بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا تجار ألأخرة
من رحمة الله عز وجل،بعباده،أن جعل لهم مواسم للخير والطاعات، يكثر أجرها ويعظم فضلها، حتى تتحفز الهمم للعبادة فيها، فتنال رضا الله وفضله،ونعيم قربه ومدده،
ورمضان من أعظم هذه المواسم السنوية التي تهل علينا كل عام حيث تستقبله النفوس بالحب ولهفة الانتظار،لما له أجواء نورانية خاصة،
إن أهل الله تعالى وخاصته ينتظرون هذا الشهر بفارغ الصبر،قد اشتاقت إليهم المصاحف،وحنَّت إلى أصواتهم المساجد،بِسماع كلام الله الَّذي يغسل بالرحمة قلوبهم،ويطهر بالإيمان سَريرتَهم،فيقبلون على الله تعالى،رجاءَ رحمته،وخوفاً من عذابه، ويقْبِل عليهم ربهم بفيضه وفتوحه،فيذيقهم من الحب والشوق،ويفتح عليهم من أنوار المناجاة،ويكشف لهم من أسْرار السمو إلى معراج رضوانه، فيقفون أمام مليكهم وهو يُفِيض عليهم من عطاياه وبره وكرمه وجوده، وسيماهم في وجوههم من النور،لا يَناله إلا المقربون والسابقون، جعلنا الله منهم،
روى ابن ماجه بسند صحيح عن طلحة بن عبيد الله أن رجلين قَدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وكان إسلامهما جميعاً, فكان أحدهما أشد اجتهاداً من الآخر,فغزا المجتهد منهما فاستشهد,ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي,
قال طلحة،فرأيت في المنام بينما أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما, فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخِر منهما, ثم خرج فأذن للذي استشهد, ثم رجع إلي فقال،ارجع فإنك لم يأْنِ لك بعد, فأصبح طلحة يحدث به الناس, فعجبوا لذلك, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحدثوه الحديث,فقال(مِن أي ذلك تعجبون)فقالوا،يا رسول الله،هذا كان أشد الرجلين اجتهاداً، ثم استشهد, ودخل هذا الآخر الجنة قبله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(أليس قد مكث هذا بعده سنة)
قالوا،بلى,قال(وأدرك رمضان،فصام،وصلى كذا،وكذا من سجدة في السنة)قالوا،بلى,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض)
فإذا بالجنان أبوابها تفتح، وإذا بالجحيم أبوابها توصد،وإذا الرب يزين في كل يومٍ جنته،
لقد حبى الله سبحانه وتعالى هذه الامة عن سائر الامم من الخير العميم،فقد روى الإِمام أحمد،عن أبي هريرة رضي الله عنه،أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم،قال(أعطيت أمتي خمس خِصال في رمضانَ لم تُعْطهُنَّ أمَّةٌ من الأمَم قَبْلَها،خُلُوف فِم الصائِم أطيبُ عند الله من ريح المسك،وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جَنتهُ ويقول،يُوْشِك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك،
وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيرهِ،ويغفر لهم في آخر ليلة،
قيل يا رسول الله أهي ليلة القدرِ،قال،لا ولكن العامل إِنما يوفى أجره إذا قضى عمله)
رمضان،فرصة عظيمة، ومناسبة كريمة، تصفو فيها النفوس، وتهفو إليها الأرواح، وتكثر فيها دواعي الخير،يجزل الله فيها العطايا والمواهب،ويفتح أبواب الخير، ويعظم أسباب التوفيق لكل طالب،تتنزل فيك الرحمات، وترفع الدرجات، وتغفر الزلات، وتحط الأوزار والخطيئات،
قال سفيان بن عيينة(إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عز وجل عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم، ويدخل بالصوم الجنة)الترغيب والترهيب،
المغبون والمحروم،إن رمضان فرصة لا يفوتها إلا متهاون مغبون،ولا يزهد فيها إلاّ جاهل محروم، فالمؤمن يقدّم بين يدي رمضان توبة تحجزه عن المنكرات،
ويتزوّد بالتقوى والإنابة، قبل تزوده بالطعام والشراب،
