بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله..
إن ماهية الوجود هي إندراج الأشياء من حيث هي أنواع تحت جنس واحد من الأعلى للأسفل وأن الوجود بما هو هو من متضادات ومتباينات ومترابطات لاتنفك من الحاجة والتضاد والتماسك والتباين فيما بينها , عن الحقيقة المعنية بين الماهية والوجود , لذلك فهي جميعاً في الوجود لاتخرج عن الجوهرية المادية الكونية التي نطلق عليها الماهية , فهي إما قائمة بالذات أو مقومة بالذات ولاشيء في ماهية الوجود قائم بالذات والذي لا ينفك عن أن يكون مقوم بالذات فما هو إلا الجوهر أو العينية في الوجود , أما ماهو هو من حيث هو قائم بالذات فهو الواجب الوجود عز وجل المتردي بالعزة والقوة والغنى فيما هو هو , الذي له الواحدية المحضة التي لاتقبل الكثرة ولأن الواحد أبدع الواحد (العقل الأول) كالضوء من الشمس أو كالظل من جسد المتحرك فلأن الواحد لايوجد منه إلا واحد لأن الكثرة لا تأتي إلا من المتكثر والفعل يقتضي الشبة من الفاعل والذي ذاته واحده (بكل حالاتها) فلا يصدر من فعل ذاتة إلا واحد ولإن الكثرة لاتأتي إلا من المركب وهو بما أنه فاعل فإن دلالة فعله هي الواحد في الصدور.
وهذا الواحد على نهج أخوان الصفاء عليهم السلام كما قال صاحب الرسائل فاض من الله (مع أن لي تحفظ على نظرية الفيض لدى أخوان الصفا سأوردة لاحقاُ ) ففاض عنه العقل الأول الذي هو مثلث الإبداع ومبدأ الكثرة.
ولذا فالجوهرية في الوجود بما هي ماهية لا تقيم إلا جوهر لذلك عُرفت ماهية الشيء بأنها مابه الشيء هو هو.
فلا يكون الشيء غنيا ً بنفسه وجودا ً لأن ذلك ينافي إثبات وجود الله ومشاركة غيره له عز وجل عن ذلك , ولإن الوجود إما موجود ثابت وجوده بلا غير عليه يتعلق (وهو الله) الذي هو العله المطلقة والفاعله نزولاً عندما نتحدث عن الأشياء والمعلولات سواه وجودها بغير عليه تتعلق ومن المحال إستمرار العلية إلى مالا نهاية لإن المعلول لو صعدنا غير ثابت في الوجود لإن قانون الإحداث أن كل محدث يستند على موجود أوجده فنصل في النهاية إلى أن هناك موجود ثابت في الوجود لا يستند كما أسلفنا على غير به يتعلق وجوده , وهو الذي من ذاته بذاته موجود بينما ما سواه محدث محال أن يكون أوجد نفسه كي يٌوجد غيره إلا ثابت الوجود الذي هو الله ومستحيل أن تستمر العلية إلى مالا نهاية فلا بد من الفاعل المطلق (غيب الغيوب).
ملاحظة : ( تحفظي على نظرية الفيض عن صاحب الرسائل أن الكرماني قدس الله روحه في راحة العقل قال أن العقل الأول جاء على سبيل الإبداع)
أما قولنا بقدم العالم الذي لمحت له في بداية كلامي وقولي آنفا ً أن الموجود الأول من الله كالضوء من الشمس وجوده قديما ُ أزليا ً بوجودها أو كحركة الظل لجسم المتحرك فذلك لأن كثير من علماء الكلام كإمام الحرم الجويني وتلميذة أبي حامد الغزالي كانو قد أشكل عليهم قولنا بقدم العالم , فنقول أن الإيجاد (أي الخلق) إحسان من الله وجود ومن ولو لم يكن الله موجدا ً في الأزل (قديماً) لكان تاركا ً للجود والإحسان مدة غير متناهية وهذا غير جائز أي أن الله جود بذاته وعلة وجود العالم جوده وهذا الجود والإحسان قديم لم يزل فيلزم أن يكون وجود العالم قديم لم يزل هو أيضا ً ..
