العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديات العلمية > منتدى عقيدة أهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-05-07, 07:44 AM   رقم المشاركة : 1
احمد احمد
عضو نشيط






احمد احمد غير متصل

احمد احمد is on a distinguished road


الآثار المروية في صفة المعية

الآثار المروية في صفة المعية

د. محمد بن خليفة التميمي
الأستاذ المشارك بقسم العقيدة - الجامعة الإسلامية بالمدينة



ملخص البحث

تضمن البحث موضوع صفة المعية ، وتقرير معتقد أهل السنة والجماعة في المسألة ، وذلك من خلال جمع الآثار المتعلقة بها ، وبيان ما تضمنته من تقرير لإثبات هذه الصفة ، والمعنى المراد منها ، مع ذكر أقوال المخالفين في المسألة ، والشبه التي تعلقوا بها والرد عليها ؛ وقد اشتمل البحث على مقدمة وأربعة مطالب وخاتمة :

وقد احتوت المقدمة على بيان أهمية الموضوع ، وأسباب الكتابة فيه ، والخطة التي سرت عليها .

وتضمن المطلب الأول : ذكر آيات المعية وبيان أقسامها .

وأما المطلب الثاني : ففي ذكر أقوال العلماء في تفسير آيات المعية .

وكان المطلب الثالث : في ذكر الآثار الواردة في الجمع بين صفتي العلو والمعية .

والمطلب الرابع : في أقوال الناس في صفة المعية .

وختمت البحث بخاتمة ذكرت فيها نتائج البحث .

والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .



مقدمة :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه ، وحجته على عباده ، وخِيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

وبعد :

فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته داخل في الإيمان بالله عز وجل ، ذلك أن الإيمان بالله إنما يتحقق بأمرين هما :

أولاً : توحيد الله في أسمائه وصفاته وأفعاله وهذا ما يسمى بالتوحيد العلمي الخبري .

ثانياً : توحيد الله في عبادته وحده لا شريك له ، وهذا ما يسمى بالتوحيد الإرادي الطلبي .

وكلا التوحيدين لابد لتحقيقهما من الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ش وفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ؛ حتى تسلم للمسلم عقيدته التي هي مصدر فلاحه وسبب سعادته في الدنيا والآخرة .

هذا وإن العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله أجل العلوم وأشرفها وأعظمها ، بل هو أصلها كلها ، فعلى أساس العلم الصحيح بالله وبأسمائه وصفاته يقوم الإيمان الصحيح وتنبني مطالب الرسالة جميعها ، فهذا التوحيد أساس الهداية والإيمان وأصل الدين الذي يقوم عليه ، ولذلك فإنه لا يتصور إيمان صحيح ممن لا يعرف ربه ، فهذه المعرفة لازمة لانعقاد أصل الإيمان ، وهي مهمة جداً للمؤمن لشدة حاجته إليها لسلامة قلبه وصلاح معتقده واستقامة عمله ؛ وهي التي توجب للعبد التمييز بين الإيمان والكفر ، والتوحيد والشرك ، والإثبات والتعطيل ، وتنزيه الرب عما لا يليق به ، ووصفه بما هو أهله من الجلال والإكرام ؛ وذلك يتم كما هو معلوم بتدبر كلام الله تعالى وما تعرَّف به سبحانه إلى عباده على ألسنة رسله من أسمائه وصفاته وأفعاله ، وما نزه نفسه عنه مما لا ينبغي له ولا يليق به سبحانه .

ولما كانت صفة المعية إحدى الصفات الثابتة لله تعالى كما دلت على ذلك الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والآثار السلفية ؛ فقد أحببت أن أجمع النصوص المروية في ذلك لتقرير هذه الصفة ولتوضيح المسائل المتعلقة بها من جهة ، والرد على شبهات المخالفين التي أثيرت حولها من جهة أخرى .

ومما دفعني للكتابة في هذا الموضوع ما أسمعه من بعض الشبه التي تثار بين الحين والآخر حول آيات المعية من قبل أتباع أهل الكلام الذين لا يعتمدون في هذا الباب أصلاً على النصوص الشرعية ، ولكنهم حاولوا التمسك بآيات المعية في إنكارهم وردهم لصفة العلو زعماً منهم أن آيات المعية تدل على أن الله بذاته في كل مكان .

وقد لبَّسوا بذلك على بعض من ليس له بصيرة ولا علم بالمأثور عن السلف في هذه المسألة ، فظنوا أن هناك تعارضا بين النصوص ؛ أو أن النصوص تشهد بصحة قول أهل الكلام وزعمهم الفاسد .

فإزالة لتلك الشبه ، ودفعاً لها ، وإحقاقاً للحق الذي هو أحق أن يتبع ، أدلي بدلوي وأقدم هذه الخدمة للحق وطالبيه ، والتي تتمثل في جمع شتات الآثار والمباحث والقضايا المتعلقة بهذه المسألة ، ليسهل على طلاب العلم الإطلاع عليها بأيسر طريق وأقل مؤنة .

وقد سرت في هذا البحث وفق الخطة التالية :

المقدمة .

المطلب الأول : آيات المعية .

المطلب الثاني : أقوال العلماء في تفسير آيات المعية العامة .

المطلب الثالث : أقوال العلماء التي تجمع بين صفتي العلو والمعية .

المطلب الرابع : أقوال الناس في صفة المعية .

وختمت البحث بخاتمة . ذكرت فيها نتائج البحث .

وقد ركزت في ثنايا بحثي هذا على تتبع الآثار الواردة عن سلف هذه الأمة في هذه المسألة واستخراجها من كتب المأثور ، وترتيبها الترتيب الزمني حسب وفاياتهم ، ومع ما في هذا العمل من الجهد والتعب الذي يستدعيه التنقيب في ثنايا كتب المأثور عن هذه الأقوال إلا أن الفائدة الحاصلة من وراء ذلك أعظم وأكبر ، وذلك من وجهين :

الأول : بيان الحق في هذه المسألة من خلال ذكر أقوال الأئمة في مسألة المعية، بحيث يقف القارئ الكريم على أقوال الأئمة من علماء هذه الأمة في صفة المعية وتفسيرهم للآيات والنصوص الواردة فيها وبيان فهمهم لها .

ففي هذا الصنيع تجلية للحق وإعانة لطالبيه على فهمه والتمسك به .

والثاني : إيضاح بطلان أقوال المخالفين وبيان مخالفتها لقول السلف وأنها أقوال لا أساس لها لا من النصوص الشرعية ولا من أقوال الأئمة الذين يقتدى بهم ويستأنس بأقوالهم .

فأصحاب الأقوال الباطلة أسسوا بنيانهم على جرف هار ، ودعاوى زائفة إذا ما سلِّط عليها الحق اتضح بطلانها وانكشف فسادها .

فأرجو من الله عز وجل أن أكون قد وفقت في تحقيق المقصود من هذا البحث ، وأن ينفع به قارئيه ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

المطلب الأول : آيات المعية .

وردت صفة المعية في القرآن لمعنيين هما :

المعنى الأول : المعية العامة .

وقد وردت في مواضع من القرآن الكريم وهي :

الموضع الأول : في سورة الحديد ( الآية 4 ) قال تعالى س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ش .

الموضع الثاني : في سورة المجادلة ( الآية 7 ) قال تعالى س ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ش .

الموضع الثالث : في سورة النساء ( الآية 108 ) قال تعالى س يستخفون من الناس ولايستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالايرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً ش.

وهذا النوع من أنواع المعية المراد به أن الله مع جميع الخلق بعلمه فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم وعالم بهم ؛ وسميت عامة لأنها تعم جميع الخلق .

المعنى الثاني : المعية الخاصة .

وقد وردت في القرآن الكريم في مواطن كثيرة أورد منها على سبيل المثال لا الحصر الآيات التالية : قال تعالى س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش الآية ( 128 ) من سورة النحل . وقال تعالى س إن الله مع الصابرين ش الآية ( 153 ) من سورة البقرة ، وقال تعالى س ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ش الآية ( 40 ) من سورة التوبة ، وهذه هي المعية الخاصة ومن لازمها النصر والتأييد ، وسميت خاصة لأنها تخص أنبياء الله وأولياءه دون غيرهم من الخلق .

ومما ورد في السنة بهذا الخصوص حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي ش (( يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ))( ).

وبناءً على هذا التقسيم للمعية الوارد في النصوص ، نص عدد من أهل العلم على ذلك في كتبهم وممن ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال : (( ولفظ ( مع ) جائت في القرآن عامة وخاصة ، فالعامة في هذه الآية ( يقصد آية الحديد ) وفي آية المجادلة فافتتح الكلام بالعلم وختمه بالعلم ، ولهذا قال ابن عباس والضحاك وسفيان الثوري وأحمد بن حبل : هو معهم بعلمه .

وأما (( المعية الخاصة )) ففي قوله تعالى : س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش وقوله تعالى لموسى : س إنني معكما أسمع وأرى ش وقال تعالى : س إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ش يعني النبي ش وأبا بكر رضي الله عنه ، فهو مع موسى وهارون دون فرعون ، ومع محمد وصاحبه دون أبي جهل وغيره من أعدائه ، ومع الذين اتقوا والذين هم محسنون دون الظالمين المعتدين ))( ) .

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله : (( ... فمعية الله تعالى مع عبده نوعان عامة وخاصة وقد اشتمل القرآن على النوعين وليس ذلك بطريق الاشتراك اللفظي بل حقيقتها ما تقدم من الصحبة اللائقة ))( ).

وقال في موضع آخر : (( ... فمن المعية الخاصة قوله { إن الله مع الصابرين } ، { إن الله مع المحسنين } ، { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } ، { واعلموا أن الله مع المتقين }( )، { لا تحزن إن الله معنا } ، ومن العامة { وهو معكم أينما كنتم } ، وقوله { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } الآية ))( ).

