو أنها خلاف العصمة أو خلاف الحكمة ، إلا أنها في الواقع هي عين الحكمة و عين العصمة و القرآن شاهد بذلك .
ملاحظة :
.......... إن عصمة النبي يجب أن تكون مطلقة من أجل الأخذ بجميع ما يقوله و يفعله النبي تنفيذا لقوله تعالى { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }.
و قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } .
............ أما إذا كانت عصمته مقيدة فما هو الضابط إلى أقواله و أفعاله ؟؟؟؟
أي كيف نقبل بكل ما آتانا الرسول و كيف ننتهي عما نهانا عنه و هو ليس بمعصوم مطلقا .
فقد يأمر الناس بأمر فيأخذوا به ثم يتبين أنه خلاف الحكمة كما حصل في قضية تأبير النخل الذي يدعيها السنة .
و قد يخالف الصحابة الرسول بحجة أنه ليس بمعصوم مطلقا كما حصل في رزية الخميس .
و الأمر الأهم أنه ينفتح باب إلى التشكيك في كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه و آله ، لأنه لا يوجد ضابط لذلك .
أما قول البعض بأنه معصوم في الوحي فقط ، فإنه أيضا لا يوجد عندهم ضابط لمعرفة الوحي من غيره و الدليل ما حدث في قضية تأبير النخل و قضية رزية الخميس حيث أن عذر الصحابة هو أنهم لم يميزوا الوحي من غير الوحي .