الموضع الرابع والعشرون : قال شيخ الإسلام :
( والمقصود هنا أن ما يعتذر به عن علي فيما أنكر عليه يعتذر بأقوى منه عن عثمان ،
فإن عليا قاتل على الولاية ،
وقتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم ،
ولم يحصل في ولايته
لا قتال للكفار ،
ولا فتح لبلادهم ،
ولا كان المسلمون في زيادة خير ،
وقد ولى من أقاربه من ولاه ،
فولاية الأقارب مشتركة ،
ونواب عثمان كانوا أطوع من نواب علي , وأبعد عن الشر .
وأما الأموال التي تأول فيها عثمان ،
فكما تأول علي في الدماء ، وأمر الدماء أخطر وأعظم )
تعليق
وهذا الموضع كسابقه في رد الطعون عن عثمان ،
فإن ما اتهمتموه به
قد حصل من علي مثله أو أعظم منه - على حد زعمكم -
فقولوا فيه ما قلتم في عثمان إن كنتم صادقين .
وأما أهل السنة فيوالون الاثنين ،
ويقيمون لهم العذر فيما صنعوا .
الموضع الخامس والعشرون : قال شيخ الإسلام :
( ولو قدح رجل في علي بن أبي طالب بأنه قاتل معاوية وأصحابه وقاتل طلحة والزبير .
لقيل له : علي بن أبي طالب
أفضل وأولى بالعلم والعدل من الذين قاتلوه ،
فلا يجوز أن يجعل الذين قاتلوه هم العادلين وهو ظالم لهم.
كذلك عثمان فيمن أقام عليه حداً أو تعزيراً
هو أولى بالعلم والعدل منهم .
وإذا وجب الذب عن عليلمن يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك ، فالذب عن عثمان لمن يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك أولى )
تعليق
يبين شيخ الإسلام هنا أن أهل السنة
كما يدافعون عن علي رضي الله عنه -في حروبه ،
فكذلك يدافعون عن عثمان في أفعاله ،
وليسوا كالرافضة التي لا ترى عثمان إلا بعين السخط :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
... ... ... ... كما أن عين السخط تبدي المساويا
الموضع السادس والعشرون : قال شيخ الإسلام :
( وكذلك أحمد بن حنبل جوز التعريف بالأمصار ،
واحتج بأن ابن عباس فعله بالبصرة .
وكان ذلك في خلافة علي : وكان ابن عباس نائبه بالبصرة :
فأحمد بن حنبل وكثير من العلماء
يتبعون علياُ فيما سنه ،
كما يتبعون عمر وعثمان فيما سناه ،
وآخرون من العلماء ، كمالك وغيره ،
لا يتبعون علياً فيما سنه ،
وكلهم متفقون على اتباع عمر وعثمان فيما سناه ،
فإن جاز القدح في عمر وعثمان
فيما سناه وهذا حاله ،
فلأن يقدح في علي
بما سنه - وهذا حاله بطريق الأولى .
وإن قيل : بأن ما فعله علي سائغ لا يقدح فيه ،
لأنه باجتهاده ، أو لأنه سنة يتبع فيه ،
فلأن يكون ما فعله عمر وعثمان كذلك بطريق الأولى )
تعليق
وهذه كسوابقها من قبيل ( قلب الحجة )
على الخصم وقد مر مثلها كثير .
الموضع السابع والعشرون : قال شيخ الإسلام :
( نحن لا ننكر أن عثمان رضي الله عنه كان يحب بني أمية ، وكان يواليهم ويعطيهم أموالاً كثيرة .
وما فعله من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء ،
الذين ليس لهم غرض ،
كما أننا لا ننكر أن علياً ولى أقاربه ،
وقاتل وقتل خلقاً كثيراً من المسلمين
الذين يقيمون الصلاة ،
ويؤتون الزكاة ،
ويصومون ويصلون ،
لكن من هؤلاء من
قاتله بالنص والإجماع ،
ومنهم من كان قتاله
من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء الذين لا غرض لهم .
وأمر الدماء أخطر من أمر الأموال .
والشر الذين حصل في الدماء بين الأمة
أضعاف الشر الذي حصل بإعطاء الأموال .
فإذا كنا نتولى علياًونحبه ،
ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة من فضائله ،
مع أن الذي جرى في خلافته
أقرب إلى الملام مما جرى في خلافة عثمان ،
وجرى في خلافة عثمان من الخير
ما لم يجر مثله في خلافته ،
فلأن نتولى عثمان ونحبه ،
ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة بطريق الأولى ).
تعليق
تأمل رأي شيخ الإسلام الواضح في
أفعال علي رضي الله عنه
وقتاله لغيره وهي قسمان :
الأول :
من قاتلهم بالنص والإجماع كالخوارجفالحق لا شك معه .
الثاني : من قاتلهم بالاجتهاد ، فلا مأخذ عليه .
فهو رحمه الله يبرئ علياً
في جميع أفعاله التي قد يستغلها النواصب في الطعن فيه .
ثم يقول بأننا إذا برأنا علياً من ذلك كله وهو في أمر الدماء
وهي عظيمة عند الله ،
أفلا نبرئ عثمان مما أخذتموه عليه ، وهي من أمور المال ، وأمره أسهل من الدماء
فهل يعقل الرافضة هذه الحجة القوية ؟
الموضع الثامن والعشرون : قال شيخ الإسلام :
( ولم يكن لعلي اختصاص بنصر
النبي صلى الله عليه وسلم دون أمثاله ،
ولا عرف موطن احتاج النبي صلى الله عليه وسلم فيه
إلى معونة علي وحده ،
ولا باليد ولا باللسان ،
ولا كان إيمان الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم
وطاعتهم له لأجل علي ،
بسبب دعوة علي لهم ،
وغير ذلك من الأسباب الخاصة ،
كما كان هارون مع موسى ،
فإن بني إسرائيل كانوا يحبون هارون جداً
ويهابون موسى ، وكان هارون يتألفهم .
