هل كان الشيخ محمد قطب أشعريًا .. كما يُنقل عن الشيخ حماد الأنصاري - رحمهما الله -
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد وفاة الشيخ محمد قطب رحمه الله رأيت بعض الإخوة على تويتر يتناقلون مقولة الأخ عبدالأول الأنصاري ، ابن الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله ، في كتابه " المجموع – في ترجمة والده " ص 617 : ( وسمعته يقول : إن محمد قطب شقيق سيد قطب أشعري خطير ، وقد ألف لوزارة المعارف السعودية كتابًا في التوحيد ، وهذا الكتاب كله علم كلام وفلسفة ) .
وبحسب اطلاعي على كتب الشيخ محمد قطب رحمه الله أقول : هذا الكلام غير صحيح . ولعل عُذر الشيخ حماد رحمه الله فيه أنه رأى توسع الشيخ محمد قطب رحمه الله في توحيد الربوبية على حساب غيره من المهمات ؛ فاعتقد بأنه أشعري ؛ لأن الأشاعرة لا يهتمون بتوحيد الألوهية .
ومما يشهد لهذا :
1-تقسيمه التوحيد في كتابه " ركائز الإيمان " وكتابه " مفاهيم ينبغي أن تُصحح " ( ص 147 و 193 ) إلى ثلاثة أنواع : الربوبية والألوهية, والأسماء والصفات . ومعلومٌ أن الأشاعرة لا يقولون بهذا التقسيم ، بل عندهم هذا التقسيم من اختراع ابن تيمية رحمه الله !
2- قوله – في الكتاب السابق - عند الحديث عن توحيد الأسماء والصفات : ( إن هذه الأسماء والصفات والأفعال الواردة في القرآن وفي الحديث يُعرفنا الله بها على نفسه لنتعرف عليه, وما كان ينبغي أن تكون هي التي تُضللنا عن معرفة الله , لولا أن هذه الفرق الضالة قد فُتنت عن حقيقة الإسلام البسيطة الواضحة , بنظريات وأفكار دخيلة على الإسلام ) ص 109, وقوله ص 110 : ( فعلينا إذن أن نؤمن بتلك الأسماء والصفات والأفعال , وأن نقف كذلك عندما جاء منها في القرآن والحديث , ولا نزيد على ذلك ، وهذا هو مذهب السلف رضوان الله عليهم , يؤمنون بها كما وردت , ولا يؤولونها ؛ لأن التأويل من شأن البشر , فهذه الصفات حقيقة ، ولكنها لا تشبه ما نراه من صفات البشر, ( ليس كمثله شيء) لا حاجة بنا ولا حاجة للفطرة السوية بتأويلات الفرق المنحرفة , سواء منها ما يُعطل الصفات , ومن يبحث في كيفيتها ، ولم يؤت القدرة على تكييفها، ومن يشبهها بأعمال البشر .. ) .والأشاعر كما هو معلوم إما أن يؤولوا صفات الله ، أو يفوضوا علمها وحقيقتها ، لا كيفيتها ، والشيخ كما سبق يُخالفهم في هذا الأصل العظيم .
3-حديثة في كتابه السابق ( ص128-129) عن شرك التقريب والزلفى وشرك طلب الشفاعة ، وهذا الكلام لا يقوله أشعري .
4-نقده للصوفية في كتابه" واقعنا المعاصر" ص 139 و ص173 .
5-قوله ( ص9) من كتاب " واقعنا المعاصر" : ( مفهوم لا إله إلا الله أساس الإسلام كله وأكبر أركانه كان قد تحول إلى كلمة تقال باللسان لا علاقة لها بالواقع , ولا مقتضى لها في حياة المسلمين أكثر من أن ينطقوا بها بضع مرات في كل نهار, فضلاً عما أحاط بالعقيدة من خرافة , وعبادة للأضرحة والأولياء والمشايخ ، بدلا من العبادة الصافية الخالصة لله دون وسيط ) . فهل يقول هذا أشعري ؟!
