بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ونحن نعيش على أخر لياليه،ها هو شهر الخير قد قوضت خيامه، فحق لنا أن نحزن على فراقه،وأن نذرف الدموع عند وداعه،
وكيف لا نحزن على فراقه ونحن لا ندري هل ندرك غيره أم لا، كيف لا تجري دموعنا على رحيله،ونحن لا ندري هل رفع لنا فيه عمل صالح،وهل ازددنا فيه قرباً من ربنا،وكيف لا نحزن عليه وهو شهر الرحمات، وتكفير السيئات،وإقالة العثرات،
يمضى رمضان بعد أن أحسن فيه أقوام وأساء آخرون، يمضى وهو شاهد لنا أو علينا، شاهد للمشمر بصيامه وقيامه وبره وإحسانه، وشاهد على المقصر بغفلته وإعراضه ونسيانه،
رمضان ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، فلله كم سجد فيه من ساجد،وذكر فيه من ذاكر،وشكر فيه من شاكر،وكم خشع فيه من خاشع،وفرّط فيه من مفرِّط،وعصى فيه من عاص،
ارتحل شهر الصوم، فما أسعد نفوس الفائزين، وما ألذ عيش المقبولين، وما أذل نفوس العصاة المذنبين وما أقبح حال المسيئين المفرطين،فمن كان محسناً فليحمد الله وليزدد إحسانا وليسأل الله الثبات والقبول والغفران،ومن كان مقصراً فليتب إلى مولاه قبل حلول الأجل،تذكر أيها الصائم وأنت تودع شهرك سرعة مرور الأيام، وانقضاء الأعوام، فإن في مرورها وسرعتها عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين قال عز وجل(يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ )النور،
بالأمس القريب كنا نتلقى التهاني بقدومه ونسأل الله بلوغه، واليوم نودعه بكل أسىً،فما أسرع مرور الليالي والأيام،الشهور والأعوام،
والعمر فرصة لا تمنح للإنسان إلا مرة واحدة، فإذا ما ذهبت هذه الفرصة وولت، فهيهات أن تعود مرة أخرى، فاغتنم أيام عمرك قبل فوات الأوان،
قال ابن مسعود رضي الله عنه،ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي،
وتذكر دائماً أن العبرة بالخواتيم، فاجعل ختام شهرك الاستغفار والتوبة، فإن الاستغفار ختام الأعمال الصالحة،
كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يجتهدون في إتمام العمل وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده، كما وصف الله عباده المؤمنين بأنهم(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )المؤمنون،
فهل شغلك أيها الصائم هذا الهاجس وأنت تودع شهرك،
قال علي رضي الله عنه،كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الحق عز وجل(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين)المائدة،
وكان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان،يا ليت شعري،من هذا المقبول منَّا فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه، أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك،
صورة مودع مفجوع،وهو يودع رمضان في آخر ليلة من رمضان،وهو يراقب بعينيه رحيل الحبيب،فيقول،شهر رمضان،ألم يكن ملء أسماعنا وأبصارنا، وحديث منابرنا،وحياة مساجدنا،ارتحل وخلفنا، كسيرة أنفسنا، دامعة أعيننا،
يا شهر المكرمات،تضاعفت فيك الحسنات، وفتحت أبواب السماوات، فآه ثم آه على الفراق،أيا شهرنا الذي هيم نفوسنا، وخرق قلوبنا، وأدمع عيوننا،
سبحان الله،لكل محب حبيب، ورمضان حبيب الصالحين،
أكثروا من الشكر لله، فإن الله قال في آخر آية الصيام(وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)البقرة،
وقال(وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)آل عمران،
فاشكروا الله على إتمام رمضان، وعلى حسن الصلاة والقيام، وعلى الصحة والعافية في الأبدان، وليس الشكر باللسان،وإنما هو بالأقوال والأعمال معاً، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان،
رمضان كان نهارك صدقةً وصياماً، وليلك قراءةً وقياماً،أتراك تعود بعدها علينا، أو يدركنا المنون فلا تئول إلينا،
والعاقل اللبيب من جعل رمضان مدرسة لبقية الشهور، وبالاستمرار والمداومة على الطاعات والواجبات، وتذكر الله وخوفه والصلة به، ولو كانت هذه الطاعات قليلة، فقليل دائم خير من كثير منقطع،
اللهم لك الحمد أن بلغتنا شهر رمضان، اللهم تقبل منا الصيام والقيام، وأحسن لنا الختام، اللهم اجبر كسرنا على فراق شهرنا، وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة، واجعله شاهداً لنا لا علينا، اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار،وتقبل منا رمضان، واعف عنا ما كان فيه من تقصير وغفلة، واجعلنا فيه من الفائزين،المقبولين.
وارحم ضعفنا وتقصيرنا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك،
اللهم اجبر كسرنا على فراق رمضان
الله يجعلنا ممن صاموا رمضان وقاموه إيماناً واحتساباً
الله يجعلنا ممن اعتقت رقابهم في هذا الشهر الفضيل،
16-07-15, 04:44 AM
العرض العادي
