بوش في قفص الاتهام ..كذاب .. أم مختل عقليا؟
************ولاس كريستوف*
كثير من الأميركيين يعتقدون أن الرئيس بوش رجل كذاب. وتفيض أرفف المكتبات بعناوين عن بوش من شاكلة: «الأكاذيب، والكاذبون الكذابون الذين ينتجونها»، « الأكاذيب الكبرى»، «اللصوص في المناصب العليا» و«أكاذيب جورج دبليو بوش». وثمة نوع من الإجماع يتنامى حاليا في أوساط اليسار حول ان بوش، بصورة جوهرية، غير أمين، بل ربما يكون شريرا. ويقول هؤلاء إنه ربما كان يعاني من خلل عقلي ما، ولكنه كاذب ومتآمر في الأساس. وهذا المفهوم هو جوهر فيلم مايكل مور «فهرنهايت 9/11».
في التسعينات بدا المحافظون أكثر تعلقا بالصغائر وأكثر سذاجة، نتيجة جهودهم المستميتة، في إشانة سمعة بيل وهيلاري كلينتون وتصويرهما وكأنما كان شغلهما الشاغل في أوقات فراغهما هو اغتيال فينس فوستر وأخرين. وعندما غادر كلينتون البيت الأبيض ترك اليمين في حيرة من أمره. والآن يفعل بوش الشيء نفسه لليسار. وعلى سبيل المثال يقول المستر مور إن السبب الذي جعل بوش يغزو أفغانستان هو إعطاء أتباعه فرصة للثراء ببناء خط للأنابيب هناك.
شخصيا أعارض تهمة «الكذب» التي أطلقت على بوش لسببين. أولا إنها تؤدي إلى مزيد من الإستقطاب في الحلبة السياسية، مما يجعل أميركا بلدا مستعصيا على الحكم. والسبب الثاني هو أن الإساءات والغضب يعرقلان إمكانيات الفهم.
ويوضح كتاب بوب وودوارد الأخير أن المستر بوش كان يؤمن بالفعل بأن هناك أسلحة دمار شامل لدى صدام حسين. فبعد مقابلة واحدة أجراها معه المؤلف التفت إلى مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وتساءل: «رفعت لي كل هذه المعلومات الاستخبارية عن أسلحة الدمار الشامل، بينما لا نملك من المعلومات الاستخبارية أكثر من ذلك؟». وجاء في الكتاب نفسه أن المستر بوش قال للمستر تينيت أكثر من مرة «لا تسمح لأحد بتجاوز الحقيقة للدفاع عن موقفنا». ولكن المستر بوش، والحق يقال، يشد الحقيقة في كل الإتجاهات، من دون أن يمزقها، وذلك دفاعا عن مواقفه. صحيح أنه قال إنه لا يقرأ الصحف، مع أن زوجته قالت إنه يفعل ذلك. كما أنه زعم أنه كان يشاهد التلفزيون صبيحة يوم 11 سبتمبر (أيلول) عندما ضربت الطائرة الأولى برج مركز التجارة الدولي. ولم يكن ذلك صحيحا. ولكن إذا وضعنا في الاعتبار العبارات الغريبة التي يتلفظ بها في بعض الأحيان: «أعرف كم هو صعب أن تضع الطعام فوق أسرتك»، فإن الرئيس بوش يملك دائما تفسيرا جاهزا للتشويش.
مشكلة بوش الكبرى ليست هي كونه كان يكذب بشأن العراق، بل أنه كان واقعا تحت تأثير الخداع الذاتي. فقد أحاط نفسه بآيديولوجيين يفكرون بطريقته، ويتبارون في التأكيد لبعضهم البعض أن صدام حسين يملك أسلحة الدمار الشامل ويمثل خطرا ماحقا على أميركا. وعندما كانوا يقولون ذلك لبعضهم البعض فإنهم قد خدعوا أنفسهم، كما خدعوا الجمهور.
وقد قاوم بعض الديمقراطيين، ومنهم كلينتون والسناتور جوزيف ليبمان، محاولات تشويه صورة بوش. وإني أحييهم على ذلك، لأن هناك كثيرا من الانتقادات التي يمكن أن توجه إلى هذا الرئيس، والتي يجب أن توجه إليه، من دون أن ننزل إلى مستوى البذاءات اللفظية. ومع ذلك فإن الرغبة في القذف تزداد لدى الكثيرين، ويمثل فيلم فهرنهايت 9/11، وجها من وجوه الاستقطاب لنوع آخر من وسائل الإعلام وكانت البرامج الإذاعية هي الرائدة في هذا المجال، ثم تبعها التلفزيون. وصارت الكتب السياسية مؤخرا، شبيهة بالمصارعة الاحترافية من حيث إتقان خطابها ودقة تعابيرها. وجاءت الإنترنت لتضيف إلى عملية الاستقطاب. والآن ومع نجاح فيلم فهرنهايت9/11، فإننا نتوقع ظهور أفلام تسجيلية تحترف الصراخ بدلا من الشرح والتفسير.
أدخلنا الرئيس بوش في متاهة عندما بالغ في أمر يقينه الأخلاقي وصوابية موقفه، وبتمسكه بنظريات المؤامرة التي يروج لها المهوسون المحيطون به. ومن المؤسف أن كثيرا من الليبراليين يصرون على ارتكاب نفس الخطأ.
* خدمة «نيويورك تايمز»
http://www.asharqalawsat.com/view/le...02,242511.html