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله : (( ومعيته مع أهل طاعته خاصة فهو سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ...))

فالمعية العامة تقتضي التحذير من علمه واطلاعه وقدرته وبطشه وانتقامه .

والمعية الخاصة تقتضي حسن الظن بإجابته ورضاه وحفظه وصيانته )) ( ).

وقال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث (( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني )) .

قال : (( فيه تصريح بأن الله تعالى مع عباده عند ذكرهم له ، ومن مقتضى ذلك أن ينظر إليه برحمته ، ويمده بتوفيقه وتسديده ، فإن قلت : هو مع جميع عباده كما قال سبحانه وتعالى س وهو معكم أينما كنتم ش ، وقوله جلّ ذكره س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش الآية .


قلت : هذه معية عامة ، وتلك معية خاصة حاصلة للذاكر على الخصوص بعد دخوله مع أهل المعية العامة ، وذلك يقتضي مزيد العناية ووفور الإكرام له والتفضل عليه ، ومن هذه المعية الخاصة ما ورد في كتابه العزيز من كونه مع الصابرين ، وكونه مع الذين اتقوا ، وما ورد هذا المورد في الكتاب العزيز أو السنة ، فلا منافاة بين إثبات المعية الخاصة وإثبات المعية العامة )) ( ).

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله : (( معية الله التي ذكرها في كتابه نوعان :

معية العلم والاحاطة وهي المعية العامة ، فإنه مع عباده أينما كانوا .

ومعية خاصة ، وهي معيته مع خواص خلقه ، بالنصرة والعطف والتأييد )) ( ).

هذه بعض النقول أوردتها على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر لإثبات أصالة هذا التقسيم وأخذ المحققين من العلماء به وهناك نقول أخرى عن جمع أخر من العلماء كلهم قالوا بهذا التقسيم للمعية تركتها خشية الإطالة وإنما أردت بهذا التنبيه على ورود هذا التقسيم في كلام أهل العلم .

المطلب الثاني : أقوال العلماء في تفسير آيات المعية العامة .

تتابع أهل السنة قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل على تفسير آيات المعية بأنها معية العلم والاطلاع ، والنقول التي سأوردها في هذا المطلب شملت عددا من أعلام الأمة وأئمتها بما في ذلك القرون المفضلة ، وأئمة الفقه والحديث والتفسير( ).

فكيف تطيب نفس مسلم بترك أقوال هؤلاء إلى قول من لا يحتج بقوله .

وقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع علماء السلف على تفسيرهم لآيات المعية العامة بأن المراد بها معية العلم ، وسأورد لك هنا ما وقفت عليه من آثار في تفسير تلك الآيات ليتضح لك حقيقة قولهم في المسألة .

والمقصود مما سأورده من آثار هو تفنيد تلك الدعوى التي تمسك بها المخالفون لاعتقاد السلف في هذه المسألة ومسألة العلو ــ التي لها ارتباط وثيق بمسألة المعية ــ فأوردوا حولها دعوى هي أوهى من بيت العنكبوت ، وهي زعمهم أن أيات المعية العامة المراد بها أن الله معنا بذاته في كل مكان تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .

وسيجد القارئ لهذا المطلب أن تفسيرهم ذاك لم يقل به أحد من السلف ولا الأئمة المعتبرين ، بل ولا حتى جمع من قدماء الأشاعرة وعلى رأسهم أبو الحسن الأشعري الذي ينتسبون إليه، فالأشعري وقدماء أصحابه وافقوا السلف في تفسيرهم لآيات المعية العامة بأنها معية العلم والاطلاع .

فأصحاب هذه الدعوى مخصومون بما سنورده من آثار من أوجه عديدة .

منها أن هذا المدعي إن كان حمله تعصبه لمذهب معين أوطائفة معينة على ماقال ، مثل أن ينتسب إلى أحد المذاهب الأربعة ، أو العقيدة الأشعرية ، فإن كان ممن ينتسب إلى أحد من أصحاب المذاهب الفقهية المتعارف عليها بين المسلمين فسيجد من النقول عن أولئك الأئمة وكبار تلاميذهم والعلماء المنتسبين إليهم ما يثبت له أنه مخالف لهم في الاعتقاد وإن كان يزعم أنه من أتباعهم في الفروع الفقهية ، ومن ثَمَّ يدرك حقيقة الانفصال الواقع بين أئمة المذاهب الفقهية وتلاميذهم والأئمة المبرزين في مذاهبهم وبين المتأخرين ممن يزعمون أنهم من أتباعهم في الأساس وهوالمعتقد الذي هو أهم بكثير من تقليدهم في الفروع الفقهية فأين هذا الاتباع المزعوم ؟!! ولو أن هؤلاء تجردوا من التعصب والهوى ونظروا بعين الحق والإنصاف لعلموا يقينا أنهم مخالفون لهم لا أتباعا لهم .

وإن كان هذا المتعصب ينتسب إلى الأشعرية ، فسيدرك من خلال ماأوردناه من آثار عن متقدمي الأشاعرة ، أنهم لايوافقون المتأخرين على دعواهم ، وأن تلك الدعوى إنما هي عقيدة باطلة تلقاها المتأخرون - الذين كانوا جهمية خلّص في هذا الباب - عن قدماء الجهمية والمعتزلة .

فبعد ذلك لا تبقى حجة أو بالأحرى دعوى لمدع في التفسير الباطل الذي ذهبوا إليه وهذا أوان الشروع في إيراد الآثار وأولها :

1 - قول ابن عباس رضي الله عنه :

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله س هو معكم أينما كنتم ش قال : (( عالم بكم أينما كنتم ))( ).

2 - قول الضحاك بن مزاحم رحمه الله( ) ( بعد المائة )

عن مقاتل بن حيان عن الضحاك في قوله عز وجل س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ش قال : (( هو فوق العرش وعلمه معهم أينما كانوا ))( ).

3 - قول مقاتل بن حيان رحمه الله( ) ( قبل 150 هـ )

قال في قوله تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش قال : (( هو على العرش ولا يخل شيء من علمه ))( ).

4 - قول أبي حنيفة رحمه الله ( 150 هـ )

‎قال نعيم بن حماد : سمعت نوح بن أبي مريم يقول : كنا عند أبي حنيفة رحمه الله أول ما ظهر ، ( أي أمر الجهم بن صفوان ) إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهما ، فدخلت الكوفة ، فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة ألاف من الناس ، تدعو إلى رأيها ، فقيل لها إن رجلا هاهن قد نظر في المعقول يقال له أبو حنيفة ، فأتته وقالت : أنت الذي تعلم الناس المسائل وقد تركت دينك ، أين إلهك الذي تعبده ؟ فسكت عنها ، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها ، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابا أن الله في السماء دون الأرض ، فقال له رجل : أرأيت قول الله تعالى س وهو معكم ش قال : (( هو كما تكتب إلى الرجل إني معك وأنت غائب عنه ))( ).

5 - قول سفيان الثوري رحمه الله ( 161 هـ )

عن معدان ، قال سألت سفيان الثوري عن قول الله عز وجل س وهو معكم أينما كنتم ش قال : (( علمه ))( ).

6 - قول الإمام مالك رحمه الله ( 179 هـ )

قال عبد الله بن أحمد حدثني أبي رحمه الله قال حدثنا سريج بن النعمان أخبرني عبد الله ابن نافع قال : كان مالك بن أنس رحمه الله يقول: (( من قال القرآن مخلوق يوجع ضرباً ويحبس حتى يموت )) ، وقال مالك رحمه الله : (( الله عز وجل في السماء ، وعلمه في كل مكان )) وتلا هذه الآية س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ش وعظم عليه الكلام في هذا واستشنعه( ).

7 - قول نعيم بن حماد الخزاعي( ) رحمه الله ( 228 هـ )

قال أحمد بن منصور الرمادي سمعت نعيم بن حماد الخزاعي في قوله س وهو معكم ش : (( أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه ، ألا ترى قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش الآية ، أراد أنه لا يخفى عليه خافية ))( ).

8 - قول علي بن المديني ( 234 هـ )

سئل عن قوله تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش فقال : اقرأ ما قبله س ألم تر أن الله يعلم ش( ).

9 - قول إسحاق بن راهويه ( 238 هـ )

قال حرب بن إسماعيل : قلت لإسحاق بن راهويه في قول الله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش كيف تقول فيه ؟ قال : (( حيث ما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد ، وهو بائن من خلقه ))( ).

10 - قول الإمام أحمد رحمه الله ( 241 هـ )

قال أبو طالب سألت أحمد بن حنبل عن رجل قال : إن الله معنا ، وتلا س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش . قال : (( قد تجهم هذا ، يأخذون بآخر الآية ، ويدعون أولها هلا قرأت عليه س ألم تر أن الله يعلم ش فالعلم معهم ، وقال في سورة (ق) س ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش فعلمه معهم ))( ).

قال المروزي : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل ، إن رجلاً قال : أقول كما قال الله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ش ، أقول هذا ولا أجاوزه إلى غيره . فقال أبو عبد الله : (( هذا كلام الجهمية )) . قلت : فكيف نقول ؟ قال : (( س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ش علمه في كل مكان وعلمه معهم )) ثم قال: (( أول الآية يدل على أنه علمه ))( ).

قال حنبل : قلت لأبي عبد الله ما معنى قوله س وهو معكم ش ، س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش ؟ . قال : (( علمه محيط بالكل ، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة ))( ).

قال أحمد بن جعفر الفارسي الإصطخري : قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل :
(( هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروقها ، المعروفين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي ش إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها ، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها ، فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق )) .