والرافضة تدعي أن الناس كانوا يبغضون علياً ،
وأنهم لبغضهم له لم يبايعوه .
فكيف يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم احتاج إليه ،
كما احتاج موسى إلى هارون ؟
وهذا أبو بكر الصديق
أسلم على يديه ستة أو خمسة من العشرة :
عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ،
و عبدالرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة ،
ولم يعلم أنه أسلم على يد
علي وعثمان وغيرهما أحد
من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ) .
تعليق
واضح من هذا الموضع أن شيخ الإسلام
كما يفضل أبا بكر على علي
كذلك يفضله على عثمان ،
وهذا هو منهج أهل السنة .
فهل يقول عاقل بأنه يتنقص عثمان ؟
أم أنه أنزله في منزله الذي يستحقه دون غلو فيه ،
أو تفضيله على من هو أفضل منه ،
وما يصدق على عثمان يصدق على علي .
الموضع التاسع والعشرون :قال شيخ الإسلام :
( لا ريب أن الفضيلة التي حصلت لأبي بكر في الهجرة
لم تحصل لغيره من الصحابة بالكتاب والسنة والإجماع ،
فتكون هذه الأفضلية ثابتة له
دون عمر وعثمان وعلي
وغيرهم من الصحابة ،
فيكون هو الإمام.
فهذا هو الدليل الصدق الذي لا كذب فيه . يقول الله :
( إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصحبه لا تحزن إن الله معنا ) .
ومثل هذه الفضيلة لم تحصل لغير أبي بكر قطعاً ،
بخلاف الوقاية بالنفس ، فإنها لو كانت صحيحة
فغير واحد من الصحابة وقى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه .
وهذا واجب على كل مؤمن ،
ليس من الفضائل المختصة بالأكابر من الصحابة .
والأفضلية إنما تثبت بالخصائص لا بالمشتركات .
يبين ذلك أنه لم ينقل أحد أن علياً أوذي في مبيته على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ،
وقد أوذي غيره في وقايتهم النبي صلى الله عليه وسلم :
تارة بالضرب ،
وتارة بالجرح ،
وتارة بالقتل ،
فمن فداه وأوذي أعظم ممن فداه ولم يؤذ .
وقد قال العلماء : ما صح لعلي من الفضائل
فهي مشتركة ، شاركه فيها غيره ،
بخلاف الصديق ، فإن كثيراً م فضائله - وأكثرها - خصائص له ، لا يشركه فيها غيره . وهذا مبسوط في موضعه )
تعليق
تزعم الرافضة أن علياً يستحق الإمامة
بعد الرسول صلى الله عليه وسلم
لأنه ثبت له من الفضائل ما لم يشركه فيها أحد غيره ،
ومنها أنه بات في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة
، فبين لهم شيخ الإسلام
أن وقاية النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة له ولغيره ،
بخلاف فضائل أبي بكر التي اختص بها ،
ومنها مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته .
فعلى قولكم يكون هو الإمام .
الموضع الثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما
قد أبغضهما وسبهما
الرافضة و النصيرية والغالية والإسماعيلية
. ولكن معلوم أن الذين أحبوهم أفضل وأكثر ،
وأن الذين أبغضوهما أبعد عن الإسلام وأقل ،
بخلاف علي ،
فإن الذين أبغضوه وقاتلوه هم خير من الذين
أبغضوا أبا بكر وعمر ،
بل شيعة عثمان الذين يحبونه ويبغضون علياً ،
وإن كانوا مبتدعين ظالمين ،
فشيعة علي الذين يحبونه ويبغضون عثمان
أنقص منهم علماً وديناً ،
وأكثر جهلاً وظلماً .
فعلم أن المودة جعلت للثلاثة أعظم .
وإذا قيل : علي قد ادعيت فيه الإلهية والنبوة .
قيل : قد كفرته الخوارج كلها ،
وأبغضته المروانية ،
وهؤلاء خير من الرافضة الذين
يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فضلاً عن الغالية ) .
تعليق
يرد شيخ الإسلام هنا على زعم الرافضة بأن آية :
( إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحت سيجعل لهم الرحمن ودا )
نزلت في علي رضي الله عنه ،
وأن ألله قد جعل له في قلوب المؤمنين مودة
فبين شيخ الإسلام بأن هذا من أكاذيب الرافضة
وأن المودة التي كانت للخلفاء الثلاثة أكثر من المودة
التي كانت له في قلوب المؤمنين ،
حيث خالفه ونازعه أناس مؤمنون ،
بخلاف غيره فإن الذين أبغضوهم
كانوا أبعد عن الإسلام من الأولين
وتقرير الحقائق ليس فيه أي تنقص لعلي ،
لأن الهدفدفع فرية الرافضة
على غيره من أجلاء الصحابة .
الموضع الحادي والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( إن علياً لم يكن أعظم معاداة للكفار والمنافقين من عمر ،
بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذون منه كما يتأذون من عمر ،
بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذون منه
إلا وكان بغضهم لعمر أشد ) .
تعليق
قد سبق مثل هذا الكلام في الموضع الثامن ،
وهو منقبيل رد اتهامات الروافض
لعمر - رضي الله عنه - .