قال تعالى،في صفة عباد الرحمن(وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)الفرقان،
أي،لا يحضرون الباطل في أيّ لون من ألوانه قولاً أو فعلاً، وكل ما خالف الحق، وإذا مروا بأهل اللغو مروا معرضين عنهم كرامًا مكرّمين أنفسهم عن الخوض معهم في لغوهم،
وهذا المعنى الذي دلّت عليه هذه الآية الكريمة،بقوله تعالى(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)القصص،
الصيام يدرب النفس، وينمي قدرتها على التحكم في الذات، فمن الأهمية أن يستوعب المسلم حقيقة رسالته في الحياة، وأهمية مواسم الخيرات بالنسبة إليه،ليكون ذلك دافعاً في حياته،
كما عليه أن يقوم بترويض نفسه في مثل هذه المواسم على القيام بالأعمال الصالحة، كالتبكير للصلاة، والجلوس بعد الفجر في المسجد إلى طلوع الفجر،حتى تعتاد النفس على ممارستها والاستمرار عليها بعد رمضان،
هكذا المسلم،لا ينسى غايته وهدفه العظيم،وهو النجاة من النار، والفوز بفردوس الجنة،
إن الملك العليُّ الكبير ينثر على العباد الهبات في أيام هذا الشهر الكريم، فينزل فيه الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر إلى تنافسكم فيه ويباهي به الملائكة، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه الرحمة،
لنفرغ قلوبنا من الشهوات والشبهات، ولنبكي على خطايانا في شهر النفحات، ونغتنم أوقات الخيرات ونزول الرحمات، ونبدل الانحراف بالاستقامة قبل الممات،
ولنحرص على استقبال هذا الوافد الكريم، واستغلال أيامه ولياليه فيما يقربنا من مولانا،ولا يكن ممن همه في استقباله تنويع المأكولات والمشروبات، وإضاعة الأوقات والصلوات، فسرعان ما تنقضي الأيام والساعات، وما هي إلا لحظات حتى يقال انتهى رمضان، بعد أن فاز فيه أقوام وخسر آخرون،
وقد روى البخاري،ومسلم،أن رسول الله،صلى الله عليه وسلم،قال(إذا جاء رمضان، فُتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب النار، وصُفّدت الشياطين) وزاد في رواية للترمذي وابن ماجه وغيرهما (وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة)
فرمضان هدية السماء، وبركة أهل الأرض، وخير يفيض لعمر مديد .. قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم(من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)رواه البخاري،
وقال عليه الصلاة والسلام(الصيام جنة، وحصن حصين من النار)رواه أحمد،
وقال عليه الصلاة والسلام(إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم)متفق عليه،
جاء في حديث رسول الله،صلى الله عليه وسلم(من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر)رواه مسلم ،يعني،صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعده بشهرين فذلك صيام السنة،،يعني،صيام سنة كاملة،
ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد،قال صلى الله عليه وسلم،(وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة)وإذا وقعت هذه الدعوة وقت الصيام، وبخاصة قبيل الإفطار، كان ذلك أرجى وأحرى بقبولها، كما قال صلى الله عليه وسلم(ثلاثة لا تُردّ دعوتهم،الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم)ابن ماجه والترمذي،
ورمضان أنفع داء لدواء القلوب،قراءة القرآن بالتدبر، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين،
وصدق من قال،رمضان ليس مثله في سائر الشهور، ولا فضلت به أمة غير هذه الأمة في سائر الدهور،الذنب فيه مغفور، والسعي فيه مشكور، والمؤمن فيه محبور، والشيطان مبعد مثبور،وقلب المؤمن بذكر الله معمور،
فاللهم بارك لنا في شهرنا،واجعله جسراً للعابرين بخير، وسدّاً في وجه دعاة الشر.