ثم ساق الإمام أحمد أقوالهم في العقيدة إلى أن قال : (( وخلق سبع سموات بعضها فوق بعض ، وسبع أراضين بعضها أسفل من بعض ، وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام ، وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام ، والماء فوق السماء العليا السابعة ، وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء ، والله عز وجل على العرش ، والكرسي موضع قدميه ، وهو يعلم ما في السموات والأرضين السبع وما بينهما ، وما تحت الثرى ، وما في قعر البحار ، ومنبت كل شعرة وشجرة ، وكل زرع وكل نبات ، ومسقط كل ورقة ، وعددكل كلمة ، وعدد الحصى والرمل والتراب ، ومثاقيل الجبال ، وأعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم ، ويعلم كل شيء ، وهو على العرش فوق السماء السابعة ، ودونه حجب من نور ونار وظلمة وما هو أعلم به .

فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز وجل س ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش وبقوله س وهو معكم أينما كنتم ش وبقوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش إلى قوله س وهو معهم أينما كانواش ونحو هذا من متشابه القرآن فقل : إنما يعني بذلك العلم ، لأن الله تعالى على العرش فوق السماء السابعة العليا ويعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان ))( ).

11 - قول عبد الله بن مسلم بن قتيبة( ) رحمه الله ( 276 هـ )

قال الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب (( تأويل مختلف الحديث )) له : (( نحن نقول في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش إنه معهم يعلم ما هم عليه ، كما تقول للرجل وجّهته إلى بلد شاسع ، احذر التقصير فإني معك ، تريد أنه لا يخفى عليَّ تقصيرك ، وكيف يسوغ لأحد أن يقول : إنه سبحانه بكل مكان على الحلول فيه مع قوله س الرحمن على العرش استوى ش ومع قوله س إليه يصعد الكلم الطيب ش كيف يصعد إليه شيء هو معه ، وكيف تعرج الملائكة إليه وهي معه ، ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم ، وما ركبت عليه خِلَقُهم من معرفة الخالق لعلموا أن الله هو العلي وهو الأعلى ، وأن الأيدي ترتفع بالدعاء إليه ، والأمم كلها عجميها وعربيها ، تقول : إن الله في السماء . ما تركت على فطرها ))( ).

12 - قول الإمام الدارمي( ) رحمه الله (280 هـ)

قال ‎في كتابه (( الرد على الجهمية )) باب - استواء الرب تبارك وتعالى على العرش ، وارتفاعه إلى السماء وبينونته من الخلق :
(( فاحتج بعضهم فيه بكلمة زندقة استوحش من ذكرها وتستر آخر من زندقة صاحبه فقال: قال تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكبر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ش قلنا : هذه الآية لنا عليكم لا لكم ، إنما يعني أنه حاضر كل نجوى ، ومع كل أحد من فوق العرش بعلمه ، لأن علمه بهم محيط ، وبصره فيهم نافذ ، لا يحجبه شيء عن علمه وبصره ، ولا يتوارون منه بشيء ، وهو بكماله فوق العرش بائن من خلقه س يعلم السر وأخفى ش ، أقرب إلى أحدهم من فوق العرش من حبل الوريد ، قادر على أن يكون له ذلك ، لأنه لا يبعد عن شيء ولا يخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض ، فهو كذلك رابعهم ، وخامسهم ، وسادسهم ، لا أنه معهم بنفسه في الأرض كما ادعيتم ، وكذلك فسرته العلماء ))( ) .

13 - قول محمد بن عثمان بن أبي شيبة( ) رحمه الله (297 هـ)

وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، في كتاب “ العرش ” له : (( ذكروا أن الجهمية يقولون : إن ليس بين الله وبين خلقه حجاب ، وأنكروا العرش ، وأن يكون الله فوقه ، وقالوا إنه في كل مكان )) وذكر أشياء إلى أن قال : (( فسرت العلماء س هو معكم ش يعني بعلمه ، توافرت الأخبار أن الله خلق العرش فاستوى عليه بذاته فهو فوق العرش بذاته ، متخلصا من خلقه بائنا منهم ))( ).

14 - قول محمد بن جرير الطبري رحمه الله (310 هـ)

قال في تفسير قوله تعالى س يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش : (( يقول : هو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم ، يعلمكم ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم ، وهو على عرشه فوق سبع سمواته))( ).

وقال في تفسير قوله تعالى س ألم تر أن الله يعلم ما في السموات والأرض. . . ش الآية : (( وعنى بقوله س هو رابعهم ش بمعنى مشاهدهم بعلمه وهو على عرشه ))( ).

15 - قول أبي الحسن الأشعري( ) رحمه الله (324 هـ)

قال في “ رسالة إلى أهل الثغر ” : (( . . . وأنه يعلم السر وأخفى من السر ، ولا يغيب عنه شيء في السموات والأرض حتى كأنه حاضر مع كل شيء ، وقد دل الله عز وجل على ذلك في قوله س وهو معكم أينما كنتم ش وفسَّر ذلك أهل العلم بالتأويل أن علمه محيط بهم حيث كانوا ))( ).

16 - قول أبي بكر الآجري( ) رحمه الله (360 هـ)

قال الإمام أبو بكر الآجري الحافظ ، في كتاب “ الشريعة ” له : - باب في التحذير من مذهب الحلولية :

(( الذي يذهب إليه أهل العلم ، أن الله عز وجل على عرشه ، فوق سمواته ، وعلمه محيط بكل شيء ، قد أحاط علمه بجميع ما خلق في السموات العلى ، وبجميع ما في سبع أراضين ، يرفع إليه أعمال العباد .

فإن قال قائل : إيش يكون معنى قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش الآية التي احتجوا بها؟. قيل له : علمه ، والله عز وجل على عرشه ، وعلمه محيط بهم ، كذا فسره أهل العلم ، والآية يدل أولها وآخرها على أنه العلم ، وهو على عرشه ، فهذا قول المسلمين)) ( ).

17 - قول ابن بطة العكبري( ) رحمه الله (387 هـ)

قال الإمام الزاهد أبو عبد الله بن بطة العكبري ، في كتاب “ الإبانة ” :

- باب الإيمان بأن الله على عرشه ، بائن من خلقه ، وعلمه محيط بخلقه - أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين ، أن الله على عرشه ، فوق سمواته ، بائن من خلقه( ).

فأما قوله س وهو معكم ش ، فهو كما قالت العلماء : علمه .

وأما قوله س وهو الله في السموات وفي الأرض ش معناه : أنه هو الله في السموات ، وهو الله في الأرض ، وتصديقه في كتاب الله س وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ش ، واحتج الجهمي بقوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش ، فقال : إن الله معنا وفينا ، وقد فسر العلماء أن ذلك علمه ، ثم قال في آخرها س إن الله بكل شيء عليمش ))( ).

18 - قول الثعلبي( ) رحمه الله (427 هـ)

قال في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش( ) : (( في العلم ))( ) .

19 - قول الإمام أبي عمر الطلمنكي( ) رحمه الله (429 هـ)

قال في كتابه “ الوصول إلى علم الأصول ” : (( وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى س وهو معكم أينما كنتم ش ونحو ذلك من القرآن أن ذلك علمه ، وأن الله فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء ))( ) .

20 - قول أبي زكريا يحي بن عمار( ) رحمه الله (442 هـ)

قال الإمام أبو زكريا يحي بن عمار السجستاني ، في رسالته : (( لا نقول كما قال الجهمية ، إنه مداخل للأمكنة ، وممازج لكل شيء ولا نعلم أين هو ؛ بل هو بذاته على العرش ، وعلمه محيط بكل شيء ، و علمه ، وسمعه ، وبصره ، وقدرته ، مدركة لكل شيء ، وهو معنى قوله س وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش ، وهو بذاته على عرشه كما قال سبحانه وكما قال نبيه ش ))( ).

21 - قول البيهقي رحمه الله (458 هـ)

قال الإمام أبو بكر بن الحسين البيهقي في كتاب “ الاعتقاد ” :

(( وفي كثير من الآيات دلالة على إبطال قول من زعم من الجهمية أن الله بذاته في كل مكان . وقوله س وهو معكم أينما كنتم ش إنما أراد به بعلمه لا بذاته ))( ) .

22 - قول الإمام ابن عبد البر رحمه الله (463 هـ)

قال : (( وأما احتجاجهم بقوله عز وجل س ما يكون من نجوى ثلاثة. . . ش الآية ، فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية ، لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش ، وعلمه في كل مكان ، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله ))( ).

23 - قول البغوي رحمه الله (510 هـ)

قال في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش : (( في العلم ))( ).

24 - قول قوّام السنة أبي القاسم الأصبهاني( ) رحمه الله (535 هـ)

قال : (( فإن قيل : قد تأولتم قوله عز وجل س وهو معكم أينما كنتم ش وحملتموه على العلم . قلنا : ما تأولنا ذلك ، وإنما الآية دلت على أن المراد بذلك العلم ، لأنه قال في آخرها س إن الله بكل شيء عليم ش ))( ) .

25 - قول أبي محمد اليمني( ) رحمه الله (من علماء القرن السادس الهجري)

قال رحمه الله : (( وربما نقول ثاني اثنين وثالث ثلاثة ورابع أربعة وأكثر من ذلك ، بمعنى العلم والحفظ لا بمعنى الشريك لأنه يقول وقوله الحق س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ش أي عليم بهم وحفيظ لهم أينما كانوا ، لا بمعنى التشريك ))( ) .

26 - قول ابن كثير رحمه الله (774 هـ)

قال في تفسير قوله تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة. . . ش الآية :

(( أي مطلع عليهم يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم ، ورسله أيضاً مع ذلك تكتب ما يتناجون به مع علم الله به وسمعه له كما قال تعالى س أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ش . ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن مراد بهذه الآية معية علمه تعالى ولا شك في إرادة ذلك ))( ).

27 - قول الشوكاني رحمه الله (1250هـ)

قال في تفسير قوله تعالى س وهو معكم أينما كنتم ش : (( أي بقدرته وسلطانه وعلمه ))( ).

