الحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد اقتضاني أمر عجب أن أضرب مثلا برجل سيِّد في عشيرته وفي بلده، معظم بينهم لأنه باذل كل ما يمكنه في تحقيق مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، ويرعى حقوقهم، ويعدل بينهم في معاملته، ويسعى في منافعهم وما يرفع شأنهم، وما به عزهم، ولكنه يستعين لتحقيق هذه الغايات بظلم المستضعفين من غير أهل بلده بالإذلال، واغتصاب الأموال، ولو بالقتال، فهل يقول عاقل: إن هذا الرجل محسن، وواصل لرحمه وعظيم لصدق وطنيته، وأنه حريٌّ بألا يخزيه الله بمعاجلته بالعقوبة، بل يمهله لعدله وبرِّه بقومه، وأن إمهال الله له مع ظلمه لا يكون استدراجا، بل جزاء على عدله وإحسانه إلى من له السيادة عليهم، والأمر العجب الذي اقتضاني لضرب المثل أنه نسب إلى رجل ذكيّ الجنان فصيح اللسان مسموع البيان أن دولة الإمريكان دولة عادلة، لذلك فهي جديرة بالإمهال خلاف ما يتوقع كثير من الناس من سقوطها قريبا لما ارتكبته من الطغيان والاستكبار، وإشعال الحروب في بلدان المسلمين، وفرض سيطرتها على البلدان الضعيفة ولو بالغزو وسلب خيرات تلك البلدان، وتغيير هُوية أهلها فكريا وسلوكيا ليعترفوا بسيادة الظالم ويسلموا له القياد، وهذا الزعم من ذلك الرجل يشبه أن يكون من قبيل النظر بعين واحدة، ونحن المسلمين وكلَّ المظلومين على خلاف هذا الزعم، وإنا لسقوط دولة الإمريكان قريبا لمنتظرون، وما حصل ويحصل لها من إملاء فما هو إلا الاستدراج والمكر الإلهي، وفي الحديث الصحيح إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد). فتدبر أيها القارئ، واستنر بنور الله.
هذا وقد وتبع ذلك الزعمَ في كلام المذكور ما هو أخطر وأعظم قدحا في التصور عن الإسلام وجهاد المسلمين وسر نصر الله لهم.
أسأله تعالى أن يرينا وإياه الحق حقا، ويرزقنا اتباعه، ولا يجعله ملتبسا علينا فتبع الهوى. وصلى الله وسلم على محمد.
العلامة / عبدالرحمن بن ناصر البراك