6-قوله عن الأفغاني ومحمد عبده ( ص 403) من كتابه السابق: (هل كانوا هم النتاج المنطقي الوحيد أو النتاج الممكن الوحيد لظروف عصرهم , كلا! فقد كان نموذج محمد بن عبد الوهاب قائمًا في الجزيرة العربية في الوقت الذي عاشوا فيه وكان يمثل الاتجاه الصحيح, والحركة المستقيمة ) . فهل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تُمثل الاتجاه الصحيح المستقيم عند الأشاعرة ؟!
7-نقلة عن شيخ الإسلام رحمه الله كما في كتابه " مفاهيم .." ( ص99) ، ومعلوم أن الأشاعرة ينأون عن شيخ الإسلام ولا يعتمدونه .
إذن ؛ لا يؤاخذ الشيخ محمد قطب رحمه الله بكونه أشعريًا ؛ لأن هذا غير صحيح كما سبق ، وعلى المدعي البينة . إنما يؤاخذ من العلماء بأمور أخرى ، يُمكن تلخيصها في التالي :
1-توسعه في تقرير توحيد الربوبية والحاكمية على حساب توحيد العبادة – كما سبق - ، والمسلمون يحتاجون الثاني أكثر من الأول ، لا سيما وهو يُشاهد صرف أنواع العبادة لغير الله ، في بلده مصر خاصة ، فكان ينبغي التوسع في الإنكار عليهم ، وحث المتأثرين به على تعليمهم وإرشادهم .
2-مبالغته في الحديث عن الحاكمية في كتبه ، وعدها توحيدًا مستقلاً ، كما في كتابه " مفاهيم .. " ( ص 147 ) ، وهي تدخل ضمن توحيد الألوهية عند العلماء . ومما يشهد لتضخمها المبالغ فيه عنده ، قوله في كتابه السابق( ص110): ( من مصائبنا التي ابتلينا بها في قرننا الأخير هذا أننا نُحدث الناس عن نواقض الوضوء وندرسها للطلاب في معاهدنا الدينية مئات المرات, وفي مئات الصفحات , ولا نُحدثهم عن نواقض لا إله إلا الله ، فإن حدثناهم فعن شرك الاعتقاد وشرك العبادة وحدهما دون شرك الاتباع ) !!
3- إطلاقه وصف " الجاهلية " على مجتمعات المسلمين ؛ كما في كتابه " جاهلية القرن العشرين " . وهذا مما انتقده عليه العلماء . قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : ( الجاهلية العامة انتهت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولله الحمد ، وجاء الإسلام وجاء العلم وجاء النور وسيبقى ويستمر إلى يوم القيامة ، فليس بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم جاهلية عامة ، لكن تكون هناك بقايا من الجاهلية لكنها جاهلية جزئية وجاهلية بمن قامت به ، أما الجاهلية العامة فقد انتهت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ولن تعود إلى قيام الساعة . أما وجود الجاهلية في بعض الأفراد أو الجماعات أو بعض المجتمعات فهذا أمر واقع لكنها جاهلية خاصة بمن وجدت فيه وليست عامة . فلا يجوز إطلاق الجاهلية على وجه العموم كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم ) "مراجعات في فقه الواقع " ؛ لعبدالله الرفاعي ص ( 49 – 50 ) .
قلت : وبسبب إطلاق هذا الوصف من الشيخ على مجتمعات المسلمين عامة – وإن كان لا يقصد به تكفير الأفراد كما بيّن في كتابه " مفاهيم .. " ص 129 – إلا أنه قد شحن بهذا الوصف قلوب من تأثر بطريقته على مجتمعاتهم وحكامهم ، وأحدث مفاسد كثيرة ، ولم يستثن بلاد التوحيد – حرسها الله - ، التي عاش فيها ! ؛ فسار من تأثر به من الدعاة وطلبة العلم مساره في " المفاصلة " مع هذه البلاد وحكامها – وفقهم الله لما يُحب - . وليس المجال هنا بيان ازدواجيتهم في التعامل مع الدولة السعودية ، والدول التي تمكن منها " الإخوان " ، حيث التهييج وتضخيم الأخطاء مع الأولى ، والتمجيد والغض من الانحرافات العظيمة مع الثانية .
وفق الله الجميع لما يُحب ويرضى ..