وقال في تفسير قوله تعالى { ما يكون من نجوى ثلاثة. . . } الآية :
(( مستأنفة لتقرير سمو علمه وإحاطته بكل المعلومات. . . ومعنى { أينما كنتم } إحاطة علمه بكل تناج يكون منهم في أي مكان من الأمكنة))( ).

قال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث (( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ))( ).

قال : (( فيه تصريح بأن الله تعالى مع عباده عند ذكرهم له ، ومن مقتضى ذلك أن ينظر إليه برحمته ، ويمده بتوفيقه وتسديده ، فإن قلت : هو مع جميع عباده كما قال سبحانه وتعالى { وهو معكم أينما كنتم } وقوله جلّ ذكره { ما يكون من نجولى ثلاثة إلا هو رابعهم } لآية .


قلت : هذه معية عامة ، وتلك معية خاصة حاصلة للذاكر على الخصوص بعد دخوله مع أهل المعية العامة ، وذلك يقتضي مزيد العناية ووفور الاكرام له والتفضل عليه ، ومن هذه المعية الخاصة ما ورد في كتابه العزيز من كونه مع الصابرين ، وكونه مع الذين اتقوا ، وما ورد هذا المورد في الكتاب العزيز أو السنة ، فلا منافاة بين إثبات المعية الخاصة وإثبات المعية العامة ))( ).



المطلب الثالث : الآثار والأقوال المروية عن العلماء في الجمع بين صفتي العلو والمعية :

مما يؤكد تفسير السلف لآيات المعية العامة بأنها معية العلم والاطلاع ما ورد عن جمع من العلماء من أقوال جمع فيها بين إثبات المعية وإثبات صفة العلو لله عز وجل فبينوا بذلك عدم التعارض بين نصوص المعية والنصوص التي جاء فيها إثبات علو الله سبحانه على خلقه .

ودعوى التعارض بين نصوص المعية ونصوص العلو ، من الشبه التي تمسَّك بها المبتدعة أيضاً في هذا الباب ، فبإيراد هذه الآثار عن سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم ــ والذين أمرنا بالتزام فهمهم ــ تزول أي دعوى للتعارض بين نصوص القرآن والسنة . فيما جاء فيهما من إثبات العلو الله عز وجل على خلقه وما جاء فيهما من إثبات معية الله لخلقه بعلمه .

وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه النقول تبطل وبشكل صريح دعوى القائلين بأن الله بذاته في كل مكان وأنه حال في خلقه ، فدعواهم لا مستند لها من الكتاب أو السنة أو قول أحد من سلف الأمة وأئمتها

وإليك الآثار الواردة في ذلك مرتبة ترتيباً زمانياً :

1 - قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (( ما بين السماء القصوى والكرسي خمسمائة عام ، ويبن الكرسي والماء كذلك ، والعرش فوق الماء والله فوق العرش ، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم )) ( ) .

2 - قول كعب الأحبار رحمه الله( )

قال : (( قال الله في التوراة : أنا الله فوق عبادي ، وعرشي فوق خلقي ، وأنا على عرشي ، أدبر أمر عبادي ، ولا يخفى علي شيء في السماء ، ولا في الأرض ))( ) .

3 - قول عبد الله بن المبارك رحمه الله (181 هـ)

ثبت عن علي بن الحسن بن شقيق ، شيخ البخاري ، قال : قلت لعبد الله ابن المبارك كيف نعرف ربنا؟ قال : (( في السماء السابعة على عرشه )) .

وفي لفظ (( على السماء السابعة على عرشه ، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض )) .

وقال أيضاً : (( سألت ابن المبارك : كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا؟ . قال : (( على السماء السابعة ، على عرشه ، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض ))( ) .

4 - قول أبي يوسف( ) صاحب أبي حنيفة رحمه الله (182 هـ)

جاء بشر بن الوليد إلى أبي يوسف فقال له : (( تنهاني عن الكلام وبشر المريسي ، وعلي الأحول ، وفلان يتكلمون ، فقال : وما يقولون؟ قال : يقولون : إن الله في كل مكان . فبعث أبو يوسف فقال : علي بهم ، فانتهوا إليهم ، وقد قام بشر ، فجيء بعلي الأحول والشيخ -يعني الآخر ، فنظر أبو يوسف إلى الشيخ وقال : لو أن فيك موضع أدب لأوجعتك ، فأمر به إلى الحبس ، وضرب عليا الأحول وطوَّف به ))( ).

5 - قول علي بن عاصم الواسطي( ) رحمه الله (201هـ)

وقال يحي بن علي بن عاصم( ) ( كنت عند أبي ، فاستأذن عليه المريسي ، فقلت له : يأبه مثل هذا يدخل عليك! فقال : وماله؟ ؛ قلت : إنه يقول إن القرآن مخلوق ، ويزعم أن الله معه في الأرض ، وكلاما ذكرته ، فما رأيته اشتد عليه مثل ما اشتد عليه في القرآن أنه مخلوق ، وأنه معه في الأرض )) ( ) .

6 - قول أصبغ بن الفرج المالكي( ) رحمه الله (225 هـ)

(( وهو مستو على عرشه وبكل مكان علمه وإحاطته ))( )

7 - قول بشر الحافي( ) رحمه الله (227 هـ)

(( والإيمان بأن الله على عرشه كما شاء ، وأنه عالم بكل مكان ، وأن الله يقول، ويخلق ، فقوله كن ليس بمخلوق ))( ) .

8 - قول حماد بن هنَّاد( ) رحمه الله (230 هـ)

قال : (( هذا ما رأينا عليه أهل الأمصار وما دلت عليه مذاهبهم فيه ، وإيضاح مناهج العلماء وطرق الفقهاء ، وصفة السنة وأهلها أن الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وعلمه وقدرته وسلطانه بكل مكان ))( ) .

9 - قول أحمد بن نصر الخزاعي( ) الشهيد رحمه الله (231 هـ)

قال إبراهيم الحربي فيما صح عنه : قال أحمد بن نصر وسئل عن علم الله فقال : (( علم الله معنا وهو على عرشه ))( ) .

10 - قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (241 هـ)

قال يوسف بن موسى القطان : وقيل لأبي عبد الله : الله فوق السماء السابعة على عرشه ، بائن من خلقه ، وعلمه وقدرته بكل مكان . قال : (( نعم ))( ) .

قال أحمد بن حنبل رحمه الله في كتاب (( الرد على الجهمية )) مما جمعه ورواه عبد الله ابنه عنه :

(( باب بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش ، قلت لهم : أنكرتم أن يكون الله على العرش ، وقد قال س الرحمن على العرش ‎استوى ش؟
فقالوا : هو تحت الأرض السابعة ، كما هو على العرش ، وفي السموات والأرض .

فقلنا : قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظمة الرب شيء ، أجسامكم وأجوافكم والأماكن القذرة ليس فيها من عظمته شيء ، وقد أخبرنا عز وجل أنه في السماء فقال تعالى س أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم ‎حصبا ش س إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ش ، س إني متوفيك ورافعك إلي ش ، س بل رفعه الله إليه ش ، س يخافون ربهم من فوقهم ش ، فقد أخبرنا سبحانه أنه في السماء ))( ) .

11 - قول الحارث بن أسد المحاسبي( ) (243هـ)

قال : (( وأما قوله تعالى س الرحمن على العرش استوى ش سوهو القاهر فوق عباده ش س ءأمنتم من في السماء ش س إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً ش س إليه يصعد الكلم الطيب ش هذا يوجب أنه فوق العرش فوق الأشياء كلها متنزه عن الدخول في خلقه لايخفى عليه منهم خافية لأنه أبان في هذه الآيات أنه أراد أنه بنفسه فوق عباده ؛ لأنه قال : س ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ش يعني فوق العرش ، والعرش على السماء لأن من قد كان فوق كل شيء على السماء ، في السماء وقد قال س فسيحوا في الأرض ش يعني علي الأرض لايريد الدخول في جوفها . . . . ))( ) .

12 - قول عبد الوهاب بن الحكم الورَّاق( ) (251هـ)

قال عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق لما روى حديث ابن عباس ما بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة ألاف نور ، وهو فوق ذلك قال : (( من زعم أن الله ههنا فهو جهمي خبيث ، إن الله فوق العرش ، وعلمه محيط بالدنيا والآخرة )) ( ).

13 - قول يحي بن معاذ الرازي( ) رحمه الله (258هـ)

قال : (( الله تعالى على العرش ، بائن من الخلق ، قد أحاط بكل شيء علماً ، وأحصى كل شيء عدداً ، ولا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء ضليل هالك مرتاب ، يمزج الله بخلقه ويخلط الذات بالأقذار والأنتان ))( ) .

14 - قول محمد بن يـحي الذهلي( ) رحمه الله (258هـ)

سئل محمد بن يحي عن حديث عبد الله بن معاوية عن النبي ش : (( ليعلم العبد أن الله معه حيث ما كان )) ( ) ، فقال : (( يريد أن الله علمه محيط بكل مكان والله على العرش ))( ).

15 - قول المزني( ) رحمه الله (264هـ)

قال (( الحمد لله أحق من ذكر وأولى من شكر. . . إلى أن قال. . . علا على عرشه في مجده بذاته ، وهو دان بعلمه من خلقه ، أحاط علمه بالأمور. . . ))( ).