فلا يجوز أن يكون مره جودا ً ومرة ً غير فإن ذلك يوجب التغير في ذاته والإستحالة من حال لحال لذلك يقول دعاتنا عليهم السلام : أن هناك حركة لابد لها في الزمان وإنما من جهة الله أي أن الزمان غير محدث حدوثا ً زمانيا ً وكذلك الحركة بل هذا الحدوث هو الإبداع لا يتقدمة إحداث بالزمان والمدة بل بذات الخالق المبدع )
مرادهم أن لا زمان مع الله وقبل إبداع الخلق فيستوي وجود الخلق من عدمة لأن الزمان كما قلت لك سابقاً وجوده بوجود الحركة أي حركة الأفلاك وعالم الغيب خارج مدة الجرم محيط به فلا زمان ولا مكان.
وكما قلت لك سابقا ً من أن من عرف نفسه عرف ربه وكما قال الله عز وجل سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ..
لذلك سأشرح لك قليلا ً عن النفس لعل الله يهديك أن تعرف نفسك لتعرف ربك..
بما أننا في عصر التقنية والعلم والتطور التكنولوجي وعصر الريادة والإكتشافات العلمية فهلا تأمل أحدنا نفسه , ماهيتها , وأينيتها , وطاقتها المنبثه والمتغلغله في جسده الذي يستمد منها الطاقة والحياة والإستجابة لسلوكها مع المؤثرات الخارجية والداخلية التي تتبلور في عاداته وسلوكياته اليومية , لذلك ومن ذلك أقول أن النفس الجزئية التي فينا (وهذه خطوط عريضة ) وعناوين لمواضيع مفصلة يحصل عليها من يجد في نفسه رغبة وحب لسبر غور المعرفة وسلوك خُطى أخوان الصفا من العلماء الربانيون عليهم السلام, لذلك هي أي النفس الجزئية قياسا ً على الكل أثر من مبدأ المؤثر وهي باقية لاتفنى بفناء الجسد الذي هو بمثابة الآله لها وبمثابة الرحم للجنين , ما أن يولد حتى ينطلق لفضاء من اللذة والعلم والمعرفة والنعيم الأبدي في جوار ملائكة كرام في دار الخلود وهي متحدة (بالمبعث التالي ) ومن هناء جائت الصوفية بوحدة الوجود لكنهم أخطءاو الحقيقة فظنوا وحدتها مع الله, وهي متحدة بالتالي بواسطة العقل العاشر مدبر عالم الطبيعه تتلقى منه الأوامر والحياة (لأنك حي بغير حول منك ولا قوة فنبضك ينبض ونفسك يجري وهكذا) وهي تستمد من النفس الكلية كل صفاتها من البقاء والديمومة الأزلية والعلم والمعرفة والحياة والتعقل , ما أتصلت به وأستجابت لندائه ( ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)..
فهو مبدعها ومبدعه فهي عندما تنجذب لعالمه وتستجيب له يجذبها لعالمه الملكوتي الروحاني فتكون بحق ملكوتية وتتسمى حقاً بالنفس الناطقة مابعدت عن عالم الطبيعة المادي عالم الشهوات والملذات الحسية الفانية التي هي حظ الجسد..
وهي أي النفس جزء من الله وروح من روحة ماعلمت ذلك وخضعت وأقرت ونابت وثابت قال تعالى فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي..
لذلك عندما تفي بكل ذلك يناديها ربها بالعودة لمقرها ومستقرها (أرجعي الى ربك راضية مرضية) , فالأنفس الناطقة (العقل المستفاد) سعادتها ولذتها في معرفة الله بينما المكون المادي (الجسد) لذته في إدراك المحسوسات فإذا هي إستجابت له خضعت للشيطان وأستقرت بين أحضانه..
بقلم
اليماني