16 - قول أبي حاتم الرازي (277هـ) وأبي زرعة الرازي (264هـ) رحمهما الله

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبا حاتم وأبا زرعة الرازيين رحمهما الله عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ، فقالا : (( أدركنا العلماء في جميع الأمصار ، حجازاً ، وعراقاً ، ومصراً ، وشاماً ، ويمناً، وكان من مذهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف ، أحاط بكل ‎شيء علماً ))( ).
17 - عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله (280هـ)

قال في كتابه “ النقض على بشر ‎المريسي ” : (( قد اتفقت الكلمة من المسلمين ، أن الله بكماله فوق عرشه ، فوق سمواته )) ( ).
وقال أيضاً في موضع آخر من الكتاب : (( وقال أهل السنة : إن الله بكماله فوق عرشه ، يعلم ويسمع من فوق العرش ، لا يخفى عليه خافية من خلقه، ولا يحجبهم عنه شيء ))( ).

18 - قول زكريا بن يحي الساجي ( )رحمه الله (307هـ)

قال : ((القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث ، إن الله تعالى على عرشه، في سمائه ، يقرب من خلقه كيف شاء))( ).

19 - قول الحسن بن علي بن خلف البربهاري( ) رحمه الله (329 هـ)

(( وهو جل ثناؤه واحد ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، ربنا أول بلا متى وآخر بلا منتهى ، يعلم السر وأخفى ، وعلى عرشه استوى ، وعلمه بكل مكان ، لايخلو من علمه مكان ))( ).

20 - قول علي بن مهدي الطبري( ) رحمه الله

قيل لعلي بن مهدي ما تقولون في قوله س وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ش؟ ، قال : (( إن بعض القراء يجعل الوقف س في السموات ش ، ثم يبتديء س وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ش ، وكيف ما كان ، ولو أن قائلاً قال : فلان بالشام والعراق ملك ، يدل على أن ملكه بالشام والعراق لا أن ذاته فيهما ))( ).

21 - قول ابن أبي زيد القيرواني( ) رحمه الله (386هـ)

قال الإمام أبو محمد بن أبي زيد المالكي المغربي في رسالته في مذهب مالك ، أولها : (( وأنه فوق عرشه المجيد بذاته ، وأنه في كل مكان بعلمه ))( ).

وقال في كتابه المفرد في السنة : (( وأنه فوق سمواته على عرشه دون أرضه وأنه في كل مكان بعلمه ))( ).

22 - قول محمد بن عبد الله ابن أبي زمنين ( ) رحمه الله (399هـ)

قال محمد بن عبد الله (( ومن قول أهل السنة إن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ثم استوى عليه كيف شاء كما أخبر عن نفسه في قوله س الرحمن على العرش استوى ش ... فسبحان من بعد فلا يرى ، وقرب بعلمه وقدرته فسمع النجوى)) ( ) .

23 - قول أبي بكر الباقلاني( ) رحمه الله (403هـ)

قال أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني في كتاب (( الإبانة )) : (( فإن قيل : هل تقولون إنه في كل مكان؟ ؛

قيل له : معاذ الله ، بل هو مستو على عرشه ، كما أخبر في كتابه وقال س الرحمن على العرش استوى ش ، وقال س إليه يصعد الكلم الطيب ش ، وقال س أأمنتم من في السماء ش ، ولو كان في كل مكان ، لكان في بطن الإنسان ، وفمه ، والحشوش ، ولوجب أن يزيد بزيادات الأماكن ، إذا خلق منها ما لم يكن ، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض ، وإلى خلفنا ، وإلى يميننا ، وشمالنا ، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله ))( ).

24 - قول أبي بكر محمد بن موهب المالكي( ) رحمه الله (406 هـ)

قال رحمه الله (( ... فلذلك قال الشيخ أبو محمد( ) ( إنه فوق عرشه )) ثم بين أن علوه فوق عرشه ، إنما هو بذاته ، لأنه تعالى بائن عن جميع خلقه بلا كيف ، وهو في كل مكان بعلمه لا بذاته )) ( ).

25 - قول اللالكائي( ) رحمه الله (418هـ)

قال الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن الشافعي ، في كتاب شرح أصول السنة له : (( سياق ما روي في قوله س الرحمن على العرش استوى ش ، و‎أن الله على عرشه في السماء ، قال عزوجل س إليه يصعد الكلم الطيب ش ، وقال س أأمنتم من في السماء ش، وقال س وهو القاهر فوق عباه ش ، قال : فدلت هذه الآيات أنه في السماء وعلمه محيط بكل مكان ))( ).

26 - قول معمر بن أحمد الأصبهاني( ) رحمه الله (428هـ)

قال رحمه الله في رسالته إلى بعض أصحابه : (( وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والإستواء معقول والكيف مجهول وأنه عز وجل بائن من خلقه والخلق بائنون منه بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة ))( ) .

27 - قول أبي نصر السجزي( ) رحمه الله (444هـ)

قال الإمام أبو نصر السجزي الحافظ ، في كتاب (( الإبانة )) له : (( وأئمتنا الثوري ، ومالك ، وابن عيينة ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وابن المبارك ، وفضيل بن عياض ، وأحمد ، وإسحاق ، متفقون على أن الله فوق عرشه بذاته ، وأن علمه بكل مكان ))( ).

28 - قول أبي إسماعيل الأنصاري( ) رحمه الله (481هـ)

قال الإمام أبو إسماعيل‎ الأنصاري في كتاب (( الصفات )) له : - باب اثبات استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة ، بائناً من خلقه، من الكتاب والسنة - . فذكر رحمه الله دلالات ذلك من الكتاب والسنة -إلى أن قال- : (( في أخبار شتى أن الله عزوجل في السماء السابعةعلى العرش بنفسه ، وهو ينظر كيف تعملون ، علمه ، وقدرته ، واستماعه ، ونظره ، ورحمته ، في كل مكان ))( ).

29 - قول أبي الحسن الكرجي( ) رحمه الله (491هـ)

قال الإمام أبو الحسن الكرجي في عقيدته المعروفة التي أولها :

محاسن جسمي بدلت بالمعـــايب وشيب فَــوْدي شيب وصـل الحبــــائب

إلى أن قال :

وأفضـل زاد في المعاد عقـيــدة على منهج في الصدق والصبر لاحب
عقـائـدهم أن الإ لــه بـذاتــه علـى عرشـه مع علمـه بالغوائـب
وأن استـواء الـرب يعقـل كـونـه ويجهل فيه الكيف جهـل الشهـارب( )

30 - قول عبد القادر الجيلي( ) رحمه الله (561 هـ)

قال الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ، في كتاب (( الغنية )) له : (( وهو بجهة( ) العلو مستو على العرش ، محتو على الملك ، محيط علمه بالأشياء ، س إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ش ، س يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ش ، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان ، بل يقال إنه في السماء على العرش كما قال س الرحمن على العرش استوى ش ، وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل ، وأنه استواء الذات على العرش ، وكونه سبحانه وتعالى على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف ))( ).

31 - قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (728 هـ)

(( ... وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله : الإيمان بما أخبر الله به في كتابه ، وتواتر عن رسوله ش ، وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سمواته على عرشه ، عليٌّ على خلقه ، وهو سبحانه معهم أينما كانوا ، يعلم ما هم عاملون كما جمع بين ذلك في قوله { هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير } ( ) )) ( ).

32 - قول محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي رحمه الله (748 هـ)

صنف الإمام الذهبي كتاب العلو وكتاب العرش في إثبات علو الله على عرشه ، وأنه مع خلقه بعلمه ، وساق فيه الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم إلى قريب من زمانه ، وحكى الإجماع عن كثير منهم على أن الله تعالى فوق عرشه ، ومع الخلق بعلمه . ومما قاله في أثناء كتابه العلو (( ويدل على أن الباري تبارك وتعالى عالٍ على الأشياء ، فوق عرشه المجيد ، غير حالٍ بالأمكنة قوله تعالى { وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم } ( ) )) ( ).

33 - قول الإمام شمس الدين ابن القيم رحمه الله (751 هـ)

صنف الإمام ابن القيم كتابه إجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية لبيان مسألة علو الله على عرشه ومعيته لخلقه ، فساق الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أكابر العلماء إلى قريب من زمانه ، وحكى الإجماع عن كثير منهم على ذلك، كما اشتمل كتابه الصواعق المرسلة ، وقصيدته الكافية الشافية على فصول كثيرة في تقرير هذه المسألة .

34 - قول ابن رجب الحنبلي رحمه الله ( 795 هـ)

وقد ردّ ابن رجب رحمه الله تعالى على الذين فسروا المعية بتفسير لا يليق بالله عز وجل وهم الذين يقولون : إن الله بذاته في كل مكان ، وهم الحلولية من الجهمية ومن نحا نحوهم .

فقال رحمه الله تعالى : (( ولم يكن أصحاب النبي ش يفهمون من هذه النصوص غير المعنى الصحيح المراد بها ، يستفيدون بذلك معرفة عظمة الله وجلاله واطلاعه على عباده وإحاطته بهم وقربه من عابديه وإجابته لدعائهم ، فيزدادون به خشية لله وتعظيماً وإجلالاً ومهابة ومراقبة واستحياء ويعبدونه كأنهم يرونه ، ثم حدث بعدهم من قل ورعه وانتكس فهمه وقصده ، وضعفت عظمة الله وهيبته في صدره وأراد أن يرى الناس امتيازه عليهم بدقة الفهم وقوة النظر ، فزعم أن هذه النصوص تدل على أن الله بذاته في كل مكان كما حكى ذلك طوائف من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم ، تعالى عما يقولون علواً كبيراً .

وهذا شئ ما خطر لمن كان قبلهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وهؤلاء ممن يتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وقد حذر النبي ش منهم في حديث عائشة المتفق عليه .

وتعلقوا أيضاً بما فهموه بفهمهم القاصر مع قصدهم الفاسد بآيات في كتاب الله تعالى مثل قوله تعالى س وهو معكم أينما كنتم ش وقوله : س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش .

فقال من قال من علماء السلف حينئذ إنما أراد أنه معهم بعلمه وقصدوا بذلك إبطال ما قال أولئك مما لم يكن أحد قبلهم قاله ولا فهمه من القرآن .

وحكى ابن عبد البر وغيره إجماع العلماء من الصحابة والتابعين في تأويل قوله تعالى س وهو معكم أينما كنتم ش أن المراد علمه ، وكل هذا قصدوا به رد قول من قال إنه تعالى بذاته في كل مكان )) ( ) .

35 - قول صديق حسن خان رحمه الله (1307 هـ)

(( وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره ، وهذه سنة رسول الله ش ، وهذا كلام الصحابة والتابعين ، وسائر الأئمة ، قد دل ذلك بما هو نص أو ظاهرٌ ، في أن الله سبحانه فوق العرش ، فوق السموات ، استوى على عرشه ، بائن من خلقه ، … وهو معهم أينما كانوا . قال نعيم بن حماد لما سئل عن معنى هذه الآية س وهو معكم أينما كنتم ش معناها : ( أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه ) وليس معناه أنه مختلط بالخلق ، فإن هذا لا توجبه اللغة ، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها ، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق ... -إلى أن قال: ... فكل ما في الكتاب والسنة من الادلة الدالة على قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته ، فإنه سبحانه عليٌّ في دنوِّه وقريب في عُلوِّه ، والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً )) ( ).

المطلب الرابع : أقوال الناس في صفة المعية :

من المعلوم أن لمسألة المعية اتصالها الوثيق بمسألة العلو ، فما نشأ من أقوال في مسألة العلو ترتب عليها في المقابل أقوال من جنسها في مسألة المعية .

وقد افترق الناس في هذا المقام على أربعة أقوال هي :

القول الأول : قول أهل السنة والجماعة .

يقولون : إن الله فوق سمواته ، عالٍ على خلقه ، مستوٍ على عرشه ، بائن من خلقه ؛ كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.

القول الثاني : قول معطلة الجهمية ونفاتهم .

وهم الذين يقولون : لا هو داخل العالم ولا خارجه ، ولا فوقه ولا تحته ، ولا مباين له ، ولا محايث له ؛ وهم بقولهم هذا قد نفوا الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما( )، وبالغوا في نفي التشبيه ؛ حتى أدى بهم ذلك إلى نفي وجوده بالكلية ، وذلك خشية منهم أن يشبهوه ، فهم قالوا بهذه المقالة هرباً منهم -على حد زعمهم- من إثبات الجهة ، والمكان ، والحيِّز ؛ فإن فيها كما يدَّعون تجسيماً ، وهو تشبيه ، فقالوا : يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات ، فنحن نسد الباب بالكلية .

وقد استند أصحاب هذا القول في قولهم هذا على حجج ، زعموا أنها عقلية ، أسسوها وابتدعوها وجعلوها مقدمة على كل نص ، وليس لهؤلاء أي دليل من القرآن أو السنة على صحة قولهم هذا ، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- :
(( وجميع أهل البدع قد يتمسكون بنصوص ، كالخوارج ، والشيعة ، والقدرية ، والمرجئة ، وغيرهم ، إلا الجهمية ، فإنهم ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه في النفي )) ( ).

القول الثالث : قول حلولية الجهمية .

وهم الذين يقولون : إن الله بذاته في كل مكان .

وهذا قول النجارية ( ) ، وكثير من الجهمية عبَّادهم ، وصوفيتهم ، وعوامهم .

ويقولون : إنه عين وجود المخلوقات . كما يقوله أهل وحدة الوجود القائلون بأن الوجود واحد ، ومن يكون قوله مركباً من الحلول والاتحاد.

وهم يحتجون بنصوص المعية والقرب ويتأولون نصوص العلو والاستواء ، وكل نص يحتجون به حجة عليهم( ).

القول الرابع : قول طوائف من أهل الكلام والتصوف .

ويقولون إن الله بذاته فوق العرش وهو بذاته في كل مكان وهؤلاء يقولون : إنا نقر بهذه النصوص ولا نصرف واحداً منها عن ظاهره ؛ وهذا قول طوائف ذكرهم الأشعري في مقالات الإسلاميين ، وهو موجود في كلام طائفة من السَّالمية والصوفية ، ويشبه هذا ما في كلام أبي طالب المكي ، وابن برجان وغيرهما ، مع ما في كلام أكثرهم من التناقض .

وهذا الصنف وإن كان أقرب إلى التمسك بالنصوص ، وأبعد عن مخالفتها من الصنفين الثاني والثالث ، فإن الصنف الثاني لم يتبع شيئاً من النصوص بل خالفها كلها . والصنف الثالث ترك النصوص الكثيرة المحكمة المبينة وتعلق بنصوص قليلة اشتبهت عليه معانيها .

وأما هذا الصنف ، فيقول أنا اتبعت النصوص كلها ؛ لكنه غالط أيضاً ؛ فكل من قال : إن الله بذاته في كل مكان ، فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها ، مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده ؛ ولصريح المعقول والأدلة الكثيرة .

وهؤلاء يقولون أقوالاً متناقضة ، يقولون : إنه فوق العرش . ويقولون : نصيب العرش منه كنصيب قلب العارف ؛ كما يذكر مثل ذلك أبو طالب وغيره ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان ؛ وما يتبع ذلك .

فإن قالوا : إن العرش كذلك ، نقضوا قولهم : إنه نفسه فوق العرش . وإن قالوا بحلوله بذاته في قلوب العارفين ؛ كان ذلك قولاً بالحلول خاصة .

وقد وقع طائفة من الصوفية -حتى صاحب منازل السائرين في توحيده المذكور في آخر المنازل- في مثل هذا الحلول( ) .

وبناءً على هذه الأقوال اختلفت مواقف الناس في صفة المعية على النحو التالي :

القول الأول : قول أهل السنة والجماعة .

أثبتوا علو الله على خلقه وأنه مستو على عرشه بائن من خلقه وهم بائنون منه وقالوا إن معية الله المقصود منها أن الله عالم بخلقه مطلع عليهم لا يخفى عليه شيء من أمرهم .

(( وهم بهذا أثبتوا وآمنوا بجميع ما جاء به الكتاب والسنة ، من غير تحريف للكلم عن مواضعه ، أثبتوا أن الله فوق سمواته على عرشه ؛ بائن من خلقه وهم بائنون منه .

وهو أيضاً مع العباد عموماً بعلمه ، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية ، وهو أيضاً قريب مجيب ؛ ففي آية النجوى دلالة على أنه عالم بهم )) ( ) .

وقد رد أهل السنة على زعم من قال إن المراد بها معية الذات وأبطلوا هذا الزعم من وجوه عديدة منها :

أولاً : أن نصوص المعية الواردة في القرآن والسنة دل سياقها على أن المقصود بها معية العلم والإطلاع أو النصرة والتأييد .

ثانيا : أن كلمة ( مع ) في حال إطلاقها تفيد مطلق المصاحبة ثم إن سياق الكلام يحدد نوع المصاحبة ، ونصوص المعية حددت نوعين من المصاحبة هما :
1. معية العلم
2. معية النصرة والتأييد

ثالثاً : إن جميع علماء السلف وأئمة السنة الذين نقل عنهم تفسير آيات المعية لم يفسروها بمعية الذات فهذا التفسير لم ينقل إلا عن المبتدعة من أهل الكلام

رابعاً : النصوص الشرعية في إثبات علو الله واستوائه على عرشه كثيرة جداً وتشهد بفساد زعم من قال إن المقصود بالمعية معية الذات .

القول الثاني : من نفى عن الله الوصفين المتقابلين :

وهؤلاء يقولون : ليس فوق العالم شيء ، ولا فوق العرش شيء ، ويقولون : ليس هو داخلا فيه ( أي العالم ) ولا خارجاً عنه ، ولا حالاً فيه ، وليس في مكان من الأمكنة .

وهذا قول الجهمية والمعتزلة وطوائف من متأخري الأشعرية ، والفلاسفة النفاة ، والقرامطة الباطنية( ) .

وهؤلاء لما نفوا عن الله تبارك وتعالى الوصفين جميعاً فقالوا إنه لا داخل العالم ولا خارجه وشبهوه بالمعدوم لم يكن لهم قول معين في صفة المعية لأن مذهبهم قائم على نفي جميع الصفات عن الله عز وجل .

القول الثالث : من فسر المعية بأن الله بذاته في كل مكان ، وأنه حال في خلقه .

وهم حلولية الجهمية واحتجوا لقولهم هذا بنصوص "المعية" و"القرب" الواردة في القرآن الكريم مثل قوله تعالى { ألم تر أن الله يعلم مافي السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم }( ) ، وقوله تعالى { يستخفون من الناس ولايستخفون من الله وهو معهم } ( ) ، وقوله تعالى { هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منه وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير } ( ) ، وقوله تعالى { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } ( ) ، وقوله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ( ) ، وقوله تعالى { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } ( ) ، وقوله تعالى { وهو الله في السموات وفي الأرض } ( ) .

وقد زعم حلولية الجهمية أن المراد بهذه النصوص معية الذات وقرب الذات ، فلذلك قالوا : إن الله بذاته في كل مكان .

الرد عليهم :

قد أبطل علماء السلف زعم هؤلاء الجهمية واستدلالهم بهذه الآيات وبينوا أن كل نص يحتجون به هو في الحقيقة حجة عليهم ، فنصوص المعية التي استدلوا بها لا تدل بأي حال من الأحوال على ما زعمه هؤلاء ، ((وذلك لأن كلمة (مع) في لغة العرب لا تقتضي أن يكون أحد الشيئين مختلطاً بالآخر ، وهي إذا اطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال ، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى )) ( ) .

((ولفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع واقتضت في كل موضع أموراً لم تقتضها في الموضع الآخر ، وذلك بحسب اختلاف دلالتها في كل موضع )) ( ) ، وهي قد وردت في القرآن بمعنيين هما :

المعنى الأول : المعية العامة .

وحكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع على خلقه شهيد عليهم ، ومهيمن وعالم بهم( )، وهذه المعية هي المرادة بقوله تعالى س ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ش فالله سبحانه وتعالى قد افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم ولذلك أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم تفسير القرآن على أن تفسير الآية هو أنه معهم بعلمه، وقد نقل هذا الإجماع ابن عبد البر( ) ، وأبو عمرو الطلمنكي ، وابن تيمية( ) ، وابن القيم( ) .

وعلى هذا فلا حجة للمخالفين في ظاهر هذه الآية .

وكذلك أيضاً ما جاء في قوله تعالى س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش .

فظاهر الآية دال على أن المراد بهذه المعية هو علم الله تبارك وتعالى واطلاعه على خلقه ، فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية بأنه فوق العرش يعلم كل شيء ، وهو معنا أينما كنا ، فجمع تعالى في هذه الآية بين العلو والمعية ، فليس بين الاثنين تناقض البتة ، وهو كقوله ش في حديث الأوعال : (( والله فوق العرش يعلم ما أنتم عليه ))( ) .

المعنى الثاني : المعية الخاصة .

وهي معية الاطلاع والنصرة والتأييد ، وسميت خاصة لأنها تخص أنبياء الله وأولياءه مثل قوله تعالى { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا }( ) ، وقوله تعالى { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } ( )

فهذه المعية على ظاهرها وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد .

ولفظ المعية على كلا الاستعمالين ليس مقتضاه أن تكون ذات الرب عزوجل مختلطة بالخلق ، ولو كان معنى المعية أنه بذاته في كل مكان لتناقض الخبر العام والخبر الخاص ، ولكن المعنى أنه مع هؤلاء بنصره وتأييده دون أولئك( ) .

وأما استدلالهم بقوله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ( ) ، فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله : ( إن هذه الآية لا تخلو إما أن يراد بها قربه سبحانه أو قرب ملائكته كما قد اختلف الناس في ذلك فإن أريد بها قرب الملائكة : فدليل ذلك من الآية قوله س ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ش ففسر ذلك القرب الذي هو حين يتلقى المتلقيان ، فيكون الله سبحانه قد أخبر بعلمه هو سبحانه بما في نفس الإنسان ، س ونعلم ما توسوس به نفسه ش وأخبر بقرب الملائكة الكرام الكاتبين منه ، س ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش وعلى هذا التفسير تكون هذه الآية مثل قوله تعالى { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } ( ) .

أما إذا كان المراد بالقرب في الآية قربه سبحانه ، فإن ظاهر السياق في الآية دل على أن المراد بقربه هنا قربه بعلمه ، وذلك لورود لفظ العلم في سياق الآية { ونعلم ما توسوس به نفسه } )( ) .

وأما استدلالهم بقوله تعالى { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } ( ) ، فمعنى الآية : أي هو إله من في السموات وإله من في الأرض ، قال ابن عبد البر :
( فوجب حمل هذه الآية على المعنى الصحيح المجتمع عليه ، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء ، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض ، وكذلك قال أهل العلم بالتفسير )( ) .

وقال الآجري : ( وقوله عزوجل س وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ش فمعناه : أنه جل ذكره إله من في السموات وإله من في الأرض ، وهو الإله يعبد في السموات ، وهو الإله يعبد في الأرض ، هكذا فسره العلماء )( ) .

وروى الآجري بسنده في تفسيره هذه الآية عن قتادة قوله : ( هو إله يعبد في السماء ، وإله يعبد في الأرض )( ) .

وأما استدلالهم بقوله تعالى { وهو الله في السموات وفي الأرض }( ) فقد فسرها أئمة العلم كالإمام أحمد وغيره أنه المعبود في السموات والأرض( ) .

وقال الآجري : ( وعند أهل العلم من أهل الحق س وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ش هو كما قال الحق س يعلم سركم ش فما جاءت به السنن أن الله عزوجل على عرشه ، وعلمه محيط بجميع خلقه ، يعلم ما يسرون وما يعلنون ، ويعلم الجهر من القول ويعلم ما يكتمون )( ) .

مع العلم أن هؤلاء الذين زعموا أن الله في كل مكان يقول أكثرهم بضد ذلك، فهم في حال نظرهم في الشبه الكلامية يقولون إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته .

كما هو قول أصحاب المذهب الأول ، وفي تعبدهم يقولون هو في كل مكان .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وكثير منهم يجمع بين القولين ؛ ففي حال نظره وبحثه يقول بسلب الوصفين المتقابلين كليهما ، فيقول : لا هو داخل العالم ولا خارجه ، وفي حال تعبده وتألهه يقول : بأنه في كل مكان لا يخلو منه شئ )) ( ) .

وقال أيضاً : (( وجماع الأمر في ذلك أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه ، وقصد اتباع الحق ، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه ، والإلحاد في أسماء الله وآياته .

ولا يحسب الحاسب أن شيئاً من ذلك يناقض بعضه بعضاً ألبتة ؛ مثل أن يقول قائل : ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله س وهو معكم أينما كنتم ش.

وقوله ش : (( إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه )) ( ) ونحو ذلك فإن هذا غلط .

وذلك أن الله معنا حقيقة ، وهو فوق العرش حقيقة ، كما جمع الله بينهما في قوله سبحانه { هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير }( ) .

فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء ، وهو معنا أينما كنا ، كما قال النبي ش في حديث الأوعال : (( والله فوق العرش ويعلم ما أنتم عليه )) ( )( ) .

وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس في اللغة ظاهرها إلا المقارنة المطلقة ، من غير وجوب مماسةأو محاذاة عن يمين أو شمال ؛ فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى . فإنه يقال : ما زلنا نسير والقمر معنا أو والنجم معنا . ويقال : هذا المتاع معي لمجامعته لك ؛ وإن كان فوق رأسك . فالله مع خلقه حقيقة ، وهو فوق عرشه حقيقة .

ثم هذه (المعية) تختلف أحكامها بحسب الموارد فلما قال : س يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ش إلى قوله س وهو معكم أينما كنتم ش دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم ؛ شهيد عليكم ومهيمن عالم بكم . وهذا معنى قول السلف : إنه معهم بعلمه ، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته .

وكذلك في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش إلى قوله { هو معهم أينما كانوا }( ) الآية .

ولما قال النبي ش لصاحبه في الغار { لا تحزن إن الله معنا } ( ) كان هذا أيضا حقا على ظاهره ، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الاطلاع ، والنصر والتأييد .

وكذلك قوله تعالى { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } ( ) كذلك قوله لموسى وهارون { إنني معكما أسمع وأرى } ( ) هنا المعية على ظاهرها ، وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد .

وقد يدخل على الصبي من يخيفه فيبكى فيشرف عليه أبوه من فوق السقف فيقول : لا تخف ؛ أنا معك أوأنا هنا ، أو أنا حاضر ونحو ذلك. ينبهه على المعية الموجبة بحكم الحال دفع المكروه ؛ ففرق بين المعية ومقتضاها ؛ وربما صار مقتضاها من معناها ؛ فيختلف باختلاف المواضع( ) .

فلفظ (المعية) قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع ، يقتضي في كل موضع أموراً لا يقتضيها في الموضع الآخر ؛ فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع ، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها -وإن امتاز كل موضع بخاصية- فعلى التقدير ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عز وجل مختلطة بالخلق . حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها( ) .

ونظيرها من بعض الوجوه (الربوبية ، والعبودية) فإنهما وإن اشتركتا في أصل الربوبية والعبودية فلما قال { رب العالمين رب موسى وهارون }( ) كانت ربوبية موسى وهارون لها اختصاص زائد على الربوبية العامة للخلق ، فإن من أعطاه الله من الكمال أكثر مما أعطى غيره فقد ربه ورباه ربوبية وتربية أكمل من غيره .

وكذلك قوله { عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً } ( ) و{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً }( ) .

فإن العبد تارة يعنى به المعبد فيعم الخلق ، كما في قوله { إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً } ( ) ، وتارة يعني به العابد فيخص ؛ ثم يختلفون ، فمن كان أعبد علما وحالا كانت عبوديته أكمل ، فكانت الإضافة في حقه أكمل ، مع أنها حقيقة في جميع المواضع .

ومثل هذه الألفاظ يسميها بعض الناس (مشككة) لتشكك المستمع فيها ، هل هي من قبيل الأسماء المتواطئة أو من قبيل المشتركة في اللفظ فقط ، والمحققون يعلمون أنها ليست خارجة عن جنس المتواطئة ؛ إذ واضع اللغة إنما وضع اللفظ بإزاء القدر المشترك ، وإن كانت نوعا مختصاً من المتواطئة فلا بأس بتخصيصها بلفظ .

ومن علم أن (المعية) تضاف إلى نوع من أنواع المخلوقات - كإضافة الربوبية مثلاً -
وأن الاستواء على الشيء ليس إلا للعرش ، وأن الله يوصف بالعلو والفوقية الحقيقية ، ولا يوصف بالسفول ولا بالتحتية قط ، لا حقيقة ولا مجازاً علم أن القرآن على ماهو عليه من غير تحريف .

ثم من توهم أن يكون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب - إن نقله عن غيره - وضال - إن اعتقده في ربه - وما سمعنا أحداً يفهم هذا من اللفظ ، ولا رأينا أحداً نقله عن واحد ، ولو سئل سائر المسلمين هل تفهمون من قول الله ورسوله (( إن الله في السماء )) أن السماء تحويه لبادر كل أحد منهم إلى أن يقول هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا ))( ) .

القول الرابع : وهو قول من يقول أن الله بذاته فوق العرش وهو بذاته في كل مكان .

وهذا هو قول جماعة من أهل الكلام والتصوف كأبي معاذ التومنى( ) ، وزهير الأثري( ) ، وأصحابهما( ) ، وهو موجود في كلام السالمية( ) كأبي طالب المكي( ) وأتباعه كأبي الحكم برجان( ) وأمثاله ما يشير إلى نحو هذا ، كما يوجد في كلامهم ما يناقض هذا ( ) فهم يقولون بأن الله في كل مكان ، وإنه مع ذلك مستو على عرشه وإنه يرى بالأبصار بلا كيف ، وإنه موجود الذات بكل مكان ، وأنه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول ولا المماسة ، ويزعمون أنه يجيء يوم القيامة كما قال تعالى { وجاء ربك } ( ) ، وقولهم هذا يشبه قول بعض مثبتة الجسم الذين يقولون إنه لا نهاية له( ) .

والفرق بين هذا القول وقول الجهمية : بأن الله في كل مكان هو أن هؤلاء يثبتون العلو ونوعا من الحلول ، أما الجهمية فلا يثبتون العلو على مقصود هؤلاء من الاستواء على العرش والمباينة .

ويزعم أصحاب هذا القول أنهم بقولهم هذا قد اتبعوا النصوص كلها سواء كانت نصوص علو أو معية أو قرب .

الرد عليهم :
إنهم بقولهم هذا جمعوا بين كلام أهل السنة وكلام الجهمية ، ولذلك كان قولهم ظاهر الخطأ وغاية في التناقض .

أما بيان خطئه فهو يكمن في أن كل من قال بأن الله بذاته في كل مكان فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الامة وأئمتها مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده ، ولصريح المعقول وللأدلة الكثيرة ، فالقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تنص على علو الله بذاته فوق خلقه واستوائه على عرشه وبينونته من خلقه ، كما أن السنة قد تحدثت عن هذا المعنى في كثير من الأحاديث ، كقصة المعراج وصعود الملائكة ونزولها من عند الله وعروج الروح إليه واستوائه على عرشه ، ونزوله إلى السماء الدنيا ، فكل هذه الأدلة تبين بطلان هذا القول ومخالفته .

وأما استدلال هؤلاء بنصوص المعية والقرب ، فقد بينا خطأ هذا الاستدلال وبطلانه عند الرد على مذهب حلولية الجهمية ، وقد بينا أنه ليس للمخالفين أي متمسك في جعلها لمعية الذات أو قرب الذات .

أما بيان تناقض هذا القول : فهو واضح من أقوالهم ، فإنهم يجمعون بين أقوال متناقضة ، فتارة يقولون إنه بذاته فوق العرش ، وتارة يقولون إنه فوق العرش ونصيب العرش فيه كنصيب قلب العارف -كما يذكر ذلك أبو طالب المكي وغيره- ، ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان وما يتبع ذلك ، فإن قالوا : إن العرش كذلك فقد نقضوا قولهم بأنه بنفسه فوق العرش .

وإن قالوا بحلول ذاته في قلوب العارفين ، كان ذلك قولا بالحلول الخاص ، وهذا ما وقع فيه طائفة من الصوفية ومنهم صاحب منازل السائرين( ) .


الخاتمة :

بعد هذا العرض للآثار الواردة في صفة المعية ولبعض المسائل المتعلقة بها أعرض أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث فأقول :

أولاً : أتضح جلياً من خلال استقراء النصوص أن المعية تنقسم إلى قسمين هما :

1- المعية العامة : والمراد بها معية العلم والاطلاع ، وسميت عامة لأنها تعم الخلق جميعاً مؤمنهم وكافرهم ، وبرهم وفاجرهم .

2- المعية الخاصة : والمراد بها معية النصرة والتأييد وسميت خاصة لأنها خاصة بأهل الإيمان .

ثانياً : تبين للقاريء الكريم إجماع السلف على تفسير آيات المعية العامة بأن المراد بها أن الله مع جميع الخلق بعلمه فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم وعالم بهم ، وقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع علماء السلف على تفسيرهم لآيات المعية العامة بذلك كما تقدم ذكره في المطلب الثاني .

ثالثاً : بإجماع السلف على تفسير المعية العامة بمعية العلم ، لايبقى حجة لمدع بوجود تعارض بين آيات المعية وآيات العلو ، وقد خصصت مطلباً أوردت فيه عدداً من النقول عن العلماء جاء فيها الجمع بين إثبات العلو وإثبات المعية موافقة لما نصت عليه إحدى آيات المعية ، وهي الآية الرابعة من سورة الحديد .

رابعاً : إن القول بمعية الذات لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولم يقل به أحد من السلف ، وأول من عرف عنه القول بذلك هم الجهمية والمعتزلة ، وعنهم أخذ المتأخرون من الأشاعرة هذا القول ، ومن أراد أن يعرف مصداق هذا فعليه بمطالعة كتاب الرد على بشر المريسي للدارمي المتوفى سنة ثمانين ومأتين ، الذي ذكر هذا القول عن بشر وشيوخه ، حيث قال : (( وزعمت أنت والمضلون من زعمائك أنه في كل مكان ... )) ـ انظر الرد على بشر المريسي ــ ضمن عقائد السلف ـ ص ( 454) وقد كان ذلك قبل أن تظهر الأشعرية والماتريدية .

خامساً : إن ماينادي به متأخرو الأشاعرة من القول بأن الله في كل مكان واحتجاجهم على ذلك بآيات المعية ، يناقض ما كان عليه أوائل الأشاعرة ، والذين تقدم ذكر بعض أقوالهم وإقرارهم بعلو الله وتفسيرهم لنصوص المعية بما عليه قول أهل السنة ، وردهم لزعم من قال بأن الله في كل مكان ( ).

سادساً : إن استدلال هؤلاء المعطلة بنصوص المعية على زعمهم الباطل ، لا يتفق مع أصلهم الذي أصلوه في هذا الباب وهو عدم احتجاجهم بنصوص القرآن والسنة ، واعتمادهم على عقولهم ، وصنيعهم هنا يصدق عليه قول شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال : (( وكثير ممن يكون قد وضع دينه برأيه وذوقه يحتج من القرآن بما يتأوله على غير تأويله ، ويجعل ذلك حجة لاعمدة ، وعمدته في الباطن على رأيه كالجهمية والمعتزلة في الصفات والأفعال .. )) النبوات ص [129]

وفي الختام فهذا جهدي أقدمه لإخواني القراء ، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمني وأستغفر الله ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .







التوقيع :
إن سعة العلم تلد رحابة الأفق وإن حسن النية يلد رحابة الصدر وإن الإيمان المحض يلد الحفاظ الدقيق علي وحدة هذه الأمة.
فإذا نشب خلاف علي مسألة ما بين علماء مخلصين فإن هذا الخلاف لن يطول اجله .
وإذا قدر له أن يطول فلن يترك في النفوس حقدا ولا في الصفوف صدعا .
وإذا حدث من ذلك شئ فلا بد أن يكون الأسباب مصطنعة بعيده عن دائرة العلم أو عن دائرة الإخلاص أو عن كلتيهما جميعا .
من مواضيعي في المنتدى
»» الرد على فتوى سماحة مفتي جمهورية مصر العربية
»» معلومة هامة جدا
»» مناظرة الشيخ أبو عبد الله السلفي الأزهري و المعتصم المتكلم الاشعري
»» أسئلة عن صحة بعض الأحاديث
»» رد شيخ الاسلام على ادعاؤهم منع أبي بكر فاطمة ميراثها
 
قديم 18-10-10, 06:37 PM   رقم المشاركة : 3
القسنطيني2
عضو ذهبي







القسنطيني2 غير متصل

القسنطيني2 is on a distinguished road


بسم الله و الصلاة و السلام على الحبيب المصطفى محمّد .
بارك الله فيك و لك و حولك.
إنّما هو بحث يسهّل على المؤمن تقبّل ما يصيبه في يومه من خير أو دون ذلك.... ففي كل خير للمؤمن عندما يستشعر معيّة الله.
فبارك الله فيك و القائمين على هذا الفضاء.







 
قديم 29-09-12, 01:45 PM   رقم المشاركة : 5
احمد احمد
عضو نشيط






احمد احمد غير متصل

احمد احمد is on a distinguished road


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة القسنطيني2 مشاهدة المشاركة
   بسم الله و الصلاة و السلام على الحبيب المصطفى محمّد .
بارك الله فيك و لك و حولك.
إنّما هو بحث يسهّل على المؤمن تقبّل ما يصيبه في يومه من خير أو دون ذلك.... ففي كل خير للمؤمن عندما يستشعر معيّة الله.
فبارك الله فيك و القائمين على هذا الفضاء.

نعم فإن الاحساس بمعية الله قد تجعل الانسان مننا يحاسب نفسه قبل ان يعمل اي شئ
والشعور الاقوى ان معية الله معي ومعك ومع كل الناس






التوقيع :
إن سعة العلم تلد رحابة الأفق وإن حسن النية يلد رحابة الصدر وإن الإيمان المحض يلد الحفاظ الدقيق علي وحدة هذه الأمة.
فإذا نشب خلاف علي مسألة ما بين علماء مخلصين فإن هذا الخلاف لن يطول اجله .
وإذا قدر له أن يطول فلن يترك في النفوس حقدا ولا في الصفوف صدعا .
وإذا حدث من ذلك شئ فلا بد أن يكون الأسباب مصطنعة بعيده عن دائرة العلم أو عن دائرة الإخلاص أو عن كلتيهما جميعا .
من مواضيعي في المنتدى
»» شبهة حول حروب الردة و الفتوحات الإسلامية
»» للبالتوك اصحاب النكات السوداء
»» مفهوم عدالة الصحابة
»» مناقشة في تغطية الوجه
»» أسئلة فقهيه قصيرة
 
قديم 04-12-14, 02:22 PM   رقم المشاركة : 6
limooo22
مشترك جديد








limooo22 غير متصل

limooo22 is on a distinguished road


جزاك الله كل خير






 